(110) فصل (والثالث): الغاية، نحو: أكرم تميم حتى يدخلوا، فتقصره على غير الداخلين(1).
وفائدتها: تعليق الحكم بما قبلها اتفاقاً، فأما دلالتها على نفيه عما بعدها إلا أن يدل دليل على اعتباره، ففيه خلاف يأتي.
وتقع في كل أنواع الخطاب. وقد تكون معلومة الوقوع، نحو: استأجر تميم إلى غروب الشمس، وغير معلومته، نحو: إلى أن يدخلوا الدار /94/، وتكون هي والمقيد بها مفردين ومتعددين على الجمع أو على البدل أو مختلفين، ومع اتحاد أحدهما وتعدد الآخر على الجمع أو على البدل كالشرط.
والخلاف في عودها بعد الجملتين فصاعداً كالخلاف في الاستثناء.
(111) فصل (والرابع): الصفة، نحو: في الغنم السَّائمة زكاة.
وفائدتها: تعليق الحكم على المختص بها اتفاقاً، فأما دلالتها على نفيه عما عداه إلا أن يدل دليل على اعتباره، ففيه خلاف يأتي. ويقع في كل أنواع الخطاب، ويَتَّحِد ويتعدد، والخلاف فيها بعد المتعدد كالخلاف في الاستثناء، وعن (أبي حنيفة) للجميع.
(112) فصل (والخامس): بدل البعض، ولم يذكره الجمهور، نحو: ?وَلِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً?[آل عمران:97] فيقصر الناس على المستطيعين، ولا بد فيه من رابط لفظاً أو تقديراً.
(113) فصل /95/ والمنفصل، قسمان:
لفظي، ومعنوي. فالأول: أربعة أنواع:
(أولها): تخصيص الكتاب بالكتاب، كآيتي العدتين(2)، ومنعه: (بعض الظاهرية). والسنة به، ومنعه: (بعض الشافعية).
__________
(1) الصواب أن يقول: فتقصره عليهم إلى أن يدخلوا.
(2) عدة المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر، وعدة الوضع بالحمل. والآية الأولى هي: قوله تعالى: ?وَالَّذِيْنَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُوْنَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً? والآية الثانية هي: قوله تعالى: ?وَأُوْلاَتِ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ?.(1/146)
(والثاني): السنة بالسنة خلافاً لقوم، كخبر الأوساق(1) المخصِّص لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((فيما سقت السماء العشر))(2). والكتاب بمتواترها.
واختلف في تخصيص المعلوم منهما بالآحادي، فجوزه (الفقهاء الأربعة، وغيرهم) مطلقاً، ومنعه (بعض الأصوليين) مطلقاً. (ابن أبان): إن سبق تخصيصه بقطعي متصل أو منفصل جاز(3) وإلا امتنع، ووافقه (الكرخي) في المنفصل. (الباقلاني): كل منهما قطعي من وجه(4)، فوجب الوقف. (أئمتنا، والمعتزلة) يجوز في العملي دون العلمي؛ للقطع بمتنه؛ لتواتره وبمدلوله؛ لأنه عِلْمِي؛ فيمتنع إلا بقاطع. وفي وجوب مقارنته قولان تقدما، ولذلك منعوا تخصيص عمومات الوعيد بأخبار الوعد، (وهي متناولة للصغيرة /96/ ولذلك وجبت التوبة عليها شرعاً)(5).
(والثالث): إجماع الأمة، خلافاً (لبعض الظاهرية)، كتنصيف آية القذف على العبد، وإجماع العترة عند (أئمتنا)، ومعناه(6) تعريفهما أن ثم مخصصاً؛ لا أن أنفسهما مخصص، فإن كانا(7) بالفعل أو السكوت أو التقرير فهما من المعنوي(8).
(والرابع): المفهوم سواء كان مفهوم موافقة أو مفهوم مخالفة، عند معتبره، خلافاً لقوم.
__________
(1) خبر الأوساق هو: ما روي عن النبي (ص) أنه قال: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) أخرجه البيهقي 4/84 وغيره عن أبي سعيد الخدري.
(2) أخرجه ابن خزيمة 4/37 وابن حبان 8/80 (3285) وغيرهم عن ابن عمر.
(3) لأنه قد صار بعد التخصيص ظنياً.
(4) فالمخصص الظني قطعي من جهة الدلالة والعموم القطعي السند ظني من جهة الدلالة.
(5) ما بين القوسين في (أ) فقط.
(6) أي: معنى صحة التخصيص بالإجماعين: التخصيص بمستندهما فهما معرفان للمخصص لا مخصصان.
(7) أي: الإجماعين.
(8) أي: من المخصص المعنوي لا اللفظي.(1/147)
ويخصصانه إذا كان عملياً(1) مطلقاً كما يخصصه المنطوق، نحو: كل من دخل داري فاضربه، وإن دخل أبي فلا تقل له أف، وفي الغنم زكاة؛ ثم قوله: في الغنم السائمة زكاة.
