(الباقلاني): ويكفي في الرواية الإطلاق فيهما(1). وقيل: لا بد من تعيين سببهما. (الشافعي): يكفي في التعديل دون الجرح. وقيل عكسه /200/. (بعض أئمتنا، والجويني، والغزالي، والرازي): إن كان عالماً بأسبابها كفى الإطلاق، وإلا فلا، وهو المختار، لكن يشترط اتفاق الجارح والمجروح مُعْتَقَداً في الجرح(2).
(208) فصل وإنما يقبلان(3) من عدل لا يحمله عليهما هوىً فيمن يحتملهما(4)، وإذا تعارضا قُدِّم الجارح إن كان عدده أكثر إجماعاً(5)، وكذا إن تساويا أو كان الجارح أقل، وقيل: يطلب الترجيح، فأما عند إثبات سبب معين ونفيه فالترجيح لا غير، ويبطلان بجرح المعَدِّل والجارح.
(209) فصل وشروطه الراجعة إلى الخبر ثلاثة:
(الأول): ألاَّ يصادم: قاطعاً عقلياً، فَيُقْطَع بوضع كل خبر قضى بِتَشْبِيه أو جَبْرٍ أو تَجْوِيْر، ولم يمكن تأويله، أو تَوَهُّمِ راويه(6)، كبعض أحاديث الصفات ونحوها. أو شرعياً /201/ عملياً أو علمياً، فإن خصه قُبِل كما تقدم(7).
(الثاني): الإسناد، وهو اتصال الرواة من راويه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عند (أكثر المحدثين، والظاهرية، وبعض الأصوليين)، ولذلك منعوا قبول المرسل مطلقاً إلا من الصحابي(8)، (الأسفرائيني): ولا يقبل منه أيضاً.
__________
(1) أي: يكفي أن يقول: هو عدل وهو مجروح.
(2) وذلك بأن يتفقا في أسباب الجرح والتعديل، فلا يكون هذا جرحاً عند أحدهما تعديلاً عند الآخر، كتفضيل وتقديم الإمام علي على سواه، فإنه تعديل عند الشيعة، جرح عند مخالفيهم .
(3) أي: الجرح والتعديل.
(4) لا فيمن لا يحتملهما كعلي عليه السلام جرحاً، وكالحجاج تعديلاً.
(5) وذلك في مبين السبب المجمع على الجرح به.
(6) أي: أو يقطع بتوهم راويه.
(7) أي: يقبل الخبر المخصص للقاطع لا المصادم له.
(8) بناءاً على أنه لا يرسل إلا عن صحابي، والصحابة عدول عنده.(1/236)


وهو(1) عند (أئمتنا والجمهور): ما سقط من إسناده راو فصاعداً، من أي موضع، فدخل فيه المعلق والمنقطع والمعضل(2). (جمهور المحدثين): بل قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقبِله (أئمتنا، والمعتزلة، والحنفية، والمالكية) مطلقاً، ولذلك اختصر كثير من أئمتنا الأسانيد، (كزيد، والقاسم، والهادي) وغيرهم، ولم يصنفوا في الجرح والتعديل. (الشافعي): يقبل إن كان لا يرسل إلا عن عدل أو عضده غيره، كقول صحابي أو فعله أو فعل الأكثر، أو إسناد أو إرسال(3) مع اختلاف شيوخهما /202/، أو قياس، والمجموع هو الحجة لا مجرده(4). (ابن إبان): يقبل مرسل الصحابة والتابعين، فأما من بعدهم فإن كان من أئمة النقل قُبِلَ وإلا فلا.
فإن أسند الرواي تارة وأرسل أخرى، أو رفع تارة ووقف أخرى، أو وصل تارة وقطع أخرى، فالحكم للإسناد، والرفع والوصل على الأصح، وقيل: للأكثر من أحواله.
وإن أسند ما أرسل غيره أو رفع ما وقف أو وصل ما قطع، فالحكم كذلك عند (أئمتنا والجمهور). وعند (أكثر المحدثين) أنه للمرسل والواقف والقاطع، وقيل: للأكثر، وقيل: للأحْفَظ.
والظاهر في العنعنة الإسناد(5). وجمهور من قبل المرسل يقبل التدليس /203/؛ لأنه نوع منه إلا القسم الثاني والرابع منه الآتيين، ورده أقلهم إذا روي بالعنعنة.
وهو أربعة أقسام: تدليس الإسناد، وهو أن يروي عن شيخ شيخه مع إسقاطه,
أو يعطف على من يسمع عنه من لم يسمع عنه ويوهم السماع منه، نحو حدثنا فلان وفلان.
وتدليس الشيوخ، وهو أن يسمي من روى عنه بغير اسمه المشهور كأبي عبد الله الحافظ، يعني الذهبي تشبيهاً بالحاكم.
__________
(1) يعني: المرسل.
(2) المعلق ما سقط راوٍ أو أكثر من أول سنده. والمنقطع: ما سقط راوٍ من سنده من أي مكان. والمعضل ما سقط منه راويان متتاليان.
(3) من غير المُرْسِل.
(4) أي المرسل وما عضده لا وحده.
(5) هي تسلسل الرواة بعن.(1/237)


