هو لغة: العزم، والاتفاق. واصطلاحاً: قسمان: عام، وخاص.
فالعام: إجماع الأمَّة، وهو: اتفاق المجتهدين من المؤمنين من الأمة في زمن مّا على أمر مّا.
ومن يرى انقراض العصر يزيد: إلى انقراض العصر /150/. ومن يرى أنه لا ينعقد مع سبق خلاف مستقر، وجواز اتفاق أهل العصر الثاني على أحد قولي أهل العصر الأول، يزيد: لم يسبقه خلاف مستقر.
والخاص: إجماع العترة، وهو: اتفاق المجتهدين من المؤمنين من العترة، كذلك.
والإجماع ممكن عقلاً من الصحابة وغيرهم اتفاقاً.
واختلف في وقوعه، فعند (أكثر أئمتنا، والجمهور): أنه قد وقع مطلقاً، وقيل: لم يقع مطلقاً. (المنصور، والإمام، والرازي، وأحد قولي أحمد): وقع من الصحابة دون غيرهم. (المؤيد، والإمامان(1)، والأمير الحسين)(2): ومن الأربعة فقط(3).
__________
(1) يعني: المنصور والإمام يحيى، وقد تقدمت ترجمتاهما.
(2) الأمير الحسين بن بدر الدين محمد الهادوي، من علماء الزيدية في اليمن، له مؤلفات في فنون عدة، توفي سنة اثنتين وستين وستمائة.
(3) يعني: أنه لم يقع إجماع من العترة إلا من علي وفاطمة والحسنين عليهم السلام، فما بالك بدعوى إجماع الأمة.. وبقول هؤلاء الأعلام يتبين لك قيمة الإجماعات التي كثيراً ما تُدَّعى، وأن غايتها إفادة الظن في حق من ادعاها، ولا تلزم غيره.(1/191)
(157) فصل وإجماع الأمة حجةٌ - عند الجميع مطلقاً؛ للدليل القاطع(1) - شرعيةٌ فقط، خلافاً لشذوذ. ولا اعتداد(2) بمن قال: ليس بحجة مطلقاً، (كالإمامية، والنظام(3)، والخوارج)(4). أو من غير الصحابة، (كالظاهرية). أو إذا كان ظنياً.
(أئمتنا، والجمهور)، وهو /151/ قطعي(5) إذا كان معلوماً. (الآمدي، والرازي): ظني مطلقاً(6).
__________
(1) ينظر في قطعية دليل حجية الإجماع فللمحققين في ذلك كلام كثير، وخلاف طويل يمكن مراجعة طرف منه في (نظام الفصول).
(2) هذا الحكم لا يثبت إلاَّ بعد بيان من يعتبر قوله في الإجماع ومن لا يعتبر، وذلك يتوقف على الأدلة وهي قسمان: قطعي وظني، أما القطعي فلا مدخل له في تحديد من يعتبر في الإجماع ومن لا يعتبر، وأما الظني فهو خاضع لاختلاف الناس، والخلاف يحول دون أن يحكم أحد على نفسه بالضلال وأنه لا يعتبر في الإجماع. لذا قال العلامة الجلال: "وما المرجح لعدم اعتداده بخلافهم على عدم اعتدادهم بخلافه".
(3) النظام، هو: أبو إسحاق ابراهيم بن سيار النظام، علامة مناظر شهير، يعتبر من كبار شيوخ المعتزلة، توفي سنة إحدى وثلاثين وماتين. طبقات المعتزلة 25.
(4) هؤلاء يحكى عنهم الخلاف في إمكانه وفي وقوعه، ولاشك في أن حجيته تنبني على وقوعه.
(5) يعني قطعي المتن لا قطعي الدلالة.
