ومنها: الجمع المنكَّر، كأعبد ورجال. وليس بمجمل عند (أئمتنا، والجمهور)؛ لأن له ظاهراً يعمل عليه كجماعة الأعبد والرجال على البدل، وقيل: مجمل، إذ ليس بعض الجموع أولى به من بعض، فيجب الوقف حتى يتبين. (أبو علي): إن صدر من حكيم، فمبيَّن، ويحمل على الاستغراق، وإن صدر من /113/ غيره فمجمل.
ومنها: ما له محمل لغوي ومحمل في حكم شرعي، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الاثنان فما فوقهما جماعة ))(1) يحتمل أنه أراد أنهما جماعة لغة، ويحتمل أنه أراد انعقاد الجماعة بهما، فيجب تأخرهما خلف الإمام كالجماعة. وليس بمجمل وفاقاً (للجمهور)، لحمله على المحمل الشرعي لتجدده؛ ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يبعث لتعريف اللغة. (الإمام، والغزالي): بل مجمل، إذ لا مرجح لأحدهما على الآخر.
ومنها: ما له مسمى لغوي ومسمى شرعي، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إني إذاً لصائم )) (2) . وليس بمجمل عند (أئمتنا، والجمهور) مطلقاً. (الباقلاني): مجمل مطلقاً تفريعاً على ثبوت الحقيقة الشرعية. (الغزالي): مجمل في النهي دون الإثبات لحمله فيه على الشرعي(3). (الآمدي): ليس بمجمل فيهما؛ إذ يحمل في النهي على اللغوي، وفي الإثبات على الشرعي، فأما ما له مسمى لغوي، ومسمى عرفي، كدابة، فلا إجمال فيه لحمله على العرفي اتفاقاً./114/ .
المبين
[7] باب المبين
(125) فصل المبين نقيض المجمل، ويرادفه: المفصَّل والمفَسَّر.
__________
(1) أخرجه الحاكم 4/371، والدار قطني1/280، عن أبي موسى الأشعري.
(2) ذكره ابن حجر في الدراية من تخريج أحاديث الهداية 1/275 وقال: رواه مسلم عن عائشة، وكذلك في نصب الراية 2/436.
(3) قال في النظام: لأن اللفظ يحمل على الصحيح فلا ينافيه الأمر بالصحيح، بخلاف النهي؛ فإنه بدافع اللفظ، فيحتمل ترجيح مدلول اللفظ وهو الصحيح، ويحتمل ترجيح ما لا ينافي النهي وهو اللغوي، ولا دليل على أحد الأمرين، فبقي مجملاً.(1/161)
ويقع في: القول منطوقاً ومفهوماً ومفرداً ومركباً، وفي الفعل، والترك، والتقرير، والقياس(1).
__________
(1) مثاله في القول المنطوق المفرد: قوله تعالى: ?بقرة صفراء فاقع لونها?، فإنه مبين لقوله تعالى: ?إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة?. وكقوله صلى الله عليه وآله: (فيما سقت السماء العشر)، فإنه ورد بياناً لقوله تعالى: ?وآتوا حقه يوم حصاده?.
... ... ومثاله في القول المفهوم: كقوله تعالى: ?ولا تقل لهما أفٍ?، فإن ما يفهم منه وهو تحريم الضرب مبين، وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( في سائمة الغنم زكاة )، فإن ما يفهم منه وهو كون المعلوفة لا زكاة فيها مبين.
ومثاله في المركب، مثل ما لو قيل: أو يعفو الزوج.
ومثاله في الفعل: صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنها مبينة لقوله تعالى: ?أقيموا الصلاة?.
ومثاله في الترك: كما لو ترك التشهد الأوسط من غير سهو، فإنه مبين لجوازه.
ومثال التقرير: كأن يرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنساناً يصلي ويفعل أفعالاً في الصلاة ولا ينهاه عنها، فإنه يدل على جوازها.
ومثاله في القياس: كما لو قال صلى الله عليه وآله وسلم: (يحرم الخمر لكونه مسكراً)، فإن ذلك يدل على تحريم النبيذ، بالقياس على تحريم الخمر، وذلك بجامع الإسكار دلالة مبينة.(1/162)
ويكون مبتدأ، كالفعل(1) أو الخطاب المستغني عن البيان بنفسه، كالنص والظاهر الذي لم يخصص. وغير مبتدأ، كالفعل غير المستغني(2)، والمشترك بين المعاني المتنافية بعد بيانهما(3)، والعام المخصص، والمطلق المقيد.
والبيان: ما يفهم به المراد بالمجمل، وهو الدليل، وقد يطلق على مدلول ذلك، وعلى فعل المبيِّن.
ويكون بالعقل، كالتخصيص به. وبطرق الشرع، كقوله تعالى، وقول رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، اتفاقاً، وفعله كصلاته وحجه وإشارته، خلافاً (للدقاق)، وتركه، [كسكوته، وكذا بتقريره](4)، خلافاً (لأبي عبد الله)، وبالإجماع، والقياس.
ويعرف /115/ كون فعله أو تركه بياناً بنصه على ذلك، أو بألاَّ يوجد غيرهما مع صحة كونهما بياناً.
(126) فصل وإذا وقع بعد المجمل قول وفعل: فإن اتفقا في صُلُوحِهِمَا لبيانه وعلم المتقدم فهو البيان، والثاني تأكيد، كما لو أمر صلى الله عليه وآله وسلم بعد آية الحج بطواف، وفعل طوافاً، وإن لم يعلم، فإن علم وجودهما دفعة، فكلاهما بيان، وإن لم يعلم ذلك، فإن نقلا دفعة فكذلك وإن تقدم أحدهما على الآخر في النقل فهو البيان، والثاني تأكيد، وأولهما بيان لمن شاهد حضرته صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل: يتعين المرجوح للتقدم، فيكون هو البيان والراجح تأكيداً إذ المرجوح لا يؤكد الراجح.
