فقال صالح " بن علي " : قد علمتم أنكم الذين تمد الناس أعينهم إليهم، وقد جمعكم الله في هذا الموضع، فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم، وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين.
فحمد الله عبد الله بن الحسن، وأثنى عليه، ثم قال: قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلموا فلنبايعه.
وقال أبو جعفر: لأي شيء تخدعون أنفسكم، ووالله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصور أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى - يريد محمد بن عبد الله.
قالوا: قد - والله - صدقت، إن هذا لهو الذي نعلم. فبايعوا جميعاً محمداً، ومسحوا على يده.
قال عيسى: وجاء رسول عبد الله بن الحسن إلى أبي أن ائتنا فإننا مجتمعون لأمر وأرسل بذلك إلى جعفر بن محمد - عليهما السلام - هكذا قال عيسى.
وقال غيره: قال لهم عبد الله بن الحسن: لا نريد جعفراً لئلا يفسد عليكم أمركم.
قال عيسى: فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا عليه. وأرسل جعفر بن محمد عليه السلام محمد بن عبد الله الأرقط بن علي بن الحسين، فجئناهم فإذا بمحمد بن عبد الله يصلي على طنفسة رجل مثنية، فقلت: أرسلني أبي إليكم لأسألكم لأي شيء اجتمعتم؟.
فقال عبد الله: اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله.
قالوا: وجاء جعفر بن محمد فأوسع له عبد الله بن الحسن إلى جنبه، فتكلم بمثل كلامه.
فقال جعفر: لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد " إن كنت ترى - يعني عبد الله - أن ابنك هذا هو المهدي فليس به، ولا هذا أوانه، وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضباً لله وليأمر بالمعروف وينه عن المنكر فأنا والله " لا ندعك، وأنت شيخنا، ونبايع ابنك.
فغضب عبد الله وقال: لقد علمت خلاف ما تقول " ووالله ما أطلعك الله على غيبه " ، ولكن يحملك على هذا الحسد لابني.
فقال: والله ما ذاك يحملني، ولكن هذا وإخوته وأبناؤهم دونكم، وضرب بيده على ظهر أبي العباس، ثم ضرب على كتف عبد الله بن الحسن، وقال: إنها والله ما هي إليك ولا إلى ابنيك، ولكنها لهم. وإن ابنيك لمقتولان. ثم نهض، وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري. فقال: أرأيت صاحب الرداء الأصفر - يعني أبا جعفر - ؟ قال: نعم. قال: فأنا والله مجده يقتله. قال له عبد العزيز: أيقتل محمداً؟ قال: نعم. قال: فقلت في نفسي: حسده ورب الكعبة.
قال: ثم والله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما.
قال: فلما قال جعفر ذلك نفض القوم فافترقوا ولم يجتمعوا بعدها. وتبعه عبد الصمد، وأبو جعفر، فقالا يا أبا عبد الله أتقول هذا؟.
قال: نعم أقوله والله، وأعلمه.
حدثني علي بن العباس " المقانعي " قال: أخبرنا بكار بن أحمد، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، عن عنبسة بن نجاد العابد، قال: كان جعفر بن محمد إذا رأى محمد بن عبد الله " بن حسن " تغرغرت عيناه، ثم يقول: بنفسي هو، إن الناس ليقولون فيه إنه المهدي، وإنه لمقتول، ليس " هذا " في كتاب " أبيه " علي من خلفاء هذه الأمة.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني جعفر بن محمد بن إسماعيل الهاشمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، قال: كنت أنا وجعفر متكئين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وثب فزعاً إلى رجل على بغل، فوقف معه ناحية واضعاً يده على معرفة البغل، ثم رجع فسألته عنه، فقال: إنك لجاهل به، هذا محمد بن عبد الله مهدينا أهل البيت.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني غير واحد من أصحابنا: إن محمداً دعا عمرو بن عبيد فاعتل عليه، وكان عمرو حسن الطاعة في المعتزلة خلع نعله فخلع ثلاثون ألفاً نعالهم، وكان أبو جعفر يشكر ذلك له، وكان عمرو يقول: لا أبايع رجلاً حتى أختبر عدله.
