(القسم الأول): ألاَّ يدل دليل على تكرار الفعل في حقه، ولا على تأسي الأمة به صلى الله عليه وآله وسلم، والقول إن خصه وتأخر فلا تعارض، وإن تقدم امتنع خلافاً (للأشعرية)(1)، وإن جُهِلَ /177/ فالمختار القول. وقيل: الفعل، وقيل: الوقف(2). وإن خص الأمة فلا تعارض مطلقاً(3) وإن عمه وعمهم، فإن كان بطريق التنصيص(4) وتأخر فلا تعارض لا في حقه ولا في حقهم، وإن تقدم فلا تعارض في حقهم، ويمتنع في حقه، خلافاً (للأشعرية)، وإن جُهل فكما تقدم. وإن كان بطريق الظهور(5) وتأخر فلا تعارض لا في حقه ولا في حقهم، وإن تقدم فالفعل تخصيص في حقه، ولا تعارض في حقهم، وإن جهل فالوقف.
__________
(1) لأنه يلزم أنه صلى الله عليه وآله عصى، فخالف مقتضي القول المتقدم.
(2) وذلك كأن يصلي ركعتين عقيب الظهر ـ والفرض ألاّ تكرار ولا تأسٍ ـ ثم يقول: لا تجب علي صلاة ركعتين عقيب الظهر، فواضح أنه لا تعارض لعدم تكرر الفعل في حقه وعدم تأسينا. أما لو قال: يجب علي صلاة ركعتين عقيب الظهر، ثم ترك، امتنع ذلك؛ لأنه عصيان لا يجوز عليه صلى الله عيله وآله، وعلى ذلك فقس الباقي.
(3) أي: سواء تقدم أو تأخر أو جهل.
(4) كأن يقول: يجب علي وعليكم فعل كذا.
(5) كأن يقول: يجب على كل مسلم، أو كل مكلف فعل كذا.(1/216)
(القسم الثاني): أن يدل دليل على تكرر الفعل في حقه، وعلى تأسي الأمة به صلى الله عليه وآله وسلم، والقول إن خصه فلا تعارض في حق الأمة مطلقاً وفي حقه إن تأخر، فنسخ، وإن تقدم /178/ امتنع خلافاً (للأشعرية)، وإن جهل فالثلاثة كما تقدم(1)، وإن خص الأمة فلا تعارض في حقهم مطلقاً وفي حقه إن تأخر فنسخ، وإن تقدم امتنع خلافاً (للأشعرية)، وإن جهل فالمختار وفاقاً (للجمهور) العمل بالقول لاستقلاله، وقيل: بالفعل؛ لأنه يبين القول. (الإمام، والقاضي، وابن زيد، وغيرهم): بل يتعارضان فيرجح أحدهما على الآخر إن أمكن، وإلا رجع إلى غيرهما من الأدلة. وإن عمه وعمهم، فإن تأخر فنسخ، وإن تقدم امتنع خلافاً (للأشعرية)، وإن جهل فالثلاثة.
(القسم الثالث): أن يدل دليل على تكرر الفعل في حقه دون تأسي الأمة به، والقول إن خصه فلا تعارض في حق الأمة مطلقاً، وفي حقه إن تأخر فنسخ، وإن تقدم امتنع خلافاً (للأشعرية)، وإن جهل فالثلاثة على الخلاف المتقدم، وإن خص الأمة فلا تعارض مطلقاً، وإن عمه وعمهم فكذلك في حق الأمة مطلقاً، وفي حقه كما ذكر في الخاص به في القسم هذا(2)/179/.
(القسم الرابع): أن يدل دليل على تأسي الأمة به دون تكرار الفعل في حقه، والقول إن خصه وتأخر فلا تعارض، وإن تقدم امتنع خلافاً (للأشعرية)، وإن جهل فالثلاثة على الخلاف المتقدم، وإن خص الأمة فلا تعارض في حقه مطلقاً وفي حقهم إن تأخر، فكذلك على المختار. (ابن الحاجب): بل نسخ. وفيه نظر، وإن تقدم امتنع خلافاً (للأشعرية)، فإن جهل فالثلاثة على الخلاف المتقدم. وإن عمه وعمهم، فإن كان بطريق التنصيص وتأخر فلا تعارض لا في حقه ولا في حقهم، وإن تقدم امتنع خلافاً (للأشعرية)، وإن جهل فالمختار القول، وإن كان بطريق الظهور، فكذلك.
