والتأويل: تَرْجِيْحُ المرجوح لدَليل عند الأُصوليّين، والتَّفسيرُ عند المفسرين. وتختلف مراتبه دِرَاية ورواية.
فالدِّرايَة، أعلاها: تفسير الكتاب بالكتاب، ثم التفسير النَّبوي، ثم تفسير القرابة، ثم الصحابة، ثم العلماء الثقات سيما أئمة اللغة والعربية، ومن لا يفسّر إلا عن توقيف.
والرواية أعلى مراتبها القرابة، ثم الصحابة، ثم مفسرو التابعين الثقات ومَنْ بعدهم كذلك. ويجب رفض تأويل المبتدعة وتحريف الملحدة.
(61) فصل وَينقَسم الكتاب: إلى قطعيٍ، وهو: ما كان نصاً في دلالته متواتراً في نقله، وظني، وهو خلافه. ويُعْرَف معناه من نفسه إن كان مُبَيَّناً، ومن بيانه إن كان مُجْمَلاً، ويختص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ببيان مجملاته الشرعيَّة.
(62) فصل (ابن عباس، وعكرمة)(1) وغيرهما: وفي القرآن المعَرَّب، وهو: لفظ استعملته العرب في معنىً وُضِع لَه في غير لغتهم، وقد يغيرونه. ومنه: (المشكاة) للكَوَّة، وهي هندية. و(قسطاس) /47/ للميزان، وهي روميّة. و(استبرق) لغليظ الديباج، و(سِجِّيل) للتراب المطبوخ، وهما فارسيتان.
__________
(1) عكرمة، هو: مولى ابن عباس أصله من البربر وكان ممن ينتقل من بلد إلى بلد، وهو من فقهاء التابعين، مات سنة سبع ومائة، وقيل: سنة خمس عشرة ومائة. طبقات الفقهاء 1/ 58.(1/106)


والمختار - وفاقاً (للشافعي، وابن جرير(1)، والجمهور) -: منع ذلك، وهذه(2) مما اتفق فيه اللغتان (كالتَّنُّور، والصابون). والخلاف(3) في أسماء الأجناس المتصرف فيها بدخول اللاّم والإضافة، لا الأعلام؛ لأنها بحسب وضعها العَلَمِي ليست مما ينسب إلى لغة دون أخرى(4).
[شروط الاستدلال جملة]
(63) فصل (أئمتنا، والمعتزلة): وشروط الإستدلال بخطابه تعالى: علم المستدل: أنه لا يجوز أن يخاطب بما لا يريد به معنىً البتة، كما تقول (الحشوية) في فواتح السُّوَر. ولا على وجه يَقْبُح، كالإخبار بالكذب، والأمر بالقبيح والنهي عن الحسن. ولا بما يريد به غير ظاهره من غير بيان، كما تقول (المرجئة) في آي الوعيد.
وشروط الإستدلال بخطاب الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم: كذلك، وأنه لا يكتم ما أُمِرَ بتبليغه، ولا يُحَرِّفُهُ، ولا يُبَدِّله.
وشروط الإستدلال بفعله: معرفةُ شُروطِ الإستدلال بالخطاب /48/، وشُروطِ التأسي فيه، وألاَّ يكون خاصاً به صلى اللّه عليه وآله وسلم.
وشروط الإستدلال بتقريره: كون من أقَرَّهُ ممن يعتزي إلى الملّة، ووقوع ما قرر عليه بعلمه صلى اللّه وآله وسلم، وألاَّ ينكره أحد مع علمه بإنكاره.
وشروط الإستدلال بالإجماع: معرفةُ شُرُوْطِ الإستدلال بالخطاب، ومُسْتَنَدِ الإجماع من دلالة أو أمارة، وَكَيْفِيّةِ نقله من تواتر أو تلقٍ بالقبول في القطعي، وآحاد في الظَّني.
__________
(1) ابن جرير، هو: العلامة المفسر أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، كانت له منزلة عظيمة وله مؤلفات شهيرة، توفي عشية الأحد ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاثمائة، ودفن ببغداد. سير أعلام النبلاء 14/267.
(2) أي: الأسماء المتقدمة المدعى تعريبها ليست معربة بل عربية اتفقت فيها لغة العرب مع لغاتها.
(3) يعني في التعريب وعدمه.
(4) لأن المسمى بها شيئاً هو الواضع، كائناً من كان.(1/107)


وشروط الإستدلال بالقياس: معرفة شروط الإستدلال بالخطاب، وشروط أركانه الأربعة، وألاَّ يكون على الحكم دليلٌ غيره إلا للتَقْوِية.
وشروط الإستدلال بالحظر والإباحة: ألاَّ يوجد حكم الحادثة في طرق الشرع، وألاَّ يكون للعقل فيها حكم.
ويأتي كل ذلك في موضعه إن شاء اللّه تعالى.

