قالوا: وكان مسلم قد كتب إلى الحسين بأخذ البيعة له، واجتماع الناس عليه، وانتظارهم إياه، فأزمع الشخوص إلى الكوفة، ولقيه عبد الله بن الزبير في تلك الأيام ولم يكن شيء أثقل عليه من مكان الحسين بالحجاز، ولا أحب إليه من خروجه إلى العراق طمعاً في الوثوب بالحجاز، وعلماً بأن ذلك لا يتم له إلا بعد خروج الحسين، فقال له: على أي شيء عزمت يا أبا عبد الله؟ فأخبره برأيه في إتيان الكوفة، وأعلمه بما كتب به مسلم بن عقيل إليه، فقال له ابن الزبير: فما يحبسك، فوالله لو كان لي مثل شيعتك بالعراق ما تلومت في شيء، وقوى عزمه، ثم انصرف. وجاءه به عبد الله بن عباس وقد أجمع رأيه على الخروج، وحققه، فجعل يناشده في المقام، ويعظم عليه القول في ذم أهل الكوفة، وقال له: إنك تأتي قوماً قتلوا أباك، وطعنوا أخاك، وما أراهم إلا خاذليك، فقال له: هذه كتبهم معي، وهذا كتاب مسلم باجتماعهم، فقال له ابن عباس: أما إذا كنت لا بد فاعلاً فلا تخرج أحداً من ولدك، ولا حرمك ولا نسائك فخليق أن تقتل وهم ينظرون إليك كما قتل ابن عفان، فأبى ذلك ولم يقبله.
قال: فذكر من حضره يوم قتل وهو يلتفت إلى حرمه وإخوته وهن يخرجن من أخبيتهن جزعاً لقتل من يقتل معه وما يرينه به، ويقول: لله در ابن عباس فيما أشار علي به.
قال: فلما أبى الحسين قبول رأي ابن عباس قال له: والله لو أعلم أني إذا تشبثت بك وقبضت على مجامع ثوبك، وأدخلت يدي في شعرك حتى يجتمع الناس علي وعليك، كان ذلك نافعي لفعلته، ولكن اعلم أن الله بالغ أمره، ثم أرسل عينيه فبكى، وودع الحسين، وانصرف. ومضى الحسين لوجهه، ولقى ابن العباس بعد خروجه عبد الله بن الزبير فقال له:
يا لك من قبرةٍ بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري ... هذا الحسين خارجاً فاستبشري
فقال: قد خرج الحسين وخلت لك الحجاز.
قال أبو مخنف في حديثه خاصة عن رجاله: إن عبيد الله بن زياد وجه الحر بن يزيد ليأخذ الطريق على الحسين، فلما صار في بعض الطريق لقيه أعرابيان من بني أسد، فسألهما عن الخبر، فقالا له: يا ابن رسول الله، إن قلوب الناس معك، وسيوفهم عليك، فارجع، وأخبراه بقتل ابن عقيل وأصحابه، فاسترجع الحسين، فقال له بنو عقيل: لا نرجع والله أبداً أو ندرك ثأرنا أو نقتل بأجمعنا، فقال لمن كان لحق به من الأعراب: من كان منكم يريد الإنصراف عنا فهو في حل من بيعتنا. فانصرفوا عنه، وبقي في أهل بيته، ونفر من أصحابه.
ومضى حتى دنا من الحر بن يزيد، فلما عاين أصحابه العسكر من بعيد كبروا، فقال لهم الحسين: ما هذا التكبير؟ قالوا: رأينا النخل، فقال بعض أصحابه: ما بهذا الموضع والله نخل، ولا أحسبكم ترون إلا هوادي الخيل وأطراف الرماح، فقال الحسين: وأنا والله أرى ذلك؛ فمضوا لوجوههم، ولحقهم الحر بن يزيد في أصحابه، فقال للحسين: إني أمرت أن أنزلك في أي موضع لقيتك وأجعجع بك، ولا أتركك أن تزول من مكانك.
