قال: فأخذ الكلبتين فانتزعه، فساعة انتزاعه مات صلوات الله عليه.
قال القوم: أين ندفنه؟ وأين نواريه؟ فقال بعضهم نلبسه درعين، ثم نلقيه في الماء.
وقال بعضهم: لا، بل نحتز رأسه، ثم نلقيه بين القتلى.
قال: فقال يحيى بن زيد: لا والله لا يأكل لهم أبي السباع.
وقال بعضهم: نحمله إلى العباسية فندفنه فيها. فقبلوا رأيي.
قال: فانطلقنا فحفرنا له حفرتين وفيها يومئذ ماء كثير، حتى إذا نحن مكنا له دفناه ثم أجرينا عليه الماء، ومعنا عبد سندي. قال سعيد بن خيثم في حديثه: عبد حبشي كان مولى لعبد الحميد الرؤاسي وكان معمر بن خيثم قد أخذ صفقته لزيد، وقال يحيى بن صالح: هو مملوك لزيد سندي وكان حضرهم. قال أبو مخنف عن كهمس، قال: كان نبطي يسقي زرعاً له حين وجبت الشمس، فرآهم حيث دفنوه، فلما أصبح أتى الحكم بن الصلت، فدلهم على موضع قبره، فسرح إليه يوسف بن عمر العباس بن سعيد المزني. قال أبو مخنف: بعث الحجاج بن القاسم فاستخرجوه على بعير.
قال هشام فحدثني نصر بن قابوس قال: فنظرت والله إليه حين أقبل به على جمل قد شد بالحبال، وعليه قميص أصفر هروي، فألقى من البعير على باب القصر فخر كأنه جبل. فأمر به فصلب بالكناسة، وصلب معه معاوية بن إسحاق، وزياد الهندي، ونصر بن خزيمة العبسي.
قال أبو مخنف: وحدثني عبيد بن كلثوم: أنه وجه برأس زيد مع زهرة بن سليم، فلما كان بمضيعة ابن أم الحكم ضربه الفالج، فانصرف وأتته جائزته من عند هشام.
فحدثني الحسن بن علي الأدمي، قال: حدثنا أبو بكر الجبلي، قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن العنبري، قال: حدثنا موسى بن محمد، قال: حدثنا الوليد بن محمد الموقري، قال: كنت مع الزهري بالرصافة فسمع أصوات لعابين. فقال لي: يا وليد، أنظر ما هذا، فأشرفت من كوة في بيته فقلت: هذا رأس زيد بن علي، فاستوى جالساً ثم قال: أهلك أهل هذا البيت العجلة. فقلت: أو يمكلون؟ قال: حدثني علي بن الحسين، عن أبيه، عن فاطمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: المهدي من ولدك.
قال أبو مخنف: حدثني موسى بن أبي حبيب: أنه مكث مصلوباً إلى أيام الوليد بن يزيد، فلما ظهر يحيى بن زيد كتب الوليد إلى يوسف: " أما بعد. فإذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل أهل العراق فاحرقه. وانسفه في اليم نسفاً، والسلام " .
فأمر به يوسف - لعنه الله - عند ذلك خراش بن حوشب. فأنزله من جذعه فأحرقه بالنار، ثم جعله في قواصر، ثم حمله في سفينة، ثم ذراع في الفرات.
حدثني الحسن بن عبد الله، قال: حدثنا جعفر بن يحيى الأزدي، قال: حدثنا محمد بن علي بن أخت خلاد المقرئ، قال: حدثنا أبو نعيم الملائي عن سماعة بن موسى الطحان، قال: رأيت زيد بن علي مصلوباً بالكناسة فما رأى أحد له عورة، استرسل جلد من بطنه، من قدامه ومن خفه حتى ستر عورته.
حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عفير، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر العتكي، عن جرير بن حازم، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو متساند إلى جذع زيد بن علي وهو مصلوب، وهو يقول للناس: " أهكذا تفعلون بولدي " .
حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن بن جعفر، قال: قتل زيد بن علي يوم الجمعة في صفر سنة إحدى وعشرين ومائتين.
من خرج مع زيد بن علي من أهل العلم
تسمية من عرف ممن خرج مع زيد بن علي من أهل العلم ونقلة الآثار والفقهاء قال علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني: حدثنا علي بن العباس، ومحمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا مطلب بن زيد، عن ليث، قال: جاء منصور بن المعتمر يدعو إلى الخروج مع زيد بن علي.
حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا أبو عبد الله الصيرفي، قال: حدثنا فضل بن الحسن المصري، قال: سمعت أبا نعيم يقول: أبطأ منصور عن زيد لما بعثه يدعو إليه، فقتل زيد ومنصور غائب عنه، فصام سنة يرجو أن يكفر ذلك عنه تأخره. ثم خرج بعد ذلك مع عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر.
حدثني أحمد بن محمد، قال: أخبرني الحسين بن هاشم في كتابه إلي، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن معلى، قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار، عن عبدة بن كثير السراج الجرمي، قال:(1/41)


قدم يزيد بن أبي زياد، مولى بني هشام، صاحب عبد الرحمن بن أبي ليلى الرقة، يدعو الناس إلى بيعة زيد بن علي، وكان من دعاة زيد بنعلي، وأجابه ناس من أهل الرقة، وكنت فيمن أجابه.
حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد الله بن مروان بن معاوية، قال: سمعت محمد بن جعفر بن محمد في دار الإمارة يقول: رحم الله أبا حنيفة. لقد تحققت مودته لنا في نصرته زيد بن علي، وفعل بابن المبارك في كتمانه فضائلنا، ودعا عليه.
حدثنا علي بن الحسين، قال: أخبرنا الحسين بن القاسم، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار، عن عبدة بن كثير الجرمين قال: كتب زيد بن علي إلى هلال بن حباب، وهو يومئذ قاضي المدائن، فأجابه وبايع له.
حدثنا علي بن الحسين، قال: أخبرنا الحسين بن القاسم، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو، قال حدثني عطاء بن مسلم، عن سالم بن أبي الحديد، قال: أرسلني زيد بن علي إلى زبيد الإمامي أدعوه إلى الجهاد معه.
حدثنا علي بن الحسين، قال: أخبرني الحسين، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو، عن الفضل بن الزبير، قال: قال أبو حنيفة من يأتي زيداً في هذا الشأن من فقهاء الناس؟ قال: قلت سليمة بن كهيل، ويزيد بن أبي زياد، وهرون بن سعد، وهاشم بن البريد، وأبو هاشم الرماني، والحجاج بن دينار، وغيرهم.
فقال لي: قل لزيد لك عندي معونة وقوة على جهاد عدوك فاستعن بها أنت وأصحابك في الكراع والسلاح؛ ثم بعث ذلك معي إلى زيدن فأخذه زيد.
" حدثنا علي بن الحسين " ، قال: حدثني أبو عبيدة الصيرفي، قال: حدثنا الفضل بن الحسين المصري، قال: حدثنا العباس العنبري، قال: حدثنا أبو الوليد، قال: حدثنا أبو عوانة، قال: فارقني سفيان على أنه زيدي.حدثني علي بن الحسن بن القاسم، قال: حدثني علي بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار " عن عبد بن كثير " ، قال: كان رسول زيد إلى خراسان عبدة بن كثير الجرمي، والحسن بن سعد الفقيه.
حدثنا علي بن الحسين قال: أخبرني الحسين قال: حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار، قال: حدثني شريك، قال: إني لجالس عند الأعمش أنا، وعمرو بن سعيد أخو سفيان بن سعيد الثوري، إذ جاءنا عثمان بن عمير أبو اليقظان الفقيه، فجلس إلى الأعمش فقال: أخلنا فإن لنا إليك حاجة. فقال: وما خطبكم هذا شريك، وهذا عمرو بن سعيد أذكر حاجتك. فقال: أرسلني إليك زيد بن علي أدعوك إلى نصرته والجهاد معه، وهو من عرفت. قال: أجل؛ ما أعرفني بفضله. إقرئاه مني السلام، وقولا له: يقول لك الأعمش لست أثق لك - جعلت فداك - بالناس، ولو أنا وجدنا لك ثلثمائة رجل أثق بهم لغيرنا لك جوانبها.
حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن زيد الثقفي. قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عمران بن أبي ليلى، قال: حدثني أبي، قال: كان محمد بن أبي ليلى، ومنصور بن المعتمر، بايعا زيد بن علي. قال: وبعث يوسف بن عمر إلى الناس فأخذ عليهم أبواب المسجد فحال بينه وبينهم.
حدثنا علي بن الحسين قال: حدثني الحسين بن محمد بن عفير " الأنصاري " قال: حدثنا يوسف بن موسى القطان، قال: حدثنا حكام بن مسلم، قال: حدثنا عنبسة بن سعيد الأسدي: أنا أبا حصين قال لقيس بن الربيع: يا قيس. قال: لبيك. قال: لا لبيك، ولا سعديك، لتبايعن رجلاً من ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تخذله، وذلك أنه بلغه أنه بايع زيد بن علي.
وقال فضل بن العباس بن عبد الرحمن بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب يرثي زيد بن علي عليه السلام:
ألا يا عين لا ترقي وجودي ... بدمعك ليس ذاحين الجمود
غداة ابن النبي أبو حسين ... صليب بالكناسة فوق عود
يظل على عمودهم ويمسي ... بنفسي أعظم فوق العمود
تعدى الكافر الجبار فيه ... فأخرجه من القبر اللحيد
فظلوا ينبشون أبا حسين ... خضيباً بينهم بدم جسيد
فطال به تلعبهم عتواً ... وما قدروا على الروح الصعيد
وجاور في الجنان بني أبيه ... وأجداداً هم خير الجدود(1/42)


فكم من والد لأبي حسين ... من الشهداء أو عم شهيد
ومن أبناء أعمام سيلقى ... هم أولى به عند الورود
دعاه معاشر نكثوا أباه ... حسيناً بعد توكيد العهود
فسار إليهم حتى أتاهم ... فما أرعوا على تلك العقود
وكيف تظن بالعبرات عيني ... وتطمع بعد زيد في الهجود
وكيف لها الرقاد ولم تراءى ... جياد الخيل تعدوا بالأسود
تجمع للقبائل من معدد ... ومن قحطان في حلق الحديد
كتائب كلما أردت قتيلاً ... تنادت: أن إلى الأعداء عودي
بأيديهم صفائح مرهفات ... صوارم أخلصت من عهد هود
بها نسقي النفوس إذا التقينا ... ونقتل كل جبار عنيد
ونحكم في بني الحكم العوالي ... ونجعلهم بها مثل الحصيد
وننزل بالمعيطيين حرباً ... عمارة منهم وبنو الوليد
وإن تمكن صروف الدهر منكم ... وما يأتي من الأمر الجديد
نجازيكم بما أوليتمونا ... فصاصاً أو نزيد على المزيد
ونترككم بأرض الشام صرعى ... وشتى من قتيل أو طريد
تنوء بكم خوامعها وطلس ... وضاري الطير من بع وسود
ولست بآيس من أن تصيروا ... خنازيراً وأشباه القرود
وقال أبو ثميلة الأبار يرثي زيداً عليه السلام:
يا أبا الحسين أعار فقدك لوعة ... ما لقيت منها يكمد
فقد السهاد ولو سواك رمت به الأ ... قدار حيث رمت به لم يسهد
ونقول: لا تبعد، وبعدك داؤنا ... وكذاك من يلق المنية يبعد
كنت المؤمل للعظائم والنهى ... ترجى لأمر الأمة المتأود
فقتلت حين رضيت كل مناضل ... وصعدت في العلياء كل مصعد
فطلبت غاية سابقين فنلتها ... بالله في سير كريم المورد
وأبى إلهك أن تموت ولم تسر ... فيهم بسيرة صادق مستنجد
والقتل في ذات الإله سجية ... منكم وأحرى بالفعال الأمجد
والناس قد أمنوا، وآل محمد ... من بين مقتول وبين مشرد
نصب إذا ألقى الظلام ستوره ... رقد الحمام، ولقلهم لم يرقد
يا ليت شعري والخطوب كثيرة ... أسباب موردها وما لم يورد
ما حجة المستبشرين بقتله ... بالأمس أو ما عذر أهل المسجد
يحيى بن زيد
ويحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
وأمه ريطة بنت أبي اهشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، وإياها عنى أبو ثميلة الأبار بقوله:
فلعل راحم أم موسى والذي ... نجاه من لجج خضم مزبد
سيسر ريطة بعد حزن فؤادها ... يحيى ويحيى في الكتائب يرتدي
وأم ريطة بنت أبي هاشم ريطة بنت الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب. وأمها ابنة المطلب بن أبي وداعة السهمي.
