ومختار (أئمتنا، والجمهور): جوازه في كل حكم شرعي فرعي عملي، قطعي أو ظني. (جمهور أئمتنا): إلا عملياً يترتب على علمي كالموالاة والمعاداة، وجوز (بعض علمائنا) التقليد فيه، في العمل لا في الاعتقاد(1).
(283) فصل والتقليد جائز لغير المجتهد /301/. (المنصور، والشيخ، وحفيده، والجمهور): بل واجب. ويحرم على المجتهد بعد اجتهاده في الحكم اتفاقاً. واختلف فيه قبله، فعند (أئمتنا، والجمهور): يمتنع مطلقاً. (أبو حنيفة، وسفيان(2)، وأحمد، وإسحاق(3)، وأحد قولي المؤيد بالله): يجوز مطلقاً. وقيل: يمتنع فيما لا يخصه. وقيل: فيما لا يفوت وقته. وقيل: إلا أن يكون الْمُقَلِّد أعلم. وقيل: إلا أن يكون صحابياً، ولو مرجوحاً. وقيل: صحابياً أرجح، فإن استووا يخير. وقيل: أو تابعياً. وقيل: إن كان حاكماً(4). (الناصر): مع كون من قلده أعلم.
(284) فصل واختلف في تقليد الميت، فمنعه: (بعض علمائنا، وبعض الأصوليين)، وجوزه: (الجمهور)، وادعى كل من (الفريقين) الإجماع على قبوله، (أبو طالب، وبعض المتقدمين): يجوز إن قلده في حياته، ثم استمر بعد وفاته. وقيل: إن فقد الحي. وقيل: بل هو الأولى، والمختار: عكسه.
__________
(1) وعلى هذا يجوز للعوام الذين لا يعرفون الأدلة أن يحاربوا من حارب الإمام تقليداً للإمام في الحرب، ولكن لا يجوز لهم أن يعتقدوا فسق المحارب للإمام؛ لأنه يفتقر إلى دليل علمي. تمت من نظام.
(2) سفيان، هو: أبو عبدالله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أحد الأعلام كان يرى الثورة على أئمة الجور. توفي بالبصرة سنة 161هـ. عده المؤلف في (الفلك الدوار) من ثقات محدثي الشيعة.
(3) إسحاق، هو: أبو يعقوب إسحاق بن محمد الحنظلي المروزي المعروف بابن راهويه، جمع بين الحديث والفقه والورع، سكن نيسابور ومات بها سنة ثمان وثلاثين ومائتين.
(4) أي المقلد (بكسر اللام)، لأنه بحاجة إلى فصل الخصومة.(1/306)


(الماوردي): ولا يُقَلَّد من لا يقول بالإجماع، أو بخبر الواحد، أو بالقياس(1).
(285) فصل /302/ والمجتهدون المشهورون السابقون والمقتصدون من أهل البيت عليهم السلام أولى من غيرهم، لآيات المودَّة(2)، والتطهير(3)، والمباهلة (4)، والإطعام (5)
__________
(1) هذه مجازفة لا دليل عليها.
(2) آية المودة هي قوله تعالى: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى? ، أخرج الطبراني كما في المجمع 9/ 168، وأحمد في المناقب كما في ذخائر العقبى 28 عن ابن عباس قال: لما نزلت: ?قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى?. قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولدهما.
(3) آية التطهير هي قول الله تعالى: ?إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا?. أخرج الحاكم في المستدرك 3/147، وابن المغازلي في المناقب 305، عن واثلة بن الأسقع قال: أتيت علياً فلم أجده، فقالت لي فاطمة: انطلق إلى رسول الله (ص) يدعوه، فجاء مع رسول الله (ص) فدخل ودخلت معهما فدعا رسول الله (ص) الحسن والحسين؛ فقعد كل واحد منهما على فخذيه، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ثم لف عليهم ثوبا وقال: ?إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا?. ثم قال: هؤلاء أهل بيتي اللهم أهل بيتي أحق.
(4) آية المباهلة هي قوله تعالى: ?فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم .. الخ ? [آل عمران: 61]، أخرج مسلم 4/1871، وأحمد 1/185، والترمذي 5 رقم (3724) عن سعد بن أبي وقاص قال: لما نزلت هذه الأية: دعا رسول الله (ص) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال: اللهم هؤلاء أهلي.
(5) آية الاطعام هي قوله تعالى: ?وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيْناً وَيَتِيْماً وَأَسِيْراً?[الإنسان:8]. قال الواحدي في أسباب النزول 448: عن ابن عباس: إن علي بن أبي طالب أجر نفسه يسقي نخلا بشيء من شعير، ثم طحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه، فلما تم إنضاجه، أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، ثم أخرجوا الثلث الثاني، فلما تم إنضاجه أتى يتيم فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الباقي، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه وطووا يومهم ذلك فنزلت فيه هذه الآية. وانظر شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني 2/ 298 ـ 315.(1/307)