الأمر

[1] باب الأمر
(64) فصل: لفظه حقيقةٌ في الصِّيغة المخصوصة اتفاقاً(1). (الجمهور): ومجازٌ في غيرها. (الإمام، وأبو الحسين، والشيخ): مشتركٌ بينها وبين الشأن والغَرَض /49/ وجهة التأثير(2). (المنصور، والحفيد): كذلك، إلا في جهة التأثير(3). (بعضُ الشافعيّة): مشتركٌ بين الصيغَة والفعل(4). (الآمديُّ): متواطئ فيهما(5)، لاشتراكهما في معنى يشملهما، وهو: كونهما شيئاً، أو موجوداً، أو فعلاً، إذ هو أعم من أن يكونَ باللّسان أو غيره. (جمهور الأشعريَّة): مشتركٌ بينَ اللِّساني والنَّفساني، وعن أَقلِّهم حقيقة في النَّفسَاني مجاز في اللساني(6).
__________
(1) يريد بلفظ الأمر، قولنا: (أمر)، فهو يطلق على القول المخصوص. ويعني بالصيغة المخصوصة نحو قولك: (إفعل)، أو (ليفعل).
(2) أي مشترك لفظي؛ لاشتراكها في اللفظ فقط، ولذلك فمتى أطلق لفظ الأمر لم يفهم منه بعضها بخصوصه إلا بقرينة، فإذا قلت سمعت أمر فلان. فهم أنه القول. وإذا قلت جاء فلان لأمر. فهم أنه جاء لغرض. وإذا قلت: تحرك الجسم لأمر. فهم أن المراد تحرك لموجب أثر تحركه. وإذا قلت: وراء الموت أمر عظيم. فهم أن المراد به شأن عظيم.
(3) قالوا: لأن العرب لا تلاحظ ذلك في خطاباتها، ولا تنبه له فتضع له عبارة. انظر منهاج الوصول 246.
(4) نحو قوله تعالى: ?وما أمر فرعون برشيد?، أي توجيهه أو فعله.
(5) أي في الصيغة والفعل.
(6) وقد تقدم الكلام فيه.(1/108)


وحدُّ الصيغة المخصوصة(1): طلبُ فِعلٍ بقولٍ إنشَائيّ على جهةِ الإستعلاء(2) والتَّحَتُّم. (جمهور الأشعرية): ولا يُعْتَبر فيه علوٌ ولا استعلاء. وقيل: يعتبران. (جمهور المعتزلة، والشيرازي، وابن الصباغ(3)، والسّمعاني)(4): يعتبر العلوّ(5). (أئمتُنَا، وأبو الحسَيْن، وَالمتأخرون): يعتبر الإستعلاء.
__________
(1) أي حقيقة الأمر بمعنى الصيغة.
(2) الاستعلاء: عَدُّ الآمر نفسه عالياً، فالأمر ما كان من الأعلى إلى الأدنى، سواء كان عالياً في نفس الأمر أم لا. ويخرج بذلك الالتماس لأنه من المستويين رتبة والدعاء؛ لأنه من الأدنى إلى الأعلى.
(3) ابن الصباغ، هو: عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد أبو نصر البغدادي، من فقهاء الشافعية بالعراق، له كتب في الفقه وأصوله، توفي في جمادى الأولى، وقيل في شعبان سنة سبع وسبعين وأربعمائة. طبقات الشافعية 2/251.
(4) السمعاني، هو: منصور بن محمد بن عبد الجبار أبو المظفر التميمي المروزي الشافعي، صنف في التفسير والفقه والحديث والأصول، ومات في ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربعمائة. طبقات الشافعية 2/273.
(5) وهو كون الآمر عالياً بالفعل، فيخرج الالتماس والخضوع.(1/109)


(65) فصل وتستعمل (إفعل) في معانٍ، وهي: الوجوب(1)، والندب(2)، والإباحة(3)، والتهديد(4)، والإرشاد(5)، والإكرام(6)، والتسخير(7)، والتعجيز(8)، والتَّأديب(9)، والإهانة(10)، والتسوية(11)، والدعاء(12)، والتمني(13)، والإحتقار(14)، والإنذار(15)، والتكوين(16).
__________
(1) الوجوب، مثل قوله تعالى: ?وَأَقِيْمُوْا الصَّلاَةَ?[البقرة: 43].
(2) الندب، مثل: ?فَكَاتِبُوْهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيْهِمْ خَيْراً?[النور: 33].
(3) الإباحة، مثل قوله تعالى: ?وإذا حللتم فاصطادوا?.
(4) التهديد، مثل قوله تعالى: ?اعْمَلُوْا مَا شِئْتُمْ?[فصلت:40].
(5) الإرشاد، مثل: قوله تعالى: ?وَاسْتَشْهِدُوْا شَهِيْدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ?[البقرة: 282]. والفرق بين الندب والإرشاد: أن الندب لثواب الآخرة، والإرشاد لمنافع الدنيا.
(6) الإكرام، مثل قوله تعالى: ?ادْخُلُوْهَا بَسَلاَمٍ?[الحجر:46].
(7) التسخير، مثل قوله تعالى: ?كُوْنُوْا قِرَدَةً?[البقرة:65].
(8) التعجيز، مثل قوله تعالى: ?فَأْتُوْا بِسُوْرَةٍ مِنْ مِثْلِهِ?[البقرة:23].
(9) التأديب، مثل قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (كل مما يليك). وهو قريب من الندب.
(10) الإهانة، مثل قوله تعالى: ?ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيْزُ الْكَرِيْمُ?[الدخان:49].
(11) التسوية، مثل قوله تعالى: ?اصْبِرُوْا أَوْ لاَتَصْبِرُوْا?[الطور:16].
(12) الدعاء، مثل قوله تعالى حكاية عن المؤمنين: ?رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا?[الأعراف:151].
(13) التمني، كقول الشاعر: ألا أيها الليل الطويل ألا انجل.
(14) الاحتقار، مثل قوله تعالى: ?أَلْقُوْا مَا أَنْتُمْ مُلْقُوْنَ?[الشعراء:43].
(15) الإنذار، مثل قوله تعالى: ?تَمَتَّعُوْا قَلِيْلاً?[إبراهيم:30]، وهو قريب من التهديد.
(16) التكوين، مثل قوله تعالى: ?كُنْ فَيَكُوْنُ?[يس:82].(1/110)

22 / 66
ع
En
A+
A-