(298) فصل والحكم، كالناقل عن حكم العقل، على موافقه، عند (أئمتنا، والجمهور)، والعمل به لرجحانه على الموافق، لا لنسخه خلافاً (للقاضي)، وقيل: بل الموافق أرجح. والوجوب، على الندب. والحظر، على الإباحة، وقيل: عكسه(1). وموجب الحد، على دارئه، وفاقاً (للقاضي) لا عكسه، خلافاً (لابن أبان، والشيخ، وبعض الفقهاء)، ولا سواء خلافاً (للإمام، والغزالي)(2)، وقال (أبو طالب): إن كان الدارئ مبقياً على حكم العقل فقط فالموجب أرجح، وإن أفاد مع البقية حكماً شرعياً فهما سواء. وموجب العتق، على نافيه عند (الكرخي، وأبي الحسين)، وقيل: عكسه. (الإمام، والقاضي، والحاكم، /321/ والشيخ): سواء، والمثبت، على النافي، وقيل: عكسه.
بعض الأصوليين والفقهاء: ويجوز مخالفة الحاظر والمبيح ـ المتعارضين ـ لحكم العقل(3)، فيكونان شرعيين معاً. (أبو هاشم، والقاضي، وابن أبان): ويتساقطان حينئذٍ ويرجع إلى غيرهما من أدلة الشرع إن وجد، وإلا فإلى حكم العقل المخالف لهما. (الشافعي، والكرخي): بل الحاظر أرجح. (أئمتنا، وأبو الحسين): بل يجب مطابقة أحدهما لحكم العقل، والناقل أرجح كما تقدم.
والتحقيق أن جواز ذلك إنما يستقيم على مذهب نفاة الأحكام العقليَّة (كالأشعرية، وغيرهم)، لا على مذهب من يثبتها (كأئمتنا، والمعتزلة). ولا بد من مطابقة أحدهما لحكم العقل في عينه أو جنسه.
__________
(1) في (ب): وعلى الندب والكراهة، والتكليفي على الوضعي، وقيل عكسه.
(2) فقد ذهبا إلى أنه يستوي الدارئ والموجب؛ لأنهما خبران مأثوران عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(3) كما إذا اقتضيا الحظر والإباحة والعقل يقضي بالوجوب.(1/321)
(299) فصل والأمر الخارج، كموافقة دليل آخر من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، كالعام الوارد على سبب خاص، على العام المطلق في حق السبب لا في غيره، فالمطلق /322/ أرجح. والخطاب شفاها مع العام كذلك. والعام الأمسَّ بالمقصود، على غير الأمس. وما فسره الراوي بقوله أو فعله، على مالم يفسره راويه. وما ذكرت علته على مالم تذكر. وموافق قول الوصي أو أكثر الصحابة أو الأعلم، على مخالفه، وما شهدت بتأخره قرينة، كتاريخ مصنف، أو تشديد؛ لتأخر التشديدات.
(300) فصل والمعقولان كالقياسين. ويكون الترجيح بينهما باعتبار: صفة العلة، وطريقها، وحكمها، وأمر خارج.
أما صفة العلة؛ فترجح الحقيقية؛ على: الإضافية، والعدميَّة والشرعيَّة. وهي(1)، على العدميَّة في الأصح، والمفردة، على المركبة. وما قل تركيبها، على ما كثر. والتي هي وحكمها ثبوتان، على التي هي وحكمها نفيان. والظاهرة والمنضبطة، على خلافهما.
قيل: والضرورية، على الاستدلالية. والمختار: منعه، إذ لا ترجيح بين القطعيات، وإن اختلفت جلاءاً وخفاءاً /323/. والمتعدية، على القاصرة. والأكثر تعدياً، على الأقل، خلافاً (لأبي طالب والحنفية) فيهما. والمطردة، على المنقوصة. والمطردة المنعكسة، على خلافها. والمطردة فقط، على المنعكسة فقط. والضروريات الخمس ومكملاتها، على الحاجية والتحسينية. والحاجية على التحسينية. والدينية(2) على الأربع، وقيل: عكسه. ثم مصلحة النفس على الثلاث. ثم مصلحة النسب على الأخيرين. ثم العقل ثم المال. (المؤيد بالله، وغيره): والعامة للمكلفين على الخاصة، وعكَّسَ (أبو طالب).
__________
(1) أي: الإضافية.