قال: إذاً أقاتلك، فاحذر أن تشقى بقتلي ثكلتك أمك. فقال: أما والله لو غيرك من العرب يقولها وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله كائناً من كان، ولكن والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه.
وأقبل يسير والحر يسايره ويمنعه من الرجوع من حيث جاء، ويمنع الحسين من دخول الكوفة، حتى نزل بأقساس مالك، وكتب الحر إلى عبيد الله يعلمه ذلك.
قال أبو مخنف: فحدثني عبد الرحمن بن جندب، عن عتبة بن سمعان الكلبي، قال: لما ارتحلنا من قصر ابن مقاتل، وسرنا ساعة خفق رأس الحسين خفقة ثم انتبه فأقبل يقول: " إنا لله، وإنا إليه راجعون " ، و " الحمد لله رب العالمين " مرتين. فأقبل إليه علي بن الحسين وهو على فرس فقال له: يا أبي جعلت فداك، مم استرجعت؟ وعلام حمدت الله؟ قال الحسين: يا بني، إنه عرض لي فارس على فرس فقال: القوم يسيرون، والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا، فقال: يا أبتاه لا أراك الله سوءً أبداً، ألسنا على الحق؟ قال: بلى والذي يرجع إليه العباد. فقال: يا أبت، فإذاً لا نبالي، قال: جزاك الله خير ما جزى ولد عن والده.(1/31)


قال: وكان عبيد الله بن زياد - لعنه الله - قد ولى عمر بن سعد الري، فلما بلغه الخبر وجه إليه أن سر إلى الحسين أولاً فاقتله، فإذا قتلته رجعت ومضيت إلى الري، فقال له: أعفني أيها الأمير. قال: قد أعفيتك من ذلك، ومن الري، قال: اتركني أنظر في أمري فتركه، فلما كان من الغد غدا عليه فوجه معه بالجيوش لقتال الحسين، فلما قاربه وتواقفوا قام الحسين في أصحابه خطيباً فقال: اللهم إنك تعلم أني لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت خيراً من أهل بيتي، فجزاكم الله خيراً فقد آزرتم وعاونتم، والقوم لا يريدون غيري، ولو قتلوني لم يبتغوا غيري أحداً، فإذا جنكم الليل فتفرقوا في سواده، وانجوا بأنفسكم.
فقال إليه العباس بن علي أخوه، وعلي ابنه، وبنو عقيل، فقالوا له: معاذ الله والشهر الحرام، فماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم، إنا تركنا سيدنا، وابن سيدنا وعمادنا، وتركناه غرضاً للنبل، ودريئة للرماح، وجزراً للسباع، وفررنا عنه رغبة في الحياة، معاذ الله، بل نحيا بحياتك، ونموت معك، فبكى وبكوا عليه، وجزاهم خيراً، ثم نزل - صلوات الله عليه - .
فحدثني عبد الله بن زيدان البجلي، قال: حدثنا محمد بن زيد التميمي، قال: حدثنا نصر بن مزاحم، عن أبي مخنف عن الحرث بن كعب، عن علي بن الحسين قال: إني والله لجالس مع أبي في تلك الليلة، وأنا عليل، وهو يعالج سهاماً له، وبين يديه جون مولى أبي ذي الغفار، إذا ارتجز الحسين:
يا دهر أفٍ لك من خليل ... كم لك في الإشراق والأصيل
من صاحب وماجد قتيل ... والدهر لا يقنع بالبديل
والأمر في ذاك إلى الجليل ... وكل حي سالك السبيل
قال: وأما أنا فسمعته ورددت عبرتي: وأما عمتي فسمعته دون النساء فلزمتها الرقة والجزع، فشقت ثوبها، ولطمت وجهها، وخرجت حاسرة تنادي: واثكلاه! واحزناه! ليت الموت أعدمني الحياة، يا حسيناه يا سيداه، يا بقية أهل بيتاه، استقلت ويئست من الحياة؛ اليوم مات جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمي فاطمة الزهراء، وأبي علي وأخي الحسن، يا بقية الماضين، وثمال الباقين.
