قال القاسم بن مسلم لمحمد بن عبد الله بن الحسن: يا أبا عبد الله، إن الناس يقولون: إن صاحبكم محمداً ليس له ذلك الفقه. قال فتناول سوطه من الأرض ثم قال: يا قاسم بن مسلم، ما يسرني أن الأمة اجتمعت علي كمعلاق سوطي هذا وإني سئلت عن باب الحلال أو الحرام ولم يكن عندي مخرج منه، يا قاسم بن مسلم، إن أضل الناس بل أظلم الناس، بل أكفر الناس من ادعى من هذه الأمة، ثم سئل عن باب الحلال أو الحرام، ولم يكن عنده منه مخرج.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال يحيى بن الحسن، قال: حدثني أبو حميد الليثي، عن أبيه، عن عيسى بن عبد الله عن أبيه قال: بايع أبو جعفر المنصور محمد بن عبد الله مرتين إحداهما بالمدينة والأخرى أنا حاضرها بمكة في المسجد الحرام، فلما بايعه قام معه حتى خرج من المسجد الحرام فركب فأمسك له أبو جعفر بركاب دابته ثم قال له: يا أبا عبد الله، أما إنه إن أفضى إليك هذا الأمر نسيت هذا الموقف ولم تعرفه لي.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثني عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الله بن عمر: أن علي بن محمد بن عبد الله بن الحسن لما أخذه أبو جعفر اعترف له، وسمى أصحاب أبيه، فكان فيمن سمى عبد الرحمن بن أبي الموالي فأمر به أبو جعفر فحبس.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عبد الله بن راشد، قال: سمعت الجراح بن عمرو، وغيره، يقولون.
إن علياً، وحسناً، ابني صالح جاءا مشتملين على سيفين إلى محمد بن عبد الله بن الحسن فقالا: قد جئناك يا ابن رسول الله فمرنا بالذي تريده، فقال: قد قضيتما ما عليكما وإن لقينا في هؤلاء شيئاً، فانصرفا. فانصرفا.
أخبرني عمر قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثنا محمد بن يحيى، عن الحرث بن إسحاق: أن محمداً استعمل على المدينة عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير.
وعلى قضائها، عبد العزيز بن المطلب " بن عبد الله المخزومي " .
وعلى الشرط، أبا القلمس عثمان " بن عبيد الله " بن عبد الله بن عمرو بن الخطاب.
وعلى ديوان العطاء عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا عيسى عن أبيه، قال: قال: خرج مع محمد بن عبد الله، عيسى بن زيد، وكان يقول: من خالف بيعتك من آل أبي طالب فأمكني من ضرب عنقه، فأتى بعبد الله بن الحسين بن علي بن الحسين، فغمض عينيه قال: إن على يمينا إن رأيته لأقتلنه، فقال له عيسى: دعني أضرب عنقه، فكف عنه.
دفع إلى عيسى بن الحسين الوراق كتاباً ذكر أنه كتاب أحمد بن الحرث فقرأت فيه: حدثنا المدائني أن هشام بن عروة بن الزبير، بايع محمد بن عبد الله، وجعل له ولاية بالمدينة.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال حدثنا أبو زيد، قال حدثني متوكل بن أبي العجوة: أن أبا جعفر كان يقول: العجب لعبد الله بن عطاء إن بالأمس على بساطي ثم يضربني بعشرة أسياف.
أخبرني عمر قال: حدثنا أبو زيد قال: حدثني محمد بن الحسن بن زبالة، قال: حدثني حميد بن عبد الله بن أبي فروة، قال: لما درب الناس السكك أيام محمد بن عبد الله، أردنا أن ندرب سكتنا، فمنعنا عبد الله بن عطاء، قال: فمن أين يمر إلى أمير المؤمنين محمد؟ فلما قتل تغيب حتى مات في إمارة جعفر بن سليمان، فأخرج على جنازة ليدفن فأمر به فأنزل من نعشه، وصلب، فكلم فيه جعفر، فأمر أن ينزل من خشبته بعد ثالثه، فأنزل ودفن. وعبد الله بن عطاء من ثقاة أهل الحديث، وقد روى عن أبي جعفر محمد بن علي، وعن عبد الله بن بريدة؛ وغيرهما من وجوه التابعين. وروى عنه الثقات مثل مالك بن أنس ونظرائه.
