والأصح أن الحد والمحدود، ونحو: شيطان ليطان، غير مترادفين(1).
(24) فصل والإشتراك، والنقل، والمجاز، والإضمار، والتخصيص، والنسخ، خلاف الأصل(2)، واحتمال قول المتكلم لأحدها، هو الْمُخِل بفهم مراده، ولا خلل مع انتفائها(3).
وإذا دار اللفظ بين الإشتراك والمجاز(4) فالمجاز أولى لغلبته. وقيل: بل الإشتراك. (الإمام): يُوكل إلى نظر الفقيه.
[مباحث في المشتق]
(25) فصل والمشتق: ما وافق أصلاً بحروفه الأصول ومعناه بتغييرٍ مَّا(5)، وقد يطَّرد بحسب الوضع اللغوي(6)، كاسم /19/ الفاعل ونحوه، وقد يختص(7)، كالقارورة ونحوها.
__________
(1) يعني أن الحد لفظ، والمحدود معنى، وشيطان اسم، وليطان تابع فقط.
(2) يعني أن من ادَّعى ثبوت أحدها فعليه القرينة، والصواب مع مدعي عدم ثبوت أحدها؛ لأن الأصل عدمها.
(3) أي انتفاء الإشتراك والنقل والمجاز.. الخ
(4) كالنكاح، فإنه يحتمل أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد، ويحتمل أنه مشترك بينهما.
(5) بتغير في حرف أو حركة أو فيهما، نحو: ضَرْب، وضُرِبَ، وكِتَابة، ومَكْتُوب.
(6) يعني أنه متى وجد المعنى المشتق وجد الاسم، ومتى انتفى انتفى، فعالم وقادر وحي مشتقة من: العلم والقدرة والحياة، وهي مطردة بحسب الوضع اللغوي، في كل عالم وحي وقادر، لوجود المعنى وهو العلم والحياة والقدرة.. ويرى الرازي أن عالماً وقادراً وحياً تطلق على اللّه تعالى من غير اشتقاق عن العلم والقدرة والحياة؛ لأن المسمى بهذه الأسماء هي المعاني التي توجب العالمية والقادرية والحيية، وهذه المعاني غير ثابتة لله تعالى. راجع المحصول 1/239.
(7) بمعنى أنه لا يطَّرد، فلا تطلق قارورة إلا على ما استقر فيه الماء من الزجاج، ولا يقال لإناء النحاس أو الخزف: قارورة، وإن وجد فيه المعنى، وهو الاستقرار.(1/71)


(26) فصل (الجمهور): ويشترط في كون المشتق حقيقة بقاء معناه مطلقاً(1). (أبو هاشم، وابن سيناء)(2): لا يشترط مطلقاً. وقيل: إن كان بقاؤه ممكناً بوجود أجزائه دفعة، كضارب(3) أُشْتُرِط، وإلا فلا، كمتكلم(4). وهو في المستقبل مجاز اتفاقاً(5).
__________
(1) أي معنى أصله المشتق منه، فلا يطلق ضارب إلا مع بقاء معناه، وهو الضرب لا قبله، ولا بعده فيكون مجازاً أو لا يصح إطلاقه، أو معناه في نفسه، ومطلقاً سواء كان بقاؤه ممكناً أو لا.
(2) ابن سينا، هو: الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله الشهير بابن سينا، العلامة الفيلسوف، توفي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة. كشف الظنون 1/94.
(3) لأن الضرب يوجد دفعة.
(4) لأن التكلم لا يتصور حصوله إلا بحصول أجزائه، وهي الحروف أولاً بأول.
(5) يعني أن المشتق في المستقبل مجاز، فلا يقال: ضارب للذي سيضرب، إلا على وجه المجاز.(1/72)


(27) فصل(1) والمعنى القائم بمحل، إن لم يكن له اسم مخصوص، كأنواع الرَّوائح، لم يُشتق منه اسم لمحله(2)، واختلف فيما له اسم مخصوص، فعند (أئمتنا، والمعتزلة): لا يجب أن يشتق منه اسم لمحله(3)، ويصح الإشتقاق منه لغَيره، وهو فاعله كمتكلم(4)، وخالفَت (الأشعرية) في الأمرين(5).
__________
(1) هذا الفصل والذي بعده أصلان مهمان من أصول علم الكلام.
(2) فالرائحة التي تصعد من إحدى أنواع الورود لا يشتق منها اسم لتلك الوردة، لأنه ليس لتلك الرائحة أسماء، وإنما يكتفى فيها بالتقييد، فيقال: رائحة كرائحة ورد كذا.
(3) وذلك كالكلام الذي خلقه اللّه في الشجرة لموسى (ع)، فإنه لا يصح أن تسمى الشجرة بسبب قيامه فيها: متكلمة، وكذلك القتل، فإنه معنى يقوم بالمقتول، ولا يشتق له منه اسم، فلا يقال للمقتول: قاتل.
(4) فالكلام المخلوق في الشجرة يصح أن يشتق منه اسم لغير محله ـ وهو الشجرة ـ فيوصف اللّه أنه متكلم بذلك الكلام؛ لأنه خلقه.
(5) فأجازوا الاشتقاق لمجرد قيام المعنى بالمحل، ومن هنا جعلوا: فاعل بالنسبة للعبد صحيحاً، وإن لم يكن فاعلاً حقيقة عندهم، وإنما قام به الفعل بخلق الله، لكن لأنه محل صح اشتقاق لفظ فاعل له، وتأولوا نسبة الأفعال للعبد الواردة في القرآن لذلك، ومنعوا الاشتقاق من المعنى لغير محله وهو الفاعل، فلم يطلقوا متكلم في حق الله تعالى على معنى فاعل الكلام، كما هو رأي العدلية، بل على معنى قام به الكلام كما في العلم عندهم.(1/73)