حدثني أحمد بن إسماعيل، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثنا غسان، عن أبيه، عن عبد الله بن موسى، عن عبد الله بن سعد الجهني، قال: بايع أبو جعفر محمداً مرتين، أنا حاضر إحداهما بمكة في المسجد الحرام، فلما خرج أمسك له بالركاب. ثم قال: أما إنه إن أفضى إليكما الأمر نسيت لي هذا الموقف.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن إسماعيل، قال: حدثني عبد العزيز بن عمران، قال: حدثني عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، قال:(1/56)
لما استخلفت أبو جعفر لم يكن همه إلا طلب محمد، والمسألة عنه، وعما يريد، فدعا بني هاشم رجلاً رجلاً فسألهم في خلوة، فكلهم يقول: يا أمير المؤمنين إنك قد عرفته يطلب هذا الشأن قبل هذا اليوم، وهو يخافك على نفسه، ولا يريد لك خلافاً ولا يحب لك معصية؛ إلا الحسن بن زيد فإنه أخبره خبره وقال: والله ما آمن وثوبه عليك، والله لا ينام عنك، فرأيك. قال ابن أبي عبيدة: فأيقظ من لا ينام.
حدثني عمر، قال: أخبرنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن إسماعيل، قال: سمعت القاسم " بن محمد " بن عبد الله بن عمرو بن عثمان يقول: أخبرني محمد بن وهب السلمي، عن أبي - يعني محمد بن عبد الله العثماني - : أن أبا جعفر سأل عبد الله بن الحسن عن ابنيه عام حج، فقال له فيهما مقالة الهاشميين، فأخبره أنه غير راض أو يأتيه بهما.
قال محمد بن إسماعيل، فحدثتني أمي، عن أبيها، قال: إن قلت لسليمان: يا أخي صهري صهري، ورحمي رحمي، فما ترى؟ فقال: والله لكأني أرى عبد الله بن علي حين أحال أبو جعفر الستر بيننا وبينه وهو يقول لنا هذا ما فعلتم بي، ولو كان عافياً عفا عن عمه " قال " فقبل رأيه. " قال " وكان آل عبد الله يرونها صلة من سليمان لهم.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا الحسن بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن، قال: اختصم بنو عبد الله، وعبيد الله ابني العباس، في صدقة العباس التي تدعى السعاية بينبع، فشهد محمد بن عبد الله بن الحسن عند القاضي عثمان بن عمرو التيمي أن ولايتها كانت لبني عبد الله، فأتى داود بن علي محمداً فقال: والله ما أدري ما أكافيك غير أنكم تحدثون - وذلك باطل - أنك ستلي هذه الأمة، ونتحدث - وذلك حق - أن سيكون منا الخليفة، وائت إلى المدينة فإذا جاءك رسولي وأنت في تنور فلا تخرج إلي منه.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن عباد المهلبي، عن السندي بن شاهك، قال: حدثني عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمران عن عقبة بن سلم: أن أبا جعفر دعاه فسأله عن اسمه؟ فقال: عقبة بن سلم بن نافع من الأزد، من بني هناءة.
فقال: إني لأرى لك همة وموضعاً، وإني أريدك لأمر أنا معني به.
قال: أرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين.
قال: فأخف شخصك وائتني في يوم كذا، فأتيته، فقال: إن بني عمنا هؤلاء قد أبوه إلا كيداً لملكنا، ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا يكاتبونهم، ويرسلون إليهم بصدقات، وألطاف، فأخرج بكسى وألطاف، حتى تأتيهم متنكراً بكتاب تكتبه عن أهل القرية، ثم تسير ناحيتهم، فإن كانوا نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب، وإن كانوا على رأيهم علمت ذلك، وكنت على حذر منهم، فاشخص، حتى تلقى عبد الله بن الحسن متخشعاً، فإن جبهك، وهو فاعل، فاصبر، وعاوده أبداً حتى يأنس بك فإذا ظهر لك ما قبله فاعجل علي.
