قال القاضي: هو بهلان الحلوم وكبيرها، وخضم العلوم وغديرها، مفخر الزيدية، إمام المعقول والمنقول، وشيخ شيوخ اليمن الجهابذة الفحول، لقي الشيوخ وأخذ عنهم (فأقروا ) أنه آية من آيات الله (رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ) وانتفع بلقائهم، وأخذ زبد علومهم، واعترفوا بفضله فيأسرع وقت، لكنه مع ذلك الإدراك لم تقنع نفسه، بل واظب على العلوم وخاض غمارها حتى قال شيخه لطف الله بن محمد الغياث: ما أخاف على أهل اليمن وفيهم الحسين بن الإمام، وكان جبلاً من جبال العلم لا يطيش لحادث، ولا يظهر على وجهه عبوس، ولو انبعثت عليه الحوادث دفعة، وله خط كسلاسل الذهب ، كان الوجيه يثني عليه ويقول خط شيرازي، وكان يقرأ في (العضد) ويختبييءٍ فتأتي إليه عيون العسكر وأهل العناية بالحرب يذكرون قرب الزحف والمصافة وهو ينظر في تلك الدقائق، فإذا كثر تعويلهم نهض حتى يقال ما له معرفة غير الحروب، وكان شجاعاً في الغاية، وكان في علم المعقول في محل لا ينتهى إليه، وكذلك سائر العلوم، وأما المنطق وأصول الفقه فهو الغاية وشاهد ذلك كتابه الغاية وشرحها الهداية فقد جمعت غرائب الفن وعجائبه.(1/346)
قلت: وصارت مدرس أهل اليمن، و[كان] له كرامات، وقال الحافظ: هو السيد، العلامة، مفجر ينابيع العلم النميرة، ومفتح أكمام الفوائد النضيرة، وشرف الإسلام والمسلمين، وقال شيخه عبد الواحد بن عبد المنعم النزيلي: طلب منا المولى الأكبر الجليل، ذو المجد العالي الأصيل، والباع الطويل، فرع شجرة النبوة الزكية، خلاصة العترة الطاهرة النبوية، ذو الفضل العد الذي لا يحصى، والمكارم الجمة التي لا تستقصى، مولانا شرف الدين، ذو الهمة السامية للنجوم، والجد المساعد لنيل ما يروم، هلال هالة الآل، المخصوص بجلائل النعم، ودقائق الكرم والنوال، إجازة فيما سمعته وقرأته أو أجيز لي فيه فأجبته إلى ذلك معاونة على الخير وإن لم أكن أهلاً لما هنالك، ولا بدع أن يغترف من النهر العباب فاعتبروا يا أولي الألباب، ورواية الأكابر عن الأصاغر باب معقود، وسبيل الرشاد من ذلك معهود، فأقول متلفظاً بالإجازة: أجزت مولانا عمدتنا، المولى الأعظم والعلم الأفخم، ذي التقى والسؤدد والعلى، والمجد والكرم السابق ذكره المقدم أن يروي عني جميع مسموعاتي وما يجوز لي روايته من الحديث والتفسير، وغيرهما مما للرواية فيه مدخل فليرو ذلك مسدداً مهدياً، انتهى المراد.
وله ـ عليه السلام ـ أشعار جيدة إلا أن والده ـ عليه السلام ـ كره له الإيغال في ذلك فتركه، ولما تمت أعمال حرب الأروام طلع من اليمن ، وسكن في آنس ، ولما توفي صنوه الحسن تولى أكثر الأعمال ونزل إلى (اليمن ) ، ثم طلع وابتدأه المرض في الطريق فوصل [ذمار ] ولم يقم إلا يسيراً حتى توفي يوم الجمعة ثاني شهر ربيع الآخر سنة خمسين وألف وصلى عليه ولد أخيه محمد بن الحسن، فمبلغ عمره إحدى وخمسون سنة إلا ست ليال، وقبر قريباً من الإمام المطهر بن محمد بن سليمان، وعليه مشهد معروف مشهور مزور، رحمة الله عليه وسلامه.(1/347)
221- الحسين بن القاسم بن المؤيد بالله [1080- 1131هـ]
الحسين بن القاسم بن المؤيد بالله محمد بن أمير المؤمنين القاسم بن محمد بن علي بن أحمد بن الرشيد الهدوي، الحسني، العلوي، اليمني، الإمام المنصور بالله، السيد، العلامة.
