واختلف في أقله، فقيل: أربعة. وقطع (أئمتنا، والشافعية، والباقلاني) بنقصها. (الجمهور): خمسة، وهو المختار. وقطع (القاضي، وأبو رشيد) بنقصها، وتوقف (الباقلاني). وقيل: سبعة. (الأصطخري)(1): عشرة، وقيل: اثنا عشر. (أبو الهذيل): عشرون /188/. وقيل: خمسة وعشرون، وقيل: أربعون. وقيل: سبعون، وقيل: مائة. وقيل: ثلاثمائة وبضعة عشر.
(أبو الحسين، والباقلاني، وغيرهما): وكل عدد أخبر شخصاً بواقعة فحصل له العلم عند خبره، ثم أخبر(2) بها غيره فإنه يجب حصوله للغير، وكذا عند إخبار ذلك العدد أو مثله بواقعة أخرى ذلك الشخص أو غيره(3). وقيل: لا يجب ذلك(4). (المؤيد بالله، والمنصور، والصاحب(5)، وأبو رشيد، والحفيد): يجب ذلك في العدد الكثير لا القليل(6).
__________
(1) الاصطخري، هو: الحسن بن أحمد بن يزيد أبو سعيد الاصطخري، ذكره السبكي في طبقات الشافعية 3/230، توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. طبقات الفقهاء 1/119.
(2) ثم أخبر، أي: ذلك العدد بالواقعة غير ذلك الشخص.
(3) يعني: أنه يطَّرد، فما أفاد العلم في واقعة ما لشخص ما، أفاد العلم لغيره في غيرها، بمعنى أنه لا يختلف باختلاف الوقائع والأشخاص.
(4) قال في الحواشي: وهو الأصح على ما قرره سابقاً من أنه يختلف باختلاف المخبر والمستمع والحال.
(5) الصاحب، هو: إسماعيل بن عباد بن العباس الطالقاني المعروف بالصاحب كافي الكفاة أبو القاسم، من مشاهير العلماء والأدباء، تولى الوزارة للملك مؤيد الدولة بن بويه، وكانت علاقته بأئمة الزيدية والمعتزلة متينة، وله كتب وأخباره كثيرة، توفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة.
(6) هذا كلام قوي في المتواتر، لا فيما يفيد العلم، إلا أنه يشكل عليه حد الكثير، فهو غير منضبط.(1/226)
(195) فصل (أئمتنا، والجمهور): ولا يشترط ألاَّ يحويهم بلد، وألاَّ يجبروا على الصدق، وألاَّ يسبق إلى المخبر اعتقاد خلاف خبرهم لشبهة أو تقليد، ولا إسلام، ولا عدالة، ولا اختلاف دين ونسب ووطن، ولا كونهم معصومين، ولا وجود معصوم، أو أهل ذلة فيهم(1).
(196) فصل وينقسم إلى: متواتر لفظاً ومعنىً، ومتواتر /189/ لفظاً ومعناه مختلف فيه، كخبري (الغدير) (2) و(المنزلة) (3). ومتواتر معنى وفي لفظه اختلاف، وهو ما اتفق عليه بتضمن أو التزام عند اختلاف الوقائع، كشجاعة علي عليه السلام، وجود حاتم، ويسمى: التواتر المعنوي(4)
__________
(1) الذي يفهم من كلام الإمام الهادي في (البالغ المدرك) أنه لا بد أن يكونوا غير متفقين، فليراجع في (البالغ المدرك).
(2) حديث الغدير معروف مشهور رواه الإمام الهادي في كتاب العدل والتوحيد 69، وأبو طالب في الأمالي 33، وقال المقبلي في (الأبحاث المسددة 244): عزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى: أحمد، والحاكم، وابن أبي شيبة، والطبراني، وابن ماجة، وابن قانع، والترمذي، والنسائي، وابن أبي عاصم، والشيرازي، وأبي نعيم، وابن عقدة، وابن حبان، والخطيب. ثم قال المقبلي: نعم فإن كان مثل هذا معلوماً وإلا فما في الدنيا معلوم. وانظر (لقط اللآلي المتناثرة في الأحاديث المتواترة) للزبيدي 205.
