[تخطئة ابن عباس]
وروي عنه عليه السلام, و(عن)زيد بن ثابت وغيرهما تخطئة ابن عباس في عدم القول بالعول . وروي عن ابن عباس أنه خطأ من قال بالعول ، وروي عن ابن عباس أيضاً أنه قال: ( ألا يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابناً ولا يجعل أبا الأب أباً ).
[إقرار أبي بكر بالتخطئة]
وروي أن أبا بكر سئل وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الكلالة فقال: ( ما سمعت فيها شيئاً, وسأقول فيها برأيي, فإن أصبت فالله وفقني, وإن أخطأت فالخطأ مني ومن الشيطان, والله ورسوله منه بريّان ) . فصرّح بالرأي, وهو في عرف أهل الشرع يطلق على الاجتهاد والقياس والحكم, ولم ينقل أنه نوزع في التخطئة, ولو كان التصويب مذهباً لبعضهم لنازعه ونُقِل.
[إقرار عمر بالتخطئة]
وروي أن كاتباً كتب عند عمر: هذا ما أرى الله عمر . فقال عمر: (امحه, واكتب: هذا ما رأى عمر, فإن يك صواباً فمن الله, وإن يك غير صواب فمن عمر) . وروي عن عمر أيضاً أنه قال: (لا يقولن أحدكم: قضيت بما أراني الله, فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيئه صلى الله عليه وآله وسلم, ولكن ليجتهد رأيه).
[إقرار ابن مسعود بالتخطئة]
وروي أن ابن مسعود سئل عن امرأة مات عنها زوجها ولم يفرض لها صداقاً, فقال: (أقول فيها برأيي, فإن يك صواباً فمن الله, وإن يك خطأً فمني ومن الشيطان, والله ورسوله منه بريّان). وفي رواية أخرى: فإن يكن خطأ, فمن ابن أم عبد . إلى غير ذلك.(1/11)


[نقد تأويل تلك الأخبار]
وتأويل ما روي من ذلك بأنه للتشديد في الاجتهاد فقط تلعب بأقاويل أكابر الصحابة بلا دليل؛ إلا أنه خلاف مذهب المتأول, إذ لو صح ذلك التأويل لكان من اعتنق مذهبا مبتدعا على الصواب؛ لأنه يمكنه شبه ذلك التأويل في كل دليل, فيقول الباطني: لا جنة ولا نار, وإنما الوعد لمجرد الترغيب, والوعيد لمجرد الترهيب, وذلك خلاف ما علم من الدين ضرورة. وأيضا قد وقع الخلاف بين الصحابة في الإمامة, والسكوت من الجميع بعد النزاع فيها, كما وقع الخلاف والسكوت بعد النزاع في مسائل الفروع, والإمامة من الأصول, فلو كان ذلك تصويبا منهم لجرى في الأصول كما جرى في الفروع, والفرق تَحَكُّم. وأيضا لا خلاف أن السكوت لم يقع من الصحابة إلا بعد النزاع في مسائل الخلاف والأياس من رجوع المخالف إلى صاحبه. ومن قواعد كثير من أئمتنا عليهم السلام ومن وافقهم من علماء الإسلام: أنه لا يجب النكير إلا عند ظن التأثير, وبعد النزاع والأياس من رجوع المخالف ينتفي ظن التأثير ضرورة, فكيف يعتد بسكوتهم مع ذلك في تخصيص الأدلة القطعية.(1/12)


[دلالة قولهم هذا رأيي وهذا رأيك]
وأما ما حكاه الإمام يحيى عليه السلام من تولي بعضهم بعضا, وعدم الذم, واعتذارهم بقولهم: هذا رأيي وهذا رأيك. فبمراحل عن الدلالة على التصويب؛ لأن الخطأ لا يمنع التولي؛ ولا يبيح الذم؛ لكونه معفوا عنه, وقد مر الدليل على كونه معفوا عنه, وقولهم: هذا رأيي وهذا رأيك. لا يدل عليه لا بصريحه ولا بفحواه, ألا ترى أنه يصح أن نقول للجبري: هذا مذهبي وهذا مذهبك, ونقول لليهودي: هذا ديني وهذا دينك إجماعا, ولو كان ذلك يدل على التصويب لما جاز, وأيضا قد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول للكفار:{ لكم دينكم ولي دين}(الكافرون: 6) ,ولم يكن ذلك تصويبا لهم, مع أنه أوكد من قولهم: هذا رأيي وهذا رأيك؛ لأن فيه الإضافة ولام الاختصاص, وذلك لم يكن فيه إلا الإضافة فقط.(1/13)


