فلم يزل مصلوباً حتى إذا جاءت المسودة فأنزلوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه ثم دفنوه فعل ذلك خالد بن إبراهيم أبو داود البكري، وحازم بن خزيمة وعيسى بن ماهان. وأراد أبو مسلم أن يتبع قتلة يحيى بن زيد فقيل له: عليك بالديوان، فوضعه بين يديه وكان إذا مر به اسم رجل ممن أعان على يحيى قتله، حتى لم يدع أحداً قدر عليه ممن شهد قتله.
عبد الله بن محمد
وعبد الله بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أخو جعفر بن محمد أمهما جميعاً أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.
وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر لأم ولد.
حدثنا علي بن الحسين، قال: أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن العلوي، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن مسلمة، قال: حدثنا زكريا بن يحيى، عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه، قال: دخل عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين بن علي على رجل من بني أمية فأراد قتله. فقال عبد الله بن محمد: لا تقتلني أكن لله عليك عيناً، ولك على الله عوناً، فقال: لست هناك، وتركه ساعة، ثم سقاه سماً في شراب سقاه إياه فقتله.
عبد الله بن المسور
وعبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا سليمان بن أبي شيخ، قال: حدثنا محمد بن الحكم، عن عوانه، قال: كان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، من أشد الناس عقوبة، وكان معه عبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب فبلغه أنه يقول: أنا ابن عون بن جعفر، فيضربه بالسياط حتى قتله.
قال: وذكر أحمد بن الحرث الخراز، عن المدائني، عن رجاله: أن معاوية دعا بامرأة ابن المسور وكلهما بشيء فراجعته، فأمر بقتلها فقتلت.
عبد الله بن معاوية
وعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن علي بن أبي طالب عليه السلام. ويكنى أبا معاوية. وإياه عني إبراهيم بن هرمة بقوله:
أحب مدحاً أبا معاوية الما ... جد لا تلقه حصوراً عييا
بل كريماً يرتاح للمجد بسا ... ماً إذا هزه السؤال حييا
إن لي عنده وإن رغم الأع ... داء وداً من نفسه وقفيا
إن أمت تبق مدحتي وثنائي ... وإخائي من الحياة مليا
يا ابن أسماء فاسق دلوى فقد أو ... ردتها مشرباً يثج رويا
يعني أمه أسماء، وهي أم عون بنت العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب.
وكان عبد الله بن معاوية جواداً فارساً شاعراً، ولكنه كان سيء السيرة، رديء المذهب، قتالاً، مستظهراً ببطانة السوء ومن يرمى بالزندقة، ولولا أن يظن أن خبره لم يقع علينا لما ذكرناه مع من ذكرناه. ولا بد من ذكر بعض أخباره.
حدثني أحمد بن عبد الله بن عمار، قال: حدثني علي بن محمد النوفلي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي عيسى، قال: كان عمارة بن حمزة يرمى بالزندقة، فاستكتبه عبد الله بن معاوية، وكان له نديم يعرف بمطيع بن إياس، وكان زنديقاً مأبوناً، وكان له نديم آخر يعرف بالبقلي وإنما سمي بذلك لأنه كان يقول الإنسان كالبقلة فإذا مات لم يرجع، قتله المنصور بعد أن أفضت إليه الخلافة. وكان هؤلاء الثلاثة خاصته، وكان له صاحب شرطة يقال له: قيس وكان دهرياً لا يؤمن بالله، معروفاً بذلك، فكان يعس بالليل فلا يلقاه أحد إلا قتله، فدخل يوماً على ابن معاوية فلما رىه قال:
إن قيساً وإن تقنع شيبا ... لخبث الهوى على شمطه
ابن تسعين منظراً وشيبا ... وابن عشرين يعد في سقطه
