(236) فصل وكيفية إلحاقه بالأصل، بأن يكون حكمه فيه أولى منه، أو مساوياً كما مر، أو بإلغاء الفارق كما سيأتي إن شاء الله تعالى. واعتبر (ابن علية) شبه الصورة، و(الشافعي) شبه الحكم، ويسمى قياس علِّيَّة الأشباه، وإنما يكون في فرع واقع بين أصلين مختلفين يشبه كل منهما بوصف فيه فيلحق بأغلبهما شبهاً(1)، والمختار اعتبار الجامع المعتبر من حيث هو هو بصرف النظر عن الشبه فيهما.
[العلة والسبب والشرط والمانع وشروطها]
(237) فصل والعلة في أصل اللغة: الحالة والعذر، وما يتغير به محل الحياة مع ألم.
وفي عرفها: الباعث على الفعل أو الترك، واستعمالها في الباعث عليهما سواء في الأصح.
وفي الاصطلاح: الوصف المنوط به الحكم الشرعي، وقد يعرف وجه حكمة تعليقه بها(2)، وقد لا تعرف(3)، ويسمى: باعثاً، وحاملاً، وداعياً، ومستدعياً، ومناطاً، ودليلاً، ومقتضياً، وموجباً /237/، ومؤثراً، وذاتاً، وسبباً، وأمارةً، وجامعاً، ومحلاً، ومُوْذِناً، ومشعراً، ومصلحةً، وحكمةً، ووصفاً، ومضافاً إليه، وغير ذلك.
والمختار وفاقاً (لجمهور المعتزلة): أنها باعثة على الحكم لا موجبة له بذاتها(4)، كالعقلية خلافاً (لبعض المعتزلة، والفقهاء)، ولا بجعل الشرع لها موجبة، خلافاً (لابن زيد، وبعض الفقهاء)، ولا معرفة فقط، كالزوال خلافاً (لجمهور الأشعرية)(5)، ويمتنع تقدم الحكم عليها.
__________
(1) كما يقال في التيمم: عبادة، فيشترط فيه النية كالوضوء، فيقال: بل طهارة تراد للصلاة، فلا تشترط كغسل النجاسة.
(2) مثل الباعثة، كالإسكار في الخمر.
(3) كالمعرفة أو العلامة كالزوال لصلاة الظهر .
(4) بحيث يتلازمان وجوداً وعدماً، وإنما حكمة الشارع أناطت الحكم بها للمصلحة، وهذا قول مثبتي الحكمة.
(5) لقولهم بنفي الحكمة.(1/261)


والفرق بينها وبين العقلية بما ذكر(1)، وأنها قد تعلم قبل حكمها بخلاف العقلية، وأنه يجوز وقوفها على شرط مقارن(2) أو متقدم عليها، بخلاف العقلية(3)، وأن العقلية لا تتعدى، وفي كون الشرعية لا تتعدى خلاف يأتي إن شاء الله تعالى.
(238) فصل والسبب لغة: ما يتوصل به إلى غيره.
واصطلاحاً: العلامة /238/ الْمُعَرِّفة، كالزوال(4) و:المعنى المقابل للمباشرة كحفر البئر، فهو سبب من الحافر مقابل للإرداء(5) والمردي مباشر. و: العلة الباعثة كالزنا(6). ومستند العلة، كاليمين عند قوم، فهي سبب الكفارة، وعلتها الحنث(7)، ولكنه لا يُعقل إلا بها. وعلة العلة، كالرمي، فهو سبب الموت، وعلته الجرح.
وقد يكون الوصف الواحد سبباً لأحكام، وعلة لأخر كالحيض (8) .
(239) فصل والشرط لغة: العلامة.
واصطلاحاً: ما يقف عليه وُجُودُ عِلَّة الحكم، كالعقل في البيع، أو تَأِثِيْرُهَا فيه، كالإحصان في الرجم.
وينقسم باعتبار نفسه إلى: شرط في وجود العلة، كالأول، و: شرط في تَأْثِيرُها في الحكم، كالثاني.
وباعتبار فاعله إلى: ما يكون من جهته تعالى، كالقدرة في التكليف، و: من جهتنا كالطهارة في الصلاة.
__________
(1) أي: أنها باعثة موجبة.
(2) كالزنا في الرجم بشرط الإحصان.
(3) لأن ذلك ينافي الإيجاب.
(4) فإنه معرف لوجوب الصلاة.
(5) أي: الإلقاء في البئر.
(6) في وجوب الحد.
(7) فإذا قال: والله لا أكلت الطعام، فهذه معصية؛ إذ حرم الحلال، وهي سبب الكفارة، فالحنث وهو مخالفة مقتضى اليمين كالأكل في هذا المثال هو العلة وقبل هو السبب.
(8) سقط من (أ): كالحيض، ولعل الصواب ما أثبته. فإن الحيض علة لمنع الصلاة، ومس المصحف ودخول المسجد، سبب في العدة وخلو الرحم من الولد ونحو ذلك.(1/262)


