[إنكار العلماء العمل بالتخاريج]
قال الهادي عليه السلام ما لفظه: ( ثم اعلم أن القياس يخرج على معنيين:
أحدهما ثابت صحيح،والآخر باطل قبيح.
فأما المعنى الباطل فهو قول القائل: قاس فلان ويقيس فلان، يريد بذلك قياساً غير الكتاب، يضرب بعض القول ببعض, ويقيس برأي نفسه على رأي غيره ويشبه مذهبه في القياس بمذهب غيره, فيخرج قياسه قياساً فاسدا,ً لا يجوز هذا القياس عن الدين, ولا يثبت في أحكام المسلمين, بل من تعاطى قياساُ على ما ذكرناه أو قولاً فيما شرحناه كان محيلاً مبطلاً فاسد المذهب جاهلا)ً.
وروي عن السيد الناطق بالحق أبو طالب عليه السلام أنه ذكر أنه لا يُعَوِّل على تخاريج علي بن بلال صاحب (الوافي)، قال الراوي: وإنما قاله نصحاً للمسلمين وتحرياً في الدين, فكيف يرى الحال في تخاريج من لا يساوي علي بن بلال ؟ انتهى كلام الراوي.
وأخبرني بعض الثقات أن سائلاً سأل الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى عليه السلام والفقيه يوسف رحمه الله تعالى في (هجرة العين):
فقال ما معناه: كيف يكون تقليد المقلد ؟
فقالا: كالأعمى يقود أعمى.
فقال السائل: فما بالكما أثبتما في مصنفاتكما أقوال المقلدين ؟
فقالا: إنما حكينا الأقوال.
قلت: وفي كلامهما تصريح بإبطال تفريع المقلدين حيث صرَّحا بأن تقليد المقلد كأعمى يقود أعمى، واعتذرا عن إثباتهما لذلك في مصنفاتهما بأنه مجرد حكاية.(1/59)
وبلغنا عن بعض العلماء في زمانهما أنه قال ما لفظه: ( إن هذا القول الذي تَعَيَّن أنه مُخَرَّج ليس بقولٍ لمن خَرَّج على قوله, ولا قولٌ للذي خَرَّجَه من قول المجتهد، فحينئذ يكون هذا الحكم لا قائل به, فكيف تجري عليه الأديان والمعاملات ؟ وهذه ورطة تورَّط فيها الفقهاء برمتهم إلا من لزم النصوص ).
وكذا في بعض كتب الأصول لأهل المذهب ك (الجوهرة) إنكارها.
وكذا اعترضهم الإمام الحسن بن عز الدين في (شرح المعيار) على عدم اشتراط البحث عن كون نص المجتهد مخصِّصا, وعن كونه يقول بتخصص العلة, أو لا يقول بذلك, وقال ما لفظه: ( وقد يمنع من عدم لزوم البحث هنا عن الخاص مع وجوبه في ألفاظ الكتاب والسنة, وعن مذهبه في تخصيص العلة, وبالجملة فناهيك أن يكون المجتهد في المذهب بمنزلة المجتهد المطلق في الشرع على السوية, ومن عكس قالب الإضافة أن يجعل لغير المعصوم من الخطأ متقاصر الخُطَى على المعصوم مزية ).
وقرأت بخط شيخي شمس العترة أمير الدين بن عبدالله أبقاه الله وأظن أني سمعته من بعض السادة من أهل البيت عليهم السلام أنه قال: ( كثير من التخاريج مصادمة للنصوص[18] ). ولهذا يمتنع كثير من أهل التحري من العمل بالتخريجات, والإفتاء بها, لمخالفتها لنصوص الأئمة من غير ضرورة ملجئة إلى مصادمتها.
__________________________
[18] قف على كلام الإمام الأعظم القاسم بن محمد وكلام شمس العترة أمير الدين بن عبد الله الحوثي وكلام الإمام الناصر لدين الله الحسن بن علي عليهم السلام في إنكارهم للتخاريج و مصادمتها لنصوص الأئمة وأنها محدثة وتدبر وتبصر ، والله ولي التوفيق . مجدالدين بن محمد المؤيدي وفقه الله .(1/60)
وسمعت الإمام الناصر لدين الله الحسن بن علي بن داود-فرج الله عنه ورعاه وحماه-ينكرها، وقال ما معناه: ( كان مذهبنا سليماً إلى زمن كذا ) وذكر بعض أول المخرجين في مذهبنا.
[بداية العمل بالتخاريج]
لأن أول من أحدث هذه البدعة أتباع الفقهاء الأربعة، لما كانت نصوصهم غير وافية بالأحكام, وكان أتباعهم يعدُّون أقوال غيرهم من سائر المجتهدين بدعة، قال الذهبي في تاريخه: ( وللزيدية مذهب في الفروع بالحجاز واليمن لكنه من أقوال البدع ). وقال ابن سمرة اليمني في (طبقاته): ( وفي سنة كذا وكذا جرت فتنتان عظيمتان: أحدهما فتنة علي بن الفضل ودعاه للناس إلى الكفر, والأخرى فتنة الشريف يحيى بن الحسين الرسي ودعاه الناس للتشيع ).
وقال في حاشية (الفصول) ما لفظه: ( قال في (القواعد): ولقد عظمت المحنة على من اجتهد وترك التقليد من العلماء المتأخرين في كل عصر من الأعصار, ومصر من الأمصار كما يعرف ذلك من طالع كتب التواريخ والأخبار ، ومات كثير من الأخيار بسبب ذلك في الحبوس, وطرد كثير منهم من الأمصار ).
قلت وبالله التوفيق: ولعله يريد بالقواعد كتاب (قواعد عقائد أهل البيت عليهم السلام) للديلمي رحمه الله تعالى, والله أعلم.(1/61)
ثم تابعهم بعض أتباع القاسم والهادي والناصر وغيرهم من الأئمة عليهم السلام في نفس ابتداع التفريع فقط في الأغلب، ولو أنهم تركوا ذلك ورجعوا إلى سؤال من أمر الله بسؤاله حيث قال تعالى: { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر }, لكان خيراً لهم وأسلم لأنهم لا يعدمون من يُجيب سؤالهم حتى يختم الله أيام التكاليف, كما في الأخبار النبوية من نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين )), وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( بنا أهل البيت يختم كما بنا ابتدأ ... )), الخبر بلفظه أو معناه.
فرحم الله امرأً نهى النفس عن الهوى, ونظر بعين البصيرة, وأطفأ نار الحمية, وأغمد سيوف العصبية, وبرئ من داء العناد, وسلك محجة الرشاد, بحق محمد وآله صلوات الله عليه وعليهم أجمعين. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على محمد وآله وسلم.(1/62)
تم الكتاب بمن الله العزيز الوهاب - كتاب الإرشاد الهادي إلى سبيل الرشاد - يوم الثلاثاء سابع وعشرين من شهر ذي القعدة الحرام من شهور سنة اثنتي عشرة سنة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بمسجد موسع من برط المحروس بالله تعالى من مولانا أمير المؤمنين وسيد المسلمين المنصور بالله القاسم بن محمد أيده الله وأصلح له أموره وصرف عنه جميع الشرور ووقاه كل مخوف ومحذور وجزاه عن المسلمين خيراً آمين اللهم آمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله قال في الأم بخط الفقير إلى الله شمس الدين بن الحسن بن عزالدين بن المهدي بن جحاف وفقه الله إلى رضاه.
تم بحمد الله.
---(1/63)