فأقبل على مطيع فقال: أجز أنت. فقال:
وله شرطة إذا جنه اللي ... ل فعوذوا بالله من شرطه
قال أبو العباس بن عمار: أخبرني أحمد بن الحرث الخزاز، عن المدائني، عن أبي اليقظان، وشهاب بن عبد الله وغيرهما. قال بن عمار: وحدثني سليمان بن أبي شيخ، عمن ذكره: إن ابن معاوية كان يغضب على الرجل فيأمر بضربه بالسياط، وهو يتحدث، ويتغافل عنه حتى يموت تحت السياط. وأنه فعل ذلك برجل فجعل يستغيث فلا يلتفت إليه، فناداه يا زنديق، أنت الذي تزعم أنه يوحى إليك. فلم يلتفت إليه، وضربه حتى مات.(1/46)


حدثني أحمد بن عبيد الله " بن عمار " ، قال: حدثني النوفلي عن عمه عيسى، قال: كان ابن معاوية أقسى خلق الله قلباً، فغضب على غلام له، وأنا عنده جالس في غرفة بإصبهان، فأمر أن يرمي به منها إلى أسفل، ففعل ذلك به، فسقط وتعلق بدرابزين كان على الغرفة، فأمر بقطع يده التي أمسكه بها، فقطعت وخر الغلام يهوي حتى بلغ الأرض فمات. وكان مع هذه الأحوال من ظرفاء بني هاشم، وشعرائهم، وهو الذي يقول:
ألا تزغ القلب عن جهله ... وهما تؤنب من أجله
فيبدل بعد الصبي حكمة ... ويقصر ذو العذل عن عذله
فلا تركبن الصنيع الذي ... تلوم أخاك على مثله
ولا يعجبنك قول امرئ ... يخالف ما قال في فعله
ولا تتبع الطرف ما لا ينال ... ولكن سل الله من فضله
وكم من مقل ينال الغنى ... ويحمد في رزقه كله
أنشدنا هذا " الشعر " ابن عمار، عن أحمد بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين.
وذكر محمد بن علي بن حمزة العلوي أن يحيى بن معين أنشد له:
إذا افتقرت نفسي قصرت افتقارها ... عليها فلم يظهر لها أبداً فقر
وإن تلقني في الدهر مندوحة الغنى ... يكن لأخلائي التوسع واليسر
فلا العسر يزري بي إذا هو نالني ... ولا اليسر يوماً إن ظفرت هو الفخر
أنشدنا أحمد " بن محمد " بن سعيد " بن عقدة " قال: أنشدني يحيى بن الحسن لعبد الله بن معاوية في الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس:
قل لذي الود والوفاء حسين ... اقدر الود بيننا قدره
ليس للدابغ المقرظ بد ... من عتاب الأديم ذي البشرة
" قال " : وقال أيضاً:
إن ابن عمك وابن أم ... ك معلم شاكي السلاح
يقص العدو وليس ير ... ضى حين يبطش بالجراح
لا تحسبن أذى ابن عم ... ك شرب ألبان اللقاح
بل كالشجا تحت اللها ... ة إذا يسوغ بالقراح
فانظر لنفسك من يحبك ... تحت أطراف الرماح
من لا يزال يسوءه ... بالغيب أن يلحاك لاح
ذكر السبب في خروجه ومقتله
أخبرني به أحمد بن عبيد الله بن عمار، قال: حدثنا علي بن محمد النوفلي، عن أبيه مشايخه. قال: علي بن الحسين: وأضفت إلى ذلك ما ذكره محمد بن علي بن حمزة في كتابه.
قالوا: لما بويع ليزيد بن الوليد الذي يقال له يزيد الناقص، تحرك عبد الله بن معاوية بالكوفة، ودعا الناس إلى بيعته علي الرضا من آل محمد، ولبس الصوف، وأظهر سيماء الخير، فاجتمع إليه نفر من أهل الكوفة فبايعوه، ولم يجتمع أهل المصر كلهم عليه، وقالوا له: ما فينا بقية فقد قتل جمهورنا مع أهل هذا البيت، وأشاروا عليه بقصد فارس ونواحي المشرق، فقبل ذلك، وجمع جموعاً من النواحي، وخرج معه عبد الله بن العباس التميمي.
قال علي بن الحسين: قال محمد بن حمزة، عن سليمان بن أبي شيخ، عن محمد بن الحكم، عن عوانة: أن ابن معاوية قبل قصده المشرق ظهر بالكوفة ودعا الناس إلى نفسه، وعلى الكوفة يومئذ عامل ليزيد الناقص يقال له: عبد الله بن عمر، فخرج إلى ظاهر الكوفة مما يلي الحرةن فقاتل ابن معاوية قتالاً شديداً.