__________
(1) يعني: والمختار القول، وقيل: الفعل، وقيل: الوقف.
(2) يعني: لا تعارض في حق الأمة مطلقاً، وفي حقه إن تأخر فنسخ، وإن تقدم امتنع وإن جهل فالثلاثة.(1/217)
(187) فصل في بيان ما تدل عليه أفعاله وتروكه المتعلقة بغيره
وفي الفعل أربع صور:
(الأولى): إقامته الحد على شخص، لا يدل على أنه فعل كبيرة قطعاً(1)، خلافاً (لأبي الحسين).
(الثانية): تناوله من طعام، هل يدل على حل مكسبه قطعاً؟ المختار أنه لا يدل على ذلك.
(الثالثة): إذا فعل/180/ في الصلاة فعلاً، فإن كان مما يفسد لو لم يكن مشروعاً كزيادة ركعة عمداً في مكتوبة دل على أنه مشروع فيها لغيره أيضاً، وإلا دل على أنه فعل قليل لا يفسدها، كوضعه الحسنين في الصلاة، وحمله أُمَامَةَ فيها.
(الرابعة): إذا أوقع بالغير نوعاً من العقوبات، كأخذ ماله، فإن كان ذلك لأمر معين فهو سببه(2)، وإلا فهو لسبب غير معين.
وفي الترك خمس صور:
(الأولى): تركه للإنكار على فاعل ما عُلِمَ حَظْرُه، يدل على إباحته له(3)، وأما لغيره فإن كانت الإباحة لسبب وشاركه الغير فيه، فهو مثله وإلا فلا، إلا لدليل.
(الثانية): تركه للفعل يدل على عدم وجوبه عليه وعلى أمته، إلا لدليل يدل على اختصاصه به دون أمته.
(الثالثة): تركه للقنوت والتشهد الأوسط مرة، لا يدل على عدم كونهما مشروعين لاحتمال السهو لا مع التكرار /181/ فيدل على ذلك فيهما.
(الرابعة): تركه لشيء من الفروض يدل على نسخه في حقه لا في حق غيره، إلا أن يتركه الغير مع علمه وتقريره.
(الخامسة): تركه قطع من سرق دون قدر نصاب السرقة، يدل على أنه لا قطع فيما دونه، فأما تركه قطع من سرق درعاً، فلا يدل على الترك فيها، لجواز سقوطه لشبهة دَارِئَةٍ.
وأقواله المتعلقة بغيره تأتي في الأخبار.
__________
(1) متعلق بِفَعَل، أي ليس من أقام عليه الحد مقطوعاً بأنه فعل كبيرة في الواقع؛ لأن أحكام الشريعة على الظاهر.
(2) يعني: فيقاس عليه مثله في ذلك السبب.
(3) أي: لذلك التارك فقط.(1/218)
(188) فصل والفعل وإن لم يتطرق إليه كثير من أحكام اللفظ، كالعموم والخصوص، ففيه ما يشبه العموم ويحمل عليه، نحو أن يفعل فعلاً في وقت ولا يُعلم ولا يُظن ـ لشخص ولا حال ولا زمان ولا مكان ـ فيه خصوصيَّة، فيكون نسبته إليها(1) على سواء، وفيه ما يشبه الخصوص ويقر في موضعه كاستقباله بيت المقدس لقضاء الحاجة في العمران(2).