فقال لها الحسين: يا أختي " لو ترك القطا لنام " .
قالت: فإنما تغتصب نفسك اغتصاباً، فذاك أكول لحزني وأشجى لقلبي؛ وخرت مغشياً عليها؛ فلم يزل يناشدها واحتملها حتى أدخلها الخباء.
رجع الحديث إلى مقتله
صلوات الله عليه قال: فوجه إلى عمر بن سعد - لعنه الله - فقال: ماذا تريدون مني؟ إني مخيركم ثلاثاً: بين أن تتركوني ألحق بيزيد، أو أرجع من حيث جئت، أو أمضي إلى بعض ثغور المسلمين فأقيم فيها.
ففرح ابن سعد بذلك، وظن أن ابن زياد - لعنه الله - يقبله منه، فوجه إليه رسولاً يعلمه ذلك، ويقول: لو سألك هذا بعض الديلم ولم تقبله ظلمته. فوجه إليه ابن زياد: طمعت يا ابن سعدٍ في الراحة، وركنت إلى دعة، ناجز الرجل وقاتله، ولا ترض منه إلا أن ينزل على حكمي.
فقال الحسين: معاذ الله أن أنزل على حكم ابن مرجانة أبداً، فوجه ابن زياد شمر بن ذي الجوشن الضبابي - أخزاه الله - إلى ابن سعد - لعنه الله - يستحثه لمناجزة الحسين، فلما كان في يوم الجمعة لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين، ناجزه ابن سعد - لعنه الله - فجعل أصحاب الحسين يتقدمون رجلاً رجلاً يقاتلون حتى قتلوا.
وقال المدائني، عن العباس بن محمد بن رزين، عن علي بن طلحة، وعن أبي مخنف، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن حميد بن مسلم، وقال عمر بن سعد البصري: عن أبي مخنف، عن زهير بن عبد الله الخثعمي، وحدثنيه أحمد بن سعيد، عن يحيى بن الحسن العلوي، عن بكر بن عبد الوهاب، عن إسماعيل بن أبي إدريس، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين: إن أول قتيل قتل من ولد أبي طالب مع الحسين ابنه علي، قال: فأخذ يشد على الناس وهو يقول:
أنا علي بن الحسين بن علي ... نحن وبيت الله أولى بالنبي
من شبث ذاك ومن شمر الدني ... أضربكم بالسيف حتى يلتوي
ضرب غلام هاشمي علوي ... ولا أزال اليوم أحمي عن أبي
والله لا يحكم فينا ابن الدعي(1/32)


ففعل ذلك مراراً، فنظر إليه مرة بن منقذ العبدي فقال: علي آثم العرب إن هو فعل مقل ما أراه يفعل، ومر بي أن أثكله أمه. فمر يشد على الناس ويقول كما كان يقول، فاعترضه مرة وطعنه بالرمح فصرعه، واعتوره الناس فقطعوه بأسيافهم.
وقال أبو مخنف: عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: سماع أذني يومئذٍ الحسين وهو يقول: قتل الله قوماً قتلوك يا بني، ما أجرأهم على الله، وعلى انتهاك حرمة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال: على الدنيا بعدك العفاء.
قال حميد: وكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي: يا حبيباه، يا ابن أخاه، فسألت عنها، فقالوا: هذه زينب بنت علي بن أبي طالب؛ ثم جاءت حتى انكبت عليه فجاءها الحسين فأخذ بيدها إلى الفسطاط، وأقبل إلى ابنه، وأقبل فتيانه إليه فقال: احملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه ذلك، ثم جاء به حتى وضعه بين يدي فسطاطه.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن العلوي، قال: حدثنا غير واحد، عن محمد بن عمير، عن أحمد بن عبد الرحمن البصري، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة عن سعيد بن ثابت، قال: لما برز علي بن الحسين إليهم، أرخى الحسين - صلوات الله عليه وسلامه - عينيه فبكى، ثم قال: اللهم كن أنت الشهيد عليهم، فبرز إليهم غلام أشبه الخلق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يشد عليهم ثم يرجع إلى أبيه فيقول: يا أباه، العطش، فيقول له الحسين: اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتى يسقيك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكأسه، وجعل يكر كرة بعد كرة، حتى رمى بسهم فوقع في حلقه فخرقه، وأقبل ينقلب في دمه، ثم نادى: يا أبتاه عليك السلام، هذا جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام، ويقول: عجل القدوم إلينا، وشهق شهقة فارق الدنيا.