قال علي بن الحسين، قال محمد بن علي بن حمزة، عن المدائني، عن عامر بن حفص، وأخبرني به ابن عمار، عن أحمد بن الحرث، عن المدائني: أن ابن عمر هذا دس إلى رجل من أصحاب ابن معاوية من وعد عنه بمواعيد على أن ينهزم عنه، وينهزم الناس بهزيمته، فبلغ ذلك ابن معاوية فذكره لأصحابه وقال: إذا انهزم ابن ضمرة فلا يهولنكم. فلما التقوا انهزم ابن ضمرة، وانهزم الناس معه، فلم يبق غير ابن معاوية، فجعل يقاتل وحده ويقول:
تفرقت الظباء على خراش ... فما يدري خراش ما يصيد
ثم ولى وجهه منهزماً فنجا وجعل " يقول للناس، و " يجمع من الأطراف والنواحي من أجابه، حتى صار في عدة، فغلب على مياه الكوفة، ومياه البصرة، وهمدان، وقم، والري، وقومس وإصبهان، وفارس، وأقام هو بإصبهان.(1/47)


قال: وكان الذي أخذ له البيعة بفارس محارب بن موسى مولى بني يشكر فدخل دار الإمارة بنعل ورداء، فاجتمع الناس إليه فأخذهم بالبيعة فقالوا: علام نبايع؟ فقال: على ما أحببتم وكرهتم. فبايعوه على ذلك.
وكتب عبد الله بن معاوية، فيما ذكر محمد بن علي بن حمزة، عن عبد الله بن محمد بن إسماعيل الجعفري، عن أبيه، عن عبد العزيز بن عمران، عن محمد بن جعفر بن الوليد مولى أبي هريرة " ومحرز بن جعفر " .
أن عبد الله بن معاوية كتب إلى الأمصار يدعو إلى نفسه لا إلى الرضا من آل محمد. قال: واستعمل أخاه الحسن على اصطخر، وأخاه يزيد على شيراز، وأخاه علياً على كرمان، وأخاه صالحاً على قم ونواحيها. وقصدته بنو هاشم جميعاً، منهم السفاح، والمنصور " وعيسى بن علي. وقال ابن أبي خيثمة، عن مصعب: وقصده وجوه قريش من بني أمية وغيرهم، فمن قصده من بني أمية سليمان بن هشام بن عبد الملك، وعمر بن سهيل بن عبد العزيز بن مرون " ، فمن أراد منهم عملاً قلده، ومن أراد صلة وصله. فلم يزل مقيماً في هذه النواحي التي غلب عليها حتى ولى مروان بن محمد الذي يقال له: مروان الحمار، فوجه إليه عامر بن ضبارة في عسكر كثيف، فسار إليه حتى إذا قرب من أصبهان ندب ابن معاوية أصحابه إلى الخروج إليه وقتاله، فلم يفعلوا ولا أجابوه، فخرج على دهش هو وإخوته قاصدين لخراسان، وقد ظهر أبو مسلم بها، ونفى عنها نصر بن سيار، فلما صار في طريقه نزل على رجل من التناءذي مروءة ونعمة وجاءه فسأله معونته. فقال: أنت من ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا.
قال: أفأنت إبراهيم الإمام الذي يدعى له بخراسان؟ قال: لا. قال: فلا حاجة لي في نصرتك.
فخرج إلى أبي مسلم وطمع في نصرته فأخذه أبو مسلم فحبسه عنده.
واختلف في أمره بعد محبسه. فقال بعض أهل السير: إنه لم يزل محبوساً حتى كتب إلى أبي مسلم رسالته المشهورة التي أولها: من الأسير في يديه المحبوس بلا جرم لديه، وهي طويلة لا معنى لذكرها هاهنا. فلما كتب إليه بذلك أمر بقتله.
وقال آخرون: بل دس إليه سماً فمات منه، ووجه برأسه إلى ابن ضبارة، فحمله إلى مروان.
