ولا فرق بين الثلاثة عند الأقل(1).
[شروط العلة والخلاف فيها]
(246) فصل والشروط الصحيحة في العلة ستة:
(الأول): كون /244/ دليلها شرعياً.
(الثاني): كونها باعثة على الحكم ـ منصوصة كانت أو مستنبطة، متعدية أو قاصرة(2)، معلومة أو مظنونة ـ فلا تكون اسماً لغوياً، خلافاً (للشافعية)؛ لتوقفه على المواضعة، والمصلحة والمفسدة لا تتبعها؛ فهي طردية(3)، ولا يكون(4) في أجزائها ما لا تأثير له.
(الثالث): كونها بعض أوصاف الأصل لا كلها(5)، منصوصة كانت أو مستنبطة. وقيل: يجوز أن تكون العلة كلها فيهما(6). (الكرخي، وأبو عبد الله): وعلة منع ذلك أنه يؤدي إلى منع تعديتها؛ إذ لا يوجد في الفرع كل أوصاف الأصل. (الحاكم، والقاضي، وأبو الحسين، والشيخ): بل لأن بعض أوصاف الأصل لا تأثير له في الحكم(7). (الإمام): لمجموعهما. (ابن زيد): يجوز في المنصوصة لا المستنبطة؛ لأن الشرع هنا مُحَكَّم على قضية العقل، فيجوز أن يكون ذلك هو المصلحة أو أماراتها.
(الرابع): ألاَّ يكون ثبوتها متأخراً عن حكم الأصل، كتعليل ولاية الأب على ولده الصغير الذي جُنَّ /245/ بالجنون، لثبوتها قبله.
(الخامس): ألاّ تخالف نصاً ولا إجماعاً.
__________
(1) أي: أن الأقل من العلماء لم يفرقوا بين الثلاثة.
(2) أي: متعدية عن محل الحكم إلى غيره أو مقصورة عليه.
(3) أي مطرودة عن الاعتبار في الأحكام فلا تؤثر فيها.
(4) عطف على: فلا تكون أسماً، والمعنى أن العلة إذا كانت مركبة من أوصاف لا بد من تأثير كل وصف في الحكم كالقتل العمد العدوان في القصاص، لا كونه بسيف مثلاً، فلا تأثير له.
(5) إذ منها ذاتي لا يتعدى محله، وهو الأصل، فلا يعلل به، ومنها ما لا تأثير له.
(6) أي المنصوصة والمستنبطة.
(7) كالأنوثة في تنصيف الحد على الأمة، ولهذا قيس عليها العبد.(1/266)
(السادس): تعدي المقيس عليها، فلا تكون المحل ولا جزءاً منه اتفاقاً؛ لتعذر الإلحاق، بخلاف القاصرة، وتسمى: الواقفة والزَّمِنَة، واختلف فيها، فعند (الإمام، والشيخ، والجمهور): أنها صحيحة مطلقاً، كتعليل تحريم الربا في النقدين بجوهريتهما(1). (جمهور الحنفية): بل فاسدة مطلقاً. (أبو طالب، والمنصور، والكرخي وأبو عبد الله): إن كانت مستنبطة ففاسدة، وإن كانت منصوصة أو مجمعاً عليها فصحيحة، إذ الشرع هنا محَكَّم على قضية العقل كما تقدم.
وفائدتها: معرفة الباعث ومنع الإلحاق.
وعلى القول بالقاصرة المستنبَطة.. فالمختار وفاقاً (للشافعية): أن الحكم مضاف إليها بمعنى أنها باعثة عليه. (الحنفية): بل مضاف إلى النص بمعنى أنه المعرف له فيُضَاف إلى المنصوص دون المستنبَط /246/، وهو لفظي.
__________
(1) أي: بكونهما ذهباً وفضة.(1/267)
(247) فصل (أئمتنا، والجمهور) ولا يشترط القطع بانتفاء معارِضها، ولا وجوب اطّرادها مطلقاً، وهو: ثبوت الحكم بثبوتها(1)، بل يجوز تخصيصها، وهو وجودها في محل مع تخلف حكمها؛ لأنها أمارة، ويُعَبِّر عنه(2) مانعوه بنقض العلة وفسادها. (القاضي، وأبو الحسين، وبعض الشافعية، والحنفية): يشترط مطلقاً، كالعقلية(3). وتأولت (الحنفية) مسائل الاستحسان بأنها أخرجت من عموم الخطاب لا من عموم القياس، أو من عموم القياس لكن مع جعلها جزءاً من العلة(4). (بعض الشافعية): يشترط(5) في المنصوصة لا المستنبطة؛ لمانعٍ أو عدم شرط، وقيل: عكسه كذلك(6)، وقيل: مطلقاً. (الحفيد): يشترط في الشبهيَّة.
ثم تَخَلُّفُ الحكم قد يكون لعلة أخرى دافعة لتأثيرها فيه، كظن الزوج للحرية الدافع للرقِّيَّة في ولد المملوكة المدلسة(7)، وقد يكون لفقد الأهلية، كقطع الصبي(8)، أو فقد محل العلة، كبيع الميتة(9)، أو فقد شرطها، كسرقة نصاب من غير حرز.
__________
(1) بحيث لا يتخلف عنها في فرع من الفروع.
(2) أي: عن تخصص العلة.
(3) أي: سواء كانت العلة منصوصة أو مستنبطة، إذ التخلف يفسد العلة الشرعة كالعقلية.
(4) هذا جواب على اعتراض ورد على الحنفية، وهو: أنكم تشترطون وجوب اطراد العلة فما بالكم تقولون بالاستحسان، مع أنه إخراج بعض من أفراد الحكم، مع بقاء علته استحساناً؟ فأجابوا بما ذكر، وهو جواب مخلص.
