كان بين علي وفاطمة شيء فجاء رسول الله " ص " " 10 " يلتمس عليا فلم يجده، فقال لفاطمة: أين هو؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فخرج من عندي وهو غضبان، فالتمسه رسول الله " ص " فوجده في المسجد راقداً وقد زال رداؤه عنه وأصابه التراب، فأيقظه رسول الله " ص " وجعل يمسح التراب عن ظهره وقال له: اجلس فإنما أنت أبو تراب. وكنا نمدح عليا إذا قلنا له أبو تراب.
فحدثني علي بن إسحاق، قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال حدثنا خالد بن مخلد، قال حدثنا سلمان بن بلال، قال حدثني أبو حازم بن دينار، قال سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول: إن كان لأحب أسماء علي إليه أبو تراب، وإن كان ليفرح أن يدعى بها، وما سماه بذلك إلا رسول الله " ص " .
وكان رسول الله " ص " أخذ عليا من أبيه وهو صغير في سنة أصابت قريشاً وقحط نالهم، وأخذ حمزة حعفراً، وأخذ العباس طالباً ليكفوا أباهم مؤنتهم ويخففوا عنه ثقلهم، وأخذ هو عقيلاً لميله كان إليه فقال رسول الله " ص " : اخترت من اختار الله لي عليكم علياً.
حدثني بذلك أحمد بن الجعد الوشاء قال حدثنا عبد الرحمن بن صالح، قال حدثنا علي بن عابس عن هرون بن سعد عن زيد بن علي.
وكانت سنه يوم أسلم إحدى عشرة سنة على أصح ما ورد من الأخبار في إسلامه، وقد قيل ثلاث عشر سنة، وقيل سبع سنين. والثابت إحدى عشرة، لأن رسول الله " ص " بعث وهذه سنوه فأقام معه بمكة ثلاث عشرة، وبالمدينة عشراً. وعاش بعد رسول الله " ص " ثلاثين سنة تنقص شهوراً. وقال في خطبته التي حدثني بها العباس بن علي النسائي وغيره، قالوا حدثنا محمد بن حسان الأزرق قال حدثنا شبابة بن سوار قال حدثنا قيس بن الربيع عن عمرو بن قيس الملائي عن أبي صادق: إنه عليه السلام خطب الناس وقد بلغه خبر غارة الغامدي على الأنبار فقال في خطبته: لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، ويحهم وهل فيهم أشد مراساً لها مني ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟. والله لقد دخلت فيها وأنا ابن عشرين سنة، وأنا الآن قد نيفت على الستين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.
وكان عليه السلام أسمر مربوعاً وهو إلى القصر أقرب عظيم البطن دقيق الأصابع غليظ الذراعين، حمش الساقين، في عينيه لين، عظيم اللحية " 11 " ، أصلع ناتئ الجبهة.
قال أبو الفرج: وصفته هذه وردت بها الروايات متفرقة فجمعتها، وأتم ما ورد فيها من الأخبار حديث حدثني به أحمد بن الجعد وعبد الله بن محمد البغوي قالا: حدثنا سويد بن سعيد، قال حدثنا داود بن عبد الجبار عن أبي إسحاق، قال: أدخلني أبي المسجد يوم الجمعة فرفعني فرأيت علياً يخطب على المنبر شيخاً أصلع ناتئ الجبهة عريض ما بين المنكبين له لحية قد ملأت صدره في عينه اطر غشاش، قال داود يعني ليناً في العين. قال فقلت لأبي: من هذا يا أبه؟ فقال هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله " ص " وأخو رسول الله ووصي رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله ورضوانه وسلامه عليه.
قال أبو الفرج: وقد أتينا على صدر من أخباره فيه مقنع. وفضائله عليه السلام أكثر من أن تحصى، والقليل منها لا موقع له في مثل هذا الكتاب، والإكثار يخرجنا عما شرطناه من الاختصار، وإنما ننبه على من خمل عند بعض الناس ذكره أو لم يشع فيهم فضله. فأمير المؤمنين عليه السلام بإجماع المخالف والممالي، والمضاد والموالي، على ما لا يمكن غمطه ولا ينساغ ستره من فضائله المشهورة في العامة لا المكتوبة عند الخاصة تغني عن تفضيله بقول والاستشهاد عليه برواية.
