الكتاب : الإرشاد إلى سبيل الرشاد المؤلف : الإمام القاسم بن محمد (ع) |
الإرشاد إلى سبيل الرشاد
تأليف
الإمام الحجة المنصور بالله
القاسم بن محمد عليهما السلام
اعتمدنا على نسخة الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما يجب لجلاله ، وصلواته وسلامه على رسوله وآله.
هذا كتاب الإرشاد الهادي إلى سبيل الرشاد تأليف مولانا إمام الجهاد والاجتهاد المجدد للدين أمير المؤمنين المنصور بالله رب العالمين القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الحسين بن علي بن يحيى بن محمد بن يوسف الأشل بن القاسم بن الإمام الداعي يوسف بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم أزكى التحيات والتسليم.
دعا إلى الله سبحانه سنة ست وألف فجدد الله تعالى بعلمه وسيفه الدين الحنيف وأحيا بجهاده واجتهاده الشرع الشريف . له المؤلفات النافعة المحررات الصادعة ، منها الأساس في أصول الدين ، والاعتصام بحبل الله المتين في الأحكام ، والمرقاة في أصول الفقه ، ورسالة التحذير, وهذا الإرشاد، وما لا ينحصر من الرسائل والمسائل . وتوفاه الله في ثاني عشر شهر ربيع الأول سنة تسع وعشرين وألف عن اثنتين وستين سنة رضي الله عنه وأرضاه وجزاه عن الإسلام والمسلمين أحسن جزاه.
المفتقر إلى الله سبحانه مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي عفا الله عنهم أجمعين . تمت نقلاً عن خطه .(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
[موضوع الرسالة: ((حكم الخلاف في الأحكام الشرعية))؟]
أما بعد، فإنه لما كان الخلاف واقعاً في الأحكام الشرعية بين الأمة المحمديةـ وقد عرفنا أن ربنا تبارك وتعالى واحدٌ, ونبينا صلى الله عليه وآله واحد, وديننا زاده الله شرفاً ورفعةً واحدٌ ـ وجب على العاقل اللبيب أن ينظر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم:
أيسوغ ذلك الاختلاف؛ فنعذر على التفرق في الدين باتباع المختلفين؟
أم لا يسوغ؛ فلا نعذر في ذلك؟
وما المعمول عليه بعد إذٍ؟
[قبح الإخلال بالنظر عقلاً وشرعاً]
لأن في الإخلال بالنظر في ذلك مخاطرة بلا ملجئ، والعقل يقضي ضرورةً بقبح المخاطرة بغير ملجئ [فيكون الإخلال بالنظر قبيحاً], وكذلك الشرع [يقضي بقبح الإخلال بالنظر], قال الله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} الآية(الإسراء :36).
وقد جمعت في ذلك ما يرشد الطالبين إن شاء الله تعالى, ولم أقصر في بيانه؛ مريداً للإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب, وذلك يتضمن ستة فصول:
الفصل الأول في الإرشاد إلى حكم الخلاف
[الآراء في حكم الخلاف]
[الرأي الأول: وهو رأي محرمي الخلاف من أئمتنا عليهم السلام]
[حكم الخلاف في كتاب الله](1/2)
وذلك أنا نظرنا في كتاب الله فإذا هو ناطق بتحريم الخلاف في الدين على الإطلاق, قال تعالى: { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا }(ال عمران :103) . وقال تعالى: { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا ... الآية }(ال عمران:105) . وقال تعالى: { إن الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعاً لست منهم في شيء } الآية (الأنعام: 159). و قال تعالى: { أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه }(الشورى: 13) ,ولم يفصل في أيّها.
[حكم الخلاف في السنة المطهرة]
[حديث اختلاف الأمة بعد رسول الله]
ثم نظرنا في سنة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فإذا هي جارية على هذا النسق. روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:(( أتاني جبريل عليه السلام فقال: إن أمتك مختلفة بعدك . فقلت: فأين المخرج يا جبريل ؟ فقال: كتاب الله به يُقْصَمُ كل جبار عنيد, ومن اعتصم به نجا, ومن تركه هوى ، قول فصل وليس بالهزل, لا تخلقه الألسن, ولا يثقل على طول الرد, ولا تفنى عجائبه, فيه أثر من كان قبلكم, و خبر من هو كائن بعدكم )).