(3) أخرج البخاري 5/99 و 6/18، ومسلم 4/1870 (2404)، والترمذي 5 رقم (3731)، ومحمد بن سليمان الكوفي في المناقب رقم (419)، وأبو طالب 35 عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي" . ورواه الهادي في كتاب (العدل والتوحيد 19) مرسلاً.
(4) قال الإمام أبو طالب في (شرح البالغ المدرك 78 ـ 79) الأخبار المروية عن النبي (ص) أربعة أقسام: خبر متواتر من جهة اللفظ والمعنى، معلوم منهما جميعاً، وذلك كالخبر المروي في ركعتي الفجر في صلاة الفجر، وفي وجوب خمسة دراهم عند تمام النصاب. والقسم الثاني: متواتر من جهة اللفظ، والمعنى مختلف فيه، كقوله عليه السلام: "من كنت مولاه فعلي مولاه"، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي"، فلفظ هذا الخبر منقول متواتر، ومعناه مختلف فيه، فهذان القسمان يقبلان في أصول الدين وفروعه، وهما كآية من القرآن في كونهما حجة. اهـ.(1/227)
.
والثلاثة مقبولة في أصول الدين وفروعه (1).
(197) فصل والمتلقى بالقبول ما حكم بصحته المعصوم، كالأمة(2)، فعلم صدقه بالنظر. (أكثر أئمتنا، وأبو هاشم، والقاضي، والغزالي، وبعض المحدثين): وهو قطعي كالمتواتر. الجمهور: بل هو ظني(3). (أبو طالب): قطعي في ابتداء الحكم لا في نسخه للمعلوم.
(198) فصل والآحادي ما ليس بمتواتر ولا تُلُقي بالقبول. فإن رواه فوق عدلين ولم يتواتر ولا تلقي بالقبول فمشهور مستفيض. أكثر (أئمتنا، والجمهور): ولا يحصل به العلم بدون قرينة ولا معها، وقيل: قد يحصل. ثم اختلفوا، فعند (أحمد، والظاهرية): يحصل ولو بدون قرينة. (أحمد): ويطّرد. (المؤيد بالله، والمنصور في رواية، والإمام، وغيرهم من علمائنا، والنظام، وبعض الأشعرية) /190/: يحصل لكن مع قرينة، كما إذا أُخبر ملك بموت ولد له مدنف مع صراخ وانتهاك حريم ونحو ذلك.
(199) فصل وما أخبر به واحد بحضرة خلق كثير، ولم يكذبوه، وعلم أنه لو كان كذباً لعلموه، ولا حامل لهم على السكوت، فهو صدق قطعاً للعادة(4). وكذا ما أخبر به بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما يتعلق بشريعته أو معجزاته أو نحو ذلك ولم ينكره، خلافاً (لابن الحاجب، وغيره).
__________
(1) أما ما تواتر لفظاً ومعنى أو معنى دون اللفظ فهو قريب، وأما ما اختلف في معناه ففيه نظر؛ لأن معناه يكون حينئذٍ ظنياً؛ لأن قطعية المتن لا تستلزم قطعية الدلالة، والأصول لا يقبل فيها الظن.
(2) وذلك بأن تكون الأمة بين مصحح له وعامل بموجبه.
(3) قالوا: لأن المعصوم إنما يعصم عن مخالفة ما وجب لا عن مخالفة ما طلب.
(4) أي لأن العادة تقضي بأنه لو كان كذباً لكذبوه، وبأن سكوتهم ولا حامل لهم تصديق.(1/228)
وما صرح بتكذيبه جَمْعٌ يستحيل تواطؤهم عليه عادة، أو صادم قاطعاً، أو بُحِثَ عنه فلم يوجد عند أهله، غير مستندين في فقده أو رده إلى أصل مرفوض (1) فكذب.
