قال: فسمعت جميلاً مولى محمد بن أبي العباس يقول للعباس بن سلم: لو لم يورثك أبوك إلا خواتيم من قتل من أهل الكوفة لكنت أيسر الأبناء.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني سهل بن عقيل قال: حدثني أبي، قال: كان سفيان بن معاوية بن يزيد بن مهلب قدم إلى إبراهيم على أمره، وكان سفيان عامل أبي جعفر على البصرة، فكان يرسل إلى قائدين قدما عليه، يدعيان ابني عقيل، بعثهما أبو جعفر ردءاً له فيكونان عنده. فلما وعده إبراهيم أرسل إليهما فاحتبسهما تلك الليلة، حتى خرج فأحاط به وبهما، وأخذهم.
حدثنا يحيى بن علي قال: حدثنا أبو زيد قال: حدثني عمر بن خالد مولى بني ليث، قال: استلبت وأنا غلام دوامةً من غلام، فاتبعني، وسعيت فدخلت دار أبي مروان فوجدت إبراهيم جالساً في جماعة من أصحابه محتبياً بحمالة سيف - وهي نسعة مدنية عرضها أكثر من إصبع - ورجل قائم على رأسه، ودابة تعرض عليه، وذلك قبل خروجه بشهر، فلما كانت الليلة التي خرج فيها سمعنا تكبيرةً بعد المغرب بهنيهة، ثم تتابع التكبير وخرجوا حتى صاروا إلى مقبرة يشكر، وفيها قصب يباع، فأقاموا في كل ناحية من المقبرة أطناناً، ثم ألهبوا فيها النار، فأضاءت المقبرة. وجعل أصحابهم الذين كانوا وعدوهم يأتونهم، فكلما جاءت طائفة كبروا حتى تم لهم ما أرادوا، ثم مضوا إلى دار الإمامة، بعدما ذهبت طائفة من الليل.
حدثنا يحيى بن علي بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا نصر بن قديد، قال: خرج إبراهيم ليلة الاثنين غرة شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، فصار إلى بني يشكر، في أربعة عشر فارساً، وفيهم عبد الله بن يحيى بن حصين الرقاشي على برذون له أغر سمند، معتم بعمامة سوداء، يساير إبراهيم، فوقف في المقبرة منذ أول الليل إلى نحو من نصفه ينتظر نميلة، ومن وعده من شق بني تميم حتى جاؤوه.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا يونس بن نجدة، قال: ألقى أصحاب إبراهيم النار في الرحبة، وأدنى القصر حتى أحرقوه.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا عبد الله بن سنان، قال: وجه أبو جعفر بن توبه في جماعة كثيرة، فلما أطاف إبراهيم بدار الإمارة وجد دواب جابر وأصحابه، وهي سبعمائة، فأخذها واستعان بها.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا أبو عاصم النبيل، قال: نزل سفيان بن معاوية من دار الإمارة ومن معه إلى إبراهيم على الأمان، فتركهم.
حدثنا يحيى بن علي بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عمر بن خالد الليثي، قال: دخل الناس دار الإمارة فلم يروا فيها إلا مسحاً أسود فتقطعه الناس ينتهبونه، وخرج إبراهيم إلى المسجد.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني محمد بن مسعر، قال: لما دخل إبراهيم دار الإمارة فدخلت معهم فنظرت إلى حصيرة قد ألقى له في مقدم الإيوان، وعصفت الريح فقلبته ظهره لبطنه، فتطير الناس لذلك. وقال إبراهيم: لا تتطيروا. ثم جلس عليه مقلوباً وأنا أرى الكراهة في وجهه.
حدثنا يحيى قال حدثنا عمرو بن خالد، ومحمد بن معروف، ومحمد بن أبي حرب.
إن إبراهيم دخل المسجد، فبينا هو يتكلم إذا أتاه آتٍ. فقال: هذا جعفر ومحمد قد أقبلا في مواليهما، فصاح إبراهيم بالمضاء والطهوي، وقال إذهبا إليهما، فقولا لهما: يقول لكما ابن خالكما: إن أحببتما جوارنا ففي الأمن والرحب، لا خوف عليكما، ولا على أحد تؤمنانه؛ وإن كرهتما جوارنا، فحيث شئتما فاذهبا ولا تسفكا بيننا وبينكم دماً؛ وإياكما أن تبدأهما بقتال.