وعبد الله بن عامر الأسلمي وهو القاري، ويكنى أبا عامر، وهو ثقة. وروى عنه وكيع، وأبو نعيم، وعبيد الله بن موسى، وأبو ضمرة. وقد روى عن الزهري، ووثقه يحيى بن معين، ورووه في الحديث ورثاه علي بن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بقوله:
أبو عامر فيها رئيس كأنها ... كراديس تغشى حجره المتكبر
أخبرني عمر، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال حدثنا عبد الله بن إسحاق بن القاسم؛ قال: حدثني إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، قال: لقيني موسى بن عبد الله بالسيالة، فقال: انطلق أرك ما صنع بنا في سويقة، فذهبت معه، فوجدت نخلها قد عرقبت، فقال: نحن والله كما قال دريد بن الصمة:(1/81)


تقول: ألا تبكي أخاك! وقد أرى ... مكان البكى لكن بنيت على الصبر
لمقتل عبد الله والهالك الذي ... على الشرف الأقصى قتيل أبي بكر
وعبد يغوث. أو نديمى خالد ... وعز مصاباً خير قبر على قبر
أبى القتل إلا آل صمة إنهم ... أبوا غيره، والقدر يجري على القدر
فإما ترينا لا تزال دماؤنا ... لدي معشر يسعى لها آخر الدهر
فإنا للحم السيف غير نكيرة ... ونلحمه طوراً وليس بذي نكر
يغار علينا واترين فيشتفى ... بنا إن أصبنا، أو نغير على وتر
بذاك قسمنا الدهر شطرين بيننا ... فما ينقضي إلا ونحن على شطر
قال أبو زيد: حدثني المدائني هذا أو أمليته عليه فتركني وترك الرجلين وقال: قال موسى.
الحسن بن معاوية
وممن أخذه أبو جعفر من آل أبي طالب، وحبسه، وضربه بالسوط من أصحاب محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب: - الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
أمه وأم إخوته: يزيد، وصالح ابني معاوية: فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأمها أم ولد.
وخرجوا جميعاً مع محمد بن عبد الله. واستعمل الحسن بن معاوية على مكة.
فلما قتل محمد بن عبد الله أخذه أبو جعفر فضربه بالسوط وحبسه. فلم يزل في الحبس حتى مات أبو جعفر، فأطلقه المهدي.
أخبرني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني عيسى بن عبد الله قال: دخل عيسى بن موسى على المنصور، فقال: ألا أبشرك؟ قال: بماذا؟ قال: ابتعت وجه دار عبد الله بن جعفر من بني معاوية بن عبد الله الحسن، ويزيد، وصالح.
فقال له " أتفرح؟ " والله ما باعوك إلا ليقووا بثمنها عليك.
فخرج الحسن، ويزيد، وصالح، مع محمد بن عبد الله.
أخبرني الحرمي بن العلاء، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثني غسان، عن أبيه قال: حدثني محمد بن إسحاق بن القاسم بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: أن محمد بن عبد الله بعث الحسن، والقاسم بن إسحاق إلى مكة، واستعمل الحسن على مكة، والقاسم على اليمن.
أخبرني عمر العتكي، والجوهري، ويحيى بن علي، عن عمر بن شبة، عن عبد الله بن إسحاق، وهو أخو محمد بن إسحاق، الذي روى عنه الزبير، قال: حدثني عبد الله بن يزيد بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، قال: أراد بنو عبد الله بن جعفر - وكانوا خرجوا مع محمد بن عبد الله - أن يظهروا بعد قتله. فقال أبي للحسن بن معاوية: لا نظهر جميعاً، فإنا إن فعلنا أخذك جعفر بن سليمان من بيننا. قال: وجعفر يومئذ على المدينة. فقال لا بد من الظهور.
فقال له: فإن كنت فاعلاً فدعني أتغيب فإنه لا يقدم عليك ما دمت متغيباً.
قال: لا خير في عيش لست فيه.