؟؟؟؟؟؟؟؟ثم نعود إلى ذكر خبر مقتله
والسبب فيه حدثني به أحمد بن عيسى العجلي العطار قال حدثني الحسين بن نصر بن مزاحم قال حدثنا زيد بن المعذل النمري قال حدثنا يحيى بن سعيد الجزار عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد.(1/6)


" عن عبد الرحمن بن عبيد الله عن جماعة " . من الرواة قد ثبت ما رووه في مواضعة وحدثني أيضاً بمقتله عليه السلام محمد بن الحسين الأشناني قال حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الحراني قال حدثنا إسماعيل بن راشد ودخل حديثه في حديث من قدمت ذكره، وحدثنا ببعضه أحمد بن محمد بن دلان الخيشي وأحمد بن الجعد الوشاء ومحمد بن جرير الطبري وجماعة غيرهم قالوا حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا أبو حباب قال حدثنا أبو عون الثقفي عن أبي عبد الرحمن السلمي حديثاً ذكر فيه مقتله فأتيت بأشياء منه في مواضعها من سياقة الأحاديث، وأكثر اللفظ في ذلك لأبي مخنف، إلا ما عسى أن يقع فيه خلاف فأبينه قال: اجتمع بمكة نفر من الخوارج فتذاكروا أمر المسلمين فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم " 12 " وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم وقال بعضهم لبعض فلو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال وطلبنا غرتهم فأرحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا بإخواننا الشهداء بالنهروان، فتعاقدوا على ذلك عند انقضاء الحج، فقال عبد الرحمن بن ملحم لعنه الله أنا أكفيكم علياً، وقال أحد الآخرين: أنا أكفيكم معاوية، وقال الثالث: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، فتعاقدوا وتواثقوا على الوفاء ألا ينكل واحد منهم عن صاحبه الذي يتوجه إليه ولا عن قتله واتعدوا لشهر رمضان في الليلة التي قتل فيها ابن ملحم علياً عليه السلام.
قال أبو مخنف قال أبو زهير العبسي: الرجلان الآخران، البرك بن عبد الله التميمي وهو صاحب معاوية، والآخر عمرو بن بكر التميمي وهو صاحب عمرو بن العاص.
فأما صاحب معاوية فإنه قصده فلما وقعت عينه عليه ضربه فوقعت ضربته في إليته، وأخذ، فجاء الطبيب إليه فنظر إلى الضربة، فقال اسماعيل بن راشد في حديثه: فقال: إن السيف مسموم فاختر إما أن أحمي لك حديدة فأجعلها في الضربة فتبرأ وإما أن أسقيك دواء فتبرأ وينقطع نسلك. قال أما النار فلا أطيقها، وأما النسل ففي يزيد وعبد الله ما يقر عيني وحسبي بهما، فسقاه الدواء، فعوفي وعالج جرحه حتى التأم ولم يولد له بعد ذلك.
قال وقال له البرك بن عبد الله إن لك عندي بشارة، قال: وما هي؟ فأخبره بخبر صاحبيه، وقال له: إن علياً يقتل في هذه الليلة فاحبسني عندك فإن قتل فأنت ولي ما تراه في أمري، وإن لم يقتل أعطيتك العهود والمواثيق أن أمضي فأقتله ثم أعود إليك فأضع يدي في يدك حتى تحكم في بما تراه، فحبسه عنده، فلما أتاه أن علياً قد قتل خلى سبيله.
وقال غيره من الرواة بل قتله من وقته.
قال وأما صاحب عمرو بن العاص فإنه وافاه في تلك الليلة وقد وجد علة فأخذ دواء واستحلف رجلاً يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حبيبة أحد بني عامر بن لؤي، فخرج للصلاة وشد عليه عمرو بن بكر فضربه بسيفه فأثبته، وأخذ الرجل فأتى به عمرو العاص فقتله، ودخل من غد إلى خارجة وهو يجود بنفسه ققال له: أما والله أبا عبد الله ما أراد غيرك، قال عمرو: ولكن الله أراد خارجة.