ذكر السبب في مقتله(1/43)


حدثنا علي بن الحسين بن محمد الأصبهاي، قال: أخبرني به محمد بن علي بن شاذان، قال: حدثنا أحمد بن راشد، قال: حدثني عمي سعيد بن خيثم بن أبي الهادية العبدي. حدثنا علي بن الحسين، قال: أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثني المنذر بن محمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا هشام بن محمد عن أبي مخنف عن سلمة بن ثابت " الليثي " قال: وخبرنيه أبو المنذر في كتابه إليه بمثله. حدثنا علي، قال: أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: قال أبو مخنف لوط بن يحيى، حدثنا علي، قال: وأخبرني علي بن العباس المقانعي، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا زيد بن المعذل، قال: حدثنا يحيى بن صالح الطيالسي، عن أبي مخنف، عن عبيدة بن كلثوم. حدثنا علي، قال: وأخبرني الحسين بن القاسم، قال: حدثنا علي بن إبراهيم، قال: حدثنا عمرو بن عبد الغفار، قال: حدثنا سلم الحذاء، وقد دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين.
قالوا: إن زيد بن علي لما قتل، ودفنه يحيى ابنه، رجع وأقام بجبانة السبيع، وتفرق الناس عنه، فلم يبق معه إلا عشرة نفر. قال سلمة بن ثابت: فقلت له أين تريد؟ قال: أريد النهرين، ومعه أبو الصبار العبدي، قال: فقلت له: إن كنت تريد النهرين فقاتل هاهنا حتى نقتل. قال: أريد نهري كربلاء. فقلت له: فالنجاء قبل الصبح. قال: فخرجنا معه، فلما جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان فخرجنا مسرعين. فكلما استقبلني قوم استطعمتهم فيطعمونني الأرغفة فأطعمه إياها وأصحابي حتى أتينا نينوى، فدعوت سابقاً فخرج من منزله ودخله يحيى، ومضى سابق إلى الفيوم. فأقام به وخلف يحيى في منزله. قال سلمة: ومضيت وخليته، وكان آخر عهدي به.
قالوا: وخرج يحيى بن زيد إلى المدائن، وهي إذ ذاك طريق الناس إلى خراسان، وبلغ ذلك يوسف بن عمر فسرح في طلبه حريث بن أبي الجهم الكلبي، فورد المدائن وقد فاته يحيى، ومضى حتى أتى الري.
قالوا: وكان نزوله بالمدائن على دهقان من أهلها إلى أن خرج منها.
قالوا: ثم خرج من الري حتى أتى سرخس فأتى يزيد بن عمرو التيمي، ودعى الحكم بن يزيد أحد بني أسيد بن عمرو، وكان معه، وأقام عنده ستة أشهر. وعلى الحرب بتلك الناحية رجل يعرف بابن حنظلة من قبل عمر بن هبيرة. وأتاه ناس من المحكمة يسألونه أن يخرج معهم ليقاتلوا بني أمية، فأراد لما رأى من نفاذ رأيهم أن يفعل، فنهاه يزيد بن عمرو وقال: كيف تقاتل بقوم تريد أن تستظهر بهم على عدوك وهم يبرؤون من علي وأهل بيته. فلم يطمئن إليهم غير أنه قال لهم جميلاً.