(189) فصل واختلف في تعبده صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة. فعند (أئمتنا، وجمهور المعتزلة، وبعض الفقهاء): أنه لم يُتَعَبَّد قبلها /182/ بشرع. وقيل: بل متعبد. ثم اختلفوا فقيل: بشرع آدم، وقيل: نوح، وقيل: إبراهيم، وقيل: موسى، وقيل: عيسى، وقيل: بما ثبت أنه شرع. وتوقف (الإمام، والشيخ، والباقلاني، وبعض الشافعية). فأما بعد البعثة فعند (أكثر أئمتنا، والجمهور): أنه لم يكن متعبداً بشرع من قبله. (المؤيد، وأبو طالب، والمنصور، والفقهاء): بل متعبد بكل شرائع من قبله، إلا ما نسخ أو مَنَعَ منه مانع. وتوقف (أبو طالب، والشيخ، وابن زيد، وجمهور المتكلمين، والفقهاء) في كونه طاف وسعى وذكى قبل البعثة. وقطع (أبو رشيد) أنه لم يفعله. (والمنصور، وأئمة الأثر، وأبو علي في رواية) أنه فعل.
الأخبار
[12] باب الأخبار
(190) فصل لفظ (الخبر) حقيقةٌ في القول المخصوص، مجازٌ في غيره(3) على الأصح.
__________
(1) أي: إلى الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة، يعني فيعمها جميعاً.
(2) فالشخص: الاستقبال لبيت المقدس منه عليه السلام. والحال: كونه لقضاء الحاجة. والمكان: في العمران. فلا يتعدى إلى استقبال الكعبة من غيره في الخلاء، أو في أحدهما ونحو ذلك.
(3) كالإشارة والرموز، وكالخبر المسند إلى من ليس بمتكلم كقول الشاعر:
تخبرني العينان ما القلب كاتم ... من الغل والبغضاء بالنظر الشزر(1/219)
(أئمتنا، والجمهور): ولا يمتنع حد الخبر. وهو: الكلام /183/ المحكوم فيه بنسبة خارجيةٍ(1) في أحد الأزمنة الثلاثة، مطابقة أو غير مطابقة. والإنشاء نقيضه. وقيل: يمتنع. ثم اختلفوا، فقيل: لعسره. وقيل: لجلائه.
وقد يَرِد بصورة الإنشاء(2)، والإنشاء بصورته(3). والمختار في نحو: بعت، وطلقت، إذا قصد بهما إيقاع الحكم حال النطق بها؛ أنها إنشاء(4)، خلافاً (لأبي حنيفة).
[أقسام الخبر عموماً وأسباب وقوع الكذب]
(191) فصل وينقسم الخبر إلى: صدق، وكذب. (أئمتنا، والجمهور): وينحصر فيهما. ثم اختلفوا في تفسيرهما.
والأكثر على أن الصدق هو المطابق للواقع إثباتاً أو نفياً(5)، سواء اعتقد المخبر مطابقته أو لا. والكذب غير المطابق فيهما(6)، سواء اعتقد كونه غير مطابق أو لا.
(النظام وموافقوه): بل الصدق المطابق لاعتقاد المخبِر ولو خطأ، والكذب مخالفه ولو صواباً، ولا عبرة فيهما(7) بمطابقة الواقع وعدمها(8).
__________
(1) يعني مُتَعَلَّق واقعي، خارج عن مجرد الكلام.
(2) كقوله تعالى: ?والوالدات يرضعن أولادهنّ?.
(3) كقوله تعالى: ?هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيله? أي: آمنوا وجاهدوا.
(4) لأنه لم يحكم فيها بنسبة خارجية، متقدمة على اللفظ مشاراً به إليها.
(5) فإذا قلت: زيد قائم، وكان قائماً بالفعل فأنت صادق، وكذلك إذا قلت: زيد ليس بقائم وليس بقائم بالفعل، فانت صادق أيضاً، وسواء اعتقدت أم لا، والكذب عكس ذلك.
(6) أي: في النفي والإثبات.
(7) أي: الصدق والكذب بالمطابقة وعدمها، بل هما باعتبار اعتقاد المخبر وعدمه، فإذا قال أحد: زيد قائم.. معتقداً ذلك فهو صادق، ولو لم يكن قائماً فعلاً والعكس.
(8) بسبب الاختلاف في هذه المسألة أن الجمهوري اعتبروا أن الألفاظ وضعت للتعبير عما في الواقع، واعتبرها النظام وموافقوه تعبيراً عما في الضمير، أما الجاحظ فيعتبر الألفاظ وضعت لما في الذهن ولما في الواقع.(1/220)