، والأخبار الصحيحة المفيدة للتواتر المعنوي، ولعصمة إجماعهم وزيادتهم علماً وعملاً وورعاً، وتنزههم عما روي عن غيرهم (كالفقهاء الأربعة)، من نحو إيجاب القدرة(1)، وقتل ثلث الأمة لإصلاح ثلثيها، والرؤية، والتجسيم، وإن لم يصح بعضها. والحق أنه لا يصح عنهم قادح يمنع من تقليدهم، وتوليهم للعترة ظاهر، بخلاف كثير من اتباعهم.
(الإمام، والجويني): ولا يصح تقليد الصحابة، وادعيا الإجماع على ذلك(2)، وقيل: المجمع على منعه التزام مذهب واحد معين لارتفاع الثقة بمذهبه(3). وقيل: غيرهم أولى إلا (علياً عليه السلام). (بعض سادتنا): هم الأولى بعد أهل البيت عليهم السلام، والأولى منهم من أثنى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالفقه والدين، أو شهد له أحد من أهل بيته بذلك، ثم من أثنى عليه القرابة والصحابة ممن بعدهم من التابعين، ثم كذلك /303/ من نص على جواز تقليد الميت، ثم من لم ينص. وفي جواز تقليد من نص على تحريمه تردد. وإنكار (أتباع الفقهاء الأربعة) على من قلد غيرهم بدعة.
__________
(1) يعني إيجاب القدرة لمقدورها؛ لأن ذلك يستلزم الجبر.
(2) قال الجويني في (البرهان 2/744) : أجمع المحققون على أن العوام ليس لهم أن يتعلقوا بمذاهب أعيان الصحابة رضي الله تعالى عنهم، بل عليهم أن يتبعوا مذاهب الأئمة الذين سبروا ونظروا وبوبوا الأبواب وذكروا أوضاع المسائل وتعرضوا للكلام على مذاهب الأولين، والسبب فيه أن الذين درجوا وإن كانوا قدوة في الدين وأسوة للمسلمين فإنهم لم يفتنوا بتهذيب مسالك الاجتهاد وإيضاح طرق النظر والجدال وضبط المقال، ومن خلفهم من أئمة الفقه كفوا من بعدهم النظر في مذاهب الصحابة، فكان العامي مأمورا باتباع مذاهب السابرين. أهـ. ومثله حكى في الدراري عن الإمام يحيي.
(3) أي: لعدم الثقة في معرفة أقواله؛ إذ هو قبل عصر التدوين.(1/308)