قال أبو مخنف: فحدثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم قال: أحاطوا بالحسين عليه السلام، وأقبل غلام من أهله نحوه، وأخذته زينب بنت علي لتحبسه، فقال لها الحسين: احبسيه، فأبى الغلام، فجاء يعدوا إلى الحسين، فقام إلى جنبه، وأهوى أبحر بن كعب بالسيف إلى الحسين، فقال الغلام لأبجر: يا ابن الخبيثة أتقتل عمي؟ فضربه أبجر بالسيف، واتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلد. وبقيت معلقة بالجلد، فنادى الغلام: يا أمه، فأخذه الحسين فضمه إليه، وقال: يا ابن أخي احتسب فيما أصابك الثواب، فإن الله ملحقك بآبائك الصالحين، برسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن عليهم السلام.
قال: وجاء رجل حتى دخل عسكر الحسين، فجاء إلى رجل من أصحابه فقال له: إن خبر ابنك فلان وافى، إن الديلم أسروه، فتنصرف معي حتى نسعى في فدائه، فقال: حتى أصنع ماذا؟ عند الله أحتسبه ونفسي، فقال له الحسين: انصرف وأنت في حل من بيعتي، وأنا أعطيك فداء ابنك. فقال: هيهات أن أفارقك ثم أسأل الركبان عن خبرك. لا يكون والله هذا أبداً، ولا أفارقك، ثم حمل على القوم فقاتل حتى قتل رحمة الله عليه ورضوانه.
قال: وجعل الحسين يطلب الماء، وشمر - لعنه الله - يقول له: والله لا ترده أو ترد النار، فقال له رجل: ألا ترى إلى الفرات يا حسين كأنه بطوان الحيات، والله لا تذوقه أو تموت عطشاً، فقال الحسين: اللهم أمته عطشاً.
قال: والله لقد كان هذا الرجل يقول: اسقوني ماء، فيؤتى بماء، فيشرب حتى يخرج من فيه وهو يقول: اسقوني، قتلني العطش، فلم يزل كذلك حتى مات.
قال أبو مخنف: فحدثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال:(1/33)


لما اشتد العطش على الحسين دعا أخاه العباس بن علي، فبعثه في ثلاثين راكباً وثلاثين راجلاً، وبعث معه بعشرين قربة، فجاءوا حتى دنوا الماء فاستقدم أمامهم نافع بن هلال الجملي، فقال له عمرو بن الحجاج: من الرجل؟ قال: نافع بن هلال، قال: مرحباً بك يا أخي ما جاء بك؟ قال: جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه، قال: اشرب، قال: لا والله لا أشرب منه قطرة والحسين عطشان. فقال له عمرو: لا سبيل إلى ما أردتم، إنما وضعونا بهذا المكان لنمنعكم من الماء، فلما دنا منه أصحابه قال للرجالة: إملأوا قربكم، فشدت الرجالة فدخلت الشريعة فملأوا قربهم، ثم خرجوا، ونازعهم عمرو بن الحجاج وأصحابه، فحمل عليهم العباس بن علي، ونافع بن هلال الجملي جميعاً، فكشفوه، ثم انصرفوا إلى رحالهم، وقالوا للرجالة: انصرفوا. فجاء أصحاب الحسين بالقرب حتى أدخلوها عليه.
