والائتمام: الاتباع في صورة الفعل ووجهه(1) أو في صورته فقط عند قوم(2).
[السنة وأقساهما وأحكامها]
(182) فصل (أئمتنا، والجمهور): ويجب التأسي به صلى الله عليه وآله وسلم في غير ما وَضَحَ فيه أمر الجِبِلَّة، من أقواله وأفعاله وتروكه المتعلقة به(3) المعلوم وجهها مطلقاً، إلا فيما خصه دليل /172/. (الكرخي) وغيره: لا يجب ذلك مطلقاً، إلا فيما خصه دليل. (ابن خلاد): يجب في العبادات دون غيرها(4).
واختلف في طريق وجوبه، فعند (أكثر أئمتنا، والجمهور) سمعاً لا عقلاً. (الإمام، وغيره): بل عقلاً وسمعاً.
__________
(1) ولهذا لا يصح الاختلاف على الإمام فرضاً ونفلاً ولا فرضاً وفرضاً.
(2) وهم: الشافعية فيصح الائتمام عندهم مع الاختلاف في الوجه.
(3) لا المتعلقة بغيره، فسيأتي حكمها، وذلك كالتقرير ونحوه.
(4) هذا الفصل مهم جداً، وفيه تحديد السنة التي هي الطريقة، وفيها كما ترى ثلاثة أقوال: طرفان، ووسط. فالأوَّل أنها ما عدا الأفعال والتروك والأقوال التي تقتضيها طبيعة الإنسان كإنسان، فيجب التأسي سواء في العبادات أو غيرها (الدين والدنيا)، لدليل التأسي العام ?وما أتاكم الرسول..? الآية ?قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني..? الآية ?أطيعوا الله وأطيعوا الرسوله?، فالأصل وجوب التأسي إلا ما استثناه الدليل. الثاني: أنها ما قام الدليل الخاص على وجوب الاتباع فيه والتأسي بعينه؛ لأن العمومات السابقة مخصوصة اتفاقاً، ودلالة العموم المخصوص ظنية في الباقي مجازية كما تقدم، فالأصل عدم وجوب التأسي إلا ما خصه الدليل. الثالث: (الوسط) أن السنة هي العبادات وتفصيلاتها، فيجب التأسي فيها دون غيرها.(1/211)


(183) فصل وما وقع منه(1) فواجب أو مندوب أو مباح، لا محرم كبير للعصمة، ولا صغير لخفائه، ولا مكروه لخفائه أيضاً(2)، وقيل: لندرته(3)، إلا أن يبينهما.
وهو على خمسة أقسام:
(الأول): ما وضح فيه أمر الجبِلَّة مما لا يخلو عنه ذو روح، كالأكل والشرب لا هيئتهما(4). وسبيله وسبيل أمته فيه الإباحة.
(والثاني): ما وضح تخصيصه به واجباً، كالوتر، والتهجد، والمشاورة، والسواك، والأضحية، وتخيير نسائه فيه. أو مباحاً، كالوِصَال(5)، والنكاح بلا مهر وشهود، وإلى تسع. أو محرماً، كخائنة الأعين، ونزع لامته حتى يقاتل(6).
(والثالث): ما وضح أنه بيان لمجمل، إما بقول، مثل /173/: (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) (7) أو بقرينة كالقطع من الكوع(8). والأمة مثله فيه(9). وأما ما تردد بين الجِبِلِّي والشرعي كالركوب في الحج، فلا تأسٍ فيه.
(والرابع): ما علم وجهه من وجوب أو ندب أو إباحة، وليس مختصاً به، وهو محل الخلاف المتقدم(10).
__________
(1) يعني: وما وقع من النبي (ص).
(2) أي: لأنه يجب خفاؤهما كما تقدم.
(3) أي أنه لا مكروه في فعله؛ لأنه نادر والحكم للأغلب لا للنادر.
(4) كالأكل باليمين ومما يليه ونحو ذلك.
(5) في الصوم، وهو: صوم يومين أو أكثر بدون فطر.
(6) لامة الحرب: شكله ولبسته الخاصة كالدرع والمغفر ونحوهما.
(7) أخرجه الشافعي في المسند 55، والبيهقي في السنن الكبرى 2/345 عن مالك بن الحويرث.
(8) أي: قطع يد السارق، امتثالاً لقوله تعالى: ?والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما?.
(9) أي: فيما وضح أنه بيان لمجمل.
(10) الذي فيه الثلاثة الأقوال، وهو وما قبله حقيقة السنة.(1/212)