ثم خرج فنزل ببلغ على الحريش بن عبد الرحمن الشيباني فلم يزل عنده حتى هلك هشام بن عبد الملك لعنه الله، وولى الوليد بن يزيد، وكتب يوسف إلى نصر بن سيار، وهو عامل على خراسان حين أخبر أن يحيى بن زيد نازل بها، وقال: ابعث إلى الحريش. حتى يأخذ بيحيى أشد الأخذ، فبعث نصر إلى عقيل بن معقل الليثي، وهو عامله على بلخ، أن يأخذ الحريش فلا يفارقه حتى تزهق نفسه أو يأتيه بيحيى بن زيد، فدعى به فضربه ستمائة سوط، وقال: والله لأزهقن نفسك أو تأتيني به.
فقال: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتها عنه فاصنع ما أنت صانع. فوثب قريش بن الحريش فقال لعقيل: لا تقتل أبي، وأنا آتيك بيحيى، فوجه معه جماعة فدلهم عليه، وهو في بيت في جوف بيت، فأخذوه ومعه يزيد بن عمر، والفضل مولى لعبد القيس كان معه من الكوفة، فبعث به عقيل إلى نصر بن سيار فحبسه وقيده، وجعله في سلسلة، وكتب إلى يوسف بن عمرو فأخبره بخبره.
حدثنا علي بن الحسين، قال: فحدثني محمد بن العباس البريدي، قال: أخبرني الرياشي، قال: قال رجل من بني ليث يذكر ما صنع بيحيى بن زيد:
أليس بعين الله ما تصنعونه ... عشية يحيى موثق في السلال
ألم تر ليثا ما الذي حتمت به ... لها الويل في سلطانها المتزايل
لقد كشفت للناس ليث عن استها ... أخيراً وصارت ضحكة في القبائل
كلاب عوت لا قدس الله أمرها ... فجاءت بصيد لا يحل لآكل
حدثنا علي، قال: أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن أن هذا الشعر لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.(1/44)


حدثنا علي بن الحسين، قال: فحدثني عيسى بن الحسين الوراق، قال: حدثني علي بن أحمد النوفلي، قال: حدثني أبي، عن عمه عيسى، قال: لما أطلق يحيى بن زيد، وفك حديده، صار جماعة من مياسير الشيعة إلى الحداد الذي فك قيده من رجله فسألهم أن يبيعهم إياه، وتنافسوا فيه وتزايدوا حتى بلغ عشرين ألف درهم، فخاف أن يشيع خبره فيؤخذ منه المال. فقال لهم: اجمعوا ثمنه بينكم فرضوا بذلك، وأعطوه المال فقطعه قطعة قطعة، وقسمه بينهم، فاتخذوا منه فصوصاً للخواتيم يتبركون بها.
رجع الحديث إلى سياقه: قال: فكتب يوسف بن عمر إلى الوليد - لعنه الله - يعلمه ذلك، فكتب إليه يأمره أن يؤمنه، ويخلي سبيله وسبيل أصحابه، فكتب يوسف بذلك إلى نصر بن سيار فدعى به نصر فأمره بتقوى الله وحذره الفتنة.
فقال له يحيى: وهل في أمة محمد فتنة أعظم مما أنتم فيه من سفك الدماء وأخذ ما لستم له بأهل؟.