قال المدائني: فحدثني أبو غسان، عن هارون بن سعد، عن القاسم بن الأصبغ ابن نباتة، قال: رأيت رجلاً من بني أبان بن دارم أسود الوجه، وكنت أعرفه جميلاً، شديد البياض، فقلت له: ما كدت أعرفك، قال: إني قتلت شاباً أمرد مع الحسين، بين عينيه أثر السجود، فما نمت ليلة منذ قتلته إلا أتاني فيأخذ بتلابيبي حتى يأتي جهنم فيدفعني فيها، فأصيح، فما يبقى أحد في الحي إلا سمع صياحي.
قال: والمقتول العباس بن علي - عليه السلام - .
قال المدائني. فحدثني مخلد بن حمزة بن بيض، وحباب بن موسى، عن حمزة بن بيض، قال حدثني هانئ بن ثبيت القايضي زمن خالد، قال: قال: كنت ممن شهد الحسين، فإني لواقف على خيول إذ خرج غلام من آل الحسين مذعوراً يلتفت يميناً وشمالاً، فأقبل رجل منا يركض حتى دنا منه، فمال عن فرسه، فضربه فقتله.
قال: وحمل شمر - لعنه الله - على عسكر الحسين، فجاء إلى فسطاطه لينهبه، فقال له الحسين: يولكم، إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في الدنيا، فرحلى لكم عن ساحة مباح، قال: فاستحيا ورجع.
قال: وجعل الحسين يقاتل بنفسه، وقد قتل ولده وأخوته وبنو أخيه وبنو عمه فلم يبق منهم أحد، وحمل عليه ذرعة بن شريك - لعنه الله - ، فضرب كتفه اليسرى فسقطت - صلوات الله عليه - . وقتله أبو الجنوب زياد بن عبد الرحمن الجعفي، والقثعم، وصالح بن وهب اليزني وخولى بن يزيد، كل قد ضربه وشرك فيه.
ونزل سنان بن أنس النخعي فاحتز رأسه.
ويقال: إن الذي أجهز عليه شمر بن ذي الجوشن الضبابي لعنه الله.
وحمل خولي بن يزيد رأسه إلى عبيد الله بن زياد.
وأمر ابن زياد - لعنه الله، وغضب عليه - أن يوطأ صدر الحسين، وظهره وجنبه ووجهه فأجريت الخيل عليه.
وحمل أهله أسرى وفيهم، عمر، وزيد، والحسن بنو الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وكان الحسن بن الحسن بن علي قد ارتث جريحاً فحمل معهم، وعلي بن الحسين الذي أمه أم ولد، وزينب العقيلة، وأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وسكينة بنت الحسين لما أدخلوا على يزيد - لعنه الله - أقبل قاتل الحسين بن علي يقول:
أوقر ركابي فضة أو ذهبا ... فقد قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أماً وأباً ... وخيرهم إذ ينسبون نسبا
ووضع الرأس بين يدي يزيد - لعنه الله - في طست، فجعل ينكته على ثناياه بالقضيب وهو يقول:
نفلق هاماً من رجال أعزة ... علينا وهم كانوا أعق وأظلما
وقد قيل: إن ابن زياد - لعنه الله فعل ذلك.
وقيل: إنه تمثل أيضاً والرأس بين يديه بقول عبد الله بن الزبعري:
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرم من أشياخهم ... وعدلناه ببدر فاعتدل
ثم دعا يزيد - لعنه الله - بعلي بن الحسين، فقال: ما اسمك؟ فقال: علي بن الحسين، قال: أو لم يقتل الله علي بن الحسين، قال: قد كان لي أخ أكبر مني يسمونه علياً، فقتلتموه. قال: بل الله قتله، قال علي: " الله يتوفى الأنفس حين موتها " ، قال له يزيد: " وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم " فقال علي: " ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختالٍ فخور " .
قال: فوثب رجل من أهل الشام فقال: دعني أقتله، فألقت زينب نفسها عليه.(1/34)


فقام رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه أتخذها أمة.
قال: فقالت له زينب: لا ولا كرامة، ليس لك ذلك، ولا له إلا أن يزيد حسبك من دمائنا.
وقال علي بن الحسين: إن كان لك بهؤلاء النسوة رحم، وأردت قتلي فابعث معهن أحداً يؤديهن. فرق له وقال: لا يؤديهن غيرك.