[عدم نقض بعضهم أحكام بعض]
وأما دعوى عدم نقض بعضهم لحكم صاحبه- إن صح- فلصيانة أحكام المصيبين عن أن ينقضها المخطئون, كما يدعيه- في عدم نقض الأحكام المختلف فيها- المخالفون لنا في هذه المسألة؛ لأنهم يقولون: لو جاز نقضها لم يستقر حكم البتة؛ لأن كل حاكم يستجيز حينئذ نقض كل حكم يخالف مذهبه, ويفعل ذلك كما فعل غيره, وكذلك هذا إذ لا فرق, وهو كاف في حل شبهتهم لكونه عندهم حجة. مع أن التحقيق أنه لم يصح ذلك؛ لأن علياً عليه السلام رد قطائع عثمان, وفِعْل عثمان في قطائعه جار مجرى الحكم لكونه خليفة في اعتقاد نفسه في الظاهر,وفعل الخليفة في نحو ذلك جار مجرى الحكم بلا خلاف أعلمه.
[نقد الحجة الثانية]
وأما خبر أبي هريرة وخبر عقبة بن عامر[2] فهما حجة لنا؛ لأن فيهما التصريح بالتخطئة, وأما الأجر والحسنة المذكوران فيهما للمخطئ فثواب من الله تعالى على النظر؛ لأنه عبادة إجماعا, لا على الحكم بالخطأ, وإنما هو معفو عنه فقط, لقوله تعالى :{ ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به }(الأحزاب: 5).
__________________
[2] قد تقدما. وقال الإمام أبو طالب في التعليق على حديث أبي هريرة-وقد رواه عن عمر بن العاص: (الخبر محمول على أن يخطئ خبرا مخالفا لحكمه فيما حكم به وردّ ولم يبلغه أو يخطئ طريقة أخرى في الاجتهاد لو سلكها لكان ثوابه أكثر, فأما نفس الخطأ فلا يستحق عليه الأجر).(1/14)


[نقد الحجة الثالثة: وبيان أن الشرائع شكر]
وأما قولهم: الشرائع مصالح فلا يمتنع أن يخاطب الله بمجمل يريد من كلٍ ما فهمه؛ لأن المصالح تختلف باختلاف الناس؛ فَمُعَارض بقولنا: لا يمتنع أن يبيح الله كل ما وقع عليه النصوص من المحرمات لبعض من الناس دون بعض؛ لأن المصالح فيها تختلف باختلاف الناس, فيكون الخمر حلالاً لزيد حراماً على عمرو!! وهذا خلاف ما علم من الدين ضرورة, والفرق بينه وبين ما قالوا معدوم, إذ لا دليل ولا مخصص, وإن كان غير ممتنع من العقل. وممنوع من كون الشرائع اللازمة مصالح؛ لأنها شكر, من حيث أنه يجب في قضية العقل امتثال المالك المنعم في ما أمر به ونهى عنه, لأجل النعم السابغة والملك, وذلك حقيقة الشكر. ألا ترى أن العقلاء يذمون العبد المخل بامتثال أمر سيده المنعم عليه, ويقضون بحسن عقوبته, دون من لم يعقد في عنقه لأحد نعمة, فإنهم لا يوجبون عليه شيئاً لمن أمره أو نهاه ولا يذمونه في ترك ذلك, وبذلك نطق القرآن المجيد, قال تعالى:{ اعملوا آل داود شكراً }(سبأ: 13) , وانعقد عليه إجماع قدماء العترة عليهم السلام. وقد جعل سبحانه التكليف بشكره متحداً إلا في أشياء معينة محصورة, نحو ما اختص به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الواجبات, وكذلك الأئمة, وكذلك ما يختص به الرجال دون النساء من الجهاد والجمعة والأذان, ونحو ذلك, وهذه لم ترد مورد الخلاف فيقاس عليها جواز الخلاف في غيرها, ومن ذلك ما يختص به كلٌ من استقبال الجهات بالصلوات عند اختلاف الظنون في القبلة؛ لأنه(1/15)

3 / 14
ع
En
A+
A-