وباعتبار طريقه إلى: عقلي، كالحياة في العلم(1) /239/، و: عادي كالغذاء في الحياة، و: شرعي شرطاً في الوجوب، كالحول، أو في: الصحة، كاستقبال القبلة، أو: في الأداء كالمَحْرَم للشابّة(2).
وقد يكون الشرط وحكمه عقليين، كالقدرة على التكاليف العقلية، نحو رد الوديعة(3) أو شرعيين، كالطهارة في صحة الصلاة. أوالشرط عقلياً، والحكم شرعياً كالقدرة على التكاليف الشرعية. ولا يكون شرعياً والحكم عقلياً؛ خلافاً (لأبي الحسين والشيخ، ومثّلاه بشروط البيع في وقوع الملك، وفيه نظر؛ لأنهما شرعيان(4). وقد يكون الشرط الواحد شرطاً في حكم واحد اتفاقاً، كالإحصان، وفي أحكام على الأصح كالعقل.
(240) فصل والمانع لغة: الدافع. واصطلاحاً: الوصف الوجودي الظاهر المنضبط الدافع للحكم أو السبب(5). وهو: قسمان:
مانع الحكم، وهو ما منع الحكم لحكمة /240/ تقتضي نقضه كأبوة النسب في منع القصاص لحكمة، وهي أن الأب سبب في وجود الولد، فلا يكون الولد سبباً في عدمه، مع وجود سبب القصاص، وهو القتل العمد العدوان.
__________
(1) فإنها شرط فيه؛ إذ لا يتصف الجماد والموات بالعلم.
(2) في أداء فريضة الحج.
(3) فإن الحكم، وهو: رد الوديعة، والشرط، وهو: القدرة عقليان.
(4) أي الشرط والحكم، والظاهر مع أبي الحسين والشيخ، من أن الملك بالتسليط على المملك حكم عقلي، وأن الشروط والتي منها اللفظ المخصوص عند معتبره وغيره شرعية.
(5) فقوله: الوجودي، لئلا يلتبس الشرط بالمانع، فإن الشرط ما يلزم من عدمه العدم لا العكس، والمانع ما يلزم من وجوده العدم لا العكس، وقوله: الظاهر، ليخرج الخفي فلا يصلح مانعاً، وقوله: المنضبط، ليخرج الوصف المفتوح الذي لا حد له، كالمشقة، وقوله: الدافع.. الخ إشارة إلى قسميه المذكورين.(1/263)


