(12) فصل والمشترك: اللفظ الواحد /11/ الموضوع لحقيقتين فصاعِداً. (أئمتنا والجمهور): وهو ممكن عقلاً، واقعٌ لغةً وشرعاً. وأوجبَ قوم وقوعه، ونفاه (ثَعْلَب(1) وأبو زيد(2) والبلخي(3) والأبهري)(4) مطلقاً، وقوم في القرآن، وقوم فيه وفي السنة، (والرازي)(5) بين النقيضين.
__________
(1) ثعلب، هو : أحمد بن يحيى الأبهري، نحوي من المشاهير، توفي (209 هـ). معجم الأدباء 5/202 ـ 146.
(3) البلخي: أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن محمود البلخي، المعروف بالكعبي، من مشاهير المعتزلة وكبار الأصوليين، توفي (309 هـ). الأعلام 4/189.
(4) الأبهري: أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن محمد التميمي الأبهري أصوليٌّ مشهور، وهو شيخ المالكية في المغرب توفي (375 هـ). تاريخ بغداد 5/462.
(5) الرازي: هو أبو عبد اللّه محمد بن عمر بن الحسن الرازي المعروف بابن الخطيب الرازي، أصوليٌّ من الأشاعرة من أشهر كتبه في الأصول كتاب (المحصول)، توفي (606 هـ). وفيات الأعيان 3/ 381.(1/56)
وهو: إما بوضع اللغة فقط، كشفق(1) أو العرف فقط، كدابة(2). أو الشرع فقط، كالصلاة(3)، أو باثنتين منها(4). (الشيخ، وحفيده)(5) وغيرهما: أو بمجموعها(6)، وذلك عند استواء استعماله فيها. وهو بعيد. ويكون بين ضدين، كجُوْن(7)، ونقيضين: كقُرْء(8)، ومختلفين، كعَيْن(9)، لا بين مجازين في الأصح(10).
ويعرف بالنص عليه(11)، أو بالاستدلال بسبق الفهم عند إطلاقه إلى معنيين فصاعداً، أو بحسن الاستفهام عنه(12).
والفرق بينه وبين المتواطئ - وإن كانت نسبتهما إلى مسمياتهما متساوية - أنّ مُسميات المتواطئ مشتركة في معنى يشملها، ومسميات المشترك مشتركة في اللفظ فقط.
__________
(1) الشفق: لفظ مشترك بين البياض والحمرة.
(2) فإنه مشترك في العرف يبن ذوات الأربع.
(3) فإنها مشتركة بين الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصلاة الجنائز وغيرها.
(4) فإما أن يكون لغوياً وعرفياً كالعدل، فإنه يفيد الفعل لغة والفاعل عُرفاً. وإما أن يكون لغوياً وشرعياً كالزكاة، فهي مشتركة بين المعنى اللغوي وهو النمو والزيادة، وبين المعنى الشرعي وهو إخراج قدر من المال مخصوص بنية مخصوصة. وإما أن يكون شرعياً عرفياً وهذا ليس له مثال؛ لأن العرفي والشرعي لابد فيه من لغوي.
(5) الحفيد: هو أحمد بن محمد بن حسن الرصاص، علامة أصولي من كبار الزيدية توفي (656هـ). طبقات الزيدية ـ خ ـ وأينما أطلق في هذا الكتاب فهو المراد.
(6) وذلك كالصلاة في إفادة الدعاء لغةً والرحمة عرفاً، والأذكار والأركان شرعاً.
(7) يطلق على: السواد والبياض.
(8) يطلق على: الطهر والحيض.
(9) تطلق على: الجارحة والجارية.
(10) لأن المجاز غير موضوع .
(11) من أهل اللغة حيث يقولون: هذا اللفظ مشترك بين كذا وكذا.
(12) كأن يقال: ماذا أردت بالقرء الطهر أم الحيض؟(1/57)
(أئمتنا، والجمهور): ويصح إطلاقه حقيقةً على كل معانيه غير المتنافية مطلقاً. (أبو هاشم(1)، والكرخي(2)، وأبو عبد الله)(3): يمتنع مطلقاً. (الإمام، وأبو الحسين(4)، والشيخ) وبعض /12/ الأشعرية): يصح من حيث الإرادة لا اللغة. وقيل: يصح في النفي دون الإثبات(5). وقيل(6): في الجمع خاصًّة(7). (جمهور المتأخرين): يصح مجازاً.
__________
(1) أبو هاشم: هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي من شيوخ المعتزلة، وكبار علمائهم في الأصول، توفي (331 هـ). طبقات المعتزلة للإمام المهدي.
(2) الكرخي: هو أبو الحسن عبيد اللّه بن الحسين بن دلال الكرخي أصولي مشهور، ولد بكرخ، وتوفي سنة (340 هـ). كشف الظنون 563.
(3) أبو عبد الله: هو أبو عبد اللّه الحسين بن علي بن إبراهيم الحنفي البصري، فقيه أصولي، ولد بالبصرة، وسكن ببغداد، وهو من مشاهير المعتزلة، توفي (369 هـ). الأعلام 2/245.
(4) أبو الحسين: هو أبو الحسين محمد بن علي الطيب المعتزلي، من مشاهير المعتزلة، وكبار علماء أصول الفقه، له كتاب (المعتمد) في أصول الفقه، توفي (436 هـ). تاريخ بغداد 3/100.
(5) فيقال: لا عين عندي، ويراد به: الذهب، والباصرة.
