وقال في آخر كتاب (الأحكام) :( إن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يختلفون[15] إلا من جهة التفريط, فمن فرط منهم في علم آبائه ولم يتبع علم أهل بيت نبيئه صلى الله عليه وآله وسلم أباً فأباً حتى ينتهي إلى علي رضوان الله عليه والنبي صلى الله عليه وآله وسلم, وشارك العامة في أقاويلها, واتبعها في شيء من تأويلها, لزمه الاختلاف, ولاسيما إذا لم يكن ذا نظر وتمييز, وردٍ لما ورَدَ عليه إلى الكتاب, وردِّ كل متشابه إلى المحكم. فأما من كان منهم مقتبساً من آبائه أباً فأباً حتى ينتهي إلى الأصل غير ناظر في قول غيرهم, ولا يلتفت إلى قولٍ لأيٍّ سواهم, وكان مع ذلك مميزاً فَهِماً حاملاً لما يأتيه على الكتاب والسنة المجمع عليهما, والعقل الذي ركبه الله حجة فيه, وكان راجعاً في جميع أمره إلى الكتاب والسنة, ورد المتشابه إلى المحكم, فذلك لا يضل أبداً ولا يخالف الحق أصلا)ً.
[قول الإمام الناصر الأطروش عليه السلام في ذلك]
وقال الناصر عليه السلام ما لفظه: (فإذا نظر الطالب في اختلاف علماء آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فله أن يتبع قول أحدهم إذا وقع له الحق بدليل, من غير طعن ولا تخطئة للباقين). رواه الإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين عليهما السلام في كتاب (أنوار اليقين).
__________________
[15] أي في أصول المسائل فأما مسائل الاجتهاد فهم يختلفون قطعاً وانظر كلام الإمام الناصر عليه السلام في السفر الرابع قبل الأخير فهو صريح في اختلافهم وقد نص على ذلك الإمام الهادي عليه السلام في الأحكام, فتأمل والله ولي التوفيق. تمت سماع شيخنا الحجة علامة الآل مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى آمين .(1/39)


[قول الإمام المؤيد بالله والإمام الداعي عليهما السلام]
[القول بوجوب العمل بالظن عند من أمكنه]
وفي حاشية (الفصول) ما لفظه: ( قال المؤيد بالله عليه السلام: يجب التنقير عن الأدلة على المميز الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد حتى يغلب على ظنه رجحان ما يعمل به ). وقال فيها ما لفظه: ( قال الداعي عليه السلام :من انتهى في العلم إلى حالة يمكنه الترجيح بين الأقوال وَجَب عليه ذلك, وإن لم يكن يبلغ درجة الاجتهاد, ولم يجز له التقليد).
[وجوب تقليد الأولى، وعدم إمكان معرفته إلا بالعود إلى الكتاب]
وفي(شرح الإفادة) عن المؤيد بالله عليه السلام: (وإن لم يكن من أهل الاجتهاد فعليه أن يقلد من كان عنده من المجتهدين أولى, وليس له أن يعدل إلى غيره, فإن عدل عن قول من رأى تقليده أولى كان مخطئاً). انتهى بمعناه وأكثر لفظه. وهذا مؤدٍ لمعنى ما ذكرنا, لأنه لا يكون بعض المقلدين أولى بالتقليد من غيره, حتى يكون قوله أرجح, ولا يكون أرجح إلا بشاهد من الكتاب والسنة إذ لا يُهدى إلى الشرعيات إلا بهما.
[قول الإمام أبي طالب عليه السلام في ذلك]
وقال أبو طالب عليه السلام في شرحه على كتاب (البالغ المدرك)-أحد كتب الهادي عليه السلام- ما لفظه: ( ولابدَّ للعاقل من أن يكون على مذهب يشهد له به العقل والكتاب والسنة, لينجو من تخاليط أهل الأهواء ).(1/40)


[قول الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام في ذلك]
وقال الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان في كتاب (حقائق المعرفة) ما لفظه: ( فوجب على كل عاقل أن ينظر ويختار مذهباً يشهد له به العقل والكتاب والرسول والإجماع, وأن يجتهد في إصابة السنة ).
[قول الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليهما السلام]
وقال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه السلام: ( ربما احتجوا بقول يضيفونه إلى بعض آبائنا عليهم السلام جهلاً بأحكام الإضافة, وهو لم يصح, فإن صح وجب تأويله على موافقة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وحجج العقول ... ) إلى قوله عليه السلام: ( هذا الذي يجب عليه حمل كلام الأئمة عليهم السلام لئلا تتناقض حجج الله وبيناته, وتنسب إلى أئمة الهدى بمخالفة نصوص الكتاب وأدلة العقول). ذكره السيد حميدان في منتزعه من كتب المنصور بالله عليه السلام.
[تقليد جماعة العترة]
وكذا ذهب جماعة من متأخري العترة عليهم السلام إلى القول بتقليد جماعة العترة عليهم السلام.
وقد وقع الإجماع من العترة عليهم السلام وغيرهم على تحريم الأخذ بالأخَفِّ اتباعاً للهوى ذكر ذلك في (الغيث) وغيره.(1/41)