ومانع السبب، وهو ما منع السبب لحكمة تخل بحكمته كدين الآدمي عند من جعله مانعاً للنصاب الذي هو سبب وجوب الزكاة، فحكمة الدين وهي براءة الذمة وستر العرض مخلة بحكمة النصاب، وهي سد خُلة الفقير.
(241) فصل وقد أضيف إلى العلة ألفاظ وقع بسببها لبس، وفي بعضها خلاف.
منها: محل العلة، وهو الشرط بعينه(1)، وقد يطلق على محل الحكم أصلاً كان أو فرعاً.
ومنها: ركن العلة، وهو مختلف فيه، فمن جَعَلَ كلَّ وصف يتوقف الحكم عليه ـ من علة وسبب وشرط ـ علَّةً ولم يفرق بينها أثبته(2).
وهو /241/ أقواها، ومن جعل أقواها علة وباقيها غير علة لم يثبته، ومبنى الخلاف على إثبات الفرق بين الثلاثة وعدمه، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
وفائدته(3): أن يضاف الحكم إلى العلة دونهما(4) اتفاقاً؛ لأنها باعثة عليه بخلافهما. وتظهر ثمرته في كثير من صور الفروع.
ومنها: وصف العلة، وهو وصف يتبعها لا تكون العلة علة مؤثرة في حكمها إلا به، كاليمين عند قوم، فهي علة لوجوب الكفارة، لكنها موقوفة على وجود الحنث، فكان الحنث كالصفة لها(5). وقد يطلق على الشرط(6).
ومنها: ذات العلة، ويطلق في مقابلة: شرطها(7).
(242) فصل والسر عند (الجمهور) في التمييز بين كل من العلة والسبب والشرط؛ لوقوعها(8) معاً علامات للأحكام، وتوقفها عليها؛ فيصعب الفرق بينها، سيما /242/ بين العلة والشرط، وخصوصاً إذا تعلقا بحكم واحد.
وقد فرق بينهما بفروق في بعضها نظر.
(243) فصل والفرق بين العلة والسبب من وجوه:
__________
(1) يعني شرط ثبوتها وشرط تأثيرها.
(2) أي: ركن العلة.
(3) أي: الخلاف.
(4) دون السبب والشرط.
(5) يعني: فلا تجب الكفارة إلا مع الحنث الذي هو وصف العلة وهي اليمين.
(6) كالإحصان في الرجم، فيقال له: وصف العلة.
(7) كالزنا، فإنه أصل العلة للرجم في مقابلة شرطها وهو الإحصان.
(8) كذا في النسخ، ولعل الصواب (وقوعها) خبر والسر.(1/264)


الأول: أن العلة لا يجب تكررها في الحكم الواحد، كالزنا(1)، والسبب قد يجب تكرره فيه، كالإقرار بالزنا(2)، وقد لا يجب، كالزوال.
الثاني: أنها تختص بمحل الحكم دون غيره، كالسرقة(3)، والسبب قد يختص به، كالإقرار، وقد لا يختص به، كالزوال.
الثالث: أنها مناسبة له، كالإسكار(4)، والسبب قد يكون مناسباً، كحفر البئر للضمان(5)، وغير مناسب، كالأوقات للصلاة(6).
الرابع: أنه لا يشترك فيها إلا واشترك في حكمها عند من منع تخصيصها، بخلاف السبب، فقد يشترك فيه ولا يشترك في حكمه، كالزوال(7).
(244) فصل والفرق بين العلة والشرط /243/ من وجوه:
الأول: أنها مناسبة لحكمها بخلاف الشرط، كالحرز، فليس كذلك(8).
الثاني: أنها مؤثرة في الحكم دونه، لكنه يظهر تأثيرها عنده كالإحصان.
الثالث: أن كلما ترتب على الشرط ترتب على العلة، كالرجم، وليس كلما ترتب على العلة ترتب على الشرط، كالجلد.
(245) فصل والفرق بين الشرط والسبب من وجوه ثلاثة:
الأول: أن الشرط يلزم من عدمه عدم الحكم، ولا يلزم من وجوده وجوده، والسبب عكسه(9).
الثاني: أنه مختص بمحل الحكم، كالإحصان، أو في حكم المختص، كالحرز. بخلاف السبب، كالزوال.
الثالث: أن الشرط غير مناسب للحكم في الأغلب، والسبب بخلافه.
__________
(1) فإنه موجب للحد بمرة واحدة.
(2) فإنه لا بد من أربع مرات.
(3) فمن سرق حُد دون غيره.
(4) فإنه مناسب للتحريم حفظاً للعقل.
(5) فإنه سبب للتردي في البئر، فهو مناسب لضمان ما تردى.
(6) فإنه لا مناسبة ظاهرة معلومة لنا بين الوقت وبين الصلاة.
(7) بالنسبة للحائض وغيرها، فإنه مشترك فيه بينهما ولا يشتركان في حكمه، وهو وجوب الصلاة.
(8) فإنه شرط في القطع، ولا مناسبة بين الحرز والقطع، وفيه نظر؛ لأن هناك مناسبة، ولو لم نعرفها فإنه ليس بمؤثر في الرجم، وفيه نظر.
(9) هذا فرق غير دقيق، فإنه فرق بالذات، فإن ما ذكر في الشرط والسبب هو حقيقتهما.(1/265)

53 / 66
ع
En
A+
A-