(55) فصل والكتاب: الكلام المنزل عَلَى محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم للإعجاز بأقل سورةٍ منه، أو بعدّة آياتها، متواتراً. وهو الموجُود بأيدي الأمة من غير زيادة فيه /41/ إجماعاً. ولا اعتدَاد بخلاف (الإمامية)(1)، ولا نقصان عما في العرضة الأخيرة(2). ومنه البسملة في غير براءة، وهي آية من أوّل الفَاتحة وأوّل كل سورة عند (جمهور السَّلَف: أئمتنا، والشّافعيَّة، وقُرَّاء مكة، والكوفة)، خلافاً (لبعض السلف، ومالك، وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي، وقُرّاء المدينة، والبصرة، والشَّام). وقال (ابن المسيّب (3)، وَمُحمد بن كَعب)(4): هي آية من الفاتحة فقط. وقيل: بل آية مِنها، بعض أيةٍ من غيرها. (أحمد(5)، وداود(6)
__________
(1) الإمامية هم الشيعة الجعفرية الإثنا عشرية، وهي فرقة كبيرة مشهورة. وفي نسبة الخلاف في عدم تمام القرآن إلى جميع الإمامية نظر؛ لأن جميع تفاسيرهم للقرآن لم تفسر آيات محذوفة ولم تشر إليها، وقد اطلعنا على كثير من كتبهم ولقينا كثيراً من علمائهم وسألناهم فوجدناهم يعتقدون في القرآن التمام وعدم النقصان، ولعل ما ذكر المؤلف محكي عن جماعة منسوبة إليهم كانت في أحد الأزمنة القديمة. والله أعلم.
(2) أي التي استعرضه فيها نبينا صلى الله عليه وآله مع جبريل عليه السلام آخر مرة في رمضان.
(3) ابن المسيب، هو: الإمام أبو محمد سعيد بن المسيب القرشي، أحد كبار فقهاء المدينة، وسيد التابعين في زمانه، روى عن كثير من الصحابة، توفي (79 هـ).
(4) محمد بن كعب، هو: محمد بن كعب بن سليم أبو عبد الله القرظي المدني، علامة محدث من كبار التابعين، مات سنة سبع عشرة ومائة، وقيل: سنة عشرين ومائة. سير أعلام النبلاء 5/65.
(5) أحمد: هو الإمام أحمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور ورأس الحنبيلية، توفي (241هـ).
(6) داود، هو: داود بن علي بن خلف الأصبهاني الظاهري، إمام المذهب الظاهري، ولد بالكوفة ونشأ ببغداد، وفيها مات سنة سبعين ومائتين. وإنما قيل له الأصبهاني لأن أمه أصبهانية. طبقات الحنفية 1/419.(1/101)
، ورازي الحنفيَّة): آية مستقلة مُنَزَّلة بين كل سُورتين. وتواترت بعض آية في النمل إجماعاً.
ومنه المعوذتان، وخلاف (ابن مسعود) في إثباتهما في المصحف، لا في كونهما قرآناً. وخلاف (أُبَيّ) في الفاتحة كذلك.
(القاسم، والهادي، والجمهور): ويكفر منكر آية، فيقتل إن لم يتب. (ابن الحاجب): وقُوَّة الشبهة في البسملة منعت التكفير من الجانبين.
(56) فصل حكى (الجزري(1) عن الجمهور) أن القراءة الصحيحة ما صح سندُها /42/ ووافقت المصاحف العثمانية لفظاً أو تقديراً، بأن يحتملها الرّسم، ووافقت العربية ولو بوجهٍ، وأنه لا يجوز إنكارها، سواء كانت عن السّبعة، أو عن العَشَرة، أو عن غيرهم من الأئمة المقبولين، وأنه لا يشترط في الصحة التواتر إلا عند بعض المتأخرين، وأنّ ما اختل فيها أحد القيود الثلاثة فشاذة أو باطلة. وحكى غير (الجزري) أن الشاذة ما وراء السَّبع. وقيل: ما وراء العشر. ومختار (أئمتنا، والحنفية، والمزني(2)، وأحد قولي الشافعي): أنها(3) كالآحادي، فيعمل بها في الأحكام العملية خلافاً (لعطاء(4)، ومالك، والشافعي، والمحاملي(5)، وابن
__________
(1) الجزري، هو: شمس الدين محمد بن محمد الجزري، عالم مشهور، له إهتمام بعلوم القرآن عامة وبالقراءات خاصة، توفى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة. كشف الظنون 1/ 128.