وتدليس التسوية، وهو أن يروي الحديث عن ثقة والثقة عن ضعيف عن ثقة، فيُسقط الضعيف فيستوي الإسناد كله ثقات.
(الثالث): الرواية بلفظه صلى الله عليه وآله وسلم عند (ابن عمر، وابن سيرين(1)، وثعلب، وبعض المحدثين، والظاهرية)، وعند (أئمتنا والجمهور): يجوز بالمعنى مطلقاً. (الخطيب)(2): يجوز بلفظ مرادف. (الماوردي)(3): يجوز إن نسي اللفظ. (بعض الحنفية): يجوز إن كان له معنى واحد، وإلا فلا. (صاحب الكافي)(4): إن تعبدنا بلفظه لم تجز روايته بالمعنى، وإن لم نُتَعَبَّد، فإن لم يكن راويه /204/ عارفاً فكذلك، وإن كان عارفاً فإما أن يكون اللفظ محتملاً لأكثر من معنى أو لا، فالأول يجب بلفظه. والثاني إن رواه بلفظ أعم أو أخص أو أوضح أو أخفى لم يجز، ووجب بلفظه، وإلا جاز بالمعنى.
__________
(1) ابن سيرين، هو: الإمام الشهير: محمد بن سيرين، أحد سادات التابعين، روى عن كثير من الصحابة، قال الذهبي: كبير العلم ورع بعيد الصيت، (توفي110هـ).
(2) الخطيب، هو: أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر البغدادي المعروف بالخطيب أحد العلماء المميزين في الحديث وعلومه، توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة. انظر معجم الأعلام 54.
(3) الماوردي، هو: القاضي أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، قال الخطيب: كان ثقة من وجوه الفقهاء الشافعيين وله تصانيف عدة في أصول الفقه وفروعه، وكان يوافق المعتزلة، توفي في ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة. طبقات الشافعية 2/230.
(4) صاحب الكافي هو أبو جعفر الهوسمي. تقدمت ترجمته.(1/238)