ولا يُخصَّصُ مفهوم الموافقة مع منافاة معنى أصله كضرب الأب بلا سبب منه(2)، فأما مع عدم منافاة معنى الأصل فيجوز؛ كحبسه لنفقة ولده عند مجوزه(3)، مع بقاء تحريم التأفيف. ويجوز تخصيص مفهوم المخالفة، كإيجاب الزكاة /97/ في معلوفة التجارة(4).
(114) فصل والثاني نوعان:
(عقلي) وهو: التخصيص بضرورة العقل، نحو: ? تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ?[الأحقاف:25] في خروج السماء والأرض، أو بدلالته نحو: ?وَلِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ?[آل عمران:97] في خروج الأطفال، ومنع (داود، والقفال) من التخصيص به(5)، و(الشافعي) من تسميته تخصيصاً.
(وشرعي) وهو: أربعة أنواع:
__________
(1) أي: أن المفهومين يخصصان العموم إذا كان في الفروع العملية.
(2) العلة في تحريم التأفيف هو الإكرام للوالدين وعدم تضييع الإحسان، والضرب مناف لذلك المعنى؛ لأنه إهانة.
(3) أي: عند مجوز حبس الوالد لنفقة الولد.
(4) فالدليل الدال على وجوب الزكاة فيها مخصص بعموم مفهوم: في السائمة زكاة. إذ يفهم منه أنه لا زكاة في المعلوفة مطلقاً، سواء كانت للتجارة أم لا.
(5) أي: بالعقل.(1/148)
أولها: فعله أو تركه صلى الله عليه وآله وسلم المعارضان للعام عند (أكثر أئمتنا، والجمهور)؛ كما لو قال: الاستقبال لقضاء الحاجة حرام على كل مسلم؛ ثم فعل، أو صوم عاشوراء واجب على كل مسلم؛ ثم ترك(1)، خلافاً (للمنصور، والكرخي، وبعض الفقهاء)، فإن ثبت اتباع الأمة له فيهما بدليل خاص بهما، فنسخ للعام عن الجميع اتفاقاً، أو بعام، وهو دليل التأسي؛ فالمختار تخصيصه بالعام الأول. وقيل: بل العمل بموافق الفعل والترك أولى، وهو دليل التأسي، فيكون ناسخاً، وتوقف (الآمدي).
ويعرف كونهما مخصِّصَين بوقوعهما بعد عام يَشْمَله صلى الله عليه وآله وسلم وغيره؛ ثم يفعل الضد أو يترك(2) /98/.
والثاني: تقريره لمسلم على فعل أو ترك معارض للعام مع كون ذلك الفعل أو الترك لا يمكن سهوه عن مثله، ولم ينكره أحد، فهو مخصص عند (أئمتنا، والجمهور) خلافاً لشذوذ، كنهيه عن نافلة الفجر بعده؛ ثم تقريره من رآه يفعل ذلك. فإن كان تخصيصه لسبب معين ألحق به مشاركه فيه بالقياس(3)، وإن لم يكن لسبب فقيل: يلحق به غيره ويكون العام منسوخاً، وهو مقتضى كلام (بعض علمائنا)، وقيل: لا يلحق به لتعذر دليله، واختاره (ابن الحاجب).
__________
(1) فالفعل والترك منه صلى الله عليه وآله خاص به، بناء على دخوله في عموم كل مسلم، أما الأمة إذا ثبت اتباعها له فيهما بدليل خاص، فعلى التفصيل المذكور.
(2) كالمثال السابق.
(3) كما لو كان التقرير لأجل فوت صلاة الفجر جماعة في المذكور.(1/149)
والثالث: القياس، واختلف في تخصيص العموم القطعي به(1)، فجوزه (أئمتنا، والفقهاء الأربعة، والجمهور) مطلقاً(2)، ومنعه (أبو علي، وبعض الفقهاء) مطلقاً. (ابن أبان): إن سبق تخصيصه بقطعي متصل أو منفصل جاز، وإلا امتنع، ووافقه (الكرخي) في المنفصل /99/. (ابن سريج): يجوز إذا كان القياس جلياً. (الإمام، والغزالي): محل اجتهاد. وتوقف (الجويني، والباقلاني). ومقتضى كلام (أئمتنا، والمعتزلة) جوازه في العملي لا العلمي إلا بقياس قطعي، فأما الظني فجواز تخصيصه به أظهر. والمختار: أن المسألة ونحوها ظنية، خلافاً (للباقلاني، وغيره).
والرابع: الإرادة عند (القاسمية، والفريقين)، فيصح تخصيصها لعموم غير الشارع(3) مذكوراً اتفاقاً، ومحذوفاً عند (القاسمية)، خلافاً (للحنفية)، و(للمؤيد، والشافعي) قولان.
[المخصصات المختلف فيها]
__________
(1) المقصود بالقطعي هنا: القطعي من الفروع العملية.
(2) يفهم مراد الإطلاق من التقييد التالي.
(3) فإذا قال والله لا دخلت السوق مثلاً، وليس قصده سوقاً معهوداً وأراد سوقاً معيناً انصرف اللفظ إليه.(1/150)