فلما ظهروا أخذ جعفر بن سليمان الحسن، فقال له: أين المال الذي أخته بمكة؟ وكان أبو جعفر قد كتب إلى جعفر بن سليمان أن يجلد حسناً إن ظفر به. فلما سأله عن المال قال: أنفقناه فيما كنا فيه وذاك شيء قد عفا عنه أمير المؤمنين.
قال: وجعل جعفر بن سليمان يكلمه، والحسن يبطئ في جوابه، فقال له جعفر. أكلمك ولا تجيبني!.
قال: ذلك يشق عليك، لا أكلمك من رأسي كلمة أبداً.
قال: فضربه أربعمائة سوط، وحبسه. فلم يزل محبوساً حتى مات أبو جعفر، وقام المهدي فأطلقه وأجازه.
قال أبو زيد: وحدثني عيسى بن عبد الله، قال: لما ضرب جعفر بن سليمان الحسن بن معاوية قال: أين كنت؟ فاستعجم عليه، فقال له: علي وعلي إن أقلعت عنك أبداً أو تخبرني أين كنت؟ قال: كنت عند غسان بن معاوية، مولى عبد الله بن الحسن. فبعث جعفر إلى منزل غسان فهرب منه، فهدم داره، ثم جاء بعد فأمنه.
قال: ولم يكن الحسن عند غسان إنما كان عند نفيس صاحب قصر نفيس.
قال أبو زيد: فحدثني عيسى بن عبد الله، قال: لم يزل الحسن بن معاوية في حبس جعفر بن سليمان، حتى حج أبو جعفر، فعرضت له حمادة بنت معاوية، فصاحت به: يا أمير المؤمنين، الحسن بن معاوية قد طال حبسه فانتبه له، وقد كان ذهل عنه، فسار به معه حتى وضعه في حبسه، ولم يزل محبوساً حتى ولي المهدي.
قال الزبير في خبره الذي أخبرني به الحرمي، عن الزبير، قال: حدثني عبد الله بن الحسن بن القاسم:(1/82)


أن الحسن بن معاوية قال لأبي جعفر، وهو في السجن، وقد أتاه نعي أخيه يزيد بن معاوية، يستعطفه على ولده:
ارحم صغار بني يزيد إنهم ... يتموا لفقدي لا لفقد يزيد
وارحم كبيراً سنه متهدماً ... في السجن بين سلاسل وقيود
ولئن أخذت بجرمنا وجزيتنا ... لنقتلن به بكل صعيد
أو عدت بالرحم القريبة بيننا ... ما جدكم من جدنا ببعيد
قال أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني: ومن مختار ما رثى به محمد بن عبد الله من الشعر، قول غالب بن عثمان الهمداني أنشدنيه عمر بن عبد الله العتكي، عن عمر بن شبة:
يا دار هجت لي البكاء فأعولي ... حييت منزلة دثرت ودار
بالجزع من كنفي سويقة أصبحت ... كالبرد بعد بني النبي قفاراً
الحاملين إذا الحمالة أعجزت ... والأكرمين أرومة ونجارا
والممطرين إذا المحول تتابعت ... درراً تداولها المحول غزارا
والذائدين إذا المخافة أبرزت ... سوق الكواعب يبتدرن حصارا
وثبت نتيلة وثبة بعلوجها ... كانت على سلفي نتيلة عارا
فتصلمت ساداتها وتهتكت ... حرماً محصنة الخدور كبارا
ولغت دماء بني النبي فأصبحت ... خضبت بها الأشداق والأظفارا
لا تسقني بيديك إن لم أبتعث ... لبني نتيلة جحفلاً جرارا
لجباً يضيق به الفضاء عرمرماً ... يغشى الدكادك قسطلاً موارا
فيه بنات بني الصيرح ولا حق ... قباً تغادر في الخليف مهارا
يخرجن من خلل الغبار عوابساً ... يورين في حصب الأماعز نارا
فننال في سلفي نتيلة ثارنا ... فيما ينال وندرك الأوتارا
وقال أبو الحجاج الجهني:
بكر النعي بخير من وطئ الحصى ... ذي المكرمات وذي الندى والسؤدد
بالخاشع البر الذي من هاشم ... أمسى ثقيلاً في بقيع الغرقد