[تحريم الاختلاف]
وروى الهادي عليه السلام عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( أقيموا صفوفكم ولا تختلفوا فيخالف الله بين قلوبكم)) .
قلت: ولا يتوهم قصره على السبب ؛لأن الأسباب لا تمنع الألفاظ عن إفادة معانيها.(1/3)
ألا ترى أنه يصح أن تقول لغلمانك عند عصيان بعضهم: كل من عصاني عاقبته بكذا. وأن تقصد بذلك جميعهم بلا نصب قرينة؛ لأن ذلك مما يدل عليه اللفظ بحقيقته.
وألا ترى إلى آية الظهار فإن سبب نزولها: ظهار أوس بن الصامت من زوجته خولة بنت ثعلبة, ولم تكن الآية مقصورة على ذلك السبب وحده.
[النهي عن الاختلاف]
وروى الحسين بن القاسم عليه السلام في (تفسيره) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ما لفظه أو معناه : ((ألا لا يقتتل مسلمان ولا يختلف عالمان)).
[هلاك أكثر فرق الأمة]
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة ... )) الخبر, ولم يفصل في أيها كذلك.
[نفي المخصص للعموم في أحاديث تحريم الاختلاف]
قلت وبالله التوفيق: وجميع ذلك من الكتاب والسنة نصوص صريحة في تحريم الاختلاف في أصول الدين وفروعه, للقطع بانتفاء المُخَصِّص, كما نبين إن شاء الله تعالى في الرد على من خالفنا في ذلك؛ لأنهم قد بحثوا عن المخصِّص أشد البحث وتمحلوا له بما سنقف عليه إن شاء الله.
[آراء العلماء في حكم الاختلاف]
وذلك مذهب قدماء العترة عليهم السلام, ومن وافقهم من متأخريهم, ومن سائر علماء الإسلام[1] .
[الرأي الثاني: رأي البصرية ومن وافقها في الاختلاف في الشرع]
وقالت البصرية من المعتزلة ومن وافقها: بل هي [أي تحريم الاختلاف] خاصة بما عدا المسائل الفروعية الظَّنِّيَّة.
_________________
[1] قال الإمام زيد بن علي عليه السلام في كتاب مدح القلة وذم الكثرة :(وقد نهى عن الاختلاف فيما أنزل على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأمرنا لنسلم لأمر الله تعالى . وأنتم تزعمون وترون خلاف كتاب الله تعالى, تزعمون الخلاف رحمة, وقد وعد الله عليه العذاب).
وقوله تزعمون الخلاف رحمة إشارة إلى ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: (اختلاف أمتي رحمة). ويبدو أن هذا الحديث من موضوعات بعض وعاظ السلاطين ليكون مبرراً لهم في تشتيت الأمة وإثارة الخلاف فيمت بينهم. وليس لهذه الرواية سند يعرف. حتى قال السيوطي في الجامع الصغير: لعله مخرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا؛ وهذا بعيد. أما السبكي فقد أنكره غاية الإنكار. وفال ابن حزم: باطل مكذوب. سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم (57).(1/4)
[أدلة البصرية]
[مخصص الأدلة:اختلاف الصحابة وسكوتهم عليه]
قالوا: والمخصص لها [أي لأدلة تحريم الاختلاف] وقوع الاختلاف بين الصحابة.
قالوا: وذلك إجماع منهم؛ لعدم النَكير من بعضهم على بعض. قال الإمام يحيى (بن حمزة) عليه السلام في (شرح نهج البلاغة): ( ولم يسمع من أحد منهم إنكار على صاحبه فيما ذهب إليه ولا ذم، بل يعتذرون في المخالفة, بأن يقولوا: هذا رأيي وهذا رأيك).
قالوا: ولم ينقض أحد منهم حكم صاحبه.
[حديث اجتهاد الحاكم]
ومما احتجوا به أيضاً على ذلك: ما روي عن أبي هريرة, عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران, وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد )) . وما روي عن عقبة بن عامر, عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( اقض بينهما (يعني خصمين ) فإن أصبت فلك عشر حسنات, وإن أخطأت فلك حسنة واحدة )).
[الشرائع مصالح]
قالوا: والشرائع مصالح, فلا يمتنع أن يخاطب الله بمجمل يريد من كُلٍ ما فَهِمَه؛ لأن المصالح تختلف باختلاف الناس.(1/5)