رجع الحديث إلى خبر ابن ملجم لعنه الله. فحدثني محمد بن الحسين الأشناني وغيره قالوا حدثنا علي بن المنذر الطريقي قال حدثنا ابن فضيل قال حدثنا فطر " 13 " عن أبي الطفيل قال: جمع أمير المؤمنين علي الناس للبيعة فجاء عبد الرحمن بن ملجم فرده مرتين أو ثلاثاً ثم بايعه، فقال له علي: ما يحبس أشقاها؟ فوالذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذه، ثم قال:
أشدد حيازيمك للمو ... ت فإن الموت لاقيك
ولا تجزع من المو ... ت إذا حل بواديك
قال: وروى غيره أن علياً أعطى الناس فلما بلغ إلى ابن ملجم قال:
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
أخبرنا الحسن بن علي الوشا في كتابه إلي قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا فطر عن أبي الطفيل بنحو من هذا الحديث.(1/7)


حدثني أحمد بن عيسى العجلي قال حدثنا الحسين بن نصر بن مزاحم قال حدثنا زيد بن المعذل عن يحيى بن شعيب عن أبي مخنف عن أبي زهير العبسي قال: كان ابن ملجم من مراد وعداده في كندة فأقبل حتى قدم الكوفة فلقي بها أصحابه وكتمهم أمره وطوى عنهم ما تعاقد هو وأصحابه عليه بمكة من قتل أمراء المسلمين مخافة أن ينشر منه شيء وأنه زار رجلاً من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب فصادف عنده قطام بنت الأخضر بن شجنة من تيم الرباب، وكان علي قتل أباها وأخاها بالنهروان، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فلما رآها ابن ملجم لعنه الله شغف بها واشتد إعجابه، فخبر خبرها فخطبها فقالت له: ما الذي تسمى لي من الصداق فقال لها؟ احتكمي ما بدا لك. فقالت:أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفاً وخادماُ وقتل علي بن أبي طالب، فقال لها: لك جميع ما سألت، فأما قتل علي فأنى لي بذلك؟ فقالت: تلتمس غرته فإن أنت قتلته شفيت نفسي وهنأك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير لك من الدنيا، قال لها: أما والله أقدمني هذا المصر وقد كنت هارباً منه لا آمن مع أهله إلا ما سألتني من قتل علي، فلك ما سألت، قالت له: فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقويك ثم بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب فخبرته الخبر وسألته معونة ابن ملجم لعنه الله، فتحمل ذلك لها، وخرج ابن ملجم فأتى رجلاً من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له: يا شبيب، هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ قال: وما هو قال تساعدني على قتل علي بن أبي طالب، وكان شبيب على رأي الخوارج، فقال له: يا بن ملجم هبلتك الهبول. لقد جئت شيئاً إدا، وكيف تقدر على ذلك؟ قال له ابن ملجم: نكمن له في المسجد الأعظم فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به فقتلناه، فإذا نحن قتلناه شفينا وأدركنا ثأرنا، فلم يزل به حتى أجابه، فأقبل معه حتى دخل على قطام وهي معتكفة في المسجد الأعظم قد ضربت عليها قبة، فقالا لها: قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل " 14 " .
قالت لهما: فإذا أردتما ذلك فألقياني في هذا الموضع. فانصرفا من عندها فلبثا أياماً. ثم أتياها ليلة الجمعة لتسع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربعين. هكذا في حديث أبي مخنف، وفي حديث أبي عبد الرحمن السلمي أنها كانت ليلة سبع عشرة خلت من شهر رمضان، وهو أصح. فقال لها ابن ملجم: هذه الليلة التي واعدت فيها صاحبي وواعدني أن يقتل كل واحد منا صاحبه الذي يتوجه إليه. فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم، وتقلدوا سيفهم، ومضوا فجلسوا مما يلي السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين إلى الصلاة.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثنا الحسين بن نصر، قال: حدثنا زيد بن المعذل، عن يحيى بن شعيب، عن أبي مخنف، عن الأسود والأجلح أن ابن ملجم أتى إلى الأشعث بن قيس - لعنهما الله - في الليلة التي أراد فيها بعلي ما أراد، والأشعث في بعض نواحي المسجد. فسمع حجر بن عدي الأشعث يقول لابن ملجم - لعنه الله - النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح فقال له حجر: قتلته يا أعور. وخرج مبادراً إلى علي وأسرج دابته وسبقه ابن ملجم - لعنه الله - فضرب علياً. وأقبل حجر والناس يقولون: قتل أمير المؤمنين.
قال أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني: وللأشعث بن قيس في انحرافه عن أمير المؤمنين - عليه السلام - أخبار يطول شرحها منها ما حدثنيه محمد بن الحسين الأشناني قال: حدثنا إسما عيل بن موسى بن بنت السدي قال: حدثنا علي بن مسهر، عن الأجلح عن موسى بن أبي النعمان قال: جاء الأشعث إلى علي يستأذن عليه فرده قنبر، فأدمى الأشعث أنفه. فخرج علي وهو يقول: مالي ولك يا أشعث، أما والله لو بعبد ثقيف تمرست لاقشعرت شعيراتك، قيل: يا أمير المؤمنين ومن غلام ثقيف؟ قال: غلام يليهم لا يبقى أهل بيت من العرب إلا أدخلهم ذلاً. قيل: يا أمير المؤمنين: كم يلي؟ وكم يمكث؟ قال: عشرين إن بلغها.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني. قال: حدثني إسماعيل بن موسى. قال: حدثني رجل، عن سفيان بن عيينة، عن جعفر بن محمد قال: حدثني امرأة منا قالت: رأيت الأشعث بن قيس دخل على علي - عليه السلام - فأغلظ له علي، فعرض له الأشعث بأن يفتك به. فقال له علي عليه السلام: أبالموت تهددني، فو الله ما أبالي وقعت على الموت، أو وقع الموت علي.(1/8)


حدثني أبو عبيد محمد بن أحمد بن الؤمل الصيرفي بهذين الحدبثين، عن فضل المصري عن إسماعيل " ابن بنت السدي " .