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... أن قام مجتهداً بدين محمد
وقال عبد الله بن مصعب:
سالت دموعك ضلة قد هجت لي ... برحاء وجد يبعث الأحزانا
هلاً على المهدي وابني مصعب ... أذريت دمعك ساكباً تهتانا
ولفقد إبراهيم حين تصدعت ... عنه الجموع فواجه الأقرانا
والله ما ولد الحواضن مثله ... أمضى وأرفع محتداً ومكانا
وأشد ناهضة وأقول للتي ... تتقي مصارع أهلها العدوانا
رزء لعمرك لو يصاب بمثله ... ميطان صدع رزؤه ميطانا
وقال عبد الله بن مصعب أيضاً أنشدنيه ابن سعيد عن يحيى بن الحسن، عن إسماعيل بن يعقوب:
يا صاحبي دعا الملامة واعلما ... أن لست في هذا بألوم منكما
وقفا بقبر ابن النبي وسلما ... لا بأس أن تقفا به فتسلما
قبر تضمن خير أهل زمانه ... حسباً وطيب سجية وتكرما
" لم يجتنب قصد السبيل ولم يحد ... عنه ولم يفتح بفاحشة فما "
بطل يخوض بنفسه غمراتها ... لا طائشاً رعشاً ولا مستسلما
حتى مضت فيه السيوف وربما ... كانت حتوفهم السيوف وربما
أضحى بنو حسن أبيح حريمهم ... فبينا وأصبح نهبهم متقسماً
ونساؤهم في دورهن نوائح ... سجع الحمام إذا الحمام ترنما
يتوسلون بقتلهم ويرونه ... شرفاً لهم عند الإمام ومغنما
والله لو شهد النبي محمد ... صلى الإله على النبي وسلما
إشراع أمته الأسنة لابنه ... حتى تقطر من ظباتهم دما
حقاً لأيقن أنهم قد ضيعوا ... تلك القرابة واستحلوا المحرما
وقال غبراهيم بن عبد الله يرثي أخاه:
سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا ... فإن بها ما يدرك الطالب الوترا
وإنا أناس لا تفيض دموعنا ... على هالك منا ولو قصم الظهرا(1/83)


ولست كمن يبكي أخاه بعبرة ... يعصرها من جفن مقلته عصرا
ولكنني أشفي فؤادي بغارة ... ألهب في قطري كتائبها جمرا
عبد الله الأشتر
وعبد الله الأشتر بن محمد بن عبد الله ابن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب وأمه أم سلمة بنت محمد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
كان عبد الله بن محمد بن مسعدة المعلم أخرجه بعد قتل أبيه إلى بلد الهند فقتل بها، ووجه برأسه إلى أبي جعفر المنصور. ثم قدم بابنه محمد بن عبد الله بن محمد بعد ذلك وهو صغير على موسى بن عبد الله بن الحسن.
وابن مسعدة هذا كان مؤدباً لولد عبد الله بن الحسن. وفيه يقول إبراهيم بن عبد الله بن الحسن على سبيل التهكم به:
زعم ابن مسعدة المعلم أنه ... سبق الرجال براعة وبيانا
وهو الملقن للحمامة شجوها ... وهو الملحن بعدها الغربانا
وكان ابن مسعدة سمع غراباً ينعق، فقال له: أتلحن ويحك يا غراب؟ تقول: غاق غاق. قيل: فكيف يقول؟ قال: يقول: غاق غاق.
أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن مسعدة، قال: لما قتل محمد، خرجنا بابنه الأشتر عبد الله بن محمد، فأتينا الكوفة، ثم انحدرنا إلى البصرة، ثم خرجنا إلى السند؛ فلما كان بيننا وبينها أيام نزلنا خاناً فكتب فيه:
منخرق الخفين يشكو الوجى ... تنكبه أطراف مروٍ حداد
شرده الخوف فأزرى به ... كذاك من يكره حر الجلاد
قد كان في الموت له راحة ... والموت حتمٌ في رقاب العباد
وكتب اسمه تحتها.