(6) واختاره الإمام المهدي في (المنهاج)، والحسين بن القاسم في شرح الغاية؛ لأن كونه دليلاً وحجة إنما ثبت بأدلة ظنية لا ترقى إلى مقام القطع كما تقدم للمؤلف.(1/192)
واختلف في إجماع العترة عليهم السلام، وهم: الأربعة المعصومون، ثم أولاد الحسنين من جهة الآباء في كل عصر(1)، فعند (العترة، وشيعتهم، والشيخين، وأبي عبد الله، والقاضي في رواية، وغيرهم): أنه حجة للدليل القاطع. وعند (الأكثر، ورواية عن القاسم) - مغمورة - ليس بحجة(2).
ومَعْلُومُهُ حجةٌ قطعية في العلميات، كالنص المعلوم، فيحرم مخالفته. وفي كونه كذلك في العمليات، خلاف بين (أئمتنا). والمختار أنه كذلك. فأما ظَنِّيُّهُ وظنيُّ إجماع الأمة، فكالآحادي، ولا يقدم(3) عليهما إلا لمرجح، كصحة سند.
وتعتبر نساؤهم المجتهدات المؤمنات(4)، فإن لم يبق منهم إلا مجتهد(5) فحجة في الأصح(6).
(158) فصل وينعقدان بالقول، أو الفعل، أو الترك، أو السكوت مع الرضا، أو بما أمكن تركيبه منها.
والطريق إليهما في حق الحاضر: سماع القول، أو مشاهدة الفعل، أو نحوهما. وفي حق /152/ غيره النَّقل.
وقد يفيد العلم الضروري كالمتواتر، أو العلم الاستدلالي كالمتلقى بالقبول على الأصح، أو الظن كالآحاد، وهو(7) حجة عند (أئمتنا، والجمهور)، خلافاً (لأبي عبد الله، وأبي رشيد، والغزالي)، وتوقف قوم.
__________
(1) ولا يعتبر في الاجماع منهم إلا المجتهدون، كما في إجماع الأمة.
(2) سيأتي أنه لا يكفر ولا يفسق منكر حجية الإجماع، سواء منه الخاص أو العام والقطعي أو الظني؛ إذ لا دليل.
(3) أي: الخبر الآحادي، على الإجماعين.
(4) أي نساء الأمة والعترة، وهذه نظرة عقلانية مستقيمة للمرأة ليس فيها هضم، فالاجتهاد باب مفتوح ليس في يد أحد سدّه على من عداه، ما دام أهلاً لذلك، فالعبرة بالكفاءة والأهلية.
(5) في (أ) إلا واحد.
(6) لأن غيره من المقلدين لا يعلم الحق، وإن عمل به مصادفة، واعترض على هذا بأن الحجة إنما هي في الاجتماع كما هو ظاهر الأدلة.
(7) أي: الإجماع المنقول بالآحاد.(1/193)
(159) فصل وإذا قال بعض وسكت الباقون، فإن عُلم أن سكوتهم عن رضا، فإجماع، وإن لم يعلم؛ فإن كان مما لا تكليف فيه علينا، كالقول بأن عماراً أفضل من حذيفة، فلا إجماع ولا حجة، وإن كان مما فيه تكليف؛ فإن كان قطعياً، وكان لسكوتهم محمل غير الرضا، كإمامة الثلاثة(1) ، فكذلك(2)، وإن لم يكن له محمل فإجماع(3)، وإن كان اجتهادياً، قبل تقرر المذاهب(4)، فاختلف في ذلك على القول بالتصويب مع انتشاره(5)، فعند (أكثر الفقهاء): أنه إجماع. (أبو علي)، ومع انقراض العصر(6)، ويُسمى: استدلالياً. وعند (المتوكل(7)، والمهدي، وأبي هاشم، /153/ والكرخي، وعن الشافعي)(8): حجة لا إجماع. وهو الظاهر من كلام (الهادي). (جمهور أئمتنا، وأبو عبد الله، والظاهرية، والأشعرية، وعن الشافعي): لا إجماع ولا حجة(9). (ابن أبي هريرة): إن كان مفتياً(10)
__________
(1) قال في (النظام): بناء على أن الإمامة قطعية، وأنه لم ينكر أحد إمامتهم، وفي المقامين نزاع طويل.