فلم يجبه نصر بشيء، وأمر له بألفي درهم ونعلين، وتقدم إليه أن يلحق بالوليد. فخرج يحيى حتى قدم سرخس، وعليها عبد الله بن قيس بن عباد البكري، فكتب إليه نصر أن أشخص يحيى عن سرخس. وكتب إلى الحسن بن زيد التميمي عامله على طوس: إذا مر بك يحيى فلا تدعه يقيم ساعة، وأرسله إلى عمرو بن زرارة بأبرشهر ففعلوا ذلك. ووكل به سرحان بن نوح العنبري، وكان على مسلحة المتعب. فذكر يحيى بن زيد نصر بن سيار فطعن عليه، كأنه إنما فعل ذلك مستقلاً لما أعطاه، وذكر يوسف بن عمر فعرض به، وذكر أنه يخاف غيلته إياه، ثم كف عن ذكره فقال له الرجل: قل ما أحببت - رحمك الله - فليس عليك مني عين.
فقال: العجب لهذا الذي يقيم الأحراس علي، والله لو شئت أن أبعث إليه فأوتي به وآمر من يتوطاه لفعلت ذلك - يعني الحسن بن زيد التميمي - . قال: فقلت له: والله ما لك فعل هذا، إنما هو رسم في هذا الطريق لتشبث الأموال.
قال: ثم أتينا عمرو بن زرارة بأبرشهر، فأعطى يحيى ألف درهم نفقة له، ثم أشخصه إلى بيهق، فأقبل يحيى من بيهق، وهي أقصى عمل خراسان في سبعين رجلاً، راجعاً إلى عمرو بن زرارة، وقد اشترى دواب، وحمل عليها أصحابه. فكتب عمرو إلى نصر بن سيار بذلك، فكتب نصر إلى عبد الله بن قيس بن عباد البكري عامله بسرخس، والحسن بن زيد عامله بطوس، أن يمضيا إلى عامله عمرو بن زرارة، وهو على أبرشهر، وهو أمير عليهم، ثم يقاتلوا يحيى بن زيد.
قال: فأقبلوا إلى عمرو، وهو مقيم بأبرشهر فاجتمعوا معه فصار في زهاء عشرة آلاف. وخرج يحيى بن زيد وما معه إلا سبعون فارساً، فقاتلهم يحيى فهزمهم، وقتل عمرو بن زرارة، واستباح عسكره وأصاب منه دواب كثيرة، ثم اقبل حتى مر بهراة، وعليها المغلس بن زياد، فلم يعرض أحد منهما لصاحبه، وقطعها يحيى حتى نزل بأرض الجوزجان، فسرح إليه نصر بن سيار سلم بن أحور في ثمانية آلاف فارس من أهل الشام وغيرهم، فلحقه بقرية يقال لها ارغوى، وعلى الجوزجان يومئذ حماد بن عمرو السعيدي، ولحق بيحيى بن زيد أبو العجارم الحنفي، والخشخاش الأزدي فأخذ الخشخاش بعد ذلك نصر فقطع يديه ورجليه وقتله.
وعبأ سلم - لعنه الله - أصحابه فجعل سورة بن محمد الكندي على ميمنته، وحماد بن عمرو السعيدي على ميسرته.
وعبأ يحيى أصحابه على ما كان عبأهم عند قتال عمرو بن زرارة، فاقتتلوا ثلاثة أيام ولياليها أشد قتال، حتى قتل أصحاب يحيى كلهم، وأتت يحيى نشابة في جبهته، رماه رجل من موال عنزة يقال له عيسى، فوجده سورة بن محمد قتيلاً فاحتز رأسه.
وأخذ العنزي الذي قتله سلبه، وقميصه، فبقيا بعد ذلك حتى أدركهما أبو مسلم فقطع أيديهما وأرجلهما وقتلهما وصلبهما.
وصلب يحيى بن زيد على باب مدينة الجوزجان في وقت قتله - صلوات الله عليه ورضوانه.
حدثنا أبو الفرج علي بن الحسين، قال: حدثني أبو عبيد الصيرفي، قال: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار، قال: حدثنا سهل بن عامر، قال: حدثنا جعفر الأحمر، قال: رأيت يحيى بن زيد مصلوباً على باب الجوزجان.
قال عمرو بن عبد الغفار عن أبيه: فبعث برأسه إلى نصر بن سيار، فبعث به نصر إلى الوليد بن يزيد.(1/45)

9 / 36
ع
En
A+
A-