[تحريم الأخذ بالأخَفِّ اتباعاً للهوى]
وفي (الغيث) وغيره ما معناه :أنه يُحَرِّم الأخذ بالأخف اتباعاً للهوى إجماعا,ً فإذا كان يقول بتقليد جماعة أهل البيت عليهم السلام, ويقول بتحريم العمل بالأخف اتباعاً للهوى كما تضمنته حكاية الإجماع, كان الحاصل من مذهبه عليه السلام أنه يقول بوجوب العرض على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم, والعمل بالأحوط, وهو الأشق, وذلك يرجع إلى إجماعهم كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى, فتأمل ذلك.
[وقال القاسم بن إبراهيم
في الجزء الأول من كتاب (الكامل المنير) في الرد على الخوارج ما لفظه-بعد أن ذكر جماعة بأسمائهم- :رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روايات الزور, وأحاديث الفجور, المدخول عليهم فيها,لتقوم بذلك أمر رئاستهم, زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بما نهى الله عنه, وذلك أن الله عز وجل نهى عن الاختلاف, وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر به, إذ قال-زعموا- :(إن أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)[14].
وفي (المسائل) عنه عليه السلام أنه سئل عن الاختلاف الذي بين أهل البيت عليهم السلام فقال :يؤخذ من ذلك بما أجمعوا عليه ولم يختلفوا فيه, وأما ما اختلفوا فيه؛ فما وافق الكتاب والسنة المعروفة فقول من قال به فهو المقبول المعقول].
__________________________
[14] حكم كثير من المحدثين بأن هذا الحديث موضوع, فقال أحمد بن حنبل: هذا الحديث لا يصح. رواه ابن عبدالبر في جامع العلم 2/91, وقال: هذا إسناد لا تقوم به حجة. وابن حزم في الأحكام 6/82 عن جابر, وقال: هذه رواية ساقطة. وأورده الألباني في سلسة الأحاديث الضعيفة رقم (58), وقال: موضوع.(1/34)


[قول الإمام الهادي عليه السلام في ذلك]
وقال الهادي عليه السلام في آخر خطبة (الأحكام): (فيجب عليه- أي المسترشد- أن يطلب من ذلك ما ينبغي له طلبه من علم أهل بيت نبيئه صلى الله عليه وآله وسلم, فيتبع من ذلك أحسنه وأقربه إلى الكتاب).
وقال عليه السلام في كتاب(القياس) ما لفظه: (فإن قلت أيها السائل :قد نجد علماء كثيراً منهم ممن يُنْسَب إليه علمهم مختلفين في بعض أقاويلهم, مفترقين في بعض مذاهبهم, فكيف العمل في افتراقهم؟ وإلى من نلجأ منهم؟ وكيف يعمل باختلافهم؟ وقد حَضَضْتنا عليهم, و أعلمتنا أن كل خير لديهم, وأن الفرقة التي وقعت بين الأمة هي من أجل مفارقة الأئمة من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, قلنا لك قد تقدم بعض ما ذكرنا لك في أول هذا الكلام ونحن نشرح لك ذلك بأتم التمام إن شاء الله تعالى:
إن اختلاف آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم-أيها السائل عن اختلافهم-لم يقع ولا يقع أبداً إلا من وجهين:
فأما أحدهما :فمن طريق النسيان للشيء بعد الشيء, والغلط في الرواية والنقل, وهذا أمر يسير حقير قليل, يُرجِعُ النَّاسيَ منهم-عن نسيانه إلى قوله الثابت-المدّكرُ عند الملاقاة والمناظرة.(1/35)


والمعنى الثاني وهو أكثر الأمرين وأعظمهما وأجلهما خطراً وأصعبهما, وهو أن يكون بعض من يؤثر عنه تعلم من غير علم آبائه, واقتبس علمه من غير علم أجداده, ولم يستنر بنور الحكمة من علمهم, ولم يستضئ عند إظلام الأقاويل بنورهم, ولم يعتمد عند تشابه الأمور على فقههم, بل جَنَبَ عنهم إلى غيرهم, واقتبس ما هو في يده من علم أضدادهم, فصار علمه لعلم غيرهم مشابهاً, وصار قوله لقولهم صلوات الله عليهم مجانباً, إذ علمه من غيرهم اقتبسه, وفهمه من غير زِنَادِهم أزْدَنَده, فاشتبه أمره وأمر غيرهم, وكان علمه كعلم الذين تعلم من علمهم, وقوله كقول من نظر في قوله, وضوء نوره كضوء العلم الذي في يده, وكان هو ومن اقتبس منه سواء في المخالفة لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإقتداء, وإن كان منهم في نسبه, فليس علمهم كعلمه, ولا رأيهم-فيما اختلف فيه الحكم-كرأيه, والحجة على من خالف من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كالحجة على غيرهم من سائر عباد الله, ممن خالف الأصول الموصلة وجَنَبَ عنها.(1/36)


[المعتمد من الأقوال هو الكتاب والسنة]
والأصل الذي يثبت علم من اتبعه, ويبين قول من قال به, ويصح قياس من قاس عليه, ويجوز الإقتداء بمن اقتدى به, فهو كتاب الله تبارك وتعالى المحكم, وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللذان جُعلا لكل قول ميزاناً, ولكل نور وحق برهاناً, لا يضل من اتبعهما, ولا يغوى من قصدهما, حجة الله القائمة, ونعمته الدائمة. فمن اتبعهما في حكمهما, واقتدى في كل أمر بقدوتهما, وكان قوله بقولهما, وحكمه في كل نازلة بهما دون غيرهما؛ فهو المصيب في قوله, والمُعْتَمَدُ عليه في علمه, القاهر لغيره في قوله, الواجب على جميع المسلمين من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن غيرهم أن يرجعوا إلى قوله, ويتبعوا من كان كذلك في علمه, لأنه على الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا دَخَل, ولله الحمد عليه. فمن كان على ما ذكرنا, وكان فيه ما شرحنا من الاعتماد على الكتاب والسنة والاقتباس منهما, والاحتجاج بهما وكانا شاهدين له على قوله, ناطقين له بصوابه, حجة له في مذهبه, فواجب على كل واحد أن يقتدي به, ويرجع إلى حكمه.(1/37)


[العمل عند اختلاف آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم]
فإذا جاء شيء مما يختلف فيه آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مَيَّزَ الناظر المُمَيِّزُ السامع لذلك بين أقاويلهم, فمن وجد قوله متبعاً للكتاب والسنة, وكان الكتاب والسنة شاهدين له بالتصديق؛ فهو على الحق دون غيره, وهو المُتَّبَعُ لا سواه, الناطق بالصواب, المتبع لعلم آبائه في كل الأسباب. وإن ادعى أحد من آل رسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه على علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه مقتد بأمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم, فاعلم هديت أن علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يخالف أمر الله و وحيه, فاعرض قول من ادعى ذلك على الكتاب والسنة, فإن وافقهما ووافقاه, فهو من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وإن خالفهما وخالفاه فليس منه صلى الله عليه وآله وسلم) إلى آخر كلامه.(1/38)

8 / 14
ع
En
A+
A-