رجع الحديث إلى مقتل أمير المؤمنين.
قال أبو مخنف: فحدثني أبي عن عبد الله بن محمد الأزدي، قال: إني لأصلي تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أول الليل إلى آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة قياماً وقعوداً، وركوعاً وسجوداً، ما يسأمون، إذ خرج على صلاة الفجر، فأقبل ينادي: الصلاة الصلاة، فما أدري أنادى أم رأيت بريق السيف؟ وسمعت قائلاً يقول: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك، ثم رأيت بريق سيف آخر ثانياً وسمعت علياً يقول: لايفوتنكم الرجل.
وقال إسماعيل بن راشد في حديثه، ووافقه في معناه حديث أبي عبد الرحمن السلمي أن شبيب بن بجرة ضربه فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق، وضربه ابن ملجم - لعنه الله - فأثبت الضربة في وسط رأسه.
وقال عبد الله بن محمد الأزدي في حديثه: وشد الناس عليه من كل ناحية حتى أخذوه.
قال أبو مخنف: فذكرت همدان أن رجلاً منهم يكنى أبا أدماء من مرهبة أخذه، وقال يزيد بن أبي زياد: أخذه المغيرة بن الحرث بن عبد المطلب طرح عليه قطيفة ثم صرعه. وأخذ السيف من يده وجاء به.
وأما شبيب بن بجرة فإنه خرج هارباً، فأخذه رجل فصرعه؛ وجلس على صدره وأخذ السيف من يده ليقتله، فرأى الناس يقصدون نحوه، فخشي أن يعجلوا عليه ولا يسمعوا منه، فوثب عن صدره وخلاه، وطرح السيف من يده. ومضى الرجل هارباً حتى دخل منزله. ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره، فقال له: ما هذا؟ لعلك قتلت أمير المؤمنين، فأراد أن يقول: لا، فقال: نعم. فمضى ابن عمه فاشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه حتى قتله.
قال أبو مخنف: فحدثني أبي، عن عبد الله بن محمد الأزدي، قال: ادخل ابن ملجم لعنه الله على علي، ودخلت عليه فيمن دخل، فسمعت علياً يقول: النفس بالنفس إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وإن سلمت رأيت فيه رأيي، فقال ابن ملجم - لعنه الله - والله لقد ابتعته بألف، وسممته بألف، فإن خانني فأبعده الله. قال: ونادته أم كلثوم: يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين.
قال: إنما قتلت أباك. قالت يا عدو الله. إني لأرجو أن ألا يكون عليه بأس. قال لها: فأراك إنما تبكين علياً. إذا والله لقد ضربته ضربة لو قسمت بين أهل الأرض لأهلكتهم.
قال وأخرج ابن ملجم - لعنه الله - وهو يقول: قال إسماعيل بن راشد في حديثه والشعر لابن أبي مياس الفزاري:
ونحن ضربنا يا بنة الخير إذ طغى ... أبا حسن مأمومة فتقطر
هذا البيت لأبي مخنف وحده، وزاد إسماعيل هذين البيتين:
ونحن خلعنا ملكه عن نظامه ... بضربة سيف إذ علا وتجبرا
ونحن كرام في الصباح أعزة ... إذا المرء بالموت ارتدى وتأزرا
قال أبو مخنف: فحدثني بعض أصحابنا، عن صالح بن ميثم، عن أخيه عمران قال: لقد رأيت الناس حين انصرفوا من صلاة الصبح أتوا بابن مخنف لعنه الله ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع وهم يقولون له: يا عدو الله، ماذا فعلت؟ أهلكت أمة محمد " ص " ، وقتلت خير الناس. وإنه لصامت ما ينطق.
قال أبو ملجم: وحدثني معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل أن صعصعة بن صوحان استأذن على أمير المؤمنين علي وقد أتاه عائداً، فلم يكن له عليه إذن، فقال صعصعة للآذن: قل له يرحمك الله يا أمير المؤمنين حياً وميتاً، فو الله لقد كان الله في صدرك عظيماً، ولقد كنت بذات الله عليماً، فأبلغه الآذن مقالة صعصعة، فقال له علي: قل له وأنت يرحمك الله، فلقد كنت خفيف المؤونة، كثير المعونة.
