(88) فصل ويتفقان في: أن كل واحد منهما يستعمل حقيقة ومجازاً. وأن سبب كل واحد منهما سبب صفة فاعلِه(1). وأن الإستعلاء معتبر فيهما عرفاً. وأنه يكون كل منهما: مطلقاً، ومقيداً بشرطٍ أو صفة؛ فَيُقْصَرُ عليهما. وأنه يشترط فيهما الشروط المذكورة في حسن التكليف.
ويختلفان في: أن لفظ الأمر مشترك (بين الصيغة والشأن وغيرهما)(2)، بخلاف لفظ النهي. وفي اختلاف صيغتهما. وفي أن الأمر المطلق يُخْرَج عن عهدته بمرة على الأصح، ولا يخرج من عهدة النهي المطلق إلا بدوام الإنتهاء على الأصح. وأن الأمر يقتضي حسن المأمور به، والنهي قبح المنهي عنه. وأن المقصود من الأمر حصول الفعل، ومن النهي الكف عنه. وأن فاعل ما يتناوله /71/ الأمر يُسمّى: مطيعاً، وما يتناوله النهي يُسَمَّى: عاصياً. وأن الأمر يفتقر إلى إرادة لفظه وإرادة مدلوله ـ (أبو علي): وإرادة كونه أمراً ـ بخلاف النهي. وأن الأمر يوصف بكونه أمراً للإرادة، والنهي يوصف بكونه نهياً للكراهَة.

العموم

[3] باب العموم
__________
(1) يعني أن ما أوجب للفاعل الوصف بكونه آمراً أو ناهياً أوجب للأمر والنهي كونهما أمراً ونهياً.
(2) ما بين القوسين من (ج).(1/126)


(89) فصل العام: لفظ دال(1) على مسميّات باعتبار أمر اشتركت فيه مطلقاً(2) ضَرْبَة(3).
[وقيل] اللفظ (المستغرق لما يصلح له)(4)، ويشمل النادر(5) على الأصح.
__________
(1) قوله: الدال؛ ليخرج الجمع المنكر نحو: رجال، فإنه يتناول جميع الأفراد لكن على وجه الصلاحية لا على وجه الدلالة.
(2) هذا هو الحد الذي رجحه ابن الحاجب في (مختصر المنتهى). وقوله: على مسميات أخرج المفرد والمثنى، وقوله: باعتبار أمر اشتركت فيه؛ ليخرج نحو: عشرة.. لواحد؛ فإن لفظ عشرة دال على آحاده لا باعتبار أمر اشتركت فيه؛ لأن آحاد العشرة أجزاء للعشرة لا جزئيات، فلا يصدق على واحد وأجزائه عشرة. وقوله: مطلقاً ليخرج المعهود فإنه يدل على مسميات باعتبار أمر اشتركت فيه مع قيد خصصه بالمعهودين، نحو: الرجال.
(3) أي دفعة واحدة، ليخرج نحو: رجل وامرأة؛ فإنه يدل على مسماه لا دفعة بل دفعات على البدل. انظر (شرح مختصر المنتهى) 2/100 ـ 101.
(4) كذا في (ب)، وفي (أ): اللفظ المستغرق لما يصلح له. ورمز إلى أنه ثابت في نسخة. وأسقطه من الدراري، وأشار في النظام إلى أن هذا الحد في بعض نسخ المتن، وحكى هذا الحد في نظام الفصول وشرح مختصر المنتهى عن أبي الحسين البصري.
(5) النادر، مثل: دخول الفيل في حديث: لاسبق إلا في خف أو حافر أو نصل. لأن الفيل ذو خف.(1/127)


وهو(1) حقيقة في الألفاظ؛ لأنه من عوارضها، وفي المعَاني مجاز، وفاقاً (للجمهور)، وقال (رازي الحنفيّة(2)، وابن الحاجب): حقيقة، سواء كانت(3) من الموجُودات الخارجيّة عَيناً كالمطر، وعرضاً كالأصوات، أو من الذهنيَّة كالحيوانية ونحوهَا من المعَاني الكليّة. ونَصَرَه (الحفيد). وقيل: بالوقف. وقيل: ليس من عوارضها لا حقيقة /72/ ولا مجازاً.
ولا يكون في الأفعال؛ لأنه لا ظاهر لها فيدخله الشمول أو الوحدة(4)، خلافاً (للمنصور، وأبي رشيد)، وهو لفظي، ولا في التُّرُوك أيضاً.
(90) فصل وعموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة والأمكنة(5) إلا لمخصص.
__________
(1) أي العموم.
(2) رازي الحنفية، هو: أحمد بن علي أبو بكر الرازي، المعروف بالجصاص، سكن بغداد وكان إمام أصحاب أبي حنيفة فى وقته، توفي يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة. طبقات الحنفية 1/84.
(3) أي المعاني.
(4) يعني أن الفعل لا يقع إلاَّ على وجه معين فلا يجوز أن يحمل على كل وجه يمكن أن يقع عليه، إذاً فالفعل لا ظاهر له حتى يدخله الشمول أو الوحدة.
(5) وقد مثل لذلك بقوله تعالى: ?لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ? من عموم الأشخاص والأوقات والأحوال.(1/128)


