(146) فصل ويجوز نسخ قوله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله، فالمتواتر والآحاد بمثلهما، والآحادي بالمتواتر، وكذا نسخهما بالقرآن، خلافاً (لبعض أئمتنا، وأحد قولي الشافعي). لا المتواتر بالآحادي خلافاً (للظاهرية، وبعض الفقهاء)، [وهو مقتضى كلام المؤيد بالله](1). وقال (الإمام): يجوز في حياته صلى الله عليه وآله وسلم لا بعد وفاته، فأما تخصيصه به فجائز كما تقدم.
(147) فصل ويجوز نسخ القرآن بالمتواتر عند (أكثر أئمتنا، والجمهور)، خلافاً (للقاسم، وابنه محمد(2)، والناصر، وابن حنبل، وكذا الهادي(3)، والشافعي في رواية). واختلف مانعوه، فقيل: عقلاً، وقيل سمعاً، فأما بالآحادي فممتنع خلافاً (للظاهرية).
(148) فصل /142/ ويجوز نسخ القرآن بفعله، وفعله بالقرآن، وقوله بفعله، وفعله بقوله، وكذا فعله بفعله عند (أكثر أئمتنا، والجمهور)، بعد العلم بالوجوه التي يقع عليها، إذ لا دلالة للأفعال بمجردها حتى يقع بينها التعارض. (المنصور، وأبو رشيد)(4)، بل تتعارض فينسخ بعضها ببعض.
(149) فصل ويُنسخ تركه ويُنسخ به كفعله. ويعرف كونهما ناسخين بوقوعهما بعد عامٍّ يشمله وغيره، ويقتضي التكرار، ثم يفعل الضد أو يترك، مع التراخي.
وينسخ تقريره عند (أئمتنا، والجمهور)، وينسخ به خلافاً (لأبي عبد الله).
__________
(1) سقط ما بين المعكوفين في (ب) فقط.
(2) محمد بن القاسم، هو محمد بن القاسم بن إبراهيم الرسي، من كبار علماء الزيدية كان على نمط والده في سعة العلم والزهد والورع، وكان من مؤيدي ابن أخيه الإمام الهادي، توفي سنة أربع وثمانين ومائتين.
(3) الهادي، هو الإمام أبو الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي، كبير أئمة الزيدية باليمن، وإليه ينسب المذهب الهادوي في الفقه، توفي سنة ثمان وتسعين ومائتين.
(4) أبو رشيد، هو: سعيد بن محمد بن سعيد النيسابوري، من شيوخ المعتزلة، له في الأصول كتاب بعنوان: (ديوان الأصول)، توفي حوالي منتصف القرن الخامس.(1/186)


(150) فصل ولا يُنسخ الإجماع ولا ينسخ به عند (أئمتنا، والجمهور)، خلافاً (لأبي الحسين الطبري، وأبي عبد الله) فيهما، و(لأبي علي، والقاضي، وابن إبان) في النسخ به، كما إذا اختلفت الأمة على قولين في مسألة فهو إجماع على أنها اجتهادية، فإذا أجمع أهل العصر الثاني على أحدهما نسخ الأول بالثاني /143/.
(151) فصل ولا يُنسخ القياس مطلقاً عند (أئمتنا، والجمهور)، وهو بيان انتهاء حكم الفرع مع بقاء حكم أصله، وقيل: يجوز مطلقاً. (القاضي): يجوز إذا كان ظنياً. و(أبو الحسين، والرازي): يجوز في حياته صلى الله عليه وآله وسلم بنص أو إجماع أو قياس أقوى، لا بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم.
(أئمتنا، والجمهور): ولا ينسخ به مطلقاً. (بعض الشافعية): يجوز مطلقاً، وبعضهم إن كان جلياً لا خفياً. (ابن الحاجب): يمتنعان إن كان ظنياً لا قطعياً، فينسخ بالقطعي في حياته صلى الله عليه وآله وسلم لا بعد وفاته، فيبين القطعي الثاني أن القطعي الأول منسوخ.
وأما التخصيص به فجائز كما تقدم، وكذا تخصيصه كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ونسخ حكم الأصل نسخ لحكم فرعه، لزوال اعتبار الجامع خلافاً (لبعض الحنفية).
(152) فصل ويجوز نسخ الأصل والفحوى معاً اتفاقاً، كالتأفيف والضرب. والأصل دونها، على المختار، خلافاً (للإمام، وأبي الحسين، /144/ وغيرهما)، واختلف في نسخها دونه، فمنعه (أبو الحسين، والرازي، وابن الحاجب، والقرشي)، وجوَّزه قوم. (ابن زيد)، وهو المذهب. وقال (الإمام، والحفيد): إن كان في معنى الأوْلى امتنع، نحو: ?وَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ?[الإسراء: 23]، وإلا جاز، كوجوب ثبات الواحد للاثنين، المفهوم من وجوب ثبات المائة للمائتين. وعن (القاضي) الأقوال الثلاثة.
وينسخ بها كالنهي عن التأفيف بعد الأمر بالضرب.
ويجوز نسخ دليل الخطاب وأصله معاً على القول به، ونسخه دون أصله، (وأصله دونه) (1).
ويجوز نسخ العملي به في الأصح.
__________
(1) سقط من (أ).(1/187)


