ومنه مفهوم الظرفين، نحو: ?الحَجُّ أشْهُرٌ مَعْلُومَاتٍ?[البقرة: 197]، و?فاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ المشْعَرِ الحَرَامِ?[البقرة: 198]، ولا وجه لعده قِسْماً مستقلاً. ولا يعمل به عند (أئمتنا، والجمهور) مطلقاً. خلافاً (للدقاق، والصيرفي، وابن فورك(1)، وبعض الحنابلة) /132/ مطلقاً، و(لابن زيد، وتلميذه) في الجنس، فأما في التعليم فيعمل به(2).
__________
(1) ابن فورك، هو: أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني، من علماء الأشعرية، درس بالعراق وصنف كثيراً من الكتب، وذهب إلى نيسابور ومات هنالك، قبل وفاة الحاكم بسنة، قال الذهبي: مشهده بالحيرة يزار ويستجاب الدعاء عنده!! . انظر: سير أعلام النبلاء 17/214.
(2) مثل قوله (ص): "إذا اختلف البيعان في القدر والصيغة فليتحالفا وليترادا"، فإنه علمنا كيف نعمل عند التخالف.(1/176)


(137) فصل ودليل الخطاب المعمول به، إما أن ينقل حكماً عقلياً يجوز تغييره(1)، أو شرعياً عملياً، أو لا، إن لم ينقل؛ فهو مؤكِّد لحكم العقل، نحو: ?فِاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِيْنَ جَلْدَةً?[النور:4](2) أو لحكم الشرع نحو: إن لم تجد ماء فتيمم. بعد إيجاب التطهر بالماء إلا لعذر(3)، وإن نقل حكماً فإن كان ذلك الحكم عقلياً نحو: لا زكاة في المعلوفة. قبل ورود دليل شرعي على وجوبها في السائمة، فهو تأسيس(4)، وإن كان شرعياً نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( في الغنم السائمة زكاة )) (5) بعد قوله: في الغنم زكاة. فإن تراخى عن وقت الحاجة فناسخ، وإلا فمخصِّص.
وهو ظني إذا كان أصله ظنياً اتفاقاً، إذ لا يزيد عليه، واختلف فيه إذا كان أصله قطعياً، فعند (الحفيد) أنه في الاستثناء والغاية قطعي، وكذا الشرط عند قوم. وتردد بعض علمائنا في: (العدد /133/ وإنما)، وقيل: ظني مطلقاً.
__________
(1) بألاّ يكون مبتوتاً، بل مشروطاً كالضرر، فإن قبحه مشروط بألاّ يكون لعوض أواعتبار أو نحوهما.
(2) إذ مازاد ممنوع بحكم العقل، أي لا تزيدوا على ثمانين، وذلك موافق لحكم العقل، فهو حينئذٍ مؤكد.
(3) فإن مفهومه إن وجدت ماءاً فتطهر، وهو موافق لحكم الشرع، وهو إيجاب التطهر بالماء.
(4) وذلك لأن الأصل العقلي هو برءاة المكلف عن التكاليف، وبالتالي فالموافق لحكم العقل هو عدم وجوب الزكاة في المعلوفة، ومفهومه وجوب الزكاة في السائمة، وهو خلاف البراءة، فهو ناقل، وبالتالي هو تأسيس لحكم شرعي جديد لا تأكيد.
(5) قال في (الدراري): ومعناه ثابت في حديث البخاري وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة.. الخ.(1/177)


(138) فصل والقائلون بدليل الخطاب والنافون له متفقون على أن للمنطوق به حكماً على حسب ما يقتضيه، وأنه غير ثابت للمسكوت عنه، وإنما يختلفون هل تجدد للمسكوت عنه حكم من مفهوم الخطاب أو هو باق على ما كان عليه من عقل أو شرع(1).
__________
(1) قال في (الدراري): فأهل القول بمفهوم الخطاب يجعلونه حكماً شرعياً، ومن منع من ذلك لا يجعله حكماً شرعياً، قال القاضي عبد الله: مثال ذلك: إذا قال النبي صلى الله عليه وآله - ابتداءاً قبل إيجاب الزكاة جملة - : (في الغنم السائمة زكاة)، فإن الجميع يقولون: لا يجب في المعلوفة زكاة؛ لأن المانع للمفهوم يقول: لا زكاة فيها؛ لأن العقل قاضٍ بذلك. ومن يقول بالمفهوم، يقول: لا زكاة فيها بالشرع مع العقل، وكأنه حين قال في السائمة زكاة تكلم بأن قال: وليس في المعلوفة زكاة، ثُمَّ الفائدة تظهر لو ورد خطاب بأن في المعلوفة زكاة بعد ذلك، فمن يقول بالمفهوم يقول إن إيجاب الزكاة في المعلوفة نسخ؛ لأنه أزال حكماً شرعياً وهو عدم الوجوب فيها، ويعتبر في ذلك شرائط النسخ. ومن يمنع المفهوم، يقول: هو شرع مبتدأ ليس بنسخ، ولم يعتبر شرائط النسخ. انتهى.(1/178)


والأصح أن من اعتبره يعتبره في الإنشاء والخبر جميعاً، لا في الإنشاء فقط، خلافاً (للإمام، وابن الحاجب، وغيرهما)، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( مطل الغني ظلم )) (1)، وإلغاؤه في بعض صوره؛ لمانع، نحو: في الشام الغنم السائمة(2)، لا ينافي اعتباره كالإنشاء(3).
واختلف معتبروه بماذا كان حجة(4)، فقيل: باللغة، وهو المختار، وقيل: بالعرف العام، وقيل: بالشرع.