(210) فصل والمختار ـ وفاقاً (للجمهور) ـ: أن إنكار الأصل لرواية الفرع(1) لا يقدح في قبولها مطلقاً، كموته وجنونه. (بعض المحدثين، والحنفية): يقدح مطلقا. (الشيخ): إن أنكرها ولم يدّع العلم بعدمها قُبِلَت، وإن ادعى العلم بعدمها تعارضتا. (الإمام، والحفيد): محل اجتهاد. وإذا اجتمعا(2) في شهادة لم تُرَدّ اتفاقاً(3).
(211) فصل وإذا تعدد الرواة ثم انفرد أحدهم بزيادة، فإن تعدد المجلس قُبِلَت اتفاقاً، وقد تكون مُخَصِّصَة للمزيد عليه إن عارضته وأمكن الجمع، وناسخة مع تراخيها إن لم يمكن. وإن اتحد المجلس قُبِلت عند /205/ (أبي طالب، والمنصور، والإمام، وأبي عبد الله، والحاكم، والغزالي) مطلقاً، وردّت عند (بعض المحدثين) مطلقاً. (القاضي): تقبل ما لم تغير الإعراب. (أبو الحسين): تقبل إلا أن يكثر عدد من لم يروها، أو تغير إعراب المزيد عليه، وليس راويها أضبط. (الحفيد): محل اجتهاد. وإن جهل تعدد المجلس أو اتحاده، فأولى بالقبول مما علم اتحاده اتفاقاً.
وإذا اتحد راويهما ذاكراً للزيادة في حال دون حال، فإن أسندهما إلى مجلسين قبلت للتعدد غيَّرت إعراب المزيد عليه أو لا، وكذا إن جهل تعدد المجلس واتحاده، وإن أسندهما إلى مجلس فالمختار قبولها. (أبو الحسين، والرازي): إن غيرت الإعراب تعارضتا ووجب الترجيح، وإن لم تغيره فإن كانت مَرَّاتُ روايته لها أقل /206/ ومرات تركه لها أكثر لم تقبل؛ إلا أن يصرح بتذكره لها وسهوه في تركها، وإن كان عَكْسَه أو تساويا قُبِلَت.
__________
(1) أي: الشيخ لرواية التلميذ.
(2) أي: الأصل والفرع.
(3) وذلك لبقاء عدالتهما، وإنما وجب الترجيح للتعارض في تلك الرواية بعينها.(1/239)


(212) فصل وذكر الخبر كاملاً أولى، وحذف بعضه لغير استهانة جائز، وفاقاً لمن أجاز الرواية بالمعنى، وقيل: ممتنع إلا أن يرويه مرة أخرى بتمامه. فإن تطرق إليه تهمة في اضطراب نقله، أو تعلق المحذوف بالمذكور تعلقاً يغير معناه متصلاً، كالاستثناء والشرط والغاية ونحوها، أو منفصلاً، امتنع الحذف.
(213) فصل في الشروط الراجعة إلى المخبَر عنه
اختلف فيما يؤخذ فيه بالآحادي وما لا يؤخذ، فعند (أئمتنا، والجمهور): أنه إن ورد في العلميات ابتداءاً(1) كما تعم به البلوى علماً نحو المسائل الإلهية، أو علماً وعملاً كأصول الشرائع، لم يقبل، خلافاً (للإمامية، والبكرية، /207/ وبعض المحدثين)، وإن ورد غير ابتداء فإن وافق أدلتها(2) قُبِلَ مُوكِّداً لا حجة على انفراده، خلافاً لهم، وإن خالفها رُدَّ إلاَّ أن يمكن تأويله. وإن ورد في العمليات فإن لم تعم به البلوى قُبِلَ كالإجارة. وإن عمت كمس الذكر والجهر بالبسملة، فكذلك عند (أئمتنا والجمهور)، خلافاً (لبعض الحنفية).
(214) فصل وإذا ورد بخلاف الأصول المقررة؛ (الحفيد): وهي: الكتاب، والسنة، والإجماع المعلومة، فإن أمكن حمله على تخصيصها قُبِلَ إن كان عملياً اتفاقاً، لا إذا كان علمياً على المختار. وإن لم يمكن ذلك.. فإما أن يخالف الأصول نفسها بأن يقضي في عين ما حكمت فيه بخلاف(3) ذلك الحكم. أو يخالف مقتضاها بأن يقضي فيما لم يوجد فيها حكمه بعينه، بخلاف حكم نظيره فإن خالفها ردّ؛ إذ لا يُنْسَخ قاطع بمظنون، خلافاً (للظاهرية).. وإن خالف مقتضاها قُبِلَ.
__________
(1) أي: لم يتقدمه دليل قطعي يوافقه فيما دل عليه، وعلى هذا لا يقبل أصحابنا الأحاديث الآحادية التي يحتج بها البعض في مسائل العقيدة.
(2) أي: أدلة المسائل الإلهية وأصول الشرائع، وهي: العقل، ومحكم الكتاب، والسنة المتواترة.
(3) في (ب): حكم بخلاف.(1/240)

48 / 66
ع
En
A+
A-