وكذا خبر المنفرد بما تتوفر الدواعي إلى نقله، وقد شاركه فيه خلق كثير، خلافاً (للإمامية، والبكرية). والتوفر إما لتعلقه بالدين، كأصول الشريعة، أو لغرابته، كقتل الخطيب على المنبر، أو لمجموعهما، كمعارضة القرآن وظهور المعجز على مسيلمة.
وليس من ذلك خبر /191/ (الغدير) و(المنزلة)، لتواترهما لمن بحث، ولا يلزم استمراره إلا مدة استغرابه، كنتق الجبل، وانشقاق القمر، وتسبيح الحصا ونحوها.
(200) فصل (أئمتنا، والجمهور): والتعبد بخبر الواحد العدل جائز. ثم اختلفوا في وقوعه، فعند (أحمد، وابن سريج، وأبي الحسين، والقفال): يجب عقلاً وسمعاً. وعند (أئمتنا، والمعتزلة، والطوسي، والأشعرية): يجب سمعاً فقط، والعقل مجوز. (البغدادية، والإمامية، والظاهرية، والخوارج): ممتنع سمعاً، وإن جاز عقلاً. وقيل: ممتنع عقلاً، ونسبته إلى (أبي علي) غلط، وقيل: عقلاً وسمعاً.
ودليل التعبد به قطعي(2)، ولا يفسق منكره؛ إذ لا دليل، وإن قطع بخطئه(3). واتُّفق على وجوب العمل به في الفتيا والشهادة، وما قدح به (الرازي) في العمل به فلا يُسْمَع.
(201) فصل وشروطه المعتبرة الراجعة إلى المخبر أربعة:
__________
(1) مثال الاستناد في فقده أو رده إلى أصل مرفوض: أن يردّ الحديث أو يقال بعدم وجوده؛ لأنه ليس في الكتب الستة المعروفة.
(2) هذه إشارة إلى أن دليل التعبد بالآحاد هو إجماع الصحابة.
(3) هذه مسألة مهمة جداً تحتاج إلى البحث والنظر، وذلك لأن أغلب السنة ثبتت بطريق الآحاد، والمقصود بالخلاف المذكور خبر الواحد لا الإثنين فصاعداً، والمهم هنا ما ذكره المصنف من عدم جواز التفسيق به، وكذلك ما يهول به بعض القاصرين من دعوى مخالفة السنة على من لم يوافق منهجهم في السنة ثبوتاً أو دلالة.(1/229)
(الأول): التكليف، وإن سَمِعَ قبله، وفاقاً (للجمهور) كالشهادة. واختلف في المراهق /192/ المميز، فعند (المؤيد بالله) يقبل، وهو مقتضى مذهب من أوجب العمل به عقلاً. (أبو عبد الله، والغزالي، والرازي): لا يقبل. وقبول شهادة بعضهم على بعض في الجنايات مستثنى عند قابلها؛ لكثرتها بينهم منفردين.
(والثاني): الإسلام؛ وإن سمع قبله، فلا يقبل كافر التصريح إجماعاً، ومن قبل شهادة بعضهم على بعض مطلقاً أو مع اتحاد الملة لا يقبل روايتهم.
واختلف في كافر التأويل /193/، وهو: من أتى من أهل القبلة ما يوجب كفره غير متعمد كالمشبِّه، فعند (بعض أئمتنا، وأبي الحسين، والرازي، وجمهور الفقهاء): أنه يقبل. وعند (جمهور أئمتنا، والمعتزلة، والمحدثين، والغزالي، والباقلاني): لا يقبل، وعن (القاسم، والهادي) روايتان. و(للمؤيد) قولان أظهرهما القبول.
(والثالث): العدالة، فلا يقبل فاسق التصريح إجماعاً. واختلف في فاسق التأويل، وهو: من أتى من أهل القبلة ما يوجب فسقه غير متعمّد كالخوارج، فعند (بعض أئمتنا، وأبي الحسين، والقاضي، والغزالي، وأكثر الفقهاء): أنه يقبل. وعند (بعض أئمتنا، ومالك، والشيخين، والباقلاني): لا يقبل. وتوقف (أبو طالب). وقيل: يقبل دون الكافر.(1/230)