الناسخ والمنسوخ

[9] باب الناسخ والمنسوخ
(139) فصل النسخ لغة: حقيقة في الإزالة(5)، عند (أبي هاشم، وأبي الحسين، والقاضي جعفر، والجويني، والرازي)، مجاز في النَّقل(6). وعكَّس (البُسْتِي(7) - من أصحابنا - والقفَّال، /134/ والحنفية). وقال جمهور (أئمتنا، وبعض المعتزلة، والأشعرية): مشترك بينهما. وتوقف بعضهم.
__________
(1) أخرجه البخاري 2/845، ومسلم 3/1197، وابن حبان 11/435، والقضاعي في مسند الشهاب 1/61، والطبراني في الصغير 1/386 عن أبي هريرة. والمراد بالمثال: أن مفهوم قوله: "مطل الغني ظلم"، أن مطل غير الغني ليس بظلم، فلا يحبس ولا يعاقب.
(2) فهذا المفهوم ملغي؛ لأننا نعرف أن في الشام معلوفة.
(3) وكذلك في نحو قوله تعالى: ?ولا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة? فالمفهوم هنا لا يعمل به، لمعارضته القاطع وهو قول الله تعالى: ?وأحل الله البيع وحرم الربا?.
(4) هذا الخلاف يبدو أنه فرع على الخلاف في دلالة اللفظ عليه، هل هي وضعية أو عرفية أو شرعية، وقد تقدم الكلام عليها.
(5) يقال: نسخ الأثر، أي: أزاله.
(6) يقال: نسخ الكتاب، أي: نقله.
(7) البستي، هو: إسماعيل بن علي بن أحمد بن محفوظ أبو القاسم البستي، من محققي علماء الزيدية، يلقب بالأستاذ، توفي قريباً من سنة عشرين وأربعمائة.(1/179)


واختلف فيه بعد استعمال الشرع له، فقيل: باق على معناه اللغوي من غير أن يكون منقولاً عنه إلى معنى آخر، كنقل الصلاة. (المنصور، وأبو عبد الله، والقاضيان، والحاكم): بل منقول عنه بالشرع. (أبو هاشم، والشيخ): منقول إليه مع ملاحظة معناه اللغوي.
واصطلاحاً: بيان انتهاء الحكم الشرعي بطريق شرعي واجبة التراخي عن وقت إمكان العمل. فهو بيان لا رافع عند (أئمتنا، والمعتزلة، والجويني، والرازي، والاسفراييني)(1)، وعكّس (الغزالي، والباقلاني، وغيرهما).
واتفق المسلمون على جوازه عقلاً ووقوعه شرعاً؛ لأن الشرائع بحسب المصالح، وهي تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص والأزمنة والأمكنة، خلافاً لشذوذ مطلقاً و(للأصفهاني)(2) في القرآن(3).
(140) فصل والفرق بينه /135/ وبين البَدا: أن البدا لغة: الظهور. واصطلاحاً: رفع عين الحكم المأمور به مع اتحاد الآمر والمأمور والمأمور به والوجه، والقوة، والفعل، والزمان، والمكان. والنسخ: بيان انتهاء الحكم.
ولا يجوز البَدَا على الله تعالى، خلافاً لبعض الإمامية.
__________
(1) ولذلك يجعلونه نوعاً من التخصيص، أي تخصيص في الأزمان، كما تقدم.
(2) قال في (الدراري): أبو مسلم الملقب بالجاحظ، كما قاله ابن التلمساني في شرح المعالم، واسم أبيه قيل عمرو، وقيل: بحر، وقيل: يحيى. أقول: المعروف المشهور أنه: أبو مسلم الأصفهاني، محمد بن بحر من أهل أصفهان، معتزلي من كبار الكتاب، توفي (322 هـ). أما الجاحظ فهو أبو عثمان عمرو بن بحر، ولعله سهو سببه اتفاق الاسم.
(3) لا خفاء أن متأخري الفقهاء توسعوا في مدلول النسخ حتى اعتبروا الاستثناء ونحوه نسخاً، كما أنهم غلوا في ادعائه في القرآن حتى لقد جعلوا آية واحدة (آية السيف) ناسخة لكل دعوة صفح وتسامح وحرية اعتقاد وعقلانية.(1/180)

36 / 66
ع
En
A+
A-