قلت: ولما مات الإمام صلاح الدين محمد بن علي والإمام المهدي ـ عليه السلام ـ في صنعاء ، ووصل القاضي عبد الله الدواري ومن معه من العلماء من صعدة ، ونصبوا ولد الإمام صلاح الدين محمد بن علي بن محمد، فانزعج لذلك جماعة من الفضلاء، وأشاروا إلى ثلاثة وهم: السيد الناصر بن أحمد بن المطهر بن يحيى، والسيد علي بن أبي الفضائل، والأمام المهدي أحمد بن يحيى فاستحضر بقية العلماء هؤلاء الثلاثة في مسجد جمال الدين واختاروا الإمام المهدي أحمد بن يحيى وبايعه هؤلاء وغيرهم، ثم خرج ـ عليه السلام ـ إلى بيت بوس ثم إلى بيت أرياب ثم عزم إلى آنس وتوقف في جهران ورصابة ونحوها من بلاد آنس ، ثم استقر في معبر وفرق من معه من الجموع وبقي في خواصه فأحاط به عسكر [الإمام] علي بن الإمام صلاح الدين وأسر ـ عليه السلام ـ وقتل جماعة من أصحابه وحبس في صنعاء وذلك في سنة أربع وتسعين، وفي الحبس ألَّف (الأزهار في فقه الأئمة الأطهار)، وكان يجمع ما صححه لمذهب الهادي ـ عليه السلام ـ ويلقي ذلك على السيد علي بن الهادي وهو يكتبها في أبواب الحبس بجص أو فحم، ثم يتغيبه ويمحوه ويلقي [عليه] ـ عليه السلام ـ غيره وكذلك حتى أكمله في مدة حولين، وكان السيد علي بن الهادي ممن أسر وحبس مع الإمام ـ عليه السلام ـ ثم أن السيد علي أُخرِجَ من الحبس قبل الإمام فكتبه ثم أذن للإمام ـ عليه السلام ـ في الدواة والبياض بعد كتب (الأزهار) فشرع في شرحه المعروف (بالغيث المدرار شرح الأزهار) حتى بلغ البيع وبعد ثلاث سنين من حبسه، أيس الإمام الهادي علي بن المؤيد بن جبريل فدعا إلى الله وبقي في الحبس إلى شعبان سنة إحدى وثمانمائة واجتمع أهل السجن على إخراجه فأخرجوه إلى ثلاء إلى هجرة العين ، وكان بها الفقيه يوسف بن أحمد بن عثمان، وكان منحرفاً عن علي بن صلاح فالتقى الإمام المهدي ـ عليه السلام ـ وآواه، وضيَّفهُ وبقي في ثلاء ثلاثة أشهر، ثم دخل إلى صعدة في سنة اثنتين(1/211)


وثمانمائة واجتمع بالإمام الهادي علي بن محمد ، وتعارضا وكل منهما يقول هو الإمام إلا أنها كانت بينهما مودة وألفة، ثم تنقل في البلاد فوصل[مسور في] سنة ست عشرة وثمانمائة وفيه صنف (الغايات) و(درر الفرائد) ثم شرع في تصنيف (دامغ الأوهام) [حتى بلغ الاعتقاد ثم صنف (تكملة الأحكام) من البحر الزخار ثم رحل إلى حراز فأتم (دامغ الأوهام)] وألف كتاب (المنهاج)، وغيرها من كتبه وانبسط فيه لإحياء العلوم تصنيفاً وتدريساً ثم رجع إلى مسور وفيه ألف (القمر النوار) ثم رجع إلى الظفير .
قلت: ومصنفاته واسعة منها في أصول الدين ثمانية كتب ،
وفي أصول الفقه ثلاثة ، وفي علم العربية خمسة ، وفي الفقه خمسة كتب، وفي علم الطريقة كتاب ، وفي الفرايض كتاب ، وفي المنطق كتاب ، وفي التأريخ كتاب، وغير ذلك مما هو معروف مشهور.
قال في مآثر الأبرار في ذكر الأزهار: قلت وهذا الكتاب مشهور البركة غير ممنوع الحركة، سارٍ في الأقطار سير الشموس والأقمار، وبلغ المصنف مناه، وانتفع [الخلق] به وهو في الحياة.
وقال غيره: كان فضله وعلمه السابغ ، وانتفاع المسلمين به النفع البالغ، ليس لأحد من الأئمة مثله في العناية الإلهية في بركة علمه ومصنفاته التي هي كالطراز المذهب، وعليها اعتماد أهل المذهب، [الخارجة] على طريق علماء الحقيقة والمجاز ، التي هي بالمرتبة الثانية من حد الإعجاز، وكتاب (الأزهار) شاهداً فإنه على صغر حجمه سبعة وعشرين ألف مسألة منطوقها ومفهومها، وقد بلغ رتبة الاجتهاد، وهو أحد الأقطاب والأوتاد.
وقال غيره: [هو] الإمام العلامة حافظ العلوم، ومحيي شريعة الحي القيوم، إمام الاجتهاد ومحيي علوم الآباء والأجداد، وله الشعر العجيب منه في وصف حفظه للفقه:(1/212)


وكم جاهل في الناس قد قال إنني .... عن الفقه عار وهو عني غافل
ووالله ما في الوقت أعلم ناقلاً .... من الفقه غيباً مثلما أنا ناقل
فمنه ألوف صرت غيباً بلفظها .... وفي الذهن مما هو سواها مسائل
كثير بلا حصر وهذا تحدث .... بما الله من إحسانه لي فاعل
وقال السيد صارم الدين:
هذا إمام اجتهاد لا امتراء به .... وذا إمام اجتهاد ثاقب النظر
ولم يزل بالظفير ، حتى توفي بالطاعون الكبير سنة أربعين وثمانمائة، ومشهده بالظفير مشهور، مزور، معروف بالفضل ـ رحمة الله عليه ـ.(1/213)


116- أحمد بن يحيى الذويد [… - 1020 هـ]
أحمد بن يحيى بن سالم الذويد بن علي بن محمد بن موسى الصعدي، الفقيه، صفي الدين.
قرأ على شيخ الشيوخ العلامة محمد بن عز الدين المفتي، وعلى عبد العزيز بن محمد بن يحيى بهران، وأجازه إجازة عامة فيما له ولأبيه محمد بن يحيى عن مشائخهم الأعلام، وسمع الأمهات الست واستجاز فيها وفي غيرها كما سيأتي إن شاء الله من العلامة محمد بن يحيى المصري .
قلت: وأجل تلامذته الإمام القاسم بن محمد ـ عليه السلام ـ، وكان له تلامذة كثير منهم الفقيه مهدي الشعيبي و[رباه] ، وغيره.
كان الذويد فقيهاً، محدثاً، أما في المعقولات وغريب الصفات، فقليل النظير في وقته، وجمع أنواع العلم، وأما الشرعيات فإمامها على الإطلاق، وله (تلخيص على المفتاح) تأليف القزويني ، وفي كل علم له قدم راسخة، ولقد بلغ في الطب كما قيل مبالغ بن زهر وعلم الرمل ولواحقه والزيجات، وحل السحر وقرأ التوراة، وكان آية من آيات الله، مع مكارم أخلاق تفضح النسيم العبور لطفاً، وتخجل شميم العنبر عرفاً، وكان من أهل الثروة والمالية، ولكنه كلف بالكتب وتحصيلها فاجتمع له خزانة ملوكية، ثم تