قلت: وبعد وصف المؤرخ الكبير لكتاب (الطبقات الكبرى) بأقسامه أود الإشارة إلى أن القسم الأول والثاني من الكتاب الذين يحتويان على ما سبق ذكره من التراجم، ورغم أهميتهما إلا أني رأيت تقديم تحقيق القسم الثالث الذي تفرد برجال الزيدية الذين لم تهتم بهم كتب الرجال عند الآخرين، ولم تشملهم كتب الرواة كما شملت أغلب رجال القسم الأول والثاني من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى الخمسمائة.
كما إن من أسباب تأخير تحقيق القسم الأول والثاني من الطبقات كبر حجمهما وقلة بل وندرة مخطوطاتهما، وكما سبق أن شكى المؤرخ إبراهيم الحوثي في القرن الثالث عشر نشكو نحن من ذلك وأقول عندي نسخة مصورة رديئة التصوير عن مخطوطات لعلها بمكتبة آل الغالبي بصعدة ذات خط ضعيف، ومن التصوير لم تظهر أغلب عناوين التراجم ولا الرموز التي على هذه العناوين للكتب التي ذكر المترجم فيها، وبالتالي يستحيل تحقيقها دون الرجوع إلى نسخ أخرى للأسف الشديد لم استطيع الحصول عليها حتى اليوم، ومنها:
(أ) نسخة مخطوطة من الحزء الأول بخط السيد عبد الله أحمد الصعدي خط نسخي جيد 1351هـ في 365 ورقة عليها مقابلة 21 ربيع الأول سنة 1351هـ بخط المؤرخ الكبير محمد بن محمد بن يحيى زبارة وهي برقم (224) تأريخ كما في فهرس الغربية ص (679).
(ب) نسخة مخطوطة من الجزء الثاني لنفس الناسخ ونفس التأريخ في (237) صفحة، تبدأ من حرف العين وتنتهي بالياء، ثم باب الكنى وهي برقم (225) تأريخ كما في فهرس المكتبة الغربية ص (680).
(جـ) نسخة كاملة من القسم الأول والثاني في (226) ورقة كتبت بخط نسخي جيد والناسخ مجهول وهي برقم (197) تأريخ كما في فهرس الغربية ص (704) وانظر أيضاً التفاصيل فيه.(1/21)
للأسف لا يسمح بتصوير هذه المخطوطات إلا في ميكروفيلم بعد مراجعة شاقة فإن وجد فمن النادر أن تجد في اليمن خصوصاً الآلة التي تخرجه إلى أوراق ولولا مساعدة القاضي العلامة علي أبو الرجال في نقل المخطوطتين (ج) و (د) من القسم الثالث لما استطعت الاستفادة منهما فله جزيل الشكر.(1/22)
لمحة عن القسم الثالث
القسم الثالث من (طبقات الزيدية) الذي بين أيدينا والذي يشتمل كما ذكر المؤلف في مقدمته (على من روى كتب أئمتنا -عليهم السلام- من رأس الخمسمائة إلى منتهى كتب هذه الطبقة) وينقسم القسم الثالث إلى فصلين:
الأول: يحتوي على أكثر من ثمانمائة ترجمة، كلهم من رجال الزيدية الذين اتصل سندهم غالباً ولم ينقطع.
وقد ذكر المؤلف في مقدمته منهجه وطرقه في ترجمة هؤلاء ومصادره التي اعتمد عليها، ويمثل هذا الفصل الجزء الأكبر من الجزء الثالث، رتب تراجمه على حروف المعجم، وفصَّل فيه من الأسانيد والإجازات والطرق الكثير الطيب الذي جمعه من شتات، واستخلصه من كتب الأسانيد والإجازات.
وكان منهجه في الترجمة ذكر بعض المعلومات عن المترجم، وبعض التواريخ للمولد أو الوفاة أو السماع، والتركيز بصورة كبيرة على روايات المترجم وطرقه في الإسناد.
وقد ترك -رحمه الله- الكثير من الفراغات التي أجَّلها حتى يحصل على المعلومة ولكنه لم يثبتها لاحقاً فبقيت كما هي، وقد حاولنا بقدر الإمكان أن نثبت ما توفر لنا منها في الحواشي وقد ادخل -رحمه الله- بعض الرجال الذين لم تثبت زيديتهم أو لم تتأكد على حد علمنا مثل: محمد بن محمد الغزالي صاحب كتاب (إحياء علوم الدين)، على أن المؤلف بيَّن وجهين لذكره بين الزيدية.
