تنبيه: والحجة على جواز العمل بالإجازة لمن قال بها ما قاله الإمام يحيى بن حمزة لمن أجاز له فقال ما لفظه: والإجازة طريق مقبولة في رواية الحديث متفق عليها بين الأصوليين وأئمة الحديث، وقال [المؤيد بالله] محمد بن القاسم: وهي مسوغة للرواية والنقل والعمل بالاتفاق، وعلى أن السلف مشوا على ذلك وتبعهم الخلف فكان حجة أو إجماعاً لا يشترط إلا العدالة، إذ العدل لا يطلق مثل ذلك إلاَّ وقد صح له سماعه أو أذن له فيه.(1/36)


قال الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم بن محمد بن علي في كتاب كتبه إلى القاضي أحمد بن يحيى الآنسي وصح لنا سماعه: وروى لي الثقة أن الكلام لوالده القاسم ـ عليه السلام ـ ولفظه بعد حذف أول الكتاب: وهل الإجازة طريق صحيحة؟ فإن إبلاغ الشرائع كما عرفتم وتفهيم الأحكام عهد الله إلى العلماء، وميراث الأنبياء الذي أُخِذَ عليهم تبليغه إليهم، واستحفظ منهم من يحفظ ذلك من أهل بيت نبيه، وكما أخذ عليهم في تبليغه إليهم بما أمكن من الطرق، مشافهة أو مراسلة، أو مكاتبة أخذ عليهم وأمرهم، وقد نزَّلها العلماء منازل، وردوا بعضها إلى بعض، وحصروها في خمس طرق، لا فارق بينها في الحكم إلا باعتبار العلو كما لا فارق في التزام أحكام هذه الشريعة من إسلام أو كفر أو نحو ذلك، بابها الأشرف مشافهة الرسول وطمأنينة النفس، وإلا لذهب: (تسمعون ويسمع الذين يسمعون من الذين يسمعون منكم) إلى غير ذلك، ونظير أخبار الأستاذ التلميذ رواية أو حكماً أو فتوى، وأجرى مجراه نحو قراءة التلميذ وسماع التلميذ إياه ولا مانع من سهو ولا غرة، وقصده بذلك مشافهة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإخباره من بحضرته، ونظير الإجازة نحو أمره بقراءة كتاب أو قراءته أو العمل بما فيه أمره صلى الله عليه وآله وسلم، نحو المنادي: ((ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريضة)) وتأمير علي ـعليه السلامـ لتبليغ آيات (براءة) و((ألا لا يحجنَّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)) ، ونظير الوجادة بما صرف في الكتب الصحيحة المتداولة بين أهل العدل مما يتعلق به كتبه إلى الملوك، وكتب تعيين فرائض الأنعام والديات، كما في كتاب عمرو بن حزم، وكتبه إلى الأقيال والعباهلة من حمير وغير ذلك.(1/37)


نعم وللإجازة ما ذكرنا من الحكم، وأنها أحد طرق الرواية مما وجب؛ لأنها من حكم في عمل أو رأيه وجب للآخر، ولا فارق بينهما وبين السماع إلا ما ذكرناه من اعتبار العلو والترجيح، ونزيد ذلك إيضاحاً أن نقول: هي إما خبر جملي، والخبر الجملي معمول به كالأذن للمحجور في التصرف، أو وكالة والوكالة أصل من أصول الشريعة المطهرة في قولٍ أو عمل أو خبر ضمير كاشهدوا على مضمون هذا الكتاب، على أن ذلك معنى الإقتداء بالأنبياء، وقد بلغ نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ما أمر به مرة بنفسه، وأخرى برسول، وثالثة بكتاب وترتب على ذلك معاملة، نحو كسرى وقيصر والنجاشي في إسلام وكفر، وكفى بتقرير الله كتاب سليمان ـعليه السلامـ إلى بلقيس في كتابه الكريم قال تعالى: ?إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَان وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ?[النمل: 29، 30]، وبما قضى الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، بقوله: ?مَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ? [العنكبوت: 48] فسوى في ذلك بين الخط والتلاوة، ونفى الارتياب، وكذلك ما أكد سبحانه نحو الشهادة في الكتب قال سبحانه: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ?[البقرة: 282] وفائدة ذلك الرجوع إليها والاعتماد عليها، والخبر فرع عنها، بل خبر عنه تعالى بالحكم شهادة عليه به وبما في كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه كان يتحملها آحاد الرسل ولم يعلموا بما فيها وما ذاك إلا ليعمل بموجبها من لم يطلع عليها ما ذاك إلا للإجازة، على أن السلف مشوا على ذلك وتبعهم الخلف، فكان حجة أو إجماعاً، لا يشترط إلا العدالة، إذ العدل لا يطلق مثل ذلك إلا وقد صح له سماعه وأذن له فيه، ثم قال في(1/38)


