(100) فصل وما خصّ بمجمَلٍ فليس بحجة في الباقي اتفاقاً، لا بمبين متصلٍ أو منفصلٍ فحجة عند (أكثر أئمتنا، والجمهور)، وقال (الكرخي، وابن شجاع)(1): حجة إن خص بمتصل لا منفصلٍ، وقيل: حجة في أقل الجمع، (أبُو عبد اللّه): إن أنْبأ العام على الباقي قبل تخصيصه فحجة، نحو: ?فاقْتُلُوا المشْرِكِيْنَ?[التوبة: 5]، فإنه ينبئ عن قتل الحربي قبل إخراج الذمّي، وإلا فليس بحجّة، نحو: ?والسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ?[المائدة:38]، فإنه لا ينبئ عن السارق للنصاب من حرز قبل إخراج السارق لدونه أو له من غير حرزٍ. (أبو طالب، والقاضي): إن كان /82/ العام غير مفتقر إلى بيان قبل تخصيصه فحجّة، نحو: ?فاقْتُلُوا المشْرِكِيْنَ?[التوبة: 5] وإلا فلا، نحو: ? أقِيْمُوا الصّلاَةَ ?[النعام: 72]، فإنّه مفتقر إلى البيان قبل تخصيصه بالحائض. (أبو ثور(2)، وابن أبان)(3): ليس بحجة لإجماله.
__________
(1) محمد بن شجاع ابن الثَّلجي البغدادي أبو عبد الله، فقيه العراق في وقته، وهو من أصحاب أبي حنيفة، توفي سنة ست وستين ومأتين. انظر معجم الأعلام 717.
(2) أبو ثور، هو : إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي البغدادي، الفقيه المشهور أخذ الفقه عن الشافعي وكان من أتباعه، توفي سنة أربعين ومائتين. طبقات الفقهاء 1/101.
(3) ابن أبان، وهو: عيسى بن أبان بن صدقة أبو موسى، من كبار علماء الحنفية، تفقه على محمد بن الحسن الشيباني، وتوفي سنة إحدى وعشرين ومائتين. طبقات الحنفية 1/401.(1/136)
(101) فصل (أئمتنا، والجمهور): ويمتنع العمل بالعام قبل البحث عن مخصصه المنفصل؛ خلافاً (للصيرفي، والبيضاوي)(1). واختلف في قَدر البَحثِ فعند (الجمهور): حتى يحصل الظن بانتفائه، (الباقلاني): حتى يُعلم انتفاؤه، وكذلك كل دليل مع معارضه كالنصّ مع ناسخِه، وقيل: حتى يحصل اعتقادٌ بانتفائه.
والمختار: أنه إن كان عَمَلِياً (فكالجمهور). وإن كان علميّاً وجب كونه قطعياً مقارناً عند (بعض علمائنا)، أو قَطعياً فقط عند أكثرهم، ويبحث عنه حتى يعلم انتفاؤه. (المهدي): بألاَّ يوجد بعد البحث، فيعرف أنه /83/ لو كان موجوداً لوجبَ على اللّه أن ينبه عليه بخاطر أو نحوه.
(102) فصل ويجوز إسماع المكلف العام الْمُخَصَّص بالعقل اتفاقاً، وإن لم يعلم دلالته على التخصيص، بألاَّ ينظر. (أئمتنا، والجمهور): وكذا يجوز إسماعه المخَصَّص بالشرع، وإن لم يسمع مُخَصِّصَه الشرعي مطلقاً، (أبو الهذيل(2)، وأبو علي): يمتنع ذلك فيه مطلقاً، فيذهله اللّه عن سماع العام حتى يبلغه الخاص معه، (أبو الحسين، والشّيخ): يجوز مع إشعاره بورود المخصص أو إخطاره بباله.
(103) فصل (أئمتنا والجُمهور): ولاَ عُموم في الخطاب الخاص بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلَّم، نحو: ?يَا أيُّهَا النَّبِيُّ?[الأنفال: 64] و?لئِنْ أشْرَكْتَ?[الزمر:65]، خلافاً (لأبي حنيفة، وأحمد). ولا في خطابه صلى اللّه عليه وآله وسلم لواحدٍ ابتدءاً أو بعد سؤال إلا بقياس أو نحوه(3) خلافاً (للحنابلة).
__________
(1) البيضاوي، هو: أبو سعيد عبد الله بن عمر البيضاوي، من كبار علماء الشافعية، له مؤلفات في مختلف الفنون توفي بتبريز سنة خمس وثمانين وستمائة. كشف الظنون 1/186.
(2) أبو الهذيل، وهو: محمد بن الهذيل البصري العلاف، رأس المعتزلة وصاحب التصانيف، توفي رحمه الله في سنة سبع وعشرين ومائتين. تحامل عليه الذهبي في سير أعلام النبلاء 10/542.
(3) نحو قوله: حكمي على الواحد حكمي على الجماعة.(1/137)
ولا في فعله المثبت خلافاً لقوم؛ إذ لا يدل إلا علَى الحدث /84/ والزمان من غير نظر إلى شمول أو وِحْدَةٍ أو تكرار، فلا يكون عامَّا في أقسامه، نحو: صَلّى داخل الكعبة، فلا يعم الفرض والنفل، ولا في أوقاتِه، نحو: كان يجمع بين الصلاتين في السَّفر(1)، فلا يعم وقتيهما. فأما التكرار فيه(2) فمستفاد من العرف. ودخول الأمة في فعله صلى اللّه عليه وآله وسلم بدليل خارجي؛ من قول أو قياس أو قرينةٍ، كوقوعه بعد إجمالٍ أو إطلاقٍ أو عمُومٍ.