[حاصل الكلام في المعمول به عند الخلاف]
فكان حاصل كلام من قال بتقليد جماعة العترة عليهم السلام من المتأخرين:
أنه يجب العمل بما وقع إجماعهم عليه، ثم بالأشق-وهو يعود إلى إجماعهم كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى-ثم التخيير فيما لا ينفك الواجب عنه, وسيأتي الدليل إن شاء الله تعالى على صحة ذلك وجوازه. ولا يجوز الأخذ بالأخف إلا لضرورة أو بطريق شرعية, وإلا لكان اتباعاً للهوى, وهم يقولون بتحريمه كما تضمنته حكاية الإجماع.
وهذا عين ما ذهبنا إليه من وجوب الأخذ بالإجماع, وإلا وجب العرض على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الأخف إن أخذ به لضرورة فقد وقع الإجماع على جوازه, إذ قد صار حكمه كحكم أكل الميتة المباح للضرورة، وإن أخذ به بطريق شرعية, فذلك معنى ما أوجبنا من العرض على كتاب الله, إذ مرادنا أن لا يؤخذ بشيء من المختلف فيه إلا بطريق من الكتاب والسنة .
المطلب الثاني: [كيفية العمل في المختلف فيه وأقسامه]
إنه لما تقرر وجوب عرض الأقوال عند الاختلاف على الكتاب والسنة, عرفنا أن ذلك متعذر على كثير من الناس.
[أقسام الأحكام المختلف فيها]
والأحكام المختلف فيها على قسمين:
قسم يمكن العمل بالإجماع فيما اختلفوا[16] فيه منها،
وقسم لا يمكن.
_______________________________
[16] أما ما صح دليله, ووضح سبيله, من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فالواجب اتباعه والعمل به وإن خالف فيه من خالف . فخلاف المخالف لا يوجب طرح ما صح عن الله سبحانه وعن رسوله صلى الله عليه وآله وسلم . وقد رجح الإمام القاسم عليه السلام نفسه كثير من المسائل وإن كان الإجماع لا يتم إلا بتركها, وذلك مثل القنوت بغير القرآن اللهم اهدني فيمن هديت ... الخ ، وقال :إنه متواتر وأن له حكمه . وكذلك رجح الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام التسبيح في الآخرتين مع أن من قرأ فيهما بالفاتحة تصح صلاته بالإجماع وصلاة من سبح فيهما مختلف فيها ، إلى غير ذلك من المسائل التي لا يسعها المحل . وجعْلُ الإمام رفع اليدين في الصلاة من المسائل المختلف في صحة صلاة من فعلها لا يستقيم فإن ذلك فعل يسير لا يوجب فساد الصلاة بالإجماع, وإنما قالوا تفسد إن تركهما كثيرا,ً مع أن رفعهما يكون قبل الدخول في الصلاة, مع أن ظاهر كلام الإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد عليه السلام يقضي بوجوب ذلك كما حكاه عنه في شرح الهداية, فلم يتخلص التارك بالإجماع والحقيقة أنه لا معنى لإدخال رفعهما في هذا الباب أصلاً فقد صحت الرواية برفعهما عند تكبيرة الإحرام في جميع كتب أهل البيت عليهم السلام المعتمدة مع كتب سائر الأمة ، منها :مجموع الإمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام المتلقى بالقبول عند آل محمد عليهم الصلاة والسلام ، وأحكام الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام, روى ذلك عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الجنازة, ولم يقل هو ولا غيره أنه خاص بها, وهي من جملة الصلوات بلا شك, وأثبت الرواية فيها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على العموم بكثرة في المنتخب ، وهي مروية في أمالي الإمام أحمد بن عيسى عليه السلام, وفي الجامع الكافي, وسائر كتب الأئمة والأمة, فتدبر موفقاً . تمت سماع ، مولانا وشيخنا العلامة فقيه الآل الكرام مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى ونفع بعلومه الإسلام والمسلمين كتبه المفتقر إلى عفو الله قاسم بن صلاح بن عامر الشهيد غفر الله لهم وللمؤمنين .(1/42)


[القسم الأول المسائل المتنازع في حظرها وإباحتها]
فالأول :المسائل المتنازع في حظرها وإباحتها:
كالقنوت بغير القرآن, فهم مختلفون في صحة صلاة من فعله, ومجمعون على صحة صلاة من تركه وقنت بالقرآن، وكرفع اليدين في الصلاة, ووضع اليد على اليد, والتأمين, والدعاء بغير القرآن فيها, فإنهم مختلفون في صحة صلاة من فعل واحداً منها, ومتفقون على صحة صلاة من تركها, وكصلاة الجماعة فإنهم متفقون على أن المواظبة عليها طاعة ومختلفين في تركها لغير عذر, فقيل :معصية. وقيل :لا. وكأكل الشظا[17] فإنهم مختلفون في كونه معصية ومتفقون على أن تركه غير معصية, وكبيع الرجاء, وبيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النسأ, فإنهم مختلفون في كون فعل ذلك معصية, ومتفقون على أن تركه غير معصية, وأشباه ذلك كثير.
والثاني :نوعان كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ومعرفة إمكان الأخذ بالإجماع كما في القسم الأول وعدمه كما سيأتي إن شاء الله تعالى في القسم الثاني, مما يشترك فيه المجتهد والمقلد المميز وغير المميز بعد حكاية الأقوال ومعرفة معانيها.
[العمل في القسم الأول]
فنظرنا بعد ذلك في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإذا هما قاضيان في القسم الأول بوجوب العمل بما اتفقوا عليه وتحريم العمل بما اختلفوا فيه.
____________________________
[17] نوع من الحشرات لونه أحمر أكثر ظهوره بعد الأمطار.(1/43)

9 / 14
ع
En
A+
A-