وقال آخرون: سلمه حياً إلى ابن ضبارة فقتله، وحمل رأسه إلى مروان.
أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبه قال: حدثنا محمد بن يحيى: أن عمر بن عبد العزيز بن عمران حدثه عن محمد بن عبد العزيز، عن عبد الله بن الربيع، عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة: أنه حضر مروان يوم الزاب، وهو يقاتل عبد الله بن علي " فسأل عنه " فقيل: هو الشاب المصفر الذي كان يسب عبد الله بن معاوية يوم جيء برأسه إليك. فقال: والله لقد هممت بقلته مراراً، - كل ذلك يحال بيني وبينه، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، والله لوددت أن علي بن أبي طالب يقاتلني مكانه، فقلت: أتقول مثل هذا لعلي في موضعه ومحله؟ قال: لم أرد الموضع والمحل، ولكن علياً وولده لا حظ لهم في الملك. فلما ورد الخبر على أبي جعفر المنصور أن إبراهيم بن عبد الله بن حسن هزم عيسى بن موسى، أراد الهرب، فحدثته بهذا الحديث، فقال: بالله الذي لا إله إلا هو إنك صادق؟ فقلت: بنت سفيان بن معاوية طالق ثلاثاً إني لصادق.
وكان مخرج عبد الله بن معاوية في سنة سبع وعشرين ومائة وفيه يقول أبو مالك الخزاعي:
تنكرت الدنيا خلاف ابن جعفر ... علي وولي طيبها وسررها
عبيد الله بن الحسين
وعبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام وأمه أم خالد بنت حسن بن مصعب بن الزبير بن العوام.
وأمها أمينة بنت خالد بن الزبير بن العوام، لأم ولد.
ويكنى عبيد الله: أبا علي.
قال علي بن الحسين: ذكر محمد بن علي بن حمزة: أن أبا مسلم دس إليه سماً فمات منه، ولم يذكر ذلك يحيى بن حسن العلوي، ووصف أن عبيد الله مات في حياة أبيه، وقد كان يحيى حسن العناية بأخبار أهله.
ولعل هذا وهم من محمد بن علي بن حمزة وهؤلاء جميع من انتهى إلينا خبر مقتله في أيام بني أمية سوى ما اختلف في أمره منهم، رضوان الله عليهم أجمعين.
ذكر من قتل منهم في الدولة العباسية
أيام أبي العباس السفاح
قال أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني رحمه الله:(1/48)


ولا أعلمه قتل أحداً منهم، ولا أجري إلى جليس له مكروهاً، إلا أن محمداً وإبراهيم خافاه فتواريا عنه، وكانت بينه وبين أبيهما مخاطبات في أمرهما.
مها ما أخبرني به عمر بن عبد الله بن جميل العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة قال: حدثني محمد بن يحيى، قال: لما تولى أبو العباس، وفد إليه عبد الله بن الحسن بن الحسن، وأخوه الحسن بن الحسن، فوصلهما، وخص عبد الله، وواخاه وآثره، حتى كان يتفضل بين يديه في ثوب؛ وقال له: ما رأي أمير المؤمنين غيرك على هذا الحال، ولكن أمير المؤمنين إنما يعدك عما ووالداً. وقال له: إني كنت أحب أن أذكر لك شيئاً.
فقال عبد الله: ما هو يا أمير المؤمنين؟ فذكر ابنيه محمداً، وإبراهيم، وقال: ما خلفهما ومنعهما أن يفدا إلى أمير المؤمنين مع أهل بيتهما؟ قال: ما كان تخلفهما لشيء يكرهه أمير المؤمنين. فصمت أبو العباس ثم سمر عنده ليلة أخرى فأعاد عليه، ثم فعل ذلك به مراراً، ثم قال له: غيبتهما بعينك، أما والله ليقتلن محمد على سلع، وليقتلن إبراهيم على النهر العياب.
فرجع عبد الله ساقطاً مكتئباً، فقال له أخوه الحسن بن الحسن: ما لي أراك مكتئباً؟ فأخبه، فقال: هل أنت فاعل ما أقول لك؟ قال: ما هو؟ قال: إذا سألك عنهما فقل: عمهما حسن أعلم الناس بهما " فقال له عبد الله " وهل أنت محتمل ذلك لي؟ قال: نعم.