__________
(1) فإنه لا إجمال فيه من جهة ذاته لا من جهة وجهه فهو محتمل.
(2) أي غير المستغني عن البيان، وهو الذي لم يقترن به ما يدل على البيان، كالقيام من الركعة الثانية إلى الركعة الثالثة من غير جلوس.
(3) أي بعد بيان المراد من المتنافيين، فالفعل كأن يبين بأحد الوجهين، والقول كأن يقول الشارع: المراد بالإقراء في قوله تعالى: ?يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء? الحيض أو يقول الأطهار، أو بنصب قرينة تدل على ذلك.
(4) ماب ين المعكوفين ساقط من (ج). والمعنى أنه يقع البيان بتركه كما يقع بسكوته. وكذلك يقع بتقريره.(1/163)
وإن اختلفا، كما لو أمر بعد آية الحج بطواف وفعل طوافين، فالمختار: أن المتقدم منهما هو البيان إن علم، وفاقاً (لأبي الحسين)، والمتأخر /116/ ناسخ له إن أمكن العمل بالمتقدم ومبين للمجمل. (الفقهاء): بل القول هو البيان، تقدم أو تأخر، إذ هو بيان بنفسه، وفعله الثاني ندب في حقه وحقنا، أو واجب في حقه. وإن جهل فالترجيح، ثم الوقف.
(127) فصل ويجب تبيين الخطاب لمن أريد منه فهمه، وهو بالنسبة إليهم نوعان، ما أريد به علم وعمل كالصلاة والصيام بالنسبة إلى العلماء، وعلم دون عمل كالزكاة والحج بالنسبة إلى العالم الفقير.
ولا يجب تبيينه لمن لم يرد منه فهمه. وهو بالنسبة إليهم نوعان: ما لم يرد به علم ولا عمل كالكتب السالفة بالنسبة إلى هذه الأمة، على القول بأن شرع من قبلنا ليس بحجة(1)، وما أريد به عمل فقط، كالحيض والنفاس بالنسبة إلى النساء عند تضيق الحادثة /117/.
(128) فصل واختلف في البيان، هل يجب مساواته للمبين في حكمه فيكون بيان الواجب واجباً والمندوب مندوباً والمباح مباحاً، أو يجب مطلقاً، فعند (أئمتنا، والجمهور): يجب مطلقاً وإلا لزم تكليف ما لا يعلم، وقيل: بل هو مساوٍ للمبين في ذلك.
ويجب كون البيان أوضح منه في الدلالة، لا في القوة؛ فيصح تبيين القطعي بالظني عند (أئمتنا، والجمهور): على ما تقدم مجملاً، كقرءٍ، أو عاماً أو مطلقاً. (الكرخي، وأبو عبد الله): بل تجب المساواة. (الآمدي، وابن الحاجب): يجب في العام والمطلق كون المخصص والمقيد أقوى. (الآمدي): لا، كالمشترك، فيصح بيانه بالأضعف.
__________
(1) ولعل منه: أوائل السور؛ لأنه لم يرد منا فهمها؛ إذ لا تكليف فيها علمي ولا عملي.(1/164)
(129) فصل ويمتنع تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ خلافاً لمجوز تكليف ما لا يعلم، فأما تأخير التبيين فممكن اتفاقاً(1)، واختلف في تأخيره عن وقت الخطاب /118/ إلى وقت الحاجة، فعند (الموسوي، والإمام، وبعض الأشعرية، وأكثر الفقهاء): يجوز مطلقاً. وعند (أبي طالب، والشيخين، والقاضي، والظاهرية، وبعض الفقهاء): يمتنع مطلقاً. (الكرخي، وأبو الحسين، والشيخ، وحفيده، وبعض الفقهاء): يجوز تأخير بيان ما لا ظاهر له كالمشترك(2) لا ما له ظاهر، وأريد به خلافه كالعام المخصوص والمطلق المقيد أو المنسوخ، والاسم الشرعي والنكرة لمعين. (أبو الحسين): فإن اقترن إشعار جملي بما له ظاهر جاز تأخير بيانه التفصيلي، نحو: هذا العام سيُخَص، والمطلق سيقيد أو سينسخ، وهذه النكرة لمعين، وقيل: يجوز في الأمر والنهي دون الخبر. وقيل: عكسه. ومن ثمرات الخلاف جعل الوارد بعد الخطاب مخصصاً أو مقيداً لا ناسخاً أو عكس ذلك.
(130) فصل /119/ والمختار - على القول بجواز تأخير البيان - : جواز تأخير بعض البيانات دون بعض، ويعبر عنه بتدريج البيان. وقيل: يجب ذكرها دفعة واحدة دفعاً للإيهام.
(أئمتنا، والجمهور): ويجوز تأخيره صلى الله عليه وآله وسلم لتبليغ الحكم الموحى إليه قبل وقت الحاجة إلى وقتها، خلافاً لمانع تأخير البيان عن وقت الخطاب وبعض المجيزين.
الظاهر والمؤول
[8] باب الظاهر والمؤول
(131) فصل اللفظ المستعمل: نص، وظاهر، ومؤول.
__________
(1) كأن يخاطب بالمجمل كصل، ثم يبين وقتها ومقدارها، والمقصود بوقت الحاجة: وقت العمل، لا وقت الخطاب.
(2) لأنه ليس مطلوباً به الامتثال؛ لأنه لا يمكن، وإلا وجب البيان كما في ماله ظاهر، وأريد به خلافه.(1/165)