ولا في نفي المساواة(3)، نحو: ?لا يَسْتَوي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ?[الحشر:20]، إذ يقتضي نفي الإستواء في بعض الوجوه، لا نفي الإستواء في كل وجه، خلافاً (للشافعي)؛ فلا يقتل مسلم بذميّ عنده.
ولا في ترك الشارع الإستفصال عن القضيَّة، كقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم لغيلان حين أسلم عن عشر نسوة : ((أمسك أربعاً وفارق سائرهن))(4)؛ إذ لا يتنزل /85/ الترك منزلة عموم اللفظ، خلافاً (للشافعي).
ولا في خطاب الموجودين، نحو: ?يَا أيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا?، فلا يشمل من بعدهم ممن سيوجد إلا بدليل آخر من إجماع، أو نص، أو قياس، أو كونه معلوماً من ضرورة الدين، لا بمجرد الصيغة خلافاً (للحنابلة).
فأما الخلاف في مفهومي الموافقَة والمخالفة، هل لهما عموم أو لا؟ فلفظي؛ لأن المثبت له فيهما أراد عمومهما فيما سوى المنطوق به وهو اتفاق، ونافيه فيهما أراد أنه لم يثبت عمومهما بالمنطوق به وهو اتفاق.
الخصوص
[4] باب الخصوص
__________
(1) هذه إشارة إلى حديث ابن عباس عند ابن ماجة 1/ 24 (1069) وغيره، أن النبي صلى الله عليه وآله كان يجمع بين المغرب والعشاء في السفر.
(2) أي في فعله المثبت نحو كان يفعل ذلك.
(3) أي ولا عموم في نفي المساواة.
(4) الحديث أخرجه ابن حبان 9/465 والبيهقي 7/181 عن ابن عمر.(1/138)
(104) فصل التخصيص إخراج بعض ما تناوله العام. والمخصُوص(1) العام الْمُخْرَج بعضه، وقد يطلق الخاص عليه. والمخَصَّص - بالفتح - البعض الْمُخْرَج، وقد يطلق على الباقي بعد الإخراج. والمُخَصِّص - بالكسر -: المخْرِج - بكسر الراء.
وقد يطلق التخصيص على قصر اللفظ على بعض مدلوله /86/، وإن لم يكن عاماً، كما يطلق عليه عام لتعدده كعشرة، والمسلمين لمعهودين.
ولا يمنع إيهامه للبَدَا(2) في الطلب، وللكذب في الخبر مِنْ وُقُوعِه في كلام الشارع؛ لكشف التخصيص عن عدم إرادته لذلك، خلافاً لشذوذ فيهما. ولقوم في الخبر.
وفُرِقَ بينه(3) وبين النَّسْخ بوجوه، أوضحها: أن النسخ يجب فيه التراخي، وأنه يكون لكل ولبعض بخلاف التخصيص. والتحقيق أنه(4) نوع من التخصيص خاص بالأزمان بخلاف غيره من أنواعه(5)، فيكون في الأزمان والأعيان وغيرهما(6)، فكل نسخ تخصيص ولا عكس.
[أقسام المخصص]
(105) فصل وينقسم المخَصِّص إلى: متصل، وهو: ما لا يستقل بنفسه في الإفادة. ومنفصل، وهو خلافه، ولذلك كَانَ: أكرِم الناس، ولا تكرم زيداً /87/ منفصلاً.
فالمتصل خمسة أنواع:
__________
(1) في (أ): والمخصص.
(2) البدا: هو ظهور الحجة بعد خفائها. فإنه إذا أمر بشيء ثم نهى عنه أو أمر بخلافه أوهم البدا.
(3) أي: التخصيص.
(4) أي: النسخ.
(5) أي بخلاف غير النسخ من أنواع التخصيص.
(6) نحو: صم الدهر إلاَّ أيام العيد والتشريق، هذا في الأزمان. وفي الأعيان نحو: اقتل المشركين إلاَّ المعاهدين. ونحو ذلك: مثل مس المصحف في كل حال إلاَّ في حال الجنابة والحيض.(1/139)
(الأول): الاستثناء المتصل، وهو المُخْرَج من متعدد لفظاً أو تقديراً بإلا أو إحدى أخواتها(1)، نحو: أكرم بني تميم إلا الفساق. فتقصره على غيرهم. وفائدته: إخراجه من المستثنى منه، فأما دلالته على مخالفته في الحكم ففيه خلاف يأتي(2).
والمنقطع خلافه. والمختار أن الاستثناء فيه مجاز. وقيل: حقيقة بالتواطؤ، وقيل: بالاشتراك. وتوقف بعضهم.
وقد يطلق الاستثناء على الشرط المعلق بمشيئة الله تعالى.
(106) فصل وشروط المتصل ثلاثة:
__________
(1) في (أ): وأخواتها.
(2) يعني: أن فائدة الاستثناء في المثال إخراج الفساق من الحكم، وهو الإكرام، لا إهانتهم، فعلى الخلاف الآتي وكذلك ما أشبه.(1/140)