(6) في (ب) قيل: (ط وي). والظاهر أن (ط و ي) حاشية تبين أصحاب القيل: والمراد بـ (ط) الإمام أبو طالب، و(ي) الإمام يحيى بن حمزة.
(7) مثاله في الجمع: اعتدي بالأقراء، أو لا تعتدي بالأقراء. وأجيب على هذا بأن معناه: اعتدي بقرءٍ وقرءٍ وقرءٍ، فليس المراد بلفظ القرء كلا المدلولين. انظر المحصول 1/273.(1/58)
(أئمتنا، والشافعي، وجمهور المعتزلة): فيجب حمله على جميعها عند تجرده عن القرينة؛ لظهوره فيها، كالعام، فلا إجمال فيه. (أئمتنا): ومنه (حديث الغدير)(1). وقيل: يحمل على أحدها على البدَل، فهو مجمل(2)، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى. فأما المتنافية فيُحمل عليها على البَدَل حتى يظهر دليل الرجحان.
والخلاف في تثنيته وجمعه باعتبار معانيه(3) ينبني عند (الجمهور) على الخلاف في المفرد(4)، ومختار أكثر متأخري النحاه منعهما.
[مباحث الحقيقة والمجاز]
(13) فصل والحقيقة لغة: الراية، ونفس الشيء. واصطلاحاً: اللفظ المستعمل فيما وُضع له في اصطلاح به التخاطب.
وتنقسم إلى: لغوية كأسد للسَبُع. وعرفية عامَّة، وهي: ما لا يتعيَّن ناقلها كدابَّة لذات الأربع. أو خاصة: وهي ما تعيَّن ناقلها، كاصطلاح أهل كل عِلْم، نحو الجوهر للمتحيز الذي لا يقبل القسمة. وشرعية: كالصلاة للعبادة.
وإلى مفردة: وهي ما تفيد معنىً واحداً. ومشتركة/13/: وهي ما تفيد أكثر منه(5).
وإلى مشروطة، كالبَلَق(6). وتُسمى: المقَيَّدة. وغير مشروطة: كطويل(7)، وتُسمى: المطلقة.
__________
(1) وهو ما روي أن النبي (ص) استوقف أصحابه في غدير خم عند عودته من الحج وأخذ بيد علي، وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه). والاشتراك هنا في قوله: (مولاه)، فهي تطلق على أكثر من معنى.
(2) يعني أن قول النبي (ص) في حديث الغدير: فعلى مولاه يحمل على جميع معاني مولى. فيكون من قبيل المجمل لا المشترك.
(3) كقولك: عندي عيون. وأنت تريد: ناظرتين وجارية.
(4) هل يطلق على كل معانيه أم لا. وقد تقدم.
(5) ما تفيد معنى واحداً، مثل: إنسان، وما تفيد أكثر منه، مثل: قرء وعين.
(6) فإنه حقيقة فيما اجتمع فيه سواد وبياض بشرط أن يكون من الخيل .
(7) لأنه يصح إطلاقه على كل طويل.(1/59)
(14) فصل والحقيقة الشرعيَّة ممكنة عقلاً، خلافاً (لِعَبَّاد)(1). واختلف في وقوعها، فعند (أئمتنا، والمعتزلة، وجمهور الفقهاء): أنها واقعة بالنقل عن معانيها اللغوية إلى معان مخترعة شرعية، فما نقل منها إلى أصول الدين؛ فحقيقة دينية، كمؤمن وفاسق. وما نقل منها إلى فروعه؛ فحقيقة فرعية، كالصلاة والصوم والزكاة والحج. (الباقلاَّني(2)، وبعض المرجئة)(3): لم تقع مطلقاً، بل هي باقية على حقائقها اللغوية لم تُنْقَل عنها(4). (الشيرازي(5)، وابن الحاجب(6)، والسبكي)(7): الفرعيّة واقعة لا الدينية. (الإمام، والغزالي(8)،
__________
(1) عباد: هو عباد بن سليمان الصيمري، من متكلمي المعتزلة، توفي حوالي (250 هـ). طبقات المعتزلة للإمام المهدي.
(2) الباقلاني: هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد الباقلاني البصري، أصولي مشهور من الأشعرية، توفي (403 هـ). شذرات الذهب 3/16.
(3) المرجئة: قال الشهرستاني في الملل والنحل ج1/139: الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة، فلا يقضى عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنة أو من أهل النار. والمرجئة طائفة تدين بذلك.
(4) حكي عن الباقلاني أن دلالة اللفظ على الحقيقة الشرعية من باب المجاز لا الحقيقة.
(5) الشيرازي: أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروز أبادي من متكلمي الأشعرية، توفي (476 هـ). وفيات الأعيان: 1/4.
(6) ابن الحاجب: أبو عمرو عثمان بن عمرو بن أبي بكر الكردي المالكي، نحوي أصوليٌّ بارع، من أشهر كتبه في أصول الفقه (مختصر المنتهى)، توفي (664 هـ). وفيات الأعيان 1/314.
(7) السبكي هو: القاضي علي بن عبد الكافي الخزرجي الأنصاري المعروف بالسبكي، من كبار علماء الشافعية، وتوفي بالقاهرة (سنة 756هـ) انظر ذيل تذكرة الحفاظ لأبي المحاسن الدمشقي.
(8) الغزالي: الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، من كبار علماء الأصول، ولد سنة (459 هـ) وتوفي (505 هـ)هـ. وفيات الأعيان 3/ 353.(1/60)