ثم أمره أن يصعد المنبر فيخطب فيعذر إلى الناس مما كان من أبيه فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي، أنا علي بن الحسين، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، أنا ابن السراج المنير. وهي خطبة طويلة كرهت الإكثار بذكرها، وذكر نظائرها.
ثم أمره يزيد، بالشخوص إلى المدينة مع النسوة من أهله وسائر بني عمه، فانصرف بهم.
وقال سليمان بن قتة يرثي الحسين:
مررت على أبيات آل محمد ... فلم أرها أمثالها يوم حلت
ألم تر أن الشمس أصحت مريضة ... لفقد حسين والبلاد اقشعرت
وكانوا رجاءً ثم صاروا رزية ... لقد عظمت تلك الرزايا وجلت
أتسألنا قيس فنعطي فقيرها ... وتقتلنا قيسٌ إذا النعل زلت
وعند غني قطرةٌ من دمائنا ... سنطلبها يوماً بها حيث حلت
فلا يبعد الله الديار وأهلها ... وإن أصبحت منهم برغمي تخلت
فإن قتيل الطف من آل هاشم ... أذل رقاب المسلمين فذلت
قال: أبو الفرج: وقد رثى الحسين بن علي - صلوات الله عليه - جماعة من متأخري الشعراء أستغني عن ذكرهم في هذا الموضع كراهية الإطالة.
وأما من تقدم فما وقع إلينا شيء رثى به، وكانت الشعراء لا تقدم على ذلك مخافة من بني أمية، وخشية منهم.
وهذا آخر ما أخبرنا به من مقتله - صلوات الله عليه ورضوانه وسلامه - .
أبو بكر بن عبد الله بن جعفر
وأبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام.
لا يعرف اسمه؛ وأمه الخوصاء بنت حفصة بن بكر بن وائل.
حدثنا أحمد بن محمد بن شبيب، قال: حدثنا أحمد بن الحرث الخراز، عن المدائني، قال: قتل أبو بكر بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يوم الحرة في الوقعة بين مسرف ابن عقبة وبين أهل المدينة.
عون بن عبد الله بن جعفر الأصغر
وعون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
وهو عون الأصغر، والأكبر قتل مع الحسين بن علي.
وأم عون هذا جمانة بنت المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رياح بن عوف بن هلال بن ربيعة بن شمخ بن فزارة.
وأمها من بني مرة بن عوف الفزاري.
والمسيب أحد أمراء التوابين الذين دعوا إلى الخروج على ابن زياد - لعنه الله - والطلب بدم الحسين، فقتلوا بعين الوردة، وله صحبة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد شهد معه مشاهده.
وقتل عون يوم الحرة حرة واقم، قتله أصحاب مسرف بن عقبة، أخبرني بذلك أحمد بن محمد بن شبيب، عن الخراز، عن علي بن نجم المدائني.
عبيد الله بن علي
وعبيد الله بن علي بن أبي طالب، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم بن حنظلة.
قتله أصحاب المختار بن أبي عبيدة يوم المذار، وكان صار إلى المختار فسأله أن يدعو إليه ويجعل الأمر له، فلم يفعل، فخرج فحلق بمصعب بن الزبير فقتل في الوقعة وهو لا يعرف.
عبد الله بن محمد بن علي
وعبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب.
ويكنى أبا هاشم، وأمه أم ولد، تدعى نائلة.
وكان لسناً خصماً عالماً، وكان وصي أبيه، وهو الذي يزعم الشيعة من أهل خراسان أنه ورث الوصية عن أبيه، وأنه كان الإمام، وأنه أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وأوصى محمد إلى إبراهيم الإمام، فصارت الوصية في بني العباس من تلك الجهة.
ودس سليمان بن عبد الملك سماً إليه، فمات منه بالحميمة من أرض الشام.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني عبيد الله بن حمزة، وذكر ذلك محمد بن علي بن حمزة، عن المدائني، عن غسان بن عبد الحميد قال:(1/35)

7 / 36
ع
En
A+
A-