(أئمتنا، والمعتزلة): وقطعي المتن منه(1) قطعيُّ الدلالةِ في العلمي(2)، ظنِّيُّها في العملي. (الأشعرية، والفقهاء): بل ظني فيهما. (الجويني): إلا إذا لاح قصد التعميم(3).
(91) فصل واستفادة العموم منَ اللّفظ:
[1] إما: (لغة) [أ] بنفسِه من دون قرينَة مع تناول العالِمِين وغيرهم، كـ(أيّ) في الإستفهام والشرط(4)، و(كل) و(جميع). أو العالِمين فقط، كـ(مَنْ) استفهاماً وشرطاً. أو غيرهم فقط، عمُوماً كـ(ما). أو خصُوصاً كـ(أين) و(حيث) في المكان، و(متى)، و(متى ما) في الزمان /73/.
[ب] أو بقَرينة لا من نفس اللّفظ؛ فِيْ إثباتٍ كالجنس معرفاً بلامه، وكجمع الكثرة والقلة معرفين بها(5) أو مضافين(6). أَوْ فِيْ نَفْيٍ كالنكرة في سياقه(7).
[2] وإمَّا عرفاً من دون قرينة نحو: حرمت كل لحم. فيعم المتعارف فقط، أو بقرينة، نحو: ?فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ في الْمَدائِنِ حاشِرينَ?[الشعراء: 53] وجَمع الأمير الصّاغة.
__________
(1) أي من العموم.
(2) يعني مما ليس الغرض منه إلا الاعتقاد كمسائل الوعد والوعيد؛ لأنه لو جاز أن يكون المراد منه غير ظاهرة من العموم لكان إغراءاً باعتقاد الجهل وهو قبيح. واعترض عليه بأن ذلك يستلزم عدم جواز تخصيصه.. لا بقطعي للزوم تعارض القطعيات، ولا بظني لأن الظني لا يعارض القطعي، وقد وقع التخصص لعمومات الوعيد المطلق بالعاصي، والوعد بالتائب.
(3) ولهذا اختلفوا في آيات الوعيد فقال أئمتنا والمعتزلة: إنها قطعية الدلالة يمتنع الإخراج عنها إلاَّ بقاطع.
(4) الاستفهام مثل: ?أي الفريقين أحق بالأمن?؟ والشرط مثل: أي خيرتفعله تؤجر عليه.
(5) سقط من (أ): بها. ويعني معرفين باللام نحو: المسلمين والكافرين.
(6) نحو: ضربت عبيدي.
(7) كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يقتل مسلم بكافر).(1/129)


[3] وإما عقلاً كما إذا عَلَّق الشارع حكماً على عِلَّة، فعمُومه في كل ما ثبتت فيه بالعقل لا باللفظ، عَلى الأصح، كما يأتي، نحو: حرَّمْتُ السُّكَّر؛ لكونه حلواً. (الباقلاّني): لاَ يعم مطلقاً، ومنه مفهوم الموافقة عند مَن جعله قيَاساً(1)، لا مفهُوم المخالفة في الأظهر.
[ألفاظ وموجبات العموم]
(92) فصل وتنقسم ألفَاظه عند مثبتها إلى: مُتَفَقٍ على عُمومه ومختلف فيه.
فالأول: (مَنْ) للعقلاء استفهاماً وشرطاً، وموصولة لغير تعيين. و(ما) لغيرهم كذلك، و(مهمَا) لغيرهم شرطاً. و(أيّ) للعقلاء /74/ وغيرهم كذلك. و(أين)، و(أينما)، و(أنى) استفهاماً وشرطاً. و(حيث)، و(حيثما)، شرطاً للمكان. و(متى)، و(متى ما)، و(أيان) للزمان فيهما. و(كل) في الإثبات، وإِذَا كَانَتْ في حيّز النّفي بأن أُخِّرت عن أداته من غير فصلٍ، نحو: ما كل بيع حلالاً. أو جُعِلَت معمولة للفعل المنفيّ، نحو: لم أجد كل الدّراهِم، وكل الدراهم لم أجد؛ تَوَجَّهَ النفي إلى الشمول خاصّة، وأفاد ثبوته لبعض، وإلاَّ(2) عمَّ كقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: (( وكل ذلك لم يكن ))(3). و(أجمعون) و(جمع) و(جميع). و(النكرة في سياق النفي) غالباً، (وفي النهي والإستفهام)، ولا عموم فيها(4) في الإثبات إلا مجازاً، بكثرة في المبتدأ(5)، وقلة في غيره(6).
__________
(1) أي: ومن العموم المستفاد من العقل مفهوم الموافقة عند من جعله قياساً، وذلك نحو: ?ولاتقل لهما أف? في أمارة المنع من عموم الإيذاء قياساً على التأفيف.
(2) أي: إذا لم تكن (كل) في حيز النفي.
(3) جزء من حديث ذي اليدين في سهو النبي (ص) في الصلاة، رواه غير واحد منهم مسلم 1/404 وابن خزيمة 2/199 وابن حبان 6/26 وغيرهم عن أبي هريرة.
(4) أي: النكرة.
(5) نحو قوله تعالى: ?قول معروف خير من صدقة يتبعها أذى?[البقرة:263].
(6) نحو: قوله تعالى: ?علمت نفس ما أحضرت?[التكوير:14].(1/130)

26 / 66
ع
En
A+
A-