(28) فصل ومدلول الوصف المشتق ذات مَّا مُتَّصِفَة بالمشتق منه، من غير إشعار بخصوصيتها، فالأسود إنما يدل على ذات متصفة بالسواد من دون خصوصية، كالجسميّة أو غيرها(1)، ومن ثَمَّ قال (أبو هاشم): لو قُدِّرَ أنه تعالى مرئيٌ لم يلزم مجانسته للمرئيات، وقال (أبو علي)(2): يلزم(3).
(29) فصل وما ثبت التعميم فيه بالنقل جامداً كرجلٍ، أومُشْتقاً كعَالِم، أو بالإستقراء كرفع الفاعل؛ فمتفق على اطَّراده(4).
__________
(1) وتحقيقه أن مفهوم الأسود ـ مثلاً ـ شيء ما، له السواد، من غير دلالة في اللفظ على خصوصية كونه إنساناً، أو جسماً أو غيره.
(2) أبو علي، هو : محمد بن عبد الوهاب الجبائي والد أبي هاشم من كبار شيوخ المعتزلة، مشهور بالعلم والزهد والورع، وتنسب إليه البعلوية من المعتزلة، وهو من مشائخ أبي الحسن الأشعري، توفي (303 هـ). وفيات الأعيان 1/480.
(3) هذا الفصل أصل مهم في مسألة الصفات الإلهية، بين أهل الإثبات وأهل النفي، فالمثبتون يرون أنه لا يلزم من إثبات أصل لفظ الصفة غير المعنى العام، دون خصوصيات المحل الذي اتصف به، فكل له خصوصية، ولهذا يثبتون أصل الصفة مع نفي خصوصية الموصوف، كالجسمية ونحوها، فيقولون: يتعجب لا كتعجبنا، ونحو ذلك، بينما النافون يرون الخصوصية تابعة لأصل الصفة، ولا يجردونها عنها، ولذلك ينفون الصفة نفياً للخصوصية.
(4) لأن النقل قد دل على أن كل ذكر من بني آدم يجوز إطلاق: (رجل) عليه، وكذلك دل على أن كل ذات قام بها العلم يطلق عليها لفظ عالم، وكذلك كون الفاعل مرفوعاً والمفعول منصوباً ونحو ذلك.(1/74)


واختلف في إثبات الأسماء اللغوية /20/ بقياس لغوي، فيسمَّى - لغَةً -: المسكوت عنه باسم غيره بجامع بينهما، كالنبيذ خمراً للتخمير، والنبَّاش سارقاً للأَخْذِ خفية، واللائط زانياً للإيلاج المحرم. والمختار: منع ذلك، إلا بالنقل والإستقراء، وِفاقاً (للجويني، والغزالي، والآمدي، وابن الحاجب)، وخلافاً (للمنصور، والباقلاني، وابن سريج(1)، وابن أبي هريرة(2)، والرازي، وجمهور أئمة العربية). وليس المجاز من ذلك؛ إذ العلاقة فيه مصححة للتجوز كرفع الفاعل. فأما إثبات الأسماء الشرعية بقياس شرعي فجائز على الأصح كما يأتي(3).
(30) فصل في الحروف
__________
(1) ابن سريج، هو: أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي القاضي، من أئمة الشافعية بالعراق له مصنفات كثيرة، توفي سنة ثلاث وثلاثمائة. سير أعلام النبلاء 14/201.
(2) ابن أبي هريرة، هو: الحسن بن الحسين القاضي أبو علي بن أبي هريرة البغدادي، أحد أئمة الشافعية، مات ببغداد في رجب سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. طبقات الشافعية 2 /126.
(3) وذلك كتسمية صلاة الجنازة: صلاة، قياساً على الصلوات الخمس.(1/75)

15 / 66
ع
En
A+
A-