(2) أي: لا حجة ولا إجماع لعدم تحقق الرضى.
(3) لأن السكوت على مخالفة القعطي لغير عذر لا يصدر عن عدول الأمة.
(4) أما بعد تقرر المذاهب فلا يعتبر السكوت سكوت موافقة؛ لأنه قد تعورف على عدم الإنكار في الاجتهاديات، فليس السكوت على شيء تقريراً.
(5) أي: انتشار ما وقع السكوت عليه، أما إذا لم ينتشر فلعل السكوت عنه للجهل به، فلا يكون تقريراً.
(6) عطف على: مع انتشاره.
(7) المتوكل، هو: الامام المتوكل على الله أحمد بن سليمان، أحد أئمة الزيدية في اليمن، له كتب، منها في أصول الفقه: (الزاهر) و(المدخل) وأخباره كثيرة، توفي سنة ست وستين وخمسمائة.
(8) في (ب): وعند الشافعي.
(9) فيكون دعوى الإجماع على مقتضى قول هؤلاء عاطلة وضائعة؛ لأن معظم الإجماعات من هذا القبيل، إلا على كلام بعض المحققين من أن كثيراً من دعاوى الإجماع عائدة إلى أن الحاكي لم يعلم مخالفاً، وعدم علمه ليس دليل العدم.
(10) في (ب) معيناً وفي (ط) معنياً، والصواب ما أثبته، والمعنى: إن كان الفاعل للمسكوت عنه مفتياً.(1/194)
فإجماع، وإن كان حاكماً فلا إجماع ولا حجة(1). وعكَّس (المروزي).
وإن لم ينتشر ولم يعرف له مخالف فقيل: إجماع، وقيل: حجة. والمختار(2) وفاقاً (للجمهور): أنه غير إجماع ولا حجة. (الملاحمية، والرازي): إن عمت به البلوى فحجة، وإلا فلا.
والقول بما لم ينصوا على إثباته ولا نفيه؛ لا يخالف الإجماع، وقد وهم في ذلك (أبو جعفر)(3).
(160) فصل (أئمتنا، والجمهور): ولا يشترط في انعقاد الإجماع انقراض عصر المجمعين، خلافاً (لأحمد، وابن فورك) مطلقاً، و(لأبي علي) في السكوتي، و(الجويني) فيما مستنده قياس(4).
(161) فصل (أئمتنا، والجمهور): ويُعتبر من /154/ لم يشتهر بالفتيا من المجتهدين(5)، خلافاً (لابن جرير). والتابعي المجتهد مع الصحابة إذا بلغ رتبة الاجتهاد وقت إجماعهم، خلافاً (للظاهرية)، فإن نشأ بعد إجماعهم اعتبر عند من اشترط انقراض العصر.
__________
(1) وعلل ذلك بأن الاعتراض على الحاكم ليس من الأدب، فلعل السكوت لذلك، وأيضاً فالحكم في المختلف فيه ليس فيه إنكار. انظر: المنهاج للسبكي 2/380.
(2) في (ب): وهو المختار.
(3) وهو محمد بن يعقوب الهوسمي، حيث زعم أن كلما سكتوا عن القول به فقد قالوا بعدمه، ويذكر أنه ادعى على الإمام الهادي في بعض المسائل أنه خالف الإجماع، ومثل أبي جعفر - إن صحت الرواية عنه - في هذا العصر كثير ممن يحجرون على الاجتهاد والإبداع بدعوى مخالفة الإجماع، فكم ترك الأوَّل للآخر.
(4) لأنه يمكن أن يرجع بعض المجمعين، ويجتهد في إطار العصر من لم يكن بلغ رتبة الاجتهاد، فلا يستقر إجماع لعدم استقرار من يعتبر فيه.
(5) إذ مناط الاعتبار الاجتهاد لا الشهرة.(1/195)