الثاني: كونه (شرعياً)، ومن ثم /230/ امتنع إثبات الأحكام العقلية والأسماء اللغوية به اتفاقاً. (فرعياً) ومن ثم امتنع إثبات أصول الشرائع به اتفاقاً، كصلاة سادسة ولو تابعة لغيرها، خلافاً (للناصر والحنفية)؛ (عَمَلياً) قطعياً أو ظنياً اتفاقاً، أو علمياً مع القطع به وبعلته وبوجودها في الفرع عند (القاسم، والهادي، والناصر، وقدماء المعتزلة، والأشعرية) بناء على أنه حينئذ قطعي، ولذلك أثبتوا التكفير والتفسيق به(1)، خلافاً (للمؤيد، وأبي هاشم، والملاحمية، والمتأخرين)، بناء على أنه ظني، ولذلك منعوا إثباتهما به(2). وفي إثبات الأحكام العقلية بقياس عقلي، والأسماء اللغوية بقياس لغوي، خلاف تقدم.
الثالث: ثبوته بطريق غير القياس، خلافاً (لأبي عبد الله، والحنابلة)، لعدم فائدة ذكر الوسط مع اتحاد /231/ العلة، وفساد القياس مع تعددها.
الرابع: كون دليل حكمه غير شامل لحكم الفرع.
__________
(1) كفر المشبهة القائلين بقدماء مع الله قياساً على النصارى في قوله تعالى: ?لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة?، ونحو ذلك.
(2) أي: التكفير والتفسيق به.(1/256)
الخامس: كونه قابلاً للتعليل، فلا يقاس على ما عُدل به عن سننه، وهو ثلاثة أنواع: (الأول): ما لا تُعْرَف علته، ويُعَبَّر عنه بالتعبد، نحو كون الصلوات خمساً، وتعيين عدد ركعاتها وسجداتها وأوقاتها، ووقت الصوم، وصفات مناسك الحج ووقته وموضعه، وتفصيل نُصُب الزكاة، وانحصار حِلُّ النكاح في أربع، والطلاق في ثلاث، ويسمى: الخارج عن القياس، والسؤال عن علته محظور، وفيه قال (القاسم عليه السلام): السؤال باللميات في الشرعيات زندقة(1). (الثاني): ما لم يوجد له نظير، وقد تعرف علته كالقصر للمسافر، وقد لا تعرف كالقسامة، ويسمى مفقود النظير. (الثالث): ما قصر حكمه على الأصل، كما وضَح /232/ تخصيصه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط، كنكاح تسع. (الهادي): ومنْع من تخلف عنه - بلا إذن - عن أهله، والنهي عن معاشرته، أو مع غيره كالأربعة(2) بدخول المسجد جنباً، وبنو هاشم ومواليهم بتحريم الزكاة، أو بغيره فقط كخزيمة بالشهادة منفرداً، وأبي بردة بالتضحية بعناق، ويسمى المخصوص عن القياس.
(232) فصل ولا يشترط عند (أئمتنا، والجمهور) بعد ثبوت حكم الأصل وثبوت علته بإحدى طرقها الآتية دليل خاص على جواز القياس عليه، خلافاً (للبتي)(3)، ولا الإجماع على تعليله أو النص على عين علته، خلافاً (للمريسي)، ولا كونه ثابتاً بالقول دون الفعل، خلافاً (لبعض الشافعية)، ولا عدم حصره بعدد مقدر، كـ (( خمس يقتلن في الحل والحرم )) (4)، ولا القطع به على الأصح.
__________
(1) يعني: قول القائل: لم شرع الله هذا؟
(2) أي: وضح تخصيصه للنبي مع الأربعة أهل بيته عليهم السلام.
(3) البتي، هو: عثمان أبو عمرو اسم أبيه مسلم وقيل أسلم، فقيه البصرة، كان من عباد الله الصالحين قال الدارمي زعموا أنه كان من الأبدال. سير أعلام النبلاء 6/148.
(4) اخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/209، وبلفظ قريب أخرجه الستة عن عائشة.(1/257)
(233) فصل /233/ واختلف في الأصل المخالف لقياس الأصول(1)، فعند (أبي طالب، والحقيني(2)، والمنصور، وأبي جعفر، والشيخ، وحفيده، والشيخين، وبعض الفقهاء): يقاس عليه مطلقاً. (المؤيد، وغيره): لا يقاس عليه مطلقاً (إذ المقيس كالمنصوص عليه، وعمومه باللفظ لا بالقياس)(3).
__________
(1) يعني بالأصول: القواعد الواردة من جهة الشرع، نحو: التطهير لا يكون إلاَّ بالماء، والمخالف للقياس: ما روي من تطهير فم الهرة باللعاب.
