قال تعالى: { وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله }(الشورى: 10) ,أي :مردود إلى ما جاء عن الله تعالى في كتابه العزيز وعلى لسان رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
[أدلة السنة على وجوب النظر في صحيح الأدلة]
وكذلك السنة كما تقدم ذكره عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( أخبرني جبريل عليه السلام فقال: إن أمتك مختلفة بعدك فقلت: أين المخرج يا جبريل ؟ فقال: كتاب الله ... الخبر )).
[عدم ورود دليل على جواز اتباع أفراد العترة إلا علياً عليه السلام]
ولم يرد دليل على-جواز اتباع فرد من العترة في غير طاعة الإمام فيما يترتب على صحة إمامته, كالحدود والجمعة- عند الاختلاف غير علي عليه السلام, وذلك معلوم باستقراء الكتاب والسنة, كما قال تعالى: { أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه }(الشورى: 13) ,واتباع الآحاد مع الاختلاف مؤدٍ إلى التفرق في الدين. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى )), فذكر صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته جميعاً لا أفرادهم.
[أدلة وجوب طاعة الوصي]
[علي مع الحق]
وأما علي عليه السلام فمخصوص بما تواتر معنى وأفاد القطع الذي لا يُدْفع, من نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( علي مع الحق والحق مع علي ))[11].
___________________
[11] أخرجه الإمام أبو طالب في الأمالي الباب (3), ومن طريقه أخرجه الحموئي في فرائد السمطين 1/176 (140). وأخرجه الدولابي في الكنى 2/89, وابن عساكر في ترجمة الإمام علي 3/154 من طريق مالك بن جعونه, عن أم سلمة. وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 14/321, والطبراني في المعجم الكبير 23/329-330 رقم (756) و 395-396 رقم (946), ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 9/134-135, وقال: رواه الطبراني عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (علي مع الحق والحق مع علي, ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة).
وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص, رواه الهيثمي أيضا في مجمع الزوائد 7/235, وقال: رواه البزار, وفيه سعد بن شعيب, ولم أعرفه, وبقية رجاله رجال الصحيح.
هو: سعد بن شبيب الحضرمي, أبو عثمان المصري رفيق بن إدريس, خفي عليه لمكان التصحيف, وقد ترجمه غير واحد, وقال الجوزجاني: شيخ صالح صدوق, وذكره المزي في تهذيب الكمال 10/498, وقال: روى له النسائي. وله ذكر في تهذيب التهذيب 4/42,
والخلاصة 139.
وعن أبي سعيد أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 2/153 (تهذيبه), وابن المغازلي الشافعي في المناقب 244, وأبو يعلى الموصلي في المسند 2/318 رقم (1052). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/235: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.
وعن علي أخرجه الحاكم في المستدرك 3/124, والترمذي في السنن 5/592 رقم (3714).
وقال المبار كفوري معلقا على الحديث: أي اجعل الحق دائرا وسائرا (حيث دار) أي علي, ومن ثمة كان أقضى الصحابة وأعلمهم. تحفة الأحوذي 10/217. وقال: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.
وروى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1/78, عن محمد بن أبي بكر أنه دخل على أخته عائشة, فقال لها: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (علي مع الحق, والحق مع علي), ثم خرجت تقاتلينه.(1/29)