آخر كلامه: على أن المصنف لكتب الهداية لم يصنفها إلا وقد أذن بالأخذ عنها والعمل بما فيها، وقد صرح بذلك الإمام المهدي أحمد بن يحيى ـ عليه السلام ـ في (المنهاج) وأجاز وبخط يده كتابه (الغيث) لمن أطل عليه، وكذلك القارئ المصحح لها لفظاً أو معنى.
قال السيد الهادي بن يحيى في هامش كتاب أبيه (الجوهرة) ما لفظه: حسبنا الله وحده، وصلى وسلم على محمد وآله وسلم: سمعت هذا الكتاب على حياة الوالد قدس الله روحه، وقد أجزت لمن قرأه أو قرأ شيئاً منه أحداً من المسلمين، وكتب الهادي بن يحيى وفقه الله انتهى بلفظه.
قلت: وقال الإمام المهدي في من قرأناه عن يحيى بن حميد قال ما لفظه: سمع علينا الفقيه الفاضل علي بن محمد البحري هذا الكتاب يعني (الأزهار) من أوله إلى آخره، وقد أذنا له أن يروي عنا لفظه كما سمعه منا، وأما معانيه فعليه مطابقة ما وصفناه في الشرح الكبير وقد أوضحنا معانيه التي قصدناها غاية الإيضاح وأجزنا رواية المعاني عنا لكل من وقعت في يده من هذا الشرح نسخة مصححة، وسألنا الله أن يكتب لنا ثواباً صالحاً وسألنا من انتفع بهذين الكتابين أن يدعو لنا بمثل ذلك والله الكافي انتهى.
قلت: وتفهم منه ومما تقدم عن السيد الهادي بن يحيى أنه يجيز الإجازة مطلقاً.
نعم فاختلف أئمتنا: هل المعتبر صحة الرواية إلى المؤلف في هذه الكتب أو لا؟ قال الإمام المهدي أحمد بن يحيى ـعليه السلامـ في (الغيث) في ذكر علوم الاجتهاد: وقد اشترط غير ذلك وليس عندنا بشرط منها: علم الجرح والتعديل في رواية ما يحتاج إليه من السند، وقد صحح المتأخرون خلاف ذلك وهو أن المعتبر صحة الرواية عن المصنف ثم العهدة عليه، واختار الإمام القاسم بن محمد ـ عليه السلام ـ خلاف ذلك.(1/39)


فصل: وكتب أئمتنا التي نذكرها كثير فمنها في الحديث (مجموع الإمام زيد بن علي)، (وأمالي الإمام أحمد بن عيسى)، وكتب محمد بن منصور في الحديث (والأحكام) للهادي، و(المنتخب)، و(شرح التجريد)، و(التحرير)، و(تيسير المطالب)، و(وأمالي المرشد بالله الاثنينية والخميسية)، وكتاب (الأنوار) لعبد الجبار، والأربعين السيلقية، و(الأربعين سلسلة الإبريز)، و(جلاء الأبصار) للحاكم، وغير ذلك مما هو مشتمل على علم الحديث، وكتب الفقه (مجموع الإمام زيد بن علي) الكبير وما اشتمل عليه و(أمالي أحمد بن عيسى)، و(الأحكام)، و(المنتخب)، و(شرح التجريد)، و(البحر)، و(التحرير)، وتعليق القاضي زيد، ومجموع علي خليل، و(الوافي)، وغير ذلك من كتب المتقدمين، ومثل: (اللمع)، و(التذكرة)، و(الأزهار)، وشروحهما للمتأخرين، وكتب الأصوليين وهي معروفة، وغير ذلك.
قال القاضي عبد الله بن أحسن الدواري: سند ما نحن عليه من مذهب أهل البيت المتصل بزيد بن علي المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما يتصل بذلك من طرق الشرع التي هي: الإجماع والقياس والاجتهاد وأفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتروكه، وتشعب من ذلك قراءة الكتب المتداولة في أيدينا هذا الزمان وهي كتاب (التحرير) وشرحه، و(تعليق) القاضي زيد، و(الإفادة)، و(الزيادات)، و(تعليق الإفادة)، و(المجموع)، و(تعليق ابن أبي الفوارس)، وغير ذلك مما فيها أو شيء منه السماع في جهاتنا لأكثر هذه الكتب لفظاً أو معنى، وغيرها مما يرجع في الحكم والمعنى إليها إلى الفقيهين والعلامتين: بدر الدين محمد بن سليمان بن أبي الرجال، وعماد الدين يحيى بن الحسن البحيح، والأكثر على الفقيه عماد الدين، والفقيه عماد الدين يسنده إلى محمد بن سليمان أيضاً، وإلى المؤيد بن أحمد، والفقيه محمد بن سليمان يسنده إلى الأمير المؤيد المذكور، انتهى المراد.(1/40)

8 / 314
ع
En
A+
A-