ففعل ذلك، وفعل به حتى آنس عبد الله باحيته، فقال له عقبة: الجواب، فقال: أما الكتاب فإني لا أكتب إلى أحد، ولكن أنت كتابي إليهم فاقرأهم السلام، وأخبرهم أن ابني خارج لوقت كذا وكذا، فشخص عقبة حتى قدم على أبي جعفر فأخبره الخبر.
قال أبو زيد: وقال لي محمد بن إسماعيل. وسمعت جدي موسى بن عبد الله، وجماعة من أهل الحرمة لعبد الله بن الحسن يذكرون: أنه قدم عليهم فاكتنى أبا عبد الله، وانتسب إلى اليمن، وكان يقرئ ابني محمد، ويرويهم الشعر، ما رأينا رجلاً كان يصبر على الرياء على ما كان يصبر عليه، لا ينام الليل، ولا يفطر النهار. قال موسى: ثم سألني يوماً عن شيء من أمرنا؟ فقلت لأبي: اعلم والله أنه عين، فأمره بالشخوص، فهو الذي لم يخف عن أبي جعفر شيئاً من أمران.
حدثني أبو زيد. وحدثني محمد بن يحيى، قال: حدثني الحرث بن إسحاق قال: سئل أبو جعفر لما حج عبد الله بن الحسن عن ابنيه؟ فقال: لا علم لي بهما حتى تغالظا فأمصه أبو جعفر، فقال: يا ابا جعفر بأي أمهاتي تمصني، أبفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم فاطمة بنت الحسين، أم خديجة بنت خويلد، أم أم إسحاق بنت طلحة؟.(1/57)
قال: ولا بواحدة منهن، ولكن بالجرباء بنت قسامة بن رومان، فوثب المسيب بن إبراهيم، فقال: يا أمير المؤمنين: دعني أضرب عنق ابن الفاعلة! فقام زياد بن عبد الله فألقى عليه رداءه، فقال: يا أمير المؤمنين هبه علي، فأنا أستخرج لك ابنيه، فخلصه منه.
قال أبو زيد: وحدثني محمد بن عباد، عن السندي بن شاهك، قال: حدثني بكر بن عبدالله مولى آل أبي بكر، قال: حدثني علي بن رياح أخو إبراهيم بن رياح، عن صالح صاحب المصلى، قال: إني لواقف على رأس أبي جعفر، وهو يتغذى بأوطاس وهو متوجه إلى مكة، ومعه على مائدته عبد الله بن الحسن، وأبو الكرام، وجماعة من بني العباس، فأقبل على عبد الله بن الحسن، فقال: يا أبا محمد، محمد وإبراهيم أراهما قد استوحشا من ناحيتي، وإني لأحب أن يأنسا بي ويأتياني، فأصلهما وأزوجهما، وأخلطهما بنفسي، قال: وعبد الله يطرق طويلاً، ثم يرفع رأسه فيقول: وحقك يا أمير المؤمنين ما لي بهما ولا بموضعهما من البلاد علم، ولقد خرجا عن يدي. فيقول: لا تفعل اكتب إليهما وإلى من يوصل كتابك إليهما.
قال: وامتنع أبو جعفر من عامة غذائه ذلك اليوم إقبالاً على عبد الله بن الحسن وعبد الله يحلف أنه لا يعرف موضعها، وأبو جعفر يكرر عليه: لا تفعل يا أبا محمد. لا تفعل يا أبا محمد.
قال: وكان سبب هرب محمد بن أبي جعفر أن أبا جعفر كان عقد له في ناس من المعتزلة.
قال السندي بن شاهك في حديثه: قال أبو جعفر لعقبة بن سلم: إذا فرغنا من الطعام فلحظتك لحظة فامثل بين يدي عبد الله فإنه سيصرف بصره عنك فاستدر حتى تغمز ظهره بإبهام رجل، حتى يملأ عينيه منك، ثم حسبك، وإياك أن يراك ما دام يأكل ففعل عقبة ذلك، فلما رآه عبد الله وثب حتى جثا بين يدي أبي جعفر، فقال: أقلني يا أمير المؤمنين أقالك الله، قال: لا أقالني الله إن أقلتك، ثم أمر بحبسه.