[من ترك علي مرق من الدين]
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( خذوا بحجزة هذا الأنزع, فإنه الصديق الأكبر, والهادي لمن اتبعه, ومن اعتصم به أخذ بحبل الله, ومن تركه مرق من دين الله, ومن تَخَّلف عنه محقه الله, ومن ترك ولايته أضله الله, ومن أخذ ولايته هداه الله )).
[علي مدينة العلم]
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها ))[12], وذلك كثير مما يطول ولا يتسع له هذا المسطور, وهو عليه السلام لا يخالف الكتاب و السنة ولا جماعةُ العترة عليهم السلام تخالفه.
وإلى ما قد تقرر من عدم جواز اتباع الواحد من العترة عليهم السلام عند الاختلاف- في غير ما يترتب على صحة إمامة الإمام- غير علي عليه السلام, ومن وجوب العرض مع ذلك على كتاب وسنة رسوله ذهب قدماء العترة عليهم السلام ومن وافقهم من المتأخرين.
[قول علي في الفُرْقَة]
قال علي عليهم السلام في بعض خطبه :(وإن الله سبحانه وتعالى لم يعط أحداً بفُرقة خيراً فيمن مضى ولا فيمن بقي), وذلك تصريح منه عليه السلام بتحريم اتباع الآحاد عند الاختلاف, لوقوع الفرقة بذلك ضرورة.
وقال عليه السلام في كلام كَلَّمَ به الخوارج: (وإياكم والفرقة فإن الشاذ من الناس للشيطان, كما أن الشاذة من الغنم للذئب).
قلت وبالله التوفيق :والمراد بالشاذ هو من شذ عن الحق, فإنهم للشيطان ولو كثروا, كالشاذة من الغنم عن رعاتها, فإنها للذئب ولو كثرت.
__________________
[12] رواه الإمام الهادي عليه السلام في كتاب العدل والتوحيد 69 (رسائل في العدل والتوحيد), ورواه الشريف الرضي في مجازات السنة 203-204.
وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/126-127 من طرق وصححه, والطبراني في الكبير 11/65-66 رقم (11061), وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 6/99 وقال: سألت أبي عنه فقال: ما أراه إلا صدقا, وابن المغازلي الشافعي في المناقب 81 رقم (121), و82 رقم (123), و83 رقم (124), وابن الأثير في أسد الغابة 4/22, والحموئي في فرائد السمطين 1/98 رقم (67). والسيوطي في الجامع الصغير 1/161 رقم (2705), وابن عساكر في تاريخ دمشق 2/466 رقم (992)( ترجمة الإمام علي بتحقيق المحمودي), والديلمي في الفردوس 1/44 رقم (106), والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 4/348 و 7/173 و 11/48, 49, 204, والحافظ السمرقندي كما في تذكرة الحفاظ 4/1231 وصححه عن ابن عباس.
وأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة كما في كنز العمال 11/614 رقم (32978), وابن المغازلي الشافعي في المناقب 82 رقم (122) و 85(126), ومحب الدين الطبري في الرياض 3/159, وفي الذخائر 77, وابن عساكر في تاريخ دمشق 2/465 رقم(991) (ترجمة الإمام علي بتحقيق المحمودي), والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 1/334 و 2/274 عن علي غليه السلام.
وأخرجه الحاكم في المستدرك 3/127, وابن عدي في الكامل 1/195, وابن المغازلي الشافعي في المناقب 81 (120) و 84 (125) عن جابر بن عبدالله. وصححه الحاكم كما في 3/127, والسيوطي, والطبري ويحيى بن معين كما في الكنز 13/148, وتاريخ بغداد 11/49, وصححه الحافظ السمرقندي كما في التذكرة 4/1231.(1/30)


[كلام علي في وجوب طاعته]
وقال عليه السلام في بعض خطبه-وهو على منبر الكوفة- :(والله لو تبعتموني ما عال عائل الله, ولا طاش سهم من كتاب الله, ولا اختلف اثنان في حكم الله تعالى, ولأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم).
وقال عليه السلام في بعض خطبه: (فاسألوني قبل أن تفقدوني, فوالذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة, ولا عن فئة تهدي مائة وتضل مائة, إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها, ومُنَاخَ ركابها, ومحط رحالها, ومن يقتل من أهلها قتلا,ً ومن يموت منهم موتاً ...) إلى آخر كلامه عليه السلام.
وروى الهادي عليه السلام في (الأحكام) عن علي رضوان الله عليه أنه كان يقول :(والله لو أطعتموني لقضيت بينكم بالتوراة حتى تقول التوراة :اللهم قد قضى بي, ولقضيت بينكم بالإنجيل حتى يقول الإنجيل :اللهم قد قضى بي, ولقضيت بينكم بالقرآن حتى يقول القرآن: اللهم قد قضى بي, ولكن والله لا تفعلون, والله لا تفعلون).
قلت وبالله التوفيق :وهذا كما تقرر بالأدلة من أنه يجب اتباعه عليه السلام وحده عند الاختلاف, وأما وجه دلالة كلامه الآخر على ذلك فواضح, وأما الأول فلأنه عليه السلام حث على سؤاله وذكر سبب ذلك, والسبب لا يوجب قصر اللفظ عليه كما تقدم بيانه.(1/31)


