وقال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر}(النحل: 43-44), فأمر سبحانه بسؤال أهل الذكر لعلمه أنهم على الحق, إذ لو كانوا على الباطل لم يأمر تعالى بسؤالهم؛ لأن ذلك من صفات النقص, وهي لا تجوز على الله تعالى عنها, ولقوله تعالى :{إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}(الإسراء: 9) ,فلو كانوا على الباطل لكان قوله تعالى {فاسألوا أهل الذكر} هادياً لغير التي هي أقوم, وذلك تكذيب لله تعالى علواً كبيراً, وهو لا يجوز عليه تعالى.
ثم نظرنا هل تلك الفرقة مستمرة؟ فإذا القرآن ناطق باستمرارها؛ لأنه خطاب للأمة إلى آخر الدهر, قال تعالى ملقناً لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: {لأنذركم به ومن بلغ}(الأنعام: 19) ,قد أمر تعالى جميع المخاطبين بسؤال أهل الذكر إن كانوا لا يعلمون بالبينات والزبر.
[أدلة السنة]
وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جارية على هذا النسق, قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ستفترق أمتي من بعدي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة واحدة )), وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين )).
[وجوب معرفة الطائفة المحقة]
فلما عرفنا ذلك, وجب علينا أن نطلب تلك التي حكم الله سبحانه أنها على الحق, لنتبعها في طريقها, ونهتدي بها في هديها.(1/21)


[الفرقة الظاهرة على الحق]
[أدلة وجوب اتباع أهل البيت عليهم السلام من الكتاب]
[الدليل الأول: آية التطهير]
فنظرنا في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإذا كتاب الله تعالى ناطق بأنها أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم, قال تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا }(الأحزاب: 33).
[وجه مجيء الآية في سياق ذكر أزواج النبي]
ومجيء هذه الآية مع ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على طريقة مجيء قوله تعالى: { إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله }(الأنعام: 36) ,مع قوله تعالى قبل: { وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين }(الأنعام: 35) ,وقال تعالى بعده: { وقالوا لولا أنزل علية آية من ربَّه }الأنعام: 37) .والوجه في ذلك أنه تعريض بهن بأنهن غير معصومات, كما أن قوله سبحانه وتعالى: { إنما يستجيب الذين يسمعون ... الآية} تعريض بالذين ذكرهم الله قبلها وبعدها أنهم لا يسمعون, أي لا يعلمون ما يسمعونه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الله تعالى, وقد أطبق البلغاء على أن أحسن مواقع (إنما) التعريض كما ذكرته في الآيتين الكريمتين, ويؤيد ذلك تذكير الضمير حيث قال تعالى : { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا }(الأحزاب: 33), وقال:{يطهركم} بخلاف ما قبل ذلك وبعده, فإنه مؤنث.(1/22)


[اعتراض وجواب]
لا يقال إن الله تعالى مريد لمثل ذلك من جميع البشر, لأنا نقول :وهو تعالى مريد لأن يفعل البشر كلهم, لا أنه تعالى يفعله لهم, ألا ترى إلى قوله تعالى: { أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ... الآية }(المائدة: 41) ,بخلاف أهل البيت عليهم السلام, فإن الآية نص صريح على أنه يريد أن يفعل ذلك لهم, حيث قال تعالى: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا }, ولم يقل إنما يريد لِتُذْهِبُوا عنكم الرجس أهل البيت ولِتُطَهَّروا تطهيرا, فإذا أراد شيئاً من فعله سبحانه فعله, إذ هو على كل شيء قدير.
فإن قيل :وما فعله تعالى الذي ذكرت؟ قلت وبالله التوفيق :هو عصمته, وقد تقدم ذكر حقيقة العصمة في(الأساس).
[الدليل الثاني آية المودة]
وقال: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى }(الشورى: 23) ,والله تعالى لا يلزم عباده مودة من كان على غير الحق, لقوله تعالى: { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ... } الآية(المجادلة: 22).
[الدليل الثالث آية الاصطفاء]
وأجمع قدماء العترة عليهم السلام على أن قوله تعالى: { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا } الآية(فاطر: 33) نزلت في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وقد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا, فما كانوا ليجمعوا في ذلك على باطل.(1/23)