قال عمر بن خالد: فلما كانوا عند دارمية الثقفية، التقوا فتوافقوا، فكلمهم المضاء والطهوي، وارتفعت الأصوات، فنزع الحسين بنشابة فرمى بها، وحمل عليه المضاء، فضربه فقطع يده من وسط ذراعه. وأدبر القوم.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عبد الله بن المغيرة، قال: إني لجالس على بابكم إذ مر بي جعفر ومحمد ومعهما البغال تحمل النشاب، فلم يلبثا أن رجعا، والمضاء يتلوهما وفي يده الرمح، وهو يقرعهما به قرعاً ويقول: النجاء يا بني الإماء فلما بلغنا وقف.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: سمعت سعيد بن المشعر يقول:(1/86)


سمعت محمداً يومئذٍ يعتزي ويقول: أنا الغلام القرشي، فلما كشفهم المضاء جعل يقول لمحمد: يا غلام أتعتزي علي، أما والله لولا يد كانت لعمك عبد الله بن علي عندي لعلمت.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: لما صار المضاء عند متسع الطريق، وقد مضى عمر بن سلمة حتى خالط جمعهم، فطاعنهم في رحبة محمد، ثم انصرف، فقال له المضاء: يا أبا حفص ما أحسبك شهدت حرباً قط قبل هذه.
قال: أجل. قال: فلا تفعل مثل فعلتك، فإن الجبان إذا اضطررته قاتلك.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا يونس بن نجدة، ثال أبو زيد، وحدثني عبد الرحمن بن غياث السراج، عن أبيه، وعمه: أن إبراهيم وجد في بيت المال ألفي ألف درهم، فقوى بها، وفرض القروض خمسين خمسين لكل رجل، فكان الناس يقولون: خمسون والجنة.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا الحكم بن بندويه: أن إبراهيم أنفذ المغيرة بن الفزع ويقال الفزر إلى الأهواز، وعليها محمد بن الحصين، فلقيه على نهر في فروخ - وبينهما وبين الأهواز فرسخان - فقاتله المغيرة، فهزمه. ودخل ابن الحصين الأهواز وتبعه المغيرة فحمل عليه، فانكشفوا ووقفوا في الصيارفة. فتركهم المغيرة، ودخل المسجد، فصعد المنبر فرموه بالنشاب، فجعل يقع في المسجد. فخرج إليهم فقاتلهم عند باب ابن الحصين، فولوا منه واتبعهم حتى بلغ الجسر.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا الحسين بن سليم، عن أبيه.
أن ابن الحصين انهزم حتى بلغ قنطرة الهندوان، فوقف عليها، وأمر ابنه الحكم فنزل فقاتل وراء القنطرة حتى غشيهم الليل فأنفذ ثقله، وانكشف من الليل.
قال: فبلغني أن أبا أيوب المورياني، وكان له هوى في ابن حصين، قال لأبي جعفر: يا أمير المؤمنين ألم تر إلى ابن الحصين فاء إلى فئة، وبه ثماني عشرة ضربة.
فقيل لأبي أيوب: لو نظرت إلى ابن الحصين فلم تر به أثراً ما كنت تصنع؟.
قال: لو هم بالنظر إليه ضربته ثماني عشرة ضربة ثم أريته إياه.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا بمر بن عبد الله، عن مبارك الطبري، عن الربيع الحاجب: أن إبراهيم لما ظهر بالبصرة، وجه أبو جعفر خازم بن خزيمة في أربعة آلاف إلى الأهواز.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني يوسف بن معبد الفريعي، قال: حدثني محمد بن خالد بن علي بن سويد، قال: لبثنا مع المغيرة بالأهواز أياماً ثم ذكر لنا أن خازم بن خزيمة قد أظلنا. فخرج المغيرة فعسكر على شاطئ دجيل، وأمر خريم بن عثمان بقطع الجسر، وأخذ السفن مما حوله فتتبعوا السفن فأخذوها حتى ظنوا أن لم يبق منها شيء.
وارتفع خازم إلى قرية لبني الهجيم يقال لها قرقوب على فرسخ من قصبة الأهواز، فعسكر بها في اثني عشر ألف فارس سوى رجالته.