(5) أي: اطراد العلة.
(6) أي: يشترط الاطراد في المستنبطة لا المنصوصة.
(7) وهي التي دلست بأنها حرة.
(8) إذا قطع يد مكلف فلا يُقطع؛ لأنه غير أهل لعدم التكليف.
(9) فإنه لا يصح، لأنها مدفونة فهي مفقودة.(1/268)
ولا يجب الاحتراز من النقض(1) /247/ مطلقاً، وقيل: يجب مطلقا، وقيل: إلا في المستثنيات كالعرايا(2)، ودفعه(3): يمنع وجود العلة في صورة النقض، أو فقد قيدٍ من قيودها المعتبرة، أو ادعاء ثبوت الحكم، أو إظهار مانع من ثبوته(4).
والفرق بين العلة المخصَّصَة والقاصرة واضح(5).
والمختار وفاقاً (للجمهور): أن تعليل تخلف الحكم بالمانع عنه لا يتوقف على وجود المقتضي له.
(248) فصل (أئمتنا، والجمهور): ولا يشترط انعكاسها، وهو انتفاء الحكم لانتفائها، بل يجوز ثبوته مع أخرى تخلُفها(6)، وقيل: يشترط فيها ذلك، ومبنَى الخلاف على جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين فصاعداً على البدل، و:على منع ذلك.
وفي اشتراط ذلك في العقلية، خلاف.
واختلف في تعليله بعلتين فصاعداً مجتمعتين، فقيل: يجوز مطلقاً. (الإمام، والجويني، والغزالي): يمتنع مطلقاً، والمختار وفاقاً (لبعض الأشعرية): جوازه في المنصوصتين لا المستنبطتين، وقيل عكسه. (الحفيد): يجوز مطلقاً /248/ إلا إذا كانت إحداهما مؤثرة أو مناسبة والأخرى شبهية.
وقد توجد(7) مترتبة ودفعة(8).
واتفق القائلون بالجواز على أنها إذا ترتبت ثبت الحكم بأوَّلها، واختلفوا إذا ثبتت دفعة، فالمختار: كل واحدة علة، كما لو انفردت، وقيل جزء، وقيل: واحدة لا بعينها. فأما العلل العقلية فيمتنع اشتراكها في إيجاب حكم واحد.
[خواص العلة]
__________
(1) وهو كسر العلة وعدم اعتبارها.
(2) وذلك لعلم المستدل والمعترض بخروجها من حكم القياس.
(3) أي: دفع النقض بألاّ يكون نقضاً وارداً.
(4) سيأتي تفصيل ذلك في الاعتراضات.
(5) فإن القاصرة لا يجوز تعديتها، والمخصَّصة تُعدى إلا فيما خصه دليل.
(6) أي: يجوز ثبوت الحكم مع وجود علة أخرى تخلفها.
(7) أي: العلتين.
(8) مثل الحيض بعد الجنابة، فإنهما علتان في عدم دخول المسجد وهما مترتبتان، ومثال ما يوجد دفعة: من ارتد وقتل في آن واحد.(1/269)
(249) فصل وخواص(1) العلة كثيرة، والفرق بينها وبين شروطها: أن الشروط معتبرة في تأثيرها في حكمها بخلاف الخاصة، فليست معتبرة فيه، وإنما هي أمر يخصها في نفسها(2).
والفرق بينها وبين الماهية أن الماهية شاملة لكل المفردات المندرجة تحتها، بخلاف الخاصة، فهي في بعضها دون بعض. فمنها: كونها عقلية، وحكماً شرعياً على الأصح، وثبوتية، ونفيية، علة مستقلة، أو جزءاً، ولو في حكم ثبوتي، خلافاً لبعض الفقهاء، وإضافية، والخلاف فيها كالنفييّة، وحقيقية /249/، ومركبة من الحقيقية والإضافيَّة والنفيّية، ومفردة، ومركبة، على المختار، وإن زادت على خمسة في الأصح، وطاعة، ومعصية، وفعلاً للمكلف، ولغيره، ودافعةً، ورافعة، وصالحةً للأمرين.
ومنها: صدور الحكم عنها، والقسمة العقلية تقتضي: صدور حكم واحد عن علة واحدة. وصدوره عن علتين فصاعداً. وصدور حكمين فصاعداً عن علة واحدة، وصدور أحكام عن علل.
ولا خلاف في القسم الأول، ومنه أكثر الأحكام، وقد يكون بغير شرط، وبشرط، وبشرطين، وبشروط.
والثاني: مختلف فيه على أقوال تقدمت.
والثالث: قيل: ممتنع. والمختار: جوازه، إثباتاً كالسرقة للقطع والفسق، ونفياً كالحيض للصلاة والصوم، وغيرهما. فأما السبب كالغروب(3) فيجوز اتفاقاً، وقد يكون ذلك بغير شرط، وبشرط، وبشرطين، وبشروط، وبشرط /250/ في بعض أحكامها دون بعض.
والرابع: ظاهر. وقد يكون كل أحكامها في محل واحد، وقد يكون بعضها في محل وبعضها في محل آخر، وقد يوجب بعضها الحكم في محله، وفي المحل المتصل بمحله، وفي المحل المنفصل عن محله، كالحيض.
[أقسام العلة وطرقها]
(250) فصل في أقسام العلة وفي الطرق الصحيحة إلى إثباتها
__________
(1) معنى كون الشيء خاصة لشيء: أنه لا يوجد إلا فيه، لا أنه يلزم أن يوجد في كل أفراد ما اختص به كذا في (النظام).
(2) أي: لا تؤخذ إلا معها.
(3) فإنه سبب لحكمين، هما: الإفطار، وصلاة المغرب.(1/270)