(286) فصل وإنما يُقَلِّد من يجوز استفتاؤه، وفي جواز تقليد مجتهدين فصاعداً خلاف، وعلى جوازه يصير مخيراً؛ حيث يختلفان.
(أبو جعفر): أئمة العترة بمنزلة واحدة، فالمقلد لهم جملة مقلد لمجموعهم حيث يتفقون، مخير بين أقوالهم حيث يختلفون، والأظهر أنهم كغيرهم.
ولا يجمع بين قولين في حكم واحد على وجه لا يقول به إمام منفرد، كنكاح خلى عن ولي وشهود، لخروجه عن تقليد كل منهما.
(287) فصل والمختار - وفاقاً (للجمهور) -: وقوع التقليد بالنية فقط، وقيل: بها وبالشُّرُوع في العمل. (الحاكم): بأيهما، وقيل: باللفظ، وقيل: بمجرد الإفتاء، وقيل: بصحة قول المفتي في النفس(1).
ويحرم انتقاله مطلقاً، إلا لترجيح من قلده، أو ترجيح نفسه بعد استيفاء طرق الحكم، أو عند انكشاف نقصان الأول.
فأما إلى أعلم أو أفضل /304/ ففيه تردد. (بعض أئمتنا، والفقهاء، والأصوليين): يجوز مطلقاً، وقيل: يجوز فيما اتصل به عمل دون غيره. (بعض أئمتنا): يجوز في علماء العترة فقط.
فإن فسق رفضه فيما تعقب الفسق فقط(2)، فإذا رجع عن اجتهاده فلا حكم لرجوعه فيما قد نفذ ولا ثمرة له مستدامة، كالحج، خلافاً لشذوذ.
وعليه تَعْرِيْف المقلد برجوعه إن أمكن قبل العمل، و(للإمام) في ذلك احتمالات ثلاثة(3)، ومالم ينفذ(4) ووقته باق أو نفذت مقدماته ولما ينفذ عمل بالاجتهاد الثاني.
__________
(1) أي: إذا وقع في نفسك صحة قوله وقع التقليد.
(2) أي: في المسائل التي عقيب فسقه لا فيما قبله.
(3) أحدها: أنه يلزمه تعريفه. ثانيها: أنه لا يلزمه. ثالثها: أنه يلزمه إن لم يكن قد عمل وإن كان قد عمل لم يلزم، قال: والمسألة اجتهادية.
(4) كالوضوء فإنه مقدمة للصلاة، فإذا تغير اجتهاده ولما يصل عمل بالثاني.(1/309)


واختلف فيما لم يفعله وعليه قضاؤه أو فعله وله ثمرة مستدامة كالنكاح، فعند (بعض أئمتنا، ومحمد، والقاضي): يعمل بالأول إذ هو بمنزلة الحكم فلا ينقضه الثاني. (بعض أئمتنا، وأبو يوسف)(1): بل بالثاني إذ الأول ليس بمنزلة الحكم فينتقض به.
والعامي الذي لا يستند في الأحكام الشرعية إلى قول مجتهد معين لا استفتاءاً ولا تقليداً بل إلى جملة الإسلام، حكمه حكم المجتهد /305/على الأصح في العبادات والمعاملات(2).
(الهادي، والناصر): والناسي كالجاهل لا كالعامد، خلافاً لأحد قولي (المؤيد بالله، والشافعي).
(288) فصل وتقبل الرواية عن الغائب والميت إن كملت شروطها.
ولا فرق بين المذهب والقول ولو في التوقف(3) على الأصح، وهو: الاعتقاد أو الظن الصادر عن طريق(4) أو شبهة أو تقليد.
وإنما يضاف إلى قائله للعلم بذلك ضرورة أو استدلالاً، أو لنص صريح، أو عموم شامل، أو خبر عدل، أو لتخريج(5) صحيح بأن يعرف ـ من جهته أو من جهة الإجماع ـ أنه لا فرق بين مسألتين، فينص على حكم أحدهما، فيعرف أن حكم الأخرى كذلك عنده، أو بوجود علة الحكم المنصوص عليها في محل آخر. (بعض أئمتنا): وسواء كان مذهبه جواز تخصيصها أو منعه. (أبو طالب، وابن زيد): تجويزه لتخصيصها يمنع إضافة الحكم إليه، إلا أن يعلم أنه لم يقل بتخصيصها في ذلك المحل أحد.
__________
(1) أبو يوسف، هو: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الإمام، كان من أصحاب الحديث ثم تفقه على محمد بن عبد الرحمن أبي ليلى، ثم على أبي حنيفة، فصار من كبار الفقهاء المشهود لهم، توفي ببغداد سنة اثنتين وثمانين ومائة. طبقات الفقهاء 1/141.
(2) وعلى هذا فلا ينكر عليه إلاَّ إذا خالف الإجماع أو المعلوم من ضرورة الدين.
(3) أي: ولو كانت الرواية عنهما في أنهما توقفا في المسألة.
(4) قال في هامش: دلالة أو أمارة، والمراد به الطريق الشرعي.
(5) عطف على للعلم بذلك.(1/310)

62 / 66
ع
En
A+
A-