وارتفع المغيرة فعسكر بإزائه في خمسمائة فارس، وخلف الرجالة في عسكره، واستخلف على الأهواز عفو الله بن سفيان، وطلب خازم السفن فلم يجدها، فأتاه رجل فقال له: وجه معي خيلاً أحدر إليك السفن، فمضى به إلى قرية يقال لها دور قطن مما يلي جنديسابور، فحدر عليهم سفناً قليلة فأتى بها ليلاً، فلما واراه الظلام عبر فيها أصحابه حتى أصبح.
فأصبح المغيرة، وقد ساواه القوم على شاطئ الدجيل، وذلك يوم الأحد، فأصبحنا والريح لنا عليهم، فلما صففنا وصفوا لنا انقلبت الريح لهم علينا، وعبأ القوم ميمنتهم وميسرتهم، وعبأ المغيرة أصحابه، فجعل على ميمنته عصب بن القاسم، وعلى ميسرته الترجمان بن هريمة، وصار هو في القلب، فبينما نحن كذلك إذ جاءت عقاب مسفةٌ حتى صدعت صفنا، فتطيرت منها.
حدثنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا محمد بن أبي حرب، قال: حدثنا المذلق - واسمه عمر بن الضحاك - قال: التمس خازم معبراً فلم يجد، فاتخذ طرقاً من قصب، فعبر عليه ثلاثمائة نفس أو نحوها من أصحابه، وقام هو والمغيرة بإزائه، وتقدم إلى أصحابه: ألا تقاتلوا، فلما صاروا مع المغيرة قصدوا له، وتهيأ القوم لقتالهم، فنظرت إلى خازم ينتف لحية نفسه، ويصيح بالفارسية ينهاهم عن القتال. ثم هيأ طوقاً آخر فعبر إليهم خمسمائة أو نحوهم، فكنت فيمن عبر في المرة الثانية. فلما اجتمعنا لقيناهم في زهاء ألف، فما لبثنا حتى هزمناهم.(1/87)


حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني الحر بن مالك، قال: حدثني واصل بن محمد السعدي، عن شبيب بن شبة، قال: قال لي خازم بن خزيمة: لله در المغيرة بن الفزع، أي رجل هو، ما ولدت النساء مثله، والله، لقد وجهت إليه الأجناد، وبعضهم في إثر بعض، وإني لأنظر إليه وبيني وبينه النهر، وإنه ليبول وإلى جنبه فرسه ما معه إلا رعاع من الرعاع، ثم ركب فناوش أصحابي، ثم انطفأ، ثم عاود أصحابي، ثم انكفأ، فما زال ذلك رأبه ودأبهم حتى غابوا عن عيني، فرجعوا وقد نقصوا ألفاً.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني الحكم بن بندويه قال: حدثني يوسف بن معبد، عن محمد بن خالد، قال: صاح المغيرة بأصحاب الركب، فلطموا وتترسوا حتى نفذ نشابهم، ثم حملوا عليهم فطاعنوا حتى ألقوا في الدجيل من أصحاب خازم خلقاً، وفصل بين الصفين... فدعا صهر لخازم بن خزيمة على أخته يدعى عبدويه كرداً من أهل خراسان، فدعا، للبراز، فبرز له المغيرة فبدره عبدويه فضربه فوقعت ضربته على ترس المغيرة فذهب، فترك المغيرة ترسه مع سيفه، وضربه على عاتقه فبلغ رئته، فرأيت خازم بن خزيمة ينتف لحية نفسه جزعاً عليه.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني ابن عفو الله بن سفيان، قال: سمعت أبي يقول: والله ما ضربت يومئذٍ بسيف ولقد نظرت أكثر من خمسمائة من أصحاب خازم ألقوا أنفسهم في الماء.
حدثني يحيى بن علي، قال: حدثنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا سعيد بن هريم، قال: حدثني الحسن بن لولا، وحدثني الخليل بن عمران، عن مذعور بن سنان: أن خازماً دس رجالاً فنزلوا إلى جانب الجبل في الموضع الذي كان فيه.
قال: وحدثني يوسف بن معبد عن محمد بن خالد قال: لم يزل المغيرة نازلاً بمكانه حتى وافى خازماً فبعث طائفة من أصحابه فنزلوا بإزائه وأمرهم إذا رأوا غلاماً من بعيد أن يصيحوا: نزل خازم الأهواز ليسمع المغيرة ذلك فينهزم، ففعلوا وعبر أصحابه في السفن، وأمرهم فنصبوا في أعلى السفن الأعلام والرماح، وجاء سالم بن غالب القمي، وكان من أصحاب المغيرة، فقال للمغيرة: قد دخل خازم الأهوار، وصاح أولئك القوم الذين كانوا عند الجبل بمثل ذلك، وكر المغيرة راجعاً، وحمل عليه رجل من أصحاب خازم ليطعنه، فعدل المغير عن فرسه، فأخطأه غير بعيد، ومر به فرسه يركض، فنفحه المغيرة بسيفه فظهر القطر من السواد، ثم ظهر الدم، وصاح المغيرة: أنا أبو الأسود، فما مر الرجل إلا يسيراً حتى خر صريعاً.