[أهل الذكر]
وكذا أجمعوا على أن قوله تعالى: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } نزلت فيهم عليهم السلام, ومن شك في ذلك بحث في كتبهم عليهم السلام وكتب أشياعهم رضي الله عنهم[5].
وفيهم من كتاب الله سبحانه من ذلك كثير, وقد روى اختصاصهم به الموالف والمخالف.
[أدلة السنة]
وكذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما يكثر ويطول, حتى أفاد العلم القطعي الذي لا يمكن دفعه بشك ولا شبهة.
_________________
[5]قال الإمام زيد بن علي عليه السلام في تثبيت الوصية:(فجعل الله عز وجل عند محمد صلى الله عليه وآله وسلم علم القرآن,وجعله ذكرا له وجعل الله علمه عند أهل بيته, وجعله ذكرا لهم, فمحمد وآل محمد هم أهل الذكر,وهم المسؤولون المبينون للناس,قال تعالى:{وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس}. وأخبر الله عز وجل أن أهله سيسألون من بعده؛ فقال: {وسوف تسألون}, فجعل عندهم علم القرآن, وأمر الناس بمسألتهم. وقال: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}, والذكر: هو القرآن. وقال: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم ولعلهم يتفكرون}, ولم يأمر المسلمين أن يسألوا اليهود والنصارى,[لأن بعض المفسرين فسر أهل الذكر بأهل الكتاب]وكيف يأمر الله تعالى أن نسأل اليهود والنصارى؟ أوينبغي لنا أن نصدقهم إذا قالوا؟ لأنا إذا سألناهم جعلوا اليهودية والنصرانية خيرا من الإسلام, فلم يكن الله ليأمرنا بمسألتهم ثم ينهانا عن تصديقهم, إنما أمرنا أن نسأل الذين يعلمون, ثم أمرنا أن نصدقهم ونطيعهم, فمن كذَّب آل محمد في شيء وضللهم فإنما يكذِّب الله, لأن الله تعالى قد اصطفاهم وأذهب عنهم الرجس, وطهرهم تطهيرا).(1/24)


[حديث الثقلين]
من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله, وعترتي أهل بيتي, إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ))[6].
_________________
[6] أخرجه وفيه لفظ: (العترة): الإمام زيد بن علي عليه السلام في المجموع 404, والإمام علي بن موسى في الصحيفة 464, والدولابي في الذرية الطاهرة 166 رقم (228), والبزار 3/89 (864)عن علي عليه السلام.
وأخرجه مسلم 15/179, والترمذي 5/622 رقم (3788), وابن خزيمة 4/62 رقم (2357), والطحاوي في مشكل الآثار 4/368-369, وابن أبي شيبة في المصنف 7/418, وابن عساكر في تاريخ دمشق 5/369 (تهذيبه), والطبري في ذخائر العقبى 16, والبيهقي في السنن الكبرى 7/30, والطبراني في الكبير 5/166 رقم (4969), والنسائي في الخصائص 150 رقم (276), والدارمي 2/431, وابن المغازلي الشافعي في المناقب 234,236, وأحمد في المسند 4/367, وابن الأثير في أسد الغابة 2/12, والحاكم في المستدرك 3/148 وصححه وأقره الذهبي, عن زيد بن أرقم.
وأخرجه عبد بن حميد 107-108 (في المنتخب), وأحمد 5/182 و 189, والطبراني في الكبير 5/166, وأورده السيوطي في الجامع الصغير 157 رقم (2631), ورمز له بالتحسين, وهو في كنز العمال 1/186 رقم (945) وعزاه إلى ابن حميد وابن الأنباري عن زيد بن ثابت.
أخرجه أبو يعلى في المسند 2/197 و 376, وابن أبي شيبة في المصنف 7/177, والطبراني في الصغير 1/131 و 135 و 226, وأحمد في المسند 3/17 و 6/26, وهو في كنز العمال 1/185 رقم (943), وعزاه إلى البارودي, ورقم (944) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن سعد وأبي يعلى, عن أبي سعيد الخدري.
وأخرجه الخطيب في التاريخ 8/442 عن حذيفة بن أسيد, وهو في الكنز 1/189.
وأخرجه الترمذي في السنن 5/621 رقم (3786), وذكره في كنز العمال 1/117 رقم (951), وعزاه إلى ابن أبي شيبة, والخطيب في المتفق والمفترق عن جابر بن عبدالله.(/)

5 / 14
ع
En
A+
A-