[علي يذم اتباع الهوى في الحكم الشرعي]
وقال عليه السلام في بعض خطبه: (واعلموا عباد الله أن المؤمن يستحل العام ما استحل عاماً أول, ويحرم العام ما حرم عاما أول, وإن ما أحدث الناس لا يُحَلُّ لكم[شيئاً] مما حرم عليكم, ولكن الحلال ما أحل الله والحرام ما حرم الله).
قلت وبالله التوفيق :وهذا الكلام منه عليه السلام قاضٍ عند اختلاف الناس وفقد معرفة مذهبه, لوجوب العرض على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم, ليعرف ما أحل الله سبحانه وما حرم, إذ لا سبيل إلى معرفة الشرعيات من غيرها, وأما إذا عُرف مذهبه عليه السلام فلا يجب العرض عليهما, لأنه المترجم عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بدليل ما مرَّ.
[حكم الله واحد]
وقال عليه السلام في بعض خطبه): فإنه لم يخف عنكم شيئاً من دينه, ولم يترك شيئا رضيه أو كرهه إلا وجعل له علما باديا,ً و آيةً محكمة تزجر عنه, أو تدعوا إليه, فَرِضَاه فيما بقي واحد, وسخطه فيما بقي واحد).
قلت وبالله التوفيق :وهذا كالأول. وإجماع قدماء العترة عليهم السلام على أن قول علي عليه السلام حجة, وبذلك قال من وافقهم من المتأخرين وذلك نص صريح منهم عليهم السلام, يعني وجوب اتباعه عليه السلام عند الاختلاف.(1/32)


[وجوب رد أقوال أحاد العترة عليهم السلام إلى الكتاب والسنة عند الاختلاف]
[قول الإمام زيد بن علي عليهما السلام في ذلك]
وأما غيره-[يعني علياً] عليه السلام- من سائر العترة, عند الاختلاف, فحكى الديلمي رحمه الله, عن زيد بن علي عليه السلام أنه قال: (إنما نحن مثل الناس ، منا المخطئ ومنا المصيب, فسائلونا ولا تقبلوا منا إلا ما وافق كتاب الله وسنة نبيئه صلى الله عليه وآله وسلم)[13].
[قول الإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق عليهما السلام]
ورُوِيَ عن محمد بن علي الباقر وولده جعفر وغيرهما من القدماء أنهم قالوا: (لا تقبلوا منا ما خالف كتاب الله).
[قول الإمام القاسم بن إبراهيم عليهما السلام في ذلك]
وروى الديلمي رحمه الله, عن عبد الله بن زيد العنسي رحمه الله تعالى, قال :بلغنا بإسناد صحيح إلى القاسم بن إبراهيم عليه السلام, أنه قال: (أدركت مشيخة آل محمد من ولد الحسن والحسين وما بين أحد منهم اختلاف, ثم ظهر أحداث فتابعوا العامة في أقوالها).
قلت وبالله التوفيق :وهذا دليل أنه عليه السلام لم يقبل متابعة الآحاد منهم عند الاختلاف, لأنه لا يعرف إلا اجتماع مشايخ آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى استنكر متابعة الأحداث للعامة.
وروى بعض المتأخرين عنه عليه السلام ما معناه أنه يقول بتقليد جماعة أهل البيت عليهم السلام.
________________
[13] وقال عليه السلام في جواب على سؤال: (وكتبت تسألني عن أهل بيتي وعن اختلافهم. فاعلم يرحمك الله تعالى أن أهل بيتي فيهم المصيب وفيهم المخطئ, غير أنه لا تكون هداة الأمة إلا منهم, فلا يصرفك عنهم الجاهلون, ولا يزهدك فيهم الذي لا يعلمون, وإذا رأيت الرجل منصرفا عن هدينا, زاهدا في علمنا, راغبا عن مودتنا, فقد ضل ولا شك عن الحق,وهو من المبطلين الضالين, وإذا ضل الناس عن الحق, لم تكن الهداة إلا منا, فهذا قولي يرحمك الله تعالى في أهل بيتي).
وقال في جواب سؤال لآخر: (فمن جاءك عني بأمر أنكره قلبك وكان مباينا لما عهدته مني, ولم تفقهه عني, ولم تره في كتاب الله عز وجل جائزا, فأنا منه برئ, وإن رأيت ذلك في كتاب الله عز وجل جائزا, وللحق مماثلا, وعهدت مثله ونظيره مني, ورأيته أشبه بما عهدته عني, وكان أولى بي في التحقيق, فاقبله فإن الحق من أهله ابتدأ وإلى أهله يرجع).(1/33)

7 / 14
ع
En
A+
A-