أخبرني عمر بن عبد الله قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني أيوب بن عمر بن أبي عمرو قال: أخبرني محمد بن خالد المخزومي، قال: حدثني أبي، قال: أخبرني العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، قال: لما حج أبو جعفر في سنة أربعين ومائة أتاه عبد الله والحسن ابنا الحسن، فإنهما وإياي لعنده، وهو مشغول بكتاب ينظر فيه، إذ تكلم المهدي فلحن، فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين ألا تأمر بهذا من يعدل لسانه فإنه يفعل كما تفعل الأمة؟ قال: فلم يفهم، وغمزت عبد الله فلم ينتبه، وعاد لأبي جعفر فأحفظ من ذلك، وقال له: أين ابنك؟ قال: لا أدري، قال: لتأتيني به.
قال: لو كان تحت قدما ما رفعتهما عنه قال: يا ربيع قم به إلى الحبس.
أخبرني عمر، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن يحيى عن الحرث بن إسحاق، قال: حبس أبو جعفر عبد الله بن الحسن في دار مروان في البيت الذي عن يمين الداخل، وألقى تحته ثلاث حقائب من حقائب الإبل محشورة تبناً، وشخص أبو جعفر وعبد الله محبوس فأقام في الحبس ثلاث سنين.
حدثني محمد بن الحسين الأشنانين قال: حدثنا الحسين بن الحكم، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، قال: حدثني يحيى بن مساور، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، قال: لما حبس أبي عبد الله بن الحسن وأهل بيته، جاء محمد بن عبد الله إلى أمي، فقال: يا أم يحيى، ادخلي على أبي السجن، وقولي له: يقول لك محمد بأنه يقتل رجل من آل محمد خير من أن يقتل بضعة عشر رجلاً، قالت: فأتيته فدخلت عليه السجن فإذا هو متكئ على برذعة، في رجله سلسلة، قالت: فجزعت من ذلك، فقال: مهلاً يا أم يحيى فلا تجزعي فما بت ليلة مثلها، قالت: فأبلغته قول محمد، قالت: فاستوى جالساً ثم قال: حفظ الله محمداً، لا ولكن قولي له فليأخذ في الأرض مذهباً، فوالله ما يحتج عند الله غداً إلا أنا خلقنا وفينا من يطلب هذا الأمر.
حدثني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: أخبرنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا غسان بن أبي غسان " مولى " من بني ليث، قال: حدثني أبي عن الحسن بن زيد، قال:(1/58)
دخلنا على عبد الله بن الحسن بن الحسن، بعثنا إليه رياح بكلمة في أمر ابنيه، فإذا به على حقيبة في بيت فيه تبن، فتكلم القوم حتى إذا فرغوا من كلامهم أقبل علي فقال: يا ابن أخي والله لبليتي أعظم من بلية إبراهيم صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل أمر إبراهيم أن يذبح ابنه، وهو لله طاعة، قال إبراهيم: " إن هذا لهو البلاء المبين " وإنكم جئتموني تكلمونني في أن آتي بابني هذا الرجل فيقتلهما، وهو لله جل وعز معصية، فوالله يا بن أخي لقد كنت على فراشي فما يأتيني النوم، وإني على ما ترى أطيب نوماً. فأقام عبد الله في الحبس ثلاث سنين.
أخبرني " عمر بن عبد الله، قال " حدثني " عمر بن شبة، قال: حدثني أيوب بن عمر، قال: حدثني الزبير بن المنذر مولى عبد الرحمن بن العوام، قال: كان لرياح بن عثمان صاحب يقال له أبو البختري، فحدثني أن رياحاً لما دخلها أميراً قال: يا أبا البختري هذه دار مروان، أما والله إنها لمحلال مظغان، ثم قال لي: يا أبا البخري خذ بيدي حتى ندخل على هذا الشيخ، فأقبل متكئاً على حتى وقف علي عبد الله بن الحسن، فقال: أيها الشيخ، إن أمير المؤمنين والله ما استعملني لرحم قرابة، ولا ليد سبقت مني إليه، والله لا تتلعب بي كما تلعبت بزياد وابن القسري، والله لأزهقن نفسك، أو لتأتيني بابنيك محمد وإبراهيم.
