ومنكر النص الجلي فاسق لا كافر، خلافاً (لأكثر الإمامية). ومنكر النص الخفي متأولاً مخطئ قطعاً، عند (جميع العترة، وشيعتهم)، واختلفوا، فجزم (أقلهم) بفسقه(1)، و(متأخروهم، وبعض قدمائهم) بتوليه(2)، وتوقف (جمهورهم)(3).
(178) فصل ومعارضه من الأدلة إن كان عقلياً لا يجوز تغييره، وجب /166/ تأويل الإجماع إن أمكن، وإلا قطع بكذبه على الأمة، وإنما يتقدر ذلك في ظنيِّه. وإن جاز تغييره، فالمعتبر الإجماع قطعياً كان أو ظنياً. وإن كان شرعياً، فإن كانا قطعيين؛ فقال (الحفيد، وغيره): يمتنع ذلك، إذ لا تعارض بين القواطع، والنسخ متعذر؛ لأن الإجماع لا يُنْسَخ ولا يُنْسَخ به، والمختار: اعتبار الإجماع دونه؛ لأنهم لا يجمعون إلا وقد علموا نسخه، وإن كانا ظنيين فإن أمكن تخصيص المعارض بالإجماع خصص به، لا عكسه، وكذا المعارض القطعي؛ لأن الإجماع لا يقبل تخصيصاً، وإن لم يمكن فالوقف حتى يظهر مرجح، أو الإطراح أو التخيير كما تقدم في النسخ. وإن كان أحدهما قطعياً والآخر ظنياً فالمعتبر القطعي.
وإذا تعارضت رواية الإجماع والخلاف في شيء حُمِلَتَا على الصدق إن أمكن، وإلا فرواية /167/ الخلاف أولى.
(179) فصل ومراتبه سبع:
__________
(1) ذكر في الحواشي منهم: الإمام أحمد بن سليمان، وقال الجلال: الظاهر أن حكمهم بالفسق إنما هو لتوهم الجلاء، وإلا فالحكم بفسق مخالف الخفي جزاف بيِّن.
(2) ذكر في الحواشي منهم: الإمام علي، والإمام زيد في رواية المؤيد بالله.
(3) ذكر في الحواشي منهم: الحسين، وعبد الله بن الحسن ،وأولاده الأربعة، وقال: وهو الأشهر عن زيد بن علي، وابنيه يحيى وعيسى، وأحمد بن عيسى، والصادق والباقر.. ثم قال: والأشهر أنه رأي أئمة أهل البيت وشيعتهم. وفي (تعليق الشرح): قال المؤيد بالله: ما أعلم أن أحداً من العترة يسب الصحابة، ومن قال ذلك فقد كذب.(1/206)
[1] ما جرى عليه السلف والخلف، ولم يعلم فيه خلاف، وهو عزيز لا يكاد(1) يوجد إلا فيما علم من ضرورة الدين، كأصول الشرائع، وإنما لم يحتج إليه فيها لحصول ما هو أقوى منه.
[2] ثم ما انفرد به السلف.
[3] ثم ما لم ينقرض عصره.
[4] ثم ما افترقوا فيه على قولين، ثم اتفقوا على أحدهما.
[5] ثم ما افترقوا فيه على قولين ومضوا عليهما، ثم أتى التابعون بعدهم فأجمعوا على أحدهما.
[6] ثم ما أفتى به بعض وعلم البعض الآخر وسكتوا.
[7] ثم ما انعقد من أهل العصر معاً إلا واحداً أو اثنين.
ومسائله قليلة، فلتراجع بسائطها، وأكثرها ظني.
الأفعال
[11] باب الأفعال وما يجري مجراها
[بحث في عصمة الأنبياء]
(180) فصل اختلف في عصمة الأنبياء عليهم السلام، فعند (الإمامية، وبعض الفقهاء، والأشعرية): أنهم معصومون من الكبائر والصغائر عمداً وسهواً. (الإمامية) /168/: إلا على وجه التَّقِيَّة. (الحشوية، والكرامية، والخوارج، وبعض الأشعرية): غير معصومين عنها، وتقع منهم عمداً وسهواً. (أئمتنا، وجمهور المعتزلة، والغزالي): معصومون عن الكبائر، ويجوز عليهم الصغائر إلا ما فيه خسَّة(2)، فيمتنع اتفاقاً. وكذا ما يتعلق بالتبليغ كالكتمان.
واختلفوا في كيفية إقدامهم عليها، فعند (الهادي، وأبي علي، وأبي عبد الله، والقاضي): على جهة التأويل. (النظام، وابن مبشر)(3): على جهة السهو، وليس بمعفو عنه. (جمهور أئمتنا، وأبو هاشم): بل يقدمون عليها عمداً وسهواً، ولا يقرون عليها.
__________
(1) سقط من (أ): يكاد.
(2) في (ب): كسرقة بصلة. ويظهر أنها حاشية.
(3) ابن مبشر، هو: جعفر بن مبشر بن أحمد الثقفي، من كبار شيوخ المعتزلة، توفي سنة أربع وعشرين ومأتين. تاريخ بغداد 7/162.(1/207)
(الجمهور): ويجب خفاؤها، ولا يعلمون صغرها إلا بعد فعلها، كالمكروه منهم على الأصح(1).
وانعقد الإجماع على عصمتهم من تعمد الكذب في الأحكام. وجوزه (الباقلاني) غلطاً(2).