(2) أي: وترجح العلة الدينية على الأربع الباقية من الضروريات الخمس.(1/322)
(301) فصل وأما باعتبار طريقها، فترجح الثابتة بالنص ـ الذي لا يحتمل غير العِلِّية، نحو: لعلة كذا ـ على الثابتة بالظاهر الذي يحتمل غيرها، كاللام. وهما، على الثابتة بالإيماء. والثابتة بالإيماء، على المستنبطة؛ مناسبة كانت أو شبهية. وبالإيماء مع المناسبة، على الثابتة /324/ به من دونها. وإيماء الدلالة القطعيَّة كالكتاب، على إيماء الدلالة الظنية كالسنة المظنونة. والثابتة بالإجماع الظنيَّ على مثلها، على حسب ما تقدم في مراتب الإجماع. والمناسبة المؤيدة بالسبر والتقسيم أو الدوران، على المناسبة الخالية عن ذلك، وهي، على الشبهية، والشبه الخلقي، على الحكمي عند قوم(1)، وقيل: عكسه، والمختار: أنه محل اجتهاد.
(302) فصل وأما باعتبار حكمها، فقد يكون في الأصل أو الفرع، فالأول: بقوة دليله، أو بكونه لم ينسخ باتفاق، أو بكونه على سنن القياس كذلك(2) ونحوهما مما تقدم.
والثاني: كترجيح المشارك في عين الحكم وعين العلة، على الثلاثة(3)، وعين أحدهما على الجنسين، وعين العلة في جنس الحكم على عكسه.
(303) فصل وأما باعتبار أمر خارج، فكالترجيح بكثرة الأصول، وموافقة أكثر القرابة والصحابة، ونحو ذلك.
(304) فصل والمعقول والمنقول يرجح المنقول الخاص الدال بمنطوقه، على المعقول، فأما الخاص الدال بمفهومه فهو درجات متفاوتة قوة وضعفاً /325/ وتوسطاً، والترجيح بينها على حسب ما يقع للناظر. والمنقول مع القياس تقدم بيانه.
__________
(1) لأنه أشبه بالعلل العقلية، مثل تحريم البر بالبر للطعم، فيحرم التفاضل في المطعوم.
(2) أي: باتفاق.
(3) وذلك أن مسألة الفرع والأصل إما أن تكون في عين الحكم وعين العلة، أو في عين الحكم وجنس العلة أو في جنس الحكم وعين العلة، أو في جنس الحكم وجنس العلة.(1/323)
(305) فصل والحدود السمعية الظنية المتعارضة الموصِلَة إلى التصورات الشرعيَّة، كحدود الصوم والصلاة والزكاة والبيع ونحوها من الماهيات الشرعيَّة، يكون الترجيح بينها باعتبار الحد نفسه، وباعتبار أمر خارج.
فالأول: كترجيح الذاتي، على العرضي(1). وما لفظه نص صريح، على غيره. والأعم، على الأخص، وقيل: عكسه، وأمثال هذه مما يقع به الترجيح بين الحدود العقليّة.
والثاني: كترجيح الموافق لنقل الشرع، على مخالفه. والراجح طريق اكتسابه(2). والموافق لإجماع العترة الظني. ولقول الوصي. أو لعمل العلماء. أو مقرر حكم الحظر.
ووجوه الترجيحات الواقعة في الأدلة والحدود الشرعية كثيرة، وقد توسع بعض علمائنا وغيرهم في عدها، وحصرها متعسر، فلتراجع بسائطها، وفيما ذكرنا /326/ منها إرشاد إلى مالم نذكره. والله أعلم.
قال المصنف رضي الله عنه: فرغ من رقمه وتحصيله بعد عرضه على مسوداته وأصوله بعون الله وتأييده وتوفيقه وتسديده يوم الإثنين تاسع عشر شهر صفر من سنة تسع وتسعين وثمانمائة من الهجرة النبوية جعله الله خالصاً لوجهه الكريم إنه هو السميع العلم.
__________
(1) الذاتي، هو: ما لا يتصور فهم الذات قبل فهمه، كاللونية للسواد، والجسمية للإنسان، والعرضي: ما يتصور فهم الذات قبل فهمه، كالفردية للثلاثة والحدوث للجسم.
(2) أي: فإنه يرجح على غير الراجح طريق اكتسابه؛ لأنه الأغلب على الظن. دراري.(1/324)