قال: فرفع إليه رأسه، وقال: نعم، أما والله إنك لأزيرق قيس، المذبوح فيها كما تذبح الشاة.
قال: فانصرف والله رياح آخذاً بيدي أجد برد يده، وإن رجليه ليخطان مما كلمة. قال: قلت: إن هذا والله ما اطلع على علم الغيب. قال: أيها ويلك والله ما قال إلا ما سمع: قال: فذبح والله كما تذبح الشاة.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني محمد بن يحيى، عن الحرث بن إسحاق، قال: لم يزل بنو الحسن محبوسين عند رياح حتى حج أبو جعفر سنة أربع وأربعين ومائة، فتلقاه ياح بالربذة، فرده إلى المدينة، وأمره بإشخاص بني الحسن " إليه، وبإشخاص محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان، وهو أخو بني حسن لأمهم جميعاً فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب " فأرسل إليه " رياح " وكان بماله ببدر فحذره إلى المدينة.
أخبرني عمر، قال: حدثني عمر بن شبة، قال: حدثني عيسى بن عبد الله، قال: حدثني علي بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي، قال: حضرت باب رياح في المقصورة، فقال الآذان: من كان هاهنا من بني الحسن فليدخل. فقال لي عمي عمر بن محمد: أنظر ما يصنع بالقوم. قال: فدخلوا من باب المقصورة وخرجوا من باب مروان.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عيسى بن عبد الله، قال: حدثني عبد الله بن عمران بن أبي فروة، قال: الذي حدرهم إلى الربذة أبو الأزهر.
قال أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني: حدثني أحمد بن عيسى العجلي، ومحمد بن الحسين الأشناني، وعلي بن العباس المقانعي، قالوا: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: أخبرني الحسين بن زيد بن علي. وحدثني أحمد بن الجعد، قال: حدثنا عبد الله بن مروان بن معاوية الفزاري، قال: حدثنا الحسين بن زيد. وأخبرني عمر بن عبد الله قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني ابن زبالة، عن الحسين بن زيد. وأخبرني إسماعيل بن محمد المزني، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا الحسين بن زيد. وقد دخل حديث بعضهم في حديث الآخرين، قال:(1/59)
إني لواقف بين القبر والمنبر، إذ رأيت بني الحسن يخرج بهم من دار مروان، مع أبي الأزهر يراد بهم الربذة فأرسل إلي جعفر بن محمد فقال: ما وراءك؟. قلت: رأيت بني الحسن يخرج بهم في محامل. فقال: اجلس. فجلست. قال: فدعا غلاماً له، ثم دعا ربه كثيراً، ثم قال لغلامه: اذهب فإذا حملوا فأت فأخبرني. قال: فأتاه الرسول فقال: قد أقبل بهم. فقام جعفر فوقف وراء ستر شعر أبيض من ورائه، فطلع بعبد الله بن الحسن، وإبراهيم بن الحسن، وجميع أهلهم، كل واحد منهم معادله مسود، فلما نظر إليهم جعفر بن محمد هملت عيناه حتى جرت دوعه على لحيته، ثم أقبل علي فقال: يا أبا عبد الله، والله لا تحفظ لله حرمة بعد هذا والله ما وفت الأنصار، ولا أبناء الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما أعطوه من البيعة على العقبة. ثم قال جعفر: حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " خذ عليهم البيعة بالعقبة " فقال: كيف آخذ عليهم؟ قال: خذ عليهم يبايعون الله ورسوله. قال ابن الجعد في حديثه: على أن يطاع الله فلا يعصى. وقال الآخرون: على أن تمنعوا رسول الله وذريته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم. قال: فوالله ما وفوا له حتى خرج من بين أظهرهم، ثم لا أحد يمنع يد لامس، اللهم فاشدد وطأتك على الأنصار.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عثمان بن المنذر، قال: لما أن خرج ببني الحسن قام ابن حصين فقال: ألا رجل أو رجلان يعاقداني على هؤلاء القوم؟ فوالله لأقطعن بهم الطريق، فلم يجبه أحد.