مولده سنة ثمانين وألف، نشأ على ما نشأ عليه سلفه الكرام من الاشتغال بالعلم؛ فقرأ في النحو والصرف والمعاني والبيان على السيد العلامة محمد بن الحسن الشرفي، والعلامة الحسن بن صالح العفاري، وقرأ في النحو و[الصرف] أيضاً على الشيخ الحسن بن أحمد المحبشي، والفقيه علي بن يحيى الثلائي، وقرأ فيه وفي العروض على الفقيه عبد الله بن علي الأكوع، وقرأ (الأساس) وشرحه [في أصول الدين] للسيد أحمد بن محمد الشرفي [مرة أو مرتين] قراءة محققة على القاضي يحيى بن علي المعمري المعمر، وهو قرأه على مؤلفه السيد أحمد بن محمد الشرفي، والسيد أحمد قرأ (الأساس) على مؤلفه الإمام القاسم بن محمد، وقرأ في أصول الفقه على القاضي الحسن بن محمد المغربي مما سمع عليه (شرح الغاية) للحسين بن القاسم في رحلته الأولى إلى صنعاء سنة 1116هـ، ثم قرأ مقدمات البحر [شرح القلائد] في رحلته الآخرة على السيد صلاح بن الحسين الأخفش [قال: أنتهينا فيها وبيض قال: وأما (منهاج القرشي) وعدة من مصنفات الآل فقد شملتها الإجازة المتصلة بمولانا ووالدنا الإمام القاسم بن محمدـ عليه السلام ـ] ، وقرأ في الفقه كشرح الأزهار والغيث المدرار، وغيره على شيخي المشائخ الحسن بن صالح العفاري، ومحمد بن علي العفاري، وناوله والده القاسم بن محمد (الهداية) في الفقه وأجازه مسموعاته، وقرأ في الفرائض على الفقيه علي بن مسعود (الرهمان) ، وقرأ في التفسير كتاب (الكشاف) لجار الله مع حضور أكثر حواشيه قراءة تضرب إليها أكباد المطي، على شيخه الحسن بن صالح العفاري بلغ فيها إلى سورة الروم، وحال الحمام دون التمام، فاستجاز ذلك الباقي من والده ومن الفقيه العابد أحمد بن(1/348)
محمد الأكوع، وقرأ أمالي أبي طالب الأكثر على شيخه الحسن بن صالح، واستجاز باقيه من السيد العلامة القاسم بن أمير المؤمنين المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم إجازة له فيه خاصة، بحق سماعه على والده الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم، وقرأ (الشفاء) للأمير الحسين في الحديث على شيخه شرف الدين الحسن بن صالح الأكثر واستجاز باقيه من والده القاسم بن محمد ومن شيخه صفي الدين أحمد بن محمد الأكوع، وسمع القرآن بقراءة قالون لنافع على الفقيه أحمد بن جابر البصير، بحق السماع على شيخه محمد بن مجلي السوطي، ثم سمعه على محمد بن علي البصير في سنة 1121هـ، وعن شيخه علي بن محمد الشاحذي، عن الحسين بن زيد جحاف، وقرأ الجزرية وشرح (الشاطبية) لابن شامة على الشيخ الفقيه علي بن محمد الشاحذي بصنعاء سنة أربع عشرة ومائة وألف سنة.
قلت: وأخبرني أن والده رحمه الله أجازه جميع مسموعاته، ثم اطلعت عليه بخط يده بعد أن طلب منه الإجازة في (الكشاف) بعد موت شيخه الحسن وأن يجيز له فيما عداه فقال ما لفظه: يذكر الولد شرف الإسلام حماه الله ونعش همته فيما قصده وأعانه، أن والده عفى الله عنه قد أجاز له فيما طلبه لذلك ولم يشترط عليه إلا ما يشترط مثله على مثله، انتهى بلفظه.
وقرأ أيضاً في (الخبيصي) والفرائض على السيد محمد بن صالح الغرباني، وقرأ (الخبيصي) على السيد إبراهيم بن محمد الشرفي، و على الفقيه عبد الله بن علي الأكوع وغيرهم.(1/349)
قلت: وأخذ عنه أبناء الزمان كصنوه الحسن وأكثر مشائخه المذكورين، قرؤا عليه وقرأ عليه في (الأساس) وغيره مؤلف الترجمة وأجاز له في شرح الأساس الصغير وقال ما لفظه: أجزت له أن يروي عني الشرح المذكور في النسخة المأمون عليها التصحيف غير مقلد فيما لا يجوز التقليد فيه من مسائل أصول الدين، وشرطت عليه ما شرطه العلماء في إجازاتهم فليروه عني فإني قد سمعت كما سلف، وأنا أبرأ إلى الله من نسبة ما لا يجوز على الله ومما فيه طعن على من علم أيمانه من الصحابة، وكتب في شهر ربيع الآخر سنة أربع عشرة ومائة وألف.
قلت: إنما ذكرت لما فيه الفائدة، ثم عمم [ليٍ] الإجازة العامة وتلفظ لي بها في محروس شهارة آخر رحلة [رحلت] إليه في محرم سنة ثماني وعشرين ومائة وألف سنة، انتهى.
ومن تلامذته إبراهيم بن الحسن بن الحسين بن المؤيد بالله وغيرهم .(1/350)