وقد تفاوتت التراجم إيجازاً وإسهاباً بحسب المعلومات التي توفرت لديه عن الشخصية مختصراً قدر الإمكان، ومقتصراً على الأهم منها المتعلق بالأسانيد والشيوخ والتلاميذ وطرق الإتصال والرواية والكتب التي يتصل إسناد المترجم بها مما يظهر بوضوح أن الأسانيد والروايات كانت الهدف من تأليفه للطبقات، لذلك يعتبر كتابه هذا -القسم الثالث- مرجعاً هاماً في تراجم المحدثين والرواة المسندين من الزيدية في الفترة التي حددها، فقد جمع فيه لأول مرة ما تفرق من هذه التراجم، وسلك منهجاً رائعاً في حفظ وتوثيق اتصال أسانيد الرواة على اختلاف طبقاتهم.(1/23)
وقد اشتمل الكتاب على الكثير من التراجم التي لم توجد إلا فيه، والتي جمعها من مقدمات أسانيد الكتب أو تفرد بتحريرها مترجماً للمعاصرين له شيوخاً وأقراناً وتلاميذ.
الثاني: وقد اشتمل على (66) ترجمة لمن اتصلت أسانيدهم بالزيدية من المذاهب الأخرى، وقد أورد فيه الكثير الكثير من أسماء الكتب والمؤلفات في مختلف فنون العلم التي اتصل أئمتنا أو شيعتهم بأسانيدها ورووها إجازة وسماعاً وقراءةً على مؤلفيها أو من تتصل طرقه بمؤلفيها، وسلك فيه نفس منهجه في الفصل الأول من حيث ترتيب التراجم على حروف المعجم، والاقتصار على بعض المعلومات المهمة مع التركيز على طرق المترجم وأسانيده واتصاله بالمؤلفات وإسنادها إلى مؤلفيها، موضحاً اتصال المترجم برجال الزيدية وإجازاته منهم ولهم. وقد حاول المؤلف أن يشمل أهم الأسانيد والطرق إلى كتب هؤلاء في أقل عدد ممكن من التراجم، مع التصرف أحياناً في اختصار السند أو الطريق أو الرواية بالاقتصار على ذكر الأسماء والألقاب مجردة عن عبارات المديح أو التطويل في النسب.
وبهذا كانت أهمية الكتاب الذي بين أيدينا بفصليه كبيرة وعظيمة، تجعله مصدراً هاماً، فريداً من نوعه، ولا غنى عنه لمن يريد معرفة رجال وأسانيد وكتب المذهب الزيدي ولمن يبحث عن علاقة المذهب الزيدي واتصاله الفكري والعلمي بالمذاهب الأخرى.(1/24)
سند الكتاب
أروي هذا الكتاب (طبقات الزيدية الكبرى) بالإجازة العامة من السيد المولى الإمام الحجة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي علامة العصر ومسنده، وهو يرويه من طريق جامعة لطبقات الزيدية وغيرها من الأسانيد ذكرها في كتابه لوامع الأنوار حيث قال -حفظه الله- ما نصه: (وأروي طبقات الزيدية للسيد الإمام إبراهيم بن القاسم -رضي الله عنه وأسانيد القاضيين العالمين أحمد بن سعد الدين المسوري، ومحمد بن أحمد مشحم-رضي الله عنهم-، عن والدي- رضي الله عنه-، عن الإمام المهدي لدين الله محمد بن القاسم الحوثي، عن شيخه السيد العلامة الإمام محمد بن محمد بن عبد الله الكبسي، عن السيد العلامة إسماعيل بن أحمد الكبسي، عن القاضي العلامة علي بن حسن بن جميل المعروف بالداعي، عن القاضي العلامة محمد بن أحمد مشحم وهو بطرقه في كتابه (بلوغ الأماني) فيه إسناد كل مؤلف إلى صاحبه، وبهذا السند عن شيخه مؤلف الطبقات السيد الإمام إبراهيم بن القاسم جميع ما تضمنته إلى آخر ما قاله -حفظه الله- (انظر لوامع الأنوار 2/666)، كما أرويه بالإجازة العامة عن السيد العلامة المجتهد العابد حمود بن عباس المؤيد المشتملة على كتاب إجازاته وأسانيده كاملة، وعن السيد العلامة الكبير الحجة بدر الدين بن أمير الدين الحوثي بالإجازة العامة التي اشتملت على الطرق والأسانيد المذكورة في كتابه (مفتاح أسانيد الزيدية).(1/25)