(2) الحقيني، هو: الإمام الهادي علي بن جعفر بن الحسن أبو الحسن الحقيني، أحد أئمة الزيدية في بلاد الديلم، اغتالته الباطنية، فاستشهد يوم الإثنين في شهر رجب سنة تسعين وأربعمائة.
(3) ما بين القوسين ساقط من (ب).(1/258)
وقيل: يقاس عليه في حال دون حال. ثم اختلفوا، فقال (ابن شجاع): إن كان ظنياً قيس على الأصول لا عليه، وإن كان قطعياً قيس عليه؛ لأنه حينئذ أصل بنفسه. (القاضي، والرازي): إن كان قطعياً قيس عليه، وإن كان ظنياً فإن ثبتت علته بنص أو تنبيه أو بإجماع استوى القياسان، وإلا قيس على الأصول. (الإمام، وأبو الحسين): كذلك إلا في الظني الذي ثبتت علِّيَته بنص أو تنبيه أو بإجماع فهو /234/ عندهما محل اجتهاد. (جمهور الحنفية): يقاس على الأصول لا عليه، إلا أن يَرد معللاً كخبر الهرة(1)، أو يقوم قاطع من إجماع أو غيره على كونه معللاً؛ وإن اختلف في تعيين علته(2)، أو يكون حكماً موافقاً لبعض الأصول مخالفاً لبعضها(3)، ويسمون القياس عليه مع فقدها(4): القياس على مواضع الاستحسان.
(234) فصل والفرع لغة: أعلى الشيء. واختلف فيه اصطلاحاً، فعند (الأصوليين): أنه المحل المشبَّه. (المتكلمون، والفقهاء): بل حكمه، ولا قائل بأنه الدليل، إذ هو القياس.
وشروطه الصحيحة أربعة:
(الأول): مشاركته لأصله في عين العلة، كالشِّدة في النبيذ والخمر، أو في جنسها كالجناية في قصاص الأطراف والنَّفْس.
__________
(1) وهو ما روى أبو قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الهرة : "إنها ليست بنَجَسٍ إنها من الطوافين عليكم والطوّافات" أخرجه مالك في الموطأ، باب الوضوء بسؤر الهرة رقم (90) والترمذي رقم (92)، وأبو داود (75)، والمؤيد بالله في شرح التجريد - خ - وغيرهم.
(2) مثاله الأشياء الستة الربوية، فإنه قد أجمع على تعليل تحريم التفاضل فيها، وإن اختلف في تعيين العلة.
(3) ومثل له بخبر التراد في اليمين، فقد وافق قياساً آخر وهو أن القول قول المالك.
(4) أي مع فقد الشروط الثلاثة، وهي كونه معللاً أو قام قاطع على كونه معللاً أو كان حكماً موافقاً لبعض الأصول مخالفاً لبعضها.(1/259)
(الثاني): مماثلة حكمه لحكم أصله في عينه، كقياس المثقَّل على المحدد في القصاص /235/ في النفس، أو في جنسه كقياس ولاية نكاح الصغيرة على ولاية مالها.
(الثالث): ألاَّ ينص على حكمه بموافق عام لهما(1)، لا خاص لجواز دليلين(2)، ولا بمخالف إلا لتحرير النظر(3).
(الرابع): ألاَّ يتقدم حكمه على حكم أصله، كقياس الوضوء على التيمم في وجوب النية، فأما على جهة إلزام الخصم فيقبل.
(235) فصل (أئمتنا، والجمهور): ولا يشترط: مشاركتُه للأصل في تخفيف أو تغليظ مطلقاً. وقيل: يشترط مطلقاً. (ابن زيد، والحفيد، والغزالي): إن كانت العلة الجامعة مؤثرة أو مناسبة لم يشترط ذلك، وإن كانت شبهية؛ فقال (ابن زيد، والغزالي): يشترط. وقال (الحفيد): موضع اجتهاد. ولا ثبوتُ حكمه بالنص جملة، خلافاً (لأبي هاشم). ولا كون العلة فيه معلومة. ولا عرضه على الكتاب والسنة /236/. ولا انتفاء مخالفة مذهب صحابي، خلافاً لقوم.
__________
(1) لأنه إذا عم النص الأصل والفرع، فلا حاجة عند ذلك للقياس. ومثال ذلك قياس الذرة على البر، فإن النص على حكم الأصل وهو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تبيعوا الطعام إلا يداً بيد سواء سواء" فقد تناول الأصل والفرع.
(2) أي إذا نص على حكم الفرع نص خاص غير ما نص على حكم الأصل، فإنه يجوز قياس الفرع على الأصل استظهاراً.
(3) أي: ولا ينص على حكمه بمخالف للقياس؛ لأن النص مقدم على القياس، ولكن ذلك يجوز إذا كان المراد العلم لكيفية إثبات الأقيسة، فإن القياس المخالف للنص صحيح في نفسه، وإن كان لا يعمل به.(1/260)