(153) فصل والزيادة على النص إن لم يكن لها تعلق بالمزيد عليه كصلاة سادسة، فليست بنسخ خلافاً (لبعض الحنفية). وإن كان لها تعلق به، فإن كانت مقارنة له في خطاب واحد، كغسل الأيدي بعد الوجوه، أو واجبة بطريق التبعية كغسل جزء من الرأس بعد الأمر بغسل الوجه، أو مبينة لمجمل /145/، كإيجاب النية والترتيب بعد نزول آية الوضوء، ونحو هذه الصورة، فكذلك(1) اتفاقاً.
وإن كانت غير ذلك، كزيادة تُغَيِّر الإجزاء(2) أو قبح الإخلال(3) أو كون الأخير أخيراً(4)، أو نحو ذلك، فعند (الشيخين، والحنابلة، وأكثر الشافعية): أنها ليست بنسخ مطلقاً. (جمهور الحنفية): نسخ مطلقاً. (الكرخي، وأبو عبد الله): إن غيرت حكم المزيد عليه في المستقبل فنسخ، كزيادة عشرين في حد القاذف، وإلا فلا، كزيادة قطع رجل السارق بعد ذهاب يده. (أبو طالب، والقاضيان، والغزالي): إن غيرت إجزاء المزيد عليه كزيادة ركعة في الفجر فنسخ، وإلا فلا، كزيادة عشرين في حد القاذف. (القاضي): وكالتخيير في ثالث بعد(5) اثنين. (بعض الشافعية): إن بينت انتهاء مفهوم المخالفة فنسخ، وإلا فلا. (جمهور أئمتنا، وأبو الحسين، والرازي، وابن الحاجب): إن بينت انتهاء حكم شرعي فنسخ، وإن بينت أنتهاء حكم عقلي /146/ كالبراءة الأصلية، فليس بنسخ.
(الشيخ): وهذه حلقة مبهمة لا يخالف فيها من تقدم، لكن يتفرع على ذلك صور، منها:
زيادة عضو على أعضاء الطهارة، وليس بنسخ.
__________
(1) أي: ليست بنسخ.
(2) وذلك عند ما يكون الفعل مجزياً، وعندما وردت الزيادة لم يعد مجزياً.
(3) وذلك كزيادة كفارة على الكفارات الثلاث، فإنها قبل أن تزاد بشيء رابع، يقبح الإخلال بالثلاث.
(4) وذلك كلو زيد ركعة بعد ركعتين؛ لأنها إن كانت قبل التشهد، فهي نسخ لوجوبه بعدها، وإن كانت مزيدة بعده، فهي نسخ لوجوب التسليم بعد التشهد.
(5) في (ب): بين اثنين.(1/188)