(2) المزني، هو: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق المزني، من أجل أصحاب الشافعي، قال عنه الشافعي: المزني ناصر مذهبي، مات بمصر سنة أربع وستين ومائتين. طبقات الفقهاء 1/109.
(3) يعني ما عدا السبع.
(4) عطاء، هو: عطاء بن أبي رباح، أحد الأعلام المشهورين، روى عن الصحابة، وهو شيخ أبي حنيفة والأوزاعي، وابن جريج، (توفي 114 هـ).
(5) المحاملي، هو: أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم بن إسماعيل الضبي أبو الحسن البغدادي أحد أئمة الشافعية، له مصنفات، توفي في ربيع الآخر سنة خمس عشرة وأربعمائة. طبقات الشافعية 2/174.(1/102)
الحاجب)، فأما القراءة بالمعنى فَمُحرّمة.
(57) فصل والقراءات السّبع متَواترة عند (الجمهور) أصولاً، وهو: جوهر اللفظ، وفرشاً، وهو: هيئته كالمد والإمالة والترقيق والتفخيم ونحوها. وقيل: ليست بمتواترة لا أصولاً ولا فرشاً. (القرشي، وابن الحاجب): بل المتواتر الأصول دون الفرش.
ومعتمد (أئمتنا) قراءة أهل المدينة(1). و(لزيد بن علي)(2) /43/ قراءة مفردة مروية عنه(3). ويُوصف مَا دون حَدِّ الإعجاز بأنه قرءآن متواتر كالآية والآيتين. والحرف الثابت في إحدى القراءتين دون الأخرى كـ(مالك) جزء متواتر أُتِيَ به توسعة، ولا يسمّى على انفراده قرءانا. والمجتزي بالأخرى لم يترك قرءانا، كالمجتزي بإحدى خصال الكفارة المجزية.
ولفظ القرآن يطلق على الحكاية والمحكي.
وإنما أنزل على سبعة أحرف تخفيفاً. (الجمهور): والمراد بالأحرف: سبع لغات عربية. ثم اختَلفوا في تعيينها على أقوال، وقيل: ليس المراد حقيقة العدد، بل السعة والتيسير.
__________
(1) التي هي قراءة نافع.
(2) الإمام الأعظم الشهيد السعيد أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أخباره مشهورة منشورة، توفي سنة عشرين ومائة. أنظر عنه كتابنا: الإمام زيد بن علي شعلة في ليل الاستبداد.
(3) قيل: إنه جمعها أبو حيان في كتاب سماه (النور الجلي في قراءة زيد بن علي) ونقل طرفاً منها الزمخشري في (الكشاف) وأبو حيان في (البحر المحيط).(1/103)
(58) فصل واختلاف القراءات(1): إما لبيان أصل الحق ودفع أصل الزَّيغ(2)، أو حكم مجمع عليه(3)، أو لِتَرجيحِ مختلفٍ فيه(4)، أو لجمع بين حكمين مختلفين(5)، أو لاختلافهما(6)، أو لتفسير ما لعله لا يُعْرَف(7)، أو لإيضاح حكمٍ يقتضي الظاهر خلافه(8)، أو لتَرجيح قول بعض النحويين على بعَض(9)/44/.
ومعرفة قدر الآية ومحلها توقِيْفٌ.
واختلف في وجهِ إعجاز القرآن، فعند أئمتنا والجمهور: بلاغته الخارقة للعادة. وقيل: الإخبار بالغيب. وقيل: كون قارئه لا يَكِلّ وسامعه لا يَمِلّ. وقيل: سلامته عن التناقض والإختلاف. وقيل: أمر يُحَسُّ به ولا يُدْرَك كالملاحة. وقيل: صرفه عن معارضته.