أخبرني عمر، قال: حدثني أبو زيد، قال: حدثنا القحدمي، قال: حدثني عبد الله بن عثمان، عن محمد بن هاشم بن البريد مولى معاوية، قال: كنت بالربذة فأتى ببني الحسن مغلولين، معهم العثماني كأنه خلق من فضة، فأقعدوا، فلم يلبثوا أن خرج رجل من عند أبي جعفر المنصور فقال: أين محمد بن عبد الله العثماني؟ فقام فدخل فلم نلبث أن سمعنا وقع السياط. قال: فأخرج كأنه زنجي قد غيرت السياط لونه، وأسالت دمه، وأصاب سوط منها إحدى عينيه فسالت وأقعد إلى جنب أخيه عبد الله بن الحسن فعطش فاستسقى. فقال عبد الله بن الحسن: من يسقي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء؟ فتحاماه الناس وجاءه خراساني بماء فسلمه إليه فشرب، ثم لبث هنيهة فخرج أبو جعفر في محمل، والربيع معادله. فقال عبد الله بن الحسن: يا أبا جعفر، والله ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر.
فأخسأه أبو جعفر وثقل عليه ومضى ولم يعرج.
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عيسى، قال: حدثني مسكين بن عمرو، قال: قال أبو جعفر له: أليس ابنتك التي تختضب للزناء؟.
قال: لو عرفتها علمت أنها كما تسرك من نساء قومك.
قال: يا ابن الفاعلة.
قال: يا أبا جعفر أي نساء الجنة تزني؟ أفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم فاطمة بنت الحسين؟ أم خديجة بنت خويلد؟.
قال: فضربه ثم شخص به.
قال أبو زيد: وحدثني محمد بن أبي حرب أنه قال له: أليس ابنتك تحت ابن عبد الله؟.
قال: بلى ولا عهد لي به إلا بمنى في سنة كذا وكذا.
قال: فهل رأيت ابنتك تمتشط وتختضب؟ قال: نعم. قال: فهي إذن فاعلة؟ قال: مع يا أمير المؤمنين، أتقول هذا لابنة عمك؟.
قال: يا ابن اللخناء. قال: أي أمهاتيتلخن؟ قال: يا ابن الفاعلة. ثم ضرب وجهه.
أخبرني عمر بن عبد الله قال حدثنا أبو بكر - يريد عمر بن شبة - ، قال: حدثنا ابن عائشة، قال: أراد أبو جعفر أن يغيظ عبد الله بن الحسن، فضرب العثماني، وجعل بعيره أمام بعير عبد الله، فكان إذا رأى ظهره وأثر السياط فيه يجزع.
أخبرني عمر قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني موسى بن سعيد، عن أبيه، قال: لما ضرب محمد العثماني لصق رداؤه بظهره فجف، فأرادوا أن يخلصوه، فصاح عبد الله بن الحسن: لا، ثم دعا بزيت فأمر به فطلى به الرداء، ثم سلوه سلاً.
أخبرنا عمر، قال: حدثنا أبو زيد، قال: حدثني عيسى، قال: حدثني سليمان بن داود بن الحسن، قال: ما رأيت عبد الله جزع نم شيء إلا يوماً واحداً فإن بعير محمد بن عبد الله انبعث به وهو غافل لم يتأهب له، وفي رجليه سلسلة، وفي عنقه زمارة، فهوى وعلقت الزمارة بالمحمل، فرأيته منوطاً بعنقه يضطرب، ورأيت " عبد الله بن حسن " جزع وبكى بكاء شديداً.(1/60)