(أئمتنا، والجمهور): وليس لهم أن يجمعوا جزافاً، وقيل: يجوز إذ هم مفوضون، وللصواب معرضون، ومرجعه إلى قول (مويس بن عمران)(1).
(171) فصل وإذا أجمع على موجب خبر متواتر؛ فإن كان نصاً جلياً وتواتر في عصر المجمعين وبعدهم فهو مستند الإجماع اتفاقاً، وإن لم يتواتر بعدهم وعُلم بدليل أنه مستنده فكذلك، وإن لم يُعلم فعند (أئمتنا، والجمهور): أنه مستنده قطعاً، وعند (أبي عبد الله): لا يقطع به. وإن لم يكن نصاً جلياً جاز أن يكون مستنده أو غيره من دلالة أو أمارة.
وأما الآحادي فإن علم أنهم أجمعوا على ذلك بإن نصوا على ذلك أو تنازعوا أو توقفوا ثم انقطع التنازع أو التوقف عنده أو عرف بالنظر أنه المستند فهو المستند اتفاقاً، وهو حينئذ قطعي في الأظهر، وكذا /161/ إن انقطع التنازع أو التوقف بالقياس، وإن لم يعلم أنهم أجمعوا لأجله، فالمختار وفاقاً (لأبي عبد الله، وأبي الحسين): أنه لا يقطع بذلك، خلافاً (لأبي هاشم). وقال (الحفيد): إن كان في باب الاعتقاد أو ما يترتب عليه كالموالاة والمعاداة علم أنهم أجمعوا لأجله، وإن كان عملياً محضاً فلا قطع، وفيه نظر.
__________
(1) مويس بن عمران أبو عمران، ويقال له موسى، وهو من علماء المعتزلة، ويعد في الطبقة السابعة من طبقاتهم، لم أقف له على تاريخ وفاة.(1/201)


(172) فصل (الإمامية، وجمهور أئمتنا): وقول الوصي وفعله حجة(1)؛ للعصمة وغيرها من الأدلة. (الجمهور): ليس بحجة. (بعض أئمتنا): أرجح من غيره(2). ثم اختلفوا فقيل: مع كونه غير حجة. وقيل: مع الوقف. فأما ما الحق(3) فيه واحد فاتفق (أئمتنا) على أن قوله حجة(4).
وعلى القول بأنه حجة، فقيل: مخالفه فاسق، وقيل: آثم، وقيل: مخطئ، وقيل: بالوقف.
ولا حجة في قول غيره من الصحابة، خلافاً (للشافعي، ومحمد، وأبي علي، وأبي عبد الله، وبعض المحدثين)، و(لأبي حنيفة) /162/ إن خالف القياس(5). ولا في إجماع الخلفاء الأربعة، خلافاً (لأحمد، وأبي خازم)(6). ولا العمرين(7) خلافاً لقوم. ولا أهل الحرمين خلافاً لقوم، ولبعضهم في أهل مكة، و(لمالك) في أهل المدينة. ولا المصرين(8) على الأصح. ولا في قول الإمام خلافاً (لأبي العباس، والإمامية). ولا في إجماع غير هذه الأمة على الأصح.
(أئمتنا، والجمهور): ولا يشترط عدد التواتر، خلافاً (للجويني، وغيره)، فلو لم يبق إلا دون أقل الجمع، فالمختار أنه حجة قاطعة، خلافاً (للدواري، والسبكي، وغيرهما).
__________
(1) معنى الحجة: حرمة المخالفة، ووجوب الموافقة، فإذا رأيت بعض أئمتنا يخالف الوصي، فإما لأنه لم يصح له عنه، أو لأنه لا يعتبر قوله حجة.
(2) وذلك لا يكون إلا للمقلد، أما المجتهد فقد نص العلماء على عدم حجية مجتهدي الصحابة عليه.
(3) في (أ): فيما الحق .
(4) إذ الحق مع واحد، فلو قلنا بأنه مع غيره لَنَافَى العصمة والحجية.
(5) لأنه يكون بذلك توقيف.
(6) أبو خازم بالخاء المعجمة، هو: عبد الحميد بن عبد العزيز القاضي، أصله من البصرة وولي القضاء بالشام والكوفة والكرخ، من كبار علماء الحنفية، توفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين. طبقات الحنفية 1/296.
(7) يقصد بالعمرين أبو بكر وعمر.
(8) أي: الكوفة والبصرة.(1/202)


(173) فصل وإذا اختلفت الأمة على قولين في مسألة أو مسألتين فصاعداً، ففي إحداث قول ثالث خلاف. فعند (أئمتنا، والجمهور): لا يجوز مطلقاً، وهو أحد قولي (المؤيد). وعند (الظاهرية) يجوز مطلقاً، وهو أحد قولي /163/ (المؤيد)، وظاهر كلام (أبي العباس). وقال (المنصور، وأبو الحسين، والشيخ، والمتأخرون): إن رفع ما اتفقا عليه لم يجز، كحرمان الجَدّ، وتعميم نفي النِّية في الطهارات، وإلا جاز(1) كالعزل عن الزوجة المملوكة، وكفسخ النكاح ببعض العيوب الخمسة(2).
(174) فصل وإذا استدلت الأمة بدليل أو عللت بعلة أو تأولت بتأويل، فإن نصت على منع خلاف ذلك لم يجز إحداثه، وإن نصت على جوازه معيناً أو مبهماً جاز، وإن لم تنص فعند (أكثر أئمتنا، والجمهور) أنه يجوز، وعند (بعض المعتزلة، والشافعية) لا يجوز، وتوقف (أبو الحسين) في إحداث دليل أو تعليل، وكذا (أبو عبد الله)، ومنع هو و(بعض أئمتنا، وجمهور المتكلمين) من إحداث تأويل. (المنصور): إن كان الدليل أو التأويل من جهة النقل امتنع، لا من جهة النظر فجائز.
(175) فصل ويمتنع عدم علم /164/ الأمة بخبر أو دليل ليس معه غيره مع العمل بمقتضاه أو عدمه، واختلف في جواز عدم علمهم بخبر أو دليل راجح مع العمل بمقتضاه، واستدلالهم بموافقة المرجوح، فقيل: يجوز. وقيل: لا يجوز. والمختار: امتناع ذلك فيما كان مشهوراً، وجوازه في غيره.
__________
(1) يعني: وإن لم يرفع القولين الأولين جاز إحداثه.
(2) التي هي: الجنون، والجذام، والبرص، والرق، والْجَبّ في الرجل. والقرن، والرتق في المرأة.(1/203)