فدخل عبد الله على أبي العباس كما كان يفعل، فرد عليه ذكر ابنيه، فقال له عمهما: يا أمير المؤمنين أعلم الناس بهما فاسأله عنهما، فصمت عنه حتى افترقا، ثم أرسل إلى الحسن فقص عليه ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين، أكلمك على هيبة الخلافة، أو كما يكلم الرجل ابن عمه؟ قال: بلم كما يكلم الرجل ابن عمه، فإنك وأخاك عندي بكل منزلة.
قال: إني أعلم أن الذي هاج لك ذكرهما بعض ما قد بلغك عنهما، فأنشدك الله هل تظن أن الله إن كان قد كتب في سابق علمه أن محمداً وإبراهيم وال من هذا الأمر شيئاً، ثم أجلب أهل السماوات والأرض بأجمعهم على أن يردوا شيئاً مما كتب الله لمحمد وإبراهيم أكانوا راديه؟ وإن لم يكن كتب لمحمد ذلك أنهم حائزون إليه شيئاً منه؟.
فقال: لا والله، ما هو كائن إلا ما كتب الله.
فقال: يا أمير المؤمنين ففيم تنغيصك على هذا الشيخ نعمتك التي أوليته وإيانا معه؟.
قال: فلست بعارض لذكرهما بعد مجلس هذا ما بقيت، إلا أن يهجيني شيء فأذكره. فقطع ذكرهما، وانصرف عبد الله إلى المدينة.
أخبرني أحمد بن محمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن بن جعفر، قال: حدثني علي بن أحمد الباهلي، قال: سمعت مصعب بن عبد الله يقول: أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا موسى بن سعيد بن عبد الرحمن، وأيوب بن عمر، عن إسماعيل بن أبي عمرو، قالوا: لما بنى أبو العباس بناءه بالأنبار، الذي يدعى برصافة أبي العباس. قال لعبد الله بن الحسن: ادخل معي فانظر، فدخل معه فلما رآه قال: ألم تر حوشباً؟ ثم قطع. فقال له أبو العباس: أنفذه.
قال: يا أمير المؤمنين ما أردت إلا خيراً. فقال: والعظيم لا تريم أو تنفذه. فقال:
ألم تر حوشياً أمس يبني ... بيوتاً نفعها لبني نفيلة
يؤمل أن يعمر ألف عام ... وأمر الله يطرق كل ليلة
قال عمر بن شبة في حديثه عن موسى بن سعيد: فاحتملها أبو العباس ولم يتلفه بها.
وقال مصعب: فقال له: ما أردت بهذا؟ فقال: أزهدك في القليل الذي بينته.
أخبرني عمر بن عبد الله العتكي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني يعقوب بن القاسم، قال: حدثني عمر بن شهاب، وحدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، عن الزبير، وحدثني حرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا الزبير، عن محمد بن الضحاك: أنا أبا العباس كتب إلى عبد الله بن الحسن في تغيب ابنيه:
أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد
وقال عمر بن شبة عن رجاله: إنه كتب به إلى محمد فأجابه بالأبيات.
ذكر الزبير، عن محمد بن الضحاك: أنها لعبد الله بن الحسن بن الحسن. وذكر عمر بن شبة: أنهم بعثوا إلى عبد الرحمن بن مسعود مع أبي حسن فأجابه بهذه الأبيات:
وكيف يريد ذاك وأنت منه ... بمنزلة النياط من الفؤاد
وكيف يريد ذاك وأنت منه ... وزندك حين يقدح من زناد(1/49)


وكيف يريد ذاك وأنته منه ... وأنت لهاشم رأس وهاد
أخبرني عمر بن عبد الله، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال: حدثنا الحسين بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن الحسن، قال: بينا أنا في سمر مع أبي العباس، وكان إذا تثاءب أو ألقى المروحة قمنا، فألقاها ليلة فقمنا، فأمسكني فلم يبق غيري، فأدخل يده تحت فراشه، فأخرج إضبارة كتب، فقال: اقرأ يا أبا محمد " فقرأت " فإذا كتاب " من " محمد إلى هشام بن عمرو بن البسطام التغلبي، يدعوه إلى نفسه. فلما قرأته قلت: يا أمير المؤمنين لك عهد الله وميثاقه ألا تر منهما شيئاً تكرهه ما كانا في الدنيا.