ودخل المغيرة الأهواز، وصعد المنبر فجعل يخطب ويسكن الناس، إذ قيل له هذه الأغنام ترمى بالنشاب في سكة باب إزاز، فصاح المغيرة بعبد له أسود يدعى كعبويه: " إكفني هؤلاء " ، فخرج فردهم.
ونزل المغيرة فانحدرنا إلى البصرة، وولى أبو جعفر سالم بن غالب القمي رامهرمز، ثواباً على ما قاله للمغيرة.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا الحسين بن مسلم بن سلمة قال: حدثني أبي، قال: جعل خازم للجند إن دخلوها عنوة أن يبيحها إياهم ثلاثاً، فدخلوها عنوة، فأذن لهم فيها فدخلوها ليلاً فانتهبوها ليلتهم والغد، ثم نهاهم.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني يوسف بن معبد، قال: حدثني محمد بن خالد، قال: كان دخول المغيرة البصرة منهزماً في اليوم الذي جاء فيه مقتل إبراهيم.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا الحرث بن مالك بن الخطاب، قال: حدثني عمر بن الخزاز، قال: قدم المغيرة من الأهواز، سوار جالس في المسجد في السواد، فصعد المنبر، فأتى سوار، فأخبر بذلك، فشد قمطره، ثم نهض حتى جاء إلى المنبر فصاح بالمغيرة: انزل فإنك جائر، قد قتل صاحبك. فنزل المغيرة.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا سهل بن عقيل، قال: حدثني أبو الهيثم رجل من أهل فارس، قال: قدم إلينا رجل يدعى عمرو بن شداد في ثلاثين إنساناً، من قبل إبراهيم، فذعر منه وإلى فارس فهرب وخلاه والبلاد، فدخلها وأسرع إليه رؤساؤها.(1/88)


فلما قتل إبراهيم أتاه نعيه، وهو في أقاصي فارس، وبلغ الخبر الرؤساء وهم مقيمون معه، فتآمروا به وقالوا: ما يغسل ما عند أبي جعفر علينا إلا توجيه هذا إليه، فأتوه، وعلم بما أجمعوا عليه، فدعا بالمائدة فجعل يأكل على هنيئة ثم قال لحاجبه: ائذن لهم. فدخلوا عليه، وأخذوا مجالسهم. فقال: يا غلام: ارحل فجعل القوم يرحلون، والقوم على ثقة أنه لا يفوتهم، ثم ركبوا يريدون الرجوع إلى أداني فارس، وليس معه إلا سبعون رجلاً، وتبعه عسكر جرار من أهل فارس، فسار حتى أظلم وهو يمضي فيصير في ميمنة أصحابه مرة، وفي ميسرتهم أخرى، ويسر إليهم الخبر، ويعدهم إلى موضع يجتمعون فيه، فيتسللون واحداً واحداً، ولا يعلم أهل فارس لكثرتهم معه، ثم ينسل منهم، ولا يعرف أحداً.
ثم إن عمراً انسل في ليلته، والقوم منحدرون، ولا يعلمون بذهابه، ومضى هو مصعداً، وطلبوه فأعجزهم، وأغذ السير حتى أتى كرمان، فأوثق وإليها، وأخذ ما استتم له، ثم سار ليلاً إلى البحر فركب السفن، فصار إلى البصرة، واستخفى هو وأصحابه.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عبد الرحمن بن إسماعيل، قال: حدثني خالد مولى محمد بن إسماعيل، قال: شهدت عمرو بن شداد حين أخذ، فأتى به ابن دعلج، فأمر بقطع يده، فمدها فقطعت، ثم مد اليسرى فقطعت، ثم رجله اليمنى فقطعت، ثم مد اليسرة فقطعت، وما يقر به أحد ولا يمسه، ثم قال له: مذ عنقك، فمدها، فضرب ضارب بسيف كليل فلم يصنع شيئاً.