واختلف في وقت العصمة، فعند (الإمامية، وبعض الفقهاء، والأشعرية) /169/ إنه وقت الولادة. (أبو الهذيل، وأبو علي، وجمهور الأشعرية): وقت النبوءة. والمختار وفاقاً (لجمهور المعتزلة): أنه وقت التكليف.
__________
(1) يعني أنه يجب خفاء الصغيرة منهم؛ لأنهم في موقع القدوة ولا يعلمون صغرها؛ لأن ذلك يعني إقدامهم عليها عمداً، وذلك كوقوع المكروه منهم فإنه يقع لكن يجب خفاؤه، وقيل: أقل أفعالهم الإباحة، وسيأتي.
(2) زعم الباقلاني أن المعجزة إنما تدل على صدق النبي فيما هو متذكر له عامد إليه، وأما ما كان من النسيان وفلتات اللسان، فلا يدخل تحت التصديق المقصود بالمعجزة، أنظر: أحكام الآمدي 1/224.(1/208)
واختلف فيمن ثبتت منه، وفي كيفية ثبوتها، فقيل: ثبوتها من الله تعالى. ثم اختلفوا في الكيفية، فعند (أئمتنا، والمعتزلة) بالألطاف. وقيل: ببنية مخصوصة(1). وقيل: بمنعهم عن المعصية. وقيل: بل ثبوتها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ثم اختلفوا في الكيفية، فقيل: باختيار نفسه، وقيل: مع اللطف منه تعالى. وقيل: بل ثبوتها من الله تعالى والنبي وكيفيته بخلق الداعي، واللطف منه تعالى، وبفعل الطاعات، واجتناب الكبائر، ومعناه معنى ما قبله، وليس بمستقل في الأظهر(2).
(181) فصل في حقيقة التأسي والإتباع والموافقة والمخالفة والائتمام.
فالتأسي: إِيْقَاعُ فعل بصورة فعل الغير، على الوجه الذي فَعَلَ، مع قصد اتباعه، أو تَرْكُه كذلك، ويكون فيهما دون القول(3)/170/.
__________
(1) يعني أن الله يركبهم على بنية لا يعصون معها.
(2) لعل الأقرب في معنى العصمة أنها فضل معرفة بالله، يتبعها سلوك مستقيم، على وفق إرادة الله تعالى، يدعمها في حق الأنبياء عليهم السلام الاتصال بالوحي، بما فيه من شدة تثبيت، بالإضافة إلى أنها رعاية منهم لمقام النبوة الذي اختصهم الله وأكرمهم به، فدواعيهم كبيرة لكي يكونوا على مستوى التكريم والمسئولية، هذا مع ما ينالونه من زيادة الهدى نتيجة لجهادهم وتحملهم المشاق العظيمة، وهكذا اجتمعت مجموعة دواعي وصوارف أنتجت العصمة.
(3) يعني أن التأسي الإتيان بمثل فعل الغير في شكله وعلى وجهه من وجوب أو ندب.. الخ، مع قصد التأسي لا مجرد الموافقة والصدفة، وكذلك التأسي في الترك، ولا يكون التأسي في القول.(1/209)
(ابن خلاد): لا يشترط قصد الاتباع. (أبو طالب، والحفيد): ويشترط فيه العلم بصورة المتأسى فيه، ووجهه من المتأسى به(1)، فلا تأسٍ بالمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في نحو رد الوديعة(2). والمختار وفاقاً (لأبي الحسين): أنهما لا يشترطان، فنحن متأسون به في ذلك.
وأما اعتبار الزمان والمكان وطول الفعل وقصره في التأسي، فإن علم دخولها في قصد المتأسى به اعتبرت، كرمضان في الصوم، وعرفة في الوقوف، والطمأنينة في أركان الصلاة، واقتصاد الإمام في قراءتها، وإن علم عدم ذلك لم يعتبر، وإن التبس فمقتضى كلام (أبي طالب، والحفيد، وأبي عبد الله) اعتبارها، ومقتضى كلام (القاضي، وأبي الحسين، والشيخ) عدم اعتبارها(3).
والاتباع: المصير إلى ما تُعُبدنا به على الوجه الذي تُعُبِّدنا به، لأنا تعبدنا به، وهو أعم من التأسي /171/؛ لأنه يكون في القول، بمعنى: إنا نقول كقوله صلى الله عليه وآله وسلم، أو نعمل بمقتضاه من وجوب أو ندب أو غيرهما، وفي الفعل والترك كالتأسي من غير فرق.
والأظهر أن التأسي قد يكون في القول، وعلى هذا فلا فرق بينه وبين الاتباع.
والموافقة في القول: أن نقول كقوله، وإن لم يكن لأنه قال. وفي الفعل أن نفعل كفعله، وإن لم يكن لأنه فعل. وفي الترك أن نترك كتركه، وإن لم يكن لأنه ترك. وفي الاعتقاد كذلك(4).
والمخالفة: نقيض الموافقة.
__________
(1) يعني أنه يشترط ألاّ تعلم الصورة والوجه إلا من جهة المتأسى به.
(2) وذلك لعدم تعدد وجوهها؛ إذ ليس فيها غير وجه واحد.
(3) يعني أن المقصود في التأسي والإستنان هو الإتيان بصورة الفعل ووجهه بقصد الاتباع، وأما ظروف الفعل وأحواله الزائدة على صورته ووجهه فتدور مع القرينة ثبوتاً وعدماً، فإن التبست فقولان: تعتبر أو لا.
(4) يعني: فالفرق بينها وبين التأسي والاتباع أنهما بشرط؛ لأنه قال: أو فعل أو ترك، بينما الموافقة أعم، فكل اتباع وتأس موافقة ولا عكس.(1/210)