قال أبو الفرج: ولعبد الله وولده في أيام أبي العباس، وقبلهما مع بني أمية أخبار في هذا الجنس من تغيبهما، وطلبهم إياهما، كرهت الإطالة بذكرها، واقتصرت على هذه الجملة منها.
أيام أبي جعفر المنصور
ومن قتل منهم فيها وكان أبو جعفر المنصور قد طلب محمداً، وإبراهيم فلم يقدر عليهما، فحبس عبد الله بن الحسن وإخوته، وجماعة من أهل بيته بالمدينة، ثم أحضرهم إلى الكوفة فحبسهم بها، فلما ظهر محمد قتل عدة منهم في الحبس، فلم تنتظم لي أخبارهم فإفراد خبر كل واحد منهم على حدته، إذ كان ذلك مما تقطع به حكاية قصصهم، فصدرت أسماءهم، وأنسابهم، وشيئاً من فضائلهم، ثم ذكرت بعد ذلك أخبارهم، عليهم السلام.
عبد الله بن الحسن بن الحسن
وعبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام يكنى أبا محمد.
وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب.
وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله.
وأمها الجرباء بنت قسامة بن رومان من طيء.
أخبرني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: إنما سميت الجرباء بنت قسامة لحسنها، كانت لا تقف إلى جانبها امرأة - وإن كانت جميلة - إلا استقبح منظرها لجمالها، وكان النساء يتحامين أن يقفن إلى جانبها، فشبهت بالناقة الجرباء التي تتوقاها الإبل مخافة أن تعديها.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن الحسن، قال: حدثنا إسماعيل بن يعقوب، قال: حدثني " جدي " عبد الله بن موسى " بن عبد الله بن الحسن " قال: خطب الحسن بن الحسن إلى عمه الحسين، وسأله أن يزوجه إحدى ابنتيه، فقال له الحسين: اختر يا بني أحبهما إليك، فاستحيا الحسن، ولم يحر جواباً. فقاله له الحسين: فإني قد اخترت لك ابنتي سكينة، فهي أكثرهما شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وقال حرمي بن العلاء، عن الزبير بن بكار: أن الحسن " لما خيره عمه " اختار فاطمة. وكانوا يقولون: إن امرأة مردودة بها سكنية لمنقطعة القرين في الجمال.
وقد كانت فاطمة تزوجت بعد الحسن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، وهو عم الشاعر الذي يقال له العرجي، فولدت له أولاداً، منهم محمد المقتول مع أخيه عبد الله بن الحسن، ويقال له الديباج، والقاسم، والرقية، بنو عبد الله بن عمرو.
وكان عبد الله بن الحسن " بن الحسن " شيخ بني هاشم، والمقدم فيهم، وذا الكثير منهم فضلاً، وعلماً وكرماً.
حدثني أحمد بن محمد الهمداني، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثنا علي بن أحمد الباهلي، قال: سمعت مصعباً الزبيري يقول: انتهى كل حسن إلى عبد الله بن الحسن، وكان يقال: من أحسن الناس؟ فيقال: عبد الله بن الحسن، ويقال: من أفضل الناس؟ فيقال: عبد الله بن الحسن ويقال من أقول الناس؟ فيقال: عبد الله بن الحسن. وحدثنا الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا مصعب مثله.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، والحسن بن علي السلولي، قالا: حدثنا عباد بن يعقوب قال: حدثنا تلميذ، قال: رأيت عبد الله بن الحسن بن الحسن، وسمعته يقول: أنا أقرب الناس من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولدني رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين.
حدثني أحمد بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن الحسن، قال: حدثني إسماعيل بن يقعوب، قال: حدثني عبد الله بن موسى، قال: أول من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عبد الله بن الحسن بن الحسن.
حدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا بندقة بن محمد بن حجارة الدهان، قال:(1/50)

10 / 36
ع
En
A+
A-