فقال: اطلبوا سيفاً صارماً، فعجل الضارب فنبا فلم يصنع شيئاً.
فقال عمرو: سيف أصرم من هذا.
فسل ابن دعلج سيفاً كان عليه، فدفعه إلى رجل فضربه، وقال ابن دعلج لعمرو: أنت والله الصارم.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا محمد بن معروف، قال: حدثني أبي، قال: إنما دل على عمرو هادم له، ضربه فدل عليه، إما الهيثم بن معاوية، أو ابن دعلج، فقتله، وصلب في الموبد، في موضع دار إسحاق بن سليمان.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا إبراهيم بن سلم بن أبي واصل، قال: حدثني عبد الغفار بن عمرو الفقمي، قال: كان إبراهيم واجداً على هارون بن سعد لا يكلمه، فلما ظهر إبراهيم قدم هارون بن سعد فأتى أباك سلماً فقال له أخبرني عن صاحبك، أما به إلينا حاجة في أمره هذا؟ قال: قلت: بلى لعمر الله. ثم قام فدخل على إبراهيم، فقال: هذا هارون بن سعد قد جاءك. قال: لا حاجة لي فيه. قال: لا تفعل في هارون تزهد. فلم يزل به حتى قبله وأذن له، فدخل عليه، فقال له هارون: استكفني أهم أمورك إليك، فاستكفاه واسطاً واستعمله عليها.
حدثني يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني هشام بن محمد، قال: وجه إلينا أو جعفر قوماً منهم ابن المرزبان، وصالح بن يزداد، وكانوا يقاتلون أهل واسط، والخندق بينهم وبين إبراهيم بالبصرة، فلم يزالوا على ذلك حتى قتل إبراهيم ووادع هارون بن سعد وأهل واسط عامراً، فلما قتل إبراهيم أعطاهم عامر الأمان على ألا يقتل بواسط أحداً، فتتبعوا كل من وجدوا خارجاً من البلد، وهرب هارون بن سعد إلى البصرة فلم يصل إليها حتى مات رحمه الله.
حدثني يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني أخي معاذ بن شبة، قال: سمعت أبي، يقول: لما ظهر إبراهيم أرسل إلى محمد بن عطية - مولى باهلة، وكان قد ولى لأبي جعفر بعض أعمال فارس - فقال: هل عندك مال؟.
قال: لا والله. قال: خلوا سبيله. فخرج ابن عطية وهو يقول بالفارسية: ليس هذا من رجال أبي جعفر.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنا القاسم بن أبي شيبة، قال: حدثني أبو سلمة ابن النجار - وكان من أصحاب إبراهيم - قال: كنا عنده بالبصرة إذ أتاه قوم من الدهجرانية أصحاب الضياع، فقالوا: يابن رسول الله، إنا ثوم لسنا من العرب، وليس لأحد علينا عقد ولا ولاء، وقد أتيناك بمال فاستعن به، فقال: من كان عنده مال فليعن به أخاه، فأما أن آخذه فلا، ثم قال: هل هي إلا سيرة علي بن أبي طالب أو النار.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عمار بن المختار، قال: حدثني محمد بن طلحة العذري، قال: أرسل إبراهيم إلى أبي وقد استخفى منه أن عندك مالاً فأتنا به، فأرسل إليه أي رجل، إن عندي مالاً، فإن أخذته مني أغرمنيه أبو جعفر، فأضرب عنه.(1/89)


حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا عمر بن عبد الله بن حماد الثقفي، قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الحمن، قال: أرسل إبراهيم إلى عبد الحميد بن لاحق، فقال: بلغني أن عنك أموالاً للظلمة - يعني الموريانيين - فقال: ما لهم مال. قال: الله قال: الله! فتركه، وقال: إن ظهر لي أن لهم عندك مالاً عددتك كذاباً.
حدثني يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني عبد الحميد بن جعفر مولى محمد بن أبي العباس، قال: أسر إبراهيم رجلاً يعرف بمحمد بن يزيد من قواد أبي جعفر، وكان تحته فرس يحاذي رأسه رأسه، قال: فحدثني - يعني محمد بن يزيد - قال: أرسل إلي إبراهيم أن بعني فرسك. قال: فقلت: هو لك يابن رسول الله، فقال لأصحابه: كم يساوي؟ قالوا: ألفي درهم، فيعث إلي بألفي وخمسمائة درهم، فلما أراد المسير أطلقني.