(والخامس): ما لم يعلم وجهه عبادة كان أو غيرها، واختلف فيه، فعند (المنصور، وبعض المعتزلة، والشافعية، والحنابلة): أنه واجب في حقنا. (الشافعي، والجويني): مندوب. (بعض علمائنا، وعن مالك): مباح. وقيل: محظور. ومختار (أكثر أئمتنا، والجمهور): الوقف، ومن ثمة قال (أئمتنا): لا حجة في حكاية فعله أو تركه إذا لم يعرف وجههما. (ابن الحاجب): إن ظهر قصد القربة فندب، وإلا فمباح.
(184) فصل ويعلم وجه فعله صلى الله عليه وآله وسلم: بالضرورة من قصده، أو بنصه عليه، أو بوقوعه امتثالاً لدال على وجوب أو ندب أو إباحة /174/، أو بتسويته بينه وبين ما علم وجهه. وتعم هذه المعَرِّفات أنواع فعله الثلاثة(1).
ويخص الوجوب أماراته(2)، نحو: كونِهِ محظوراً عقلاً وشرعاً، لو لم يجب، كالحد(3). أو شرعاً كزيادة ركعة عمداً في مكتوبة. أو اسْتِحقَاقِ الذم على تركه.
والندبَ، (4) كونه مما له صفة زائدة على حسنه، ولا دليل على وجوبه. وإخلاله به بعد المداومة على فعله من غير نسخ. واستحقاق المدح على فعله دون الذم على تركه.
والإباحةَ، مجرد الحسن، كالفعل اليسير في الصلاة بعد تحريم الكثير.
__________
(1) أي: الوجوب والندب والإباحة.
(2) أي: العلامات التي تدل على الوجوب فقط.
(3) يعني: ما ليس فيه إلا وجهان: الوجوب، والخطر.. وليس مباحاً ولا مندوباً، فإن فعله حمل على الوجوب؛ لأنه لو لم يجب لحرم.
(4) أي: ويخص الندب.(1/213)


(185) فصل وإذا عَلِمَ صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من مكلف ( فعل أو قول)، ثم سكت عن إنكاره قادراً، فإن كان كمضي كافر إلى كنيسة، فلا أثر لسكوته اتفاقاً(1)، وإلا دَلَّ على الجواز إن لم يسبق تحريمه، وإن سبق تحريمه فنسخ إن لم يمكن التخصيص. فإن استبشر به فأوضح من السكوت في الجواز اتفاقاً، ولذلك /175/ تمسك (الشافعي) ـ في ثبوت النَّسب بالقِيَاَفة ـ بسكوته صلى الله عليه واستبشاره بقول المدلجي في قصة أسامة وزيد. ولا حجة له في ذلك عند (أئمتنا، وجمهور(2) الحنفية)، لأنهما(3) إنما يكونان حجة حيث يعلم الحكم منهما، لا من غيرهما، وهو هنا معلوم منه(4)، وإنما فعلهما لغرض جملي وهو حسم القالة بما يَلْزَم الخصم على أصله(5)، وتَرَكَ تبيين أنها ليست بطريق شرعي لظهور ذلك.
فأما سكوته مع عدم العلم، فليس بحجة، خلافاً (لبعض الظاهرية).
(186) فصل ويقع التعارض بين قوله وفعله، بحيث يمنع كل منهما مقتضى الآخر، فيكون أحدهما مخصصاً أو ناسخاً.
والقسمة العقلية تقتضي أن يكون وقوعه بين فعلين، أو قولين، أو فعل وقول، أو عكسه(6).
فأما الفعلان فإن كانا متماثلين كصلاتين في وقتين، أو مختلفين كصلاة وصوم، فلا تعارض بينهما اتفاقاً.
__________
(1) يعني: أن سكوته ليس تقريراً؛ لأنه منكر له من أصله.
(2) سقط من (أ): جمهور.
(3) أي: سكوته واستبشاره.
(4) أي: من غيرهما.
(5) لأنهم كانوا يقولون: زيد بن محمد، فجاءت القيافة وهم مؤمنون بها ـ على خلاف قولهم.
(6) يعني: أن القسمة العقلية تقتضي ثمانية أقسام، وإن لم تقع بالفعل جميعها.(1/214)


واختلف في المتضادين كصوم وأكل /176/. (فأكثر أئمتنا، والجمهور) على أنه لا تعارض بينهما، لجواز الأمر بأحدهما في وقت، والإباحة في آخر، إلا أن يدل دليل على وجوب تكرار الأول عليه أو على أمته، أو عليه وعليهم. فالثاني ناسخ لحكم الدليل الدال على التكرار لا لحكم الفعل؛ لعدم اقتضائه التكرار(1). (المنصور، وأبو رشيد): بل يتعارضان. وهو(2) لفظي، إذ مراد منكري التعارض أنه لا يمكن فيهما بمجردهما، وهو اتفاق، ومراد مثبتيه أنه يكون فيهما باعتبار ما ينضم إليهما من القرائن اللفظية، وهو اتفاق.
وأما القولان فيتعارضان كما تقدم، فيكون أحدهما مخصِّصاً أو ناسخاً، وهو ظاهر.
وأما الفعل والقول ففيهما أربعة أقسام.
__________
(1) يعني: لأن الفعل لا يقتضي التكرار بنفسه، بل بدليل خارجي، فالنسخ له لا للفعل.
(2) أي: الخلاف بين القائلين بالتعارض ومنكريه.(1/215)

43 / 66
ع
En
A+
A-