قال: وقال رجل يذكر أمر قطام وابن ملجم لعنهما الله وقال محمد بن " الحسين الأشناني " في حديثه عن المسروقي وهو ابن أبي مياس " الفزاري " :
فلم أر مهراً ساقه ذو سماحة ... كمهر قطام من فصيح وأعجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وضرب علي بالحسام المصمم
ولا مهر أغلى من علي وإن علا ... ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
وأنشدنا حبيب بن نصر المهلبي، قال: أنشدنا الرياشي أحسبه عن أبي عبيدة لعمران بن حطان - لعنه الله - يمدح ابن ملجم لعنه الله وغضب عليهما بقتل أمير المؤمنين عليه السلام:(1/9)


يا ضربة من كمي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً
أني لأفكر فيه ثم أحسبه ... أو في البرية عند الله ميزاناً
كذب. لعنهما الله وعذبهما.
حدثني أحمد بن عيسى، قال: حدثني الحسن بن نصر، قال: حدثنا زيد بن المعذل، عن يحيى بن شعيب، عن أبي مخنف، قال: حدثني عطية بن الحرث، عن عمر بن تميم وعمرو بن أبي بكار أن علياً لما ضرب جمع له أطباء الكوفة فلم يكن منهم أحدُ أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هانئ السكوني، وكان متطبباً صاحب كرسي يعالج الجراحات، وكان من الأربعين غلاماً الذين كان خالد بن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم، وإن أثيراً لما نظر إلى جرح أمير المؤمنين - عليه السلام - دعا برئة شاة حارة واستخرج عرقاً منها، فأدخله في الجرح ثم استخرجه فإذا عليه بياض الدماغ فقال له: يا أمير المؤمنين إعهد عهدك فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلى أم رأسك. فدعا علي عند ذلك بصحيفة ودواة وكتب وصيته.
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. أوصى بأنه يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركين، صلوات الله وبركاته عليه.
" إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " .
أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي هذا بتقوى الله ربنا ولا تموتن وإلا أنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، فإني سمعت رسول الله يقول: إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، وإن المبيدة الحالقة للدين فساد ذات البين. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
انظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب. الله الله في الأيتام فلا تغيرن أفواههم بجفوتكم، والله الله في جيرانكم فإنها وصية رسول الله " ص " ما زال يوصينا بهم ظننا أنه سيورثهم.
والله الله في القرآن فلا يسبقنكم إلى العمل به غيركم، والله الله في الصلاة فإنها عماد دينكم.
والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا وإنه إن خلا منكم لم تنظروا.
والله الله في صيام شهر رمضان فإنه جنة من النار، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم والله الله في زكاة أموالكم فإنها تطفىء غضب ربكم والله الله في أمة نبيكم فلا يظلمن بين أظهركم والله الله في أصحاب نبيكم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بهم.
والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم، والله الله فيما ملكت أيمانكم " فإنها كانت آخر وصية رسول الله " ص " إذ قال: أوصيكم بالضعيفين فيما ملكت أيمانكم " .
ثم قال: الصلاة الصلاة. لا تخافوا في الله لومة لائم فإنه يكفكم من بغى عليكم وأرادكم بسوء قولوا للناس حسناً كما أمركم الله، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الأمر عنكم وتدعون فلا يستجاب لكم.
عليكم بالتواضع والتباذل والتبار، وإياكم والتقاطع والتفرق والتدابر: " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب " حفظكم الله من إهل بيت، وحفظ فيكم نبيه، استودعكم الله خير مستودع وأقرأ عليكم سلام الله ورحمته.
حدثني أحمد بن محمد بن دلان، وأحمد بن الجعد، ومحمد بن جرير الطبري، قالوا: حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثني أبو جناب، قال: حدثني أبو عون الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن الحسن بن علي قال: خرجت أنا وأبي نصلي في هذا المسجد، فقال لي: يا بني، إني بت الليلة أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة يوم بدر لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان فملكتني عيناي، فسنح لي رسول الله " ص " ، فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ فقال لي: ادع عليهم. فقلت: " اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو شر لهم مني " ، وجاء ابن النباح. فآذنه بالصلاة فخرج وخرجت خلفه فاعتروه الرجلان فأما أحدُ فوقعت ضربته في الطاق، وأما الآخر فأثبتها في رأسه.
" قال أبو الفرج الأود العوج، واللد الخصومات " :(1/10)

2 / 36
ع
En
A+
A-