ويمتنع قبولهم لخبر ظاهره الصحة وباطنه البطلان(1)؛ للزوم استنادهم إلى باطل في نفس الأمر، بخلاف المجتهد(2).
(176) فصل (أئمتنا، والجمهور): وتمتنع ردة الأمة وفسقها سمعاً(3)، خلافاً لقوم، وكذا العترة عليهم السلام، لا اتفاقهم على الجهل بما لم يكلفوا به(4) على الأصح، لعدم الخطأ، فأما انقسامهم فرقتين كل مخط في مسألة ومصيب في الأخرى، فالأصح جوازه(5).
[أنواع الاجماع ومراتبه]
(177) فصل وينقسم إلى: (قطعي)، وهو المتواتر الصادر من جميع الأمة أو العترة المعتبرين المعلوم قصدهم فيه(6). وكذا المتلقى بالقبول على الأصح. (وظني)، وهو خلافهما /165/.
ويقدم القطعي على الكتاب والسنة والقياس، (بعض المتكلمين، والفقهاء): ومخالفته(7) كفر. (أئمتنا، والجمهور): بل فسق. (الآمدي، والرازي): لا أيهما. فأما مخالفة مقتضاه فمعصية لايقطع بكبرها إلا لدليل.
__________
(1) وهذا في الواقع هو ثمرة الإجماع أنه يرتقي بالخبر الظني إلى مرتبة الحجية ظاهراً وفي الواقع، بحيث لا يصح أن نجوز مثلاً عدم صحته، إذ ذلك مناف لكون الإجماع لا يكون على خطأ عند القائلين بحجيته.
(2) فقد يستند إلى حديث ظاهره الصحة عنده، وهو غير صحيح في الواقع، إذ ليس بمعصوم ولكنه معذور بعد البحث.
(3) أي: دل السمع على أنها لا تجمع على الردة أو الفسق، إذ ذلك خلاف الدليل.
(4) كالحروف المقطعة ومبهمات القرآن.
(5) هذه نظرة صائبة موفقة فحواها أن الخطأ والصواب ليس حكراً على فرقة بعينها في كل مسألة.
(6) ولا يكاد يوجد إلا في المعلوم بضرورة الدين فقط، وهو الجمل عقيدة وشريعة.
(7) أي: الإجماع القطعي.(1/204)


واختلف (أئمتنا) في مخالفة إجماع العترة عليهم السلام القطعي، فقيل: فسق(1)، وقيل: إثم، وقيل: خطأ، وهو المقطوع به في قضاء أبي بكر في فدك(2).
ولا يكفر ولا يفسق منكر كونهما حجة؛ إذ لا دليل، وإن قطع بخطئه.
فأما ما علم من ضرورة الدين كالعبادات الخمس ونحوها فمنكره كافر اتفاقاً.
__________
(1) قال الإمام يحيى بن حمزة في مقدمة (الانتصار): وأما إجماع العترة فهو حق وصواب لظاهر الآية والخبر، ولا يفسق من خالفه لعدم الدلالة على فسقه. والفسق إنما يكون بدلالة قاطعة شرعية، وليس في ظاهر الآية والخبر ما يدل على فسق من خالفه. وهل يكون قاطعاً فيما تناوله أم لا؟ فيه نظر وتردد، والأقرب أن دلالته ظنية، كظواهر الآيات القرآنية ونصوص السنة المنقولة بالآحاد، وكالإجماعات من جهة الأمة التي نقلت على طريق الآحاد، لما في ظاهر الآية والخبر ـ الدالين على كونه حجة ـ من الإحتمال. وإذا كان مظنوناً جاز مخالفته بالإجتهاد، ولهذا فإنك ترى كثيراً من المسائل التي وقع فيها إجماع العترة، الخلاف من جهة الفقهاء فيها ظاهر، والإجتهاد فيها مضطرب من غير نكير منا في المخالفة ولا تأثيم للمخالف ولا تحريج عليه، ولو كان إجماعهم قاطعاً لحرم الإجتهاد ولكان الخطأ مقطوعاً به. وفي هذا دلالة على كونه ظنياً وأنه لا يحرم الإجتهاد.أهـ.
(2) بناء على أنه خلاف إجماع العترة في ذلك العصر، وهم الأربعة عليهم السلام، ولم يطلع على حجة إجماعهم، أو اطلع ولكن رآها ظنية أو رآها قطعية، ولكن خصصها بما روى من حديث: "نحن معاشر الأنبياء" وهو قطعي عنده، والكلام هنا في مخالفة القطعي من اجماع العترة لا الظني، فتنبه لذلك.(1/205)

41 / 66
ع
En
A+
A-