ثم دخلنا المنصورة فلم نجد شيئاً، فدخلنا قندهار، فأحللته قلعة لا يرومها رائم، ولا يطور بها طائر. وكان والله أفرس من رأيت من عباد الله، ما إخال الرمح في يده إلا قلماً، فنزلنا بين ظهراني قوم يتخلقون بأخلاق الجاهلية، يطرد أحدهم الأرنب، فتضيف قصر صاحبه، فيمنعها ويقول: أتطلب جاري.
قال: فخرجت لبعض حاجتي، وخلفني بعض تجار أهل العراق، فقالوا له: قد بايع لك أهل المنصورة، فلم يزالوا به حتى صار إليها.
فحدثت أن رجلاً جاء إلى أبي جعفر فقال له: مررت بأرض السند فوجدت كتاباً في قلعة من قلاعها، فيه كذا وكذا، فقال له: هو هو. ثم دعا هشام بن عمرو بن بسطام التغلبي، فقال: اعلم أن الأشتر بأرض السند، وقد وليتك عليها، فانظر ما أنت صانع.
فشخص هشام إلى السند، فقتله وبعث برأسه إلى أبي جعفر.
قال عيسى: فرأيت رأسه قد بعث به أبو جعفر إلى المدينة، وعليها الحسن بن زيد، فجعلت الخطباء تخطب، وتذكر المنصور، وتثني عليه، والحسن بن زيد على المنبر، ورأس الأشتر بين يديه، وكان في خطبة شبيب بن شيبة يا أهل المدينة: ما مثلكم ومثل أمير المؤمنين إلا كما قال الفرزدق:
ما ضر تغلب وائل أهجوتها ... أم بلت حيث تناطح البحران
فتكلم الحسن بن زيد فحض على الطاعة، وقال: ما زال الله يكفي أمير المؤمنين من بغاه، وناوأه وعاداه، وعدل عن طاعته، وابتغى سبيلاً غير سبيله.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله قال: حدثني من أثق به، عن ابن مسعدة: إن الأشتر وأصحابه أغذوا السير، ثم نزلوا فناموا، فبقيت خيلهم في زرع للرهط، فخرجوا إليهم فقتلوهم بالخشب، فبعث هشام فأخذ رؤوسهم فبعث بها إلى أبي جعفر.
قال عيسى: قال ابن مسعدة: ولم نزل في تلك القلعة أنا ومحمد بن عبد الله بن محمد حتى توفي أبو جعفر، وقام المهدي، فقدمت به وبأمه إلى المدينة.
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن
وإبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ويكنى أبا الحسن. وأمه هند بنت أبي عبيدة.
قال أبو الفرج الأصبهاني: حدثنا يحيى بن علي المنجم قال: سمعت عمر بن شبة يقول: إن إبراهيم بن عبد الله أبو الحسن، كل إبراهيم في آل بيت أبي طالب كان يكنى أبا الحسن، فأما قول سديف إبراهيم بن عبد الله:
إيهاً أبا إسحاق هنيتها ... في نعم تترى وعيش طويل
أذكرك هداك الله وتر الأولى ... سير بهم في مصمتات الكبول
فإنما قال ذلك على مجاز الكلام، وما يعرف شكلاً للأسماء من الكنى ولضرورته في وزن الشعر إلى ذلك.(1/84)


وكان إبراهيم بن عبد الله جارياً على شاكلة أخيه محمد في الدين، والعلم، والشجاعة والشدة. وكان يقول شيئاً من الشعر. فحدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال حدثني إشماعيل بن يعقوب، قال: ذكر عبد الله بن الحسن بن إبراهيم أن جده إبراهيم بن عبد الله قال في زوجته بحيرة بنت زياد الشيبانية:
ألم تعلمي يا بنت بكر تشوقي ... إليك وأنت الشخص ينعم صاحبه
وعلقت ما لو نيط بالصخر من جوىً ... لهد من الصخر المنيف جوانبه
رأت رجلاً بين الركاب ضجيعه ... سلاحٌ ويعبوبٌ فباتت تجانبه
تصد وتستحيى وتعلم أنه ... كريمٌ فتدنو نحوه فتلاعبه
فأذهلنا عنها ولم نقل قربها ... ولم يقلها دهرٌ شديد تكالبه
عجاريف فيها عن هوى النفس زاجرٌ ... إذا اشتبكت أنيابه ومخالبه
أخبرنا عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال حدثني عبد العزيز بن أبي سلمة العمري، وسعيد بن هريم: أن محمداً، وإبراهيم كانا عند أبيهما، فوردت إبل لمحمد فيها ناقة شرود لا يرد رأسها شيء، فجعل إبراهيم يحد النظر إليها، فقال له محمد: كأن نفسك تحدثك أنك رادها؟ قال نعم. قال: فإن فعلت فهي لك، فوثب إبراهيم فجعل يتغير لها ويتستر بالإبل، حتى إذا أمكنته جاءها وأخذ بذنبها، فاحتملته وأدبرت تمخض بذنبها، حتى غاب عن عين أبيه، فأقبل على محمد وقال له: قد عرضت أخاك للهلكة. فمكث هوياً ثم أقبل مشتملاً بإزاره حتى وقف عليهما. فقال له محمد: كيف رأيت؟ زعمت أنك رادها وحابسها. قال: فألقى ذنبها وقد انقطع في يده. فقال: ما أعذر من جاء بهذا.
حدثنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا أبو نعيم عن مطهر بن الحرث، قال: أقبلنا مع إبراهيم بن عبد الله من مكة نريد البصرة، فلما كنا على ليلة منها تقدم إبراهيم وتخلفنا عنه ثم دخلنا من غد.
قال أبو نعيم: فقلت لمطهر: أمر إبراهيم بالكوفة ولقيته؟ قال: لا، والله ما دخلها قط ولقد غاب بالموصل، ثم الأنبار، ثم بغداد، والمدائن، والنيل، وواسط.
حدثنا يحيى بن علي بن يحيى، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني بكر بن كثير، قال: استخفى إبراهيم بن عبد الله عند إبراهيم بن درست بن رباط الفقمي، وعند أبي مروان مولى يزيد بن عمر بن هبيرة، ومعاذ بن عون الله.
حدثنا يحيى بن علي بن يحيى، قال: حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو زيد، قال: حدثني الفضل بن عبد الرحمن بن سليمان بن علي، قال: قال أبو جعفر: غمض علي أمر إبراهيم لما اشتملت عليه طفوف البصرة.
حدثنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني نصر بن قديد، قال: دعا إبراهيم الناس وهو في دار أبي فروة، وكان أول من بايعه نميلة بن مرة، وعفو الله بن سفيان، وعبد الواحد بن زياد، وعمر بن سلمة الهجيمي، وعبد الله بن يحيى بن الحصين بن المنذر الرقاشي، وندبوا الناس إليه، فأجاب بعدهم فتيان العرب منهم: المغيرة بن الفرع، ويقال الفزر، حتى ظنوا أن ديوانه قد أحصى أربعة آلاف. وشهر أمره فتحرك إلى واسط من البصرة، في دار أبي مروان مولى بني سليم.
أخبرنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني ابن عفو الله بن سفيان عن أبيه، قال: أتينا إبراهيم يوماً وهو مرعوب، فأخبرني أن كتاب أخيه محمد جاءه يخبره أنه قط ظهر، ويأمره بالخروج قال، فوجم من ذلك، واغتم له، فجعلت أسهل الأمر عليه، وقلت: قد اجتمع لك أمرك، ومعك المضاء، والطهوي والمغيرة، وأنا، وجماعة، نخرج بالليل فتقصد السجن فتفتحه، فتصبح حين تصبح، ومعك عالم من الناس، فطابت نفسه.
أخبرنا يحيى بن علي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا علي بن الجعد، قال: رأيت أهل الكوفة أيام أخذوا بلبس السواد، حتى إن البقالين إن كان أحدهم ليصبغ الثوب بالأنقاس ثم يلبسه.
حدثنا يحيى، قال: حدثنا عمر، قال: حدثني جواد بن غالب، قال: حدثني العباس بن سلم مولى قحطبة، قال: كان أبو جعفر إذا اتهم أحداً من أهل الكوفة بالميل إلى إبراهيم أمر أبي سلماً بطلبه، فكان يمهل حتى إذا غسق الليل وهدأ الناس، نصب سليماً على منزل الرجل، فطرقه في بيته فيقتله، ويأخذ خاتمه.(1/85)

17 / 36
ع
En
A+
A-