وزيادة التغريب في حد الزاني، وعشرين في حد القاذف، فليست بنسخ، وفاقاً (لأبي الحسين)، وخلافاً (للحنفية، ولابن الحاجب) في التغريب.
وتقييد المطلق بصفة، كالرقبة المعتقة بالإيمان في الظهار، وليس بنسخ، وفاقاً (لأبي الحسين)، وخلافاً (للكرخي، وأبي عبد الله).
ومنها: زيادة ركعة في الفجر، وهي نسخ، لتغييرها الإجزاء عند (القاضي)، أو وجوب التشهد والتسليم عند (الشيخ).
والنقل من تخيير إلى تخيير، وهو نسخ، خلافاً (للإمام، وأبي الحسين والشافعية) (1).
ومن تخيير إلى تعيين، وهو نسخ.
ومن تعيين إلى تخيير، وهو نسخ، خلافاً (للإمام).
وبيان انتهاء مفهوم: (إنما، والغاية، والشرط)، وهو نسخ /147/. وثمرة الخلاف أن الظني كخبر الواحد، إذا ورد بالزيادة على النص المعلوم لم يُقبل عند القائلين بأنها نسخ، وقبل عند القائلين بأنها ليست بنسخ.
(154) فصل والنقص إن لم يكن له تعلق بالمنقوص منه، كإحدى الخمس، فليس بنسخ لغيرها، وإن كان له تعلق به كالنقص من النص، فنسخ للمنقوص ركناً أو شرطاً اتفاقاً، واختلف في الباقي، فعند (جمهور أئمتنا، والأكثر): أنه ليس بمنسوخ مطلقاً. (بعض الشافعية): منسوخ مطلقاً. (أبو طالب، والقاضي): إن كان المنقوص ركناً كركعة أو شرطاً متصلاً كالقبلة، فالباقي منسوخ، وإن كان شرطاً منفصلاً كالوضوء، فليس بمنسوخ، والفرق بينهما أن الركن لا استصحابه في جميع العبادة(2)، كالركوع والسجود، والشرط يجب استصحابه في جميعها كالوضوء. (أبو الحسين): كما تقدم. وثمرة /148/ الخلاف مثل ما مر في الزيادة.
(155) فصل وإنما يصار إلى النسخ بعد تعذر الجمع.
__________
(1) سقط من (أ).
(2) يعني: لا يكفي استصحابه في جميع العبادات، كالركوع والسجود، فإن بعض الصلاة خال عنها.(1/189)


ويتعين الناسخ: بعلم تأخره. أو بإجماع الأمة، أو العترة. أو بقول الشارع: هذا ناسخ، أو ما في معناه، مما يشعر به كنصه على نقيض حكم الأول، نحو: (( كنت نهيتكم ))(1) الخبر .. أو ضده، كتحويل القبلة. أو بتأخر إسلام راويه من غير واسطة. أو بتقدم صحبة راوي المنسوخ من غير واسطة، مع انقطاع صحبته بموت أو غيره، وكذا باسناده إلى غزوة متأخرة أو وقت أو مكان متأخر، فيقبل مطلقاً عند (القاضي). والمختار وفاقاً (لأبي الحسين) قبوله في المظنون فقط. وقوله: اعلم أن هذا منسوخ مقبول في المظنون دون المعلوم، لا نسخ كذا بكذا، فلا يقبل فيهما عند (الجمهور).
(الإمام، والحفيد): يقبل في المظنون.
فأما: نسخ كذا، أو هذا منسوخ من دون ذكر /149/ ناسخ، فمقبول عند (الكرخي، وأبي عبد الله) فيهما، وغير مقبول عند (المنصور، والقاضي، وأبي الحسين، والشيخ) فيهما. والمختار قبوله في المظنون دون المعلوم.
(156) فصل ولا يتعين الناسخ بنقل حكم العقل(2)، خلافاً (للقاضي). ولا بحسن الظن بالراوي، خلافاً (للطحاوي)(3). ولا بكون حكمه أخف. ولا بحداثة الصحابي. ولا المنسوخ بقبله في المصحف(4). ولا بموافقة شرع سالف.
وإذا لم يعلم ذلك، فالوقف عن العمل بأحدهما حتى يظهر مرجح عند من منع من التعارض على وجه لا يظهر معه ترجيح، واطراحهما أو التخيير بينهما عند مجوزه، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
والأحكام المنسوخة قليلة، فلتراجع بسائطها.

الاجماع

[10] باب الإجماع
__________
(1) أخرجه ابن الجارود في المنتقى 219 والترمذي 3/370 والنسائي 7/234 عن بريدة.
(2) يعني: فلا يكون الناقل هو الناسخ.
(3) الطحاوي، هو: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، إليه انتهت رياسة أصحاب أبي حنيفة بمصر، ولد سنة ثمان وثلاثين ومائتين، ومات سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. طبقات الفقهاء 1/ 148.
(4) يعني بثبوت أحد الإثنين بعد الآخر في المصحف.(1/190)

38 / 66
ع
En
A+
A-