وانعقد الإجماعُ علَى أنَّه محرُوسٌ عن المطاعن، كتبدِيلٍ، وتنَاقضٍ، واختلاَفٍ، وكذبٍ، ولحنٍ، وزيادةٍ، ونقصانٍ. وقد تواتر غيره من المعجزات وفاقاً (للبغدادية) وخلافاً (للشيخين).
__________
(1) ملاحظ أن بعض التعليلات ليست وجيهة لأنها لم تأتي إلا بعد نزول القرآن.
(2) مثل لذلك بقراءة من قرأ: ?عذابي أصيب به من أساء? بالسين المهملة.
(3) كقراءة سعد بن أبي وقاص: وله أخ أو أخت من أم..
(4) كقراءة: وتحرير رقبة مؤمنة. في كفارة اليمين.
(5) كقراءة: يطهرن ويطهرن بالتشديد والتخفيف، فاختلافهما دليل على الجمع بين الحكمين، فلا يقرب الحائض حتى تطهر من حيضها وتطهر بالغسل.
(6) كقراءة: أرجلَكم وأرجلِكم بالنصب والخفض.
(7) كقراءة الصوف المنفوش مع: كالعهن المنفوش.
(8) كقراءة: فامضوا إلى ذكر الله، مكان فاسعوا إلى ذكر الله؛ لأن السعي هو المشي بسرعة وهو خلاف المقصود.
(9) قال في الدراري: كقراءة حمزة: فالأرحام. بالجر، مقابل قول من اختار العطف على المضمر.(1/104)
(59) فصل وينقسم: إلى محكمٍ ومتشابه، فالمحكم: ماوضح معناه. وقيل: مَا لا يَحتمل إلاَّ معنىً وَاحداً. وقيل: ما كان إلى معرفته سبيلٌ. (الإمام): ما عُلم المراد بظاهره بدليل عقلي أو نقليٍّ. وقيل: آيات الحلاَل والحرَام.
وهو: نص جلي، وظاهر، ومفهوم، لم يُعَارَضَا، وخاص وإن عَارضه عَام، ومقيّد وإن عارضه /45/ مطلق، وما وافقه تحسين عقلي، ومنه(1) في الأظهر مجازٌ قرينته ضرورية أو جليَّة.
والمتشابه خلافه. وقيل: بل آيات مخصُوصة. ثم اختلفوا، فقيل: الحروف المقَطَّعة في أوائل السُور. وقيل: آيات السعادة والشقاوة. وقيل: الناسخ والمنسوخ. وقيل: الأوامر والنواهي. وقيل: القصص والأمثال. ووروده في الكتاب لفوائد كثيرة، أو لمصلحة علمها اللّه تعالى.
(60) فصل (بعض السلف، وأئمتنا، والجمهور): ويعلم الراسخون في العلم تأويله؛ لِوقوع الخطاب به. (بعض السلف، وأكثر الفقهاء، والمحدثون): لا يعلمونه لعدم الخطاب به. (الهادي): يعلمون منه ما يتعلق به التكليف دون غيره كـ?حم عسق?. (القاسم)(2): وقد يُطْلِعُ اللّه عَليه بَعْضَ أصفيَائه. (الإمامية): لا يعلمه إلا الإمام كالمحكم.
والراسخ: المجتهد الثابت العقيدة.
ويمتنع على القول الأوّل جَهْلُ كل الراسخين بتأويله لمخالفته لخبره تعالى(3)، لا بعضهم. وعلى القول الثاني ينقسم الكتاب: إلى ما يراد فهمه على جهة التفصيل وهو المحكم، وعلى جهة الإجمال وَهو المتشَابه /56/. فأما ورود ما لا معنَى له فممتنع، خلافاً لبَعضِ (الحشوية)(4) .
__________
(1) أي من النص، أو من المحكم.
(2) هو : ابن إبراهيم الرسي، تقدمت ترجمته.
(3) حيث أخبر أنه يعلمه هو والراسخون.
(4) الحشوية: فرقة من الظاهرية ذكر أنهم يحشون الأحاديث الرديئة مع الأحاديث الصحيحة، وقيل: كانوا يحضرون حلقة الحسن البصري فوجد كلامهم رديئاً فقال: ردوا هؤلاء إلى حَشَا الحلقة.(1/105)