حدثني يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني بكر بن كثير، قال: حدثني شيبة كاتب مسعود المورياني: أن جماعة من الزيدية دخلوا عليه، فسألوه وقالوا: هات ما معك من مال الظلمة. قال: وأدخلوني إلى إبراهيم؛ فرأيت الكراهية من وجهه، فاستحلفني، فحلفت فخلى سبيلي، فكنت أسأل عنه بعد ذلك فأدعو له، فنهاني مسعود عن ذلك.
حدثني يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني بكر بن كثير: أن إبراهيم أخذ حميد بن القاسم - عاملاً كان لأبي جعفر - فقال له المغيرة: ادفعه إلي قال: وما تصنع به؟ قال: أعذبه.
قال: لا حاجة لي في مال لا يؤخذ إلا بالعذاب.
حدثني يحيى بن علي، وغير واحد، قالوا: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام الجعفري، قال: صلى إبراهيم على جنازة بالبصرة فكبر عليها أربعاً، فقال له عيسى بن زيد: لم نقصت واحدة وقد عرفت تكبير أهلك؟.
فقال: إن هذا أجمع للناس، ونحن إلى اجتماعهم محتاجون، وليس في تكبيرة تركتها ضرر إن شاء الله، ففارقه عيسى واعتزله، وبلغ أبا جعفر فأرسل إلى عيسى يسأله أن يخذل الزيدية عن إبراهيم، فلم يفعل، ولم يتم المر حتى قتل إبراهيم فاستخفي عيسى بن زيد، فقيل لأبي جعفر: ألا تطلبه؟ فقال: لا والله لا أطلب منهم رجلاً بعد محمد وإبراهيم، أنا أجعل لهم بعد هذا ذكراً؟.
قال أبو الفرج الإصبهاني: وأظن هذا وهماً من الجعفري الذي حكاه، لأن عيسى لم يفارق إبراهيم في وقت من الأوقات ولا اعتزله، وقد شهد معه باخمري حتى قتل فتوارى حينئذٍ إلى أن مات، وسنذكر خبره في موضعه - إن شاء الله - .
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني سفيان بن يزيد مولى باهلة، قال: سمعت إبراهيم يخطب فقال: يا أهل البصرة، لقيتم الحسنى، آويتم الغريب لا أرض ولا سماء، فإن أملك فلكم الجزاء، وإن أهلك فعلى الله - عز وجل - الوفاء.
قال: فجعلت الزيدية هذه الكلمة ندبة تندبه بها بعد قتله شبيهة بالنوح: حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر قال: حدثني عقيل بن عمرو الثقفي، قال: حدثني أبي، قال أبو زيد: وحدثني عمر بن عبد الله مولى بني هاشم عن رجل ذكر إبراهيم بن عبد الله في خطبة بني العباس فقال: صغروا ما عظم الله جل وعز، وعظموا ما صغر الله. وكان إذا أراد أن ينزل عن المنبر يقول: " واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون " .
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا أبو زيد عمر بن شبة، قال: حدثنا الحسين بن جعفر بن سليمان القنعي، قال: سمعت أبي يقول: خطب إبراهيم. قال أبو زيد وحدثني عبد الملك بن سليمان. قال: حدثني الحجاج بن بصير الفساطيطي، قال: صعد إبراهيم المنبر فقال: أيها الناس، إني وجدت جميع ما تطلب العباد في حقهم الخير عند الله عز وجل في ثلاث: في المنطق، والنظر، والسكوت.
فكل منطق ليس فيه ذكر فهو لغو.
وكل سكوت ليس فيه تفكر فهو سهو.
وكل نظر ليس فيه عبرة فهو غفلة.
فطوبى لمن كان منطقه ذكراً، ونظره عبرة. سكوته تفكراً، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته، وسلم المسلمون منه.
قال: فكان الناس يعجبون من كلامه هذا وهو يريد ما يريد.
قال: ثم رفع صوته وقال: اللهم إنك ذاكر اليوم إباء بأبنائهم، وأبناء بآبائهم، فاذكرنا عندك بمحمد صلى الله عليه وسلم اللهم وحافظ الآباء في الأبناء، والأبناء في الآباء، احفظ ذرية محمد نبيك صلى الله عليه وسلم، قال: فارتج المصلى بالبكاء.(1/90)

18 / 36
ع
En
A+
A-