(الشيخ): (والحاضر): من في مجلسه، أو يمكنه مراجعته في الحادثة قبل فوت وقتها، (والغائب) خلافه. (المنصور): الغائب من في البريد، والحاضر من دونه.
(272) فصل والمصيب في القطعيات ـ عقلية أو سمعية ـ واحد.
والقطعي العقلي: ما دل عليه قاطع من جهة العقل، وهو الضرورة، أو ما انتهى إليها بواسطة(1)، وفاقاً (لأبي الحسين، وأبي علي، والمنطقيين)، أو ما تسكن به النفس عند (البهاشمة). ومخالفه مخطئ، ثم كافر إن عُلِمَ من ضرورة الدين، كنفي الصانع، وإلا فمخطئ. الجاحظ: لا إثم على المخالف المجتهد، بخلاف /291/ المعاند. ومراده: إن كان من أهل القبلة لا مطلقاً، على الأصح، ووافقه (أبو مضر، والرازي)، وقال (العنبري(2)، وداود): كل مصيب(3). والظني العقلي خلافه.
__________
(1) أي: وما انتهى إلى الضرورة بواسطة، وهو الاستدلال الذي ينتهي إلى الضرورة.
(2) العنبري، هو: عبد الله بن الحسن بن الحسن العنبري، من الفقهاء المبرزين، توفي سنة ثمان وستين ومائة، طبقات الفقهاء: 1/96.
(3) قال الرازي في المحصول 6/41: مسألة ذهب الجاحظ وعبد الله بن الحسن العنبرى إلى أن كل مجتهد في الأصول مصيب، وليس مرادهم من ذلك مطابقة الاعتقاد، فإن فساد ذلك معلوم بالضرورة، وإنما المراد نفي الإثم والخروج عن عهدة التكليف.أهـ.(1/296)


والقطعي السمعي تقدم تحقيقه. ومخالفه مخطئ آثم قطعاً؛ ثم (1) كافر إن عُلِمَ من ضرورة الدين، كأصول الشرائع، وإلا فمخطئ. والظني السمعي خلافه، ويعمل به في الأحكام(2) التي لا تثبت إلاَّ بقاطع كالكفر والفسق، فيقتل من شهد عليه عدلان بردة،(3) ويقطع من شهدا عليه بسرقة.
[الاجتهاديات هل لله فيها حكم؟]
(273) فصل واختلف في المسائل الشرعية الظنية، فقيل:
لله تعالى فيها حكم معين قبل الاجتهاد، فالحق فيها واحد، وهو قول: (الناصر في رواية، وأبي العباس، وقديم قولي المؤيّد بالله).
__________
(1) سقط من (أ): قطعاً ثم.
(2) يعمل بالظني للحصول على حكم شرعي، لا على تحصيل اعتقاد، فالشهادة على أن فلاناً كفر أو سرق تقبل من اثنين فما فوق ، لكنه لا يجوز اعتقاد أنه فعل ذلك بالفعل.
(3) يقال: ليست مجرد شهادة العدلين قاضية بوجوب إقامة حد الردة، ولكنه انظم إليها إقرار المرتد إما تصريحاً أو تلميحاً، وذلك إذا لم ينكر ويدافع عن نفسه.(1/297)


ثم اختلفوا، فعند (الأصم(1)، والمريسي(2)، وابن عليَّة(3)، ونفاة القياس): أن عليه(4) دليلاً قاطعاً(5). واختلفوا في مخالفه، فقيل: معذور، وقيل: مأزور. (الأصم): وينقض حكمه بمخالفته(6). (بعض الفقهاء، والأصوليين): بل ظني(7)، ومخالفه معذور مأجور، مخطئ بالإضافة إلى ما طلب لا بالإضافة /292/ إلى ما وجب(8). (بعض الفقهاء، والمتكلمين): لا دليل عليه قطعي ولا ظني، وإنما هو كدفين يصاب، فلمصيبه أجران ولمخطئه أجر.
__________
(1) الأصم هو: عبد الرحمن بن كيسان، من علماء المعتزلة، توفي سنة خمس وعشرين ومأتين، له ترجمة في طبقات المعتزلة للإمام المهدي. ولسان الميزان 3/427.
(2) المريسي، هو: أبو عبد الرحمن بشر بن غياث بن أبي كريمة العدوي، المتكلم المناظر البارع، كان من كبار الفقهاء أخذ عن القاضي أبي يوسف، ثم غلب عليه الكلام على مذهب المعتزلة، مات في آخر سنة ثماني عشرة ومائتين. سير أعلام النبلاء 10/199.
(3) ابن علية، هو: إسماعيل بن إبراهيم بن علية الأسدي، أبو إسحاق المحدث، توفي سنة ثمان عشرة ومائتين. له ترجمة في لسان الميزان 1/24.
(4) أي: على ذلك الحكم.
(5) وعلى ذلك يكون دور المجتهد: البحث عن الدليل فقط.
(6) أي: بنقض حكم المجتهد بمخالفة القطعي.
(7) أي: ينصب على الحكم دليلاً ظنياً.
(8) يعني أنه مخطئ في المطلوب مصيب في الطلب؛ لأنه الواجب.(1/298)


وقيل: لا حكم فيها لله تعالى معين قبل الاجتهاد، بل كلها حق. ثم اختلفوا فعند (متأخري أئمتنا، والجمهور): أنه لا أشبه(1) فيها عند الله تعالى، وإنما مراده تابع لظن كل مجتهد، وكل منها أشبه بالنظر إلى قائله. (بعض الحنفية، والشافعية): بل الأشبه منها عند الله هو مراده منها، ولقبوه: الأصوب، والصواب، والأشبه عند الله تعالى، وقد يصيبه المجتهد وقد يخطئه، ولذلك قالوا: أصاب اجتهاداً لا حكماً. واختلفوا في تفسيره، فقيل: ما قويت أماراته، وقيل: الحكم الذي لو نص الشارع لم ينص إلا عليه، وقيل: الأكثر ثواباً، وقيل: لا يفسر إلاَّ بأنه أشبه فقط.
ونقل عن (الفقهاء الأربعة) التصويب والتخطئة. وقول (قدماء أئمتنا) وفعلهم يقتضي التصويب، كمتأخريهم /293/، وقد يقع في كلام بعضهم ما يقتضي التخطئة، وهو رأي (بعض شيعتهم)، ولذلك كانت (القاسمية) من الديلم و(الناصرية) من الجيل يخطئ بعضهم بعضاً إلى زمن (المهدي أبي عبد الله بن الداعي)(2)، فأوضح لهم أن كل مجتهد مصيب، وكذلك كان (جمهور اليحيوية) باليمن يخطئون مخالف (يحيى) إلى زمن المتوكل أحمد بن سليمان.
وما ورد عن الوصي وغيره من الصحابة وغيرهم مما يقتضي خلاف التصويب، فمتأول.
وقال (الشهرستاني)(3): وهذه المسألة مشكلة وقضيَّة معضلة(4).
[أسباب الاختلاف]
__________
(1) المراد بالأشبه: أن الله لو نص على حكم في المسألة لما نص إلا عليه.
(2) هو: أبو عبد اللّه محمد بن الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أحد أئمة الزيدية في الجيل والديلم، توفي سنة ستين وثلاثمائة. أنظر سيرته في (الإفادة).
(3) الشهرستاني هو: محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح الشهرستاني، صاحب كتاب (الملل والنحل)، توفي سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
(4) أشار في النسخة (أ) إلى أن هذه الجملة غير ثابتة في بعض النسخ.(1/299)


(274) فصل ومنشأ الاختلاف من قبيل: اشتراك لفظ(1)، أو حقيقة ومجاز(2)، أو عموم وخصوص(3)، أو إطلاق وتقييد(4)، أو رواية، أو نسخ(5)، أو قياس، أو إباحة وحظر، أو نحو ذلك.
ولا يمتنع في الأصح التعبد بخطاب عملي يختلف مفهومه، ويراد مِنْ كُلٍ ما فهمه.
وعلى المجتهد العمل /294/ بأقوى الأمارت، فإن قصَّر أثم إتفاقاً. ولا يلزمه اجتهاد غيره الذي يستجيزه(6)؛ لتعذر اجتهاده، خلافاً (للمنصور، وأبي مضر)، ولا العمل بالأحوط المخالف لاجتهاده.
ولا يُنْقَض حكم حاكم مجتهد إلاَّ بمخالفة قاطع، وقيل: ينقض ما خالف قياساً جلياً، أو كان عن قياس يخالف نصاً صريحاً آحادياً. (الأصم): ينقض بتغير الاجتهاد أو بحكم حاكم آخر، والأظهر أن حكم الحاكم المقلد كذلك.
(275) فصل واختلف في التفويض، وهو: أن يقال للنبي (ص) أو المجتهد: أحكم بما تريد تشهياً لا تروياً(7)، فهو صواب، ويكون مدركاً شرعياً، فعند (أئمتنا، والجمهور) أنه يمتنع عقلاً وشرعاً. (مويس، وبعض البصرية): جائز عقلاً واقع شرعاً. (الإمام): جائز عقلاً في حقهما، وتوقف شرعاً. (السمعاني، وأبو علي) - وحكي عنه الرجوع - : يجوز للنبي (ص) دون المجتهد، وتوقف (الشافعي)، قيل: في الجواز، وقيل: /295/ في الوقوع.
[أحكام الفتيا و الاجتهاد]
__________
(1) كثلاثة قروء.
(2) كالنكاح يحمله البعض على الوطء، والبعض على العقد.
(3) كالخلاف في آيات الوعيد هل هي عامة أو خاصة بالكفارات.
(4) كما اختلفوا في نكاح أمهات النساء، هل هو مقيد بالدخول كالربائب أم تحريمهن مطلق.
(5) كما اختلفوا في أن الوصية للأقربين أم لا.
(6) أما إذا لم يكن يستجيزه فلا يعدل إليه، ومثل له بما إذا كان مذهب المجتهد أن القليل من الماء ينجس، فإنه يعدل إلى التيمم ولا يأخذ بقول مالك: إنه يجوز التطهر بالقليل إذا وقعت فيه النجاسة ولم تغيره.
(7) أي بما يعجبه ويشتهيه، لا بما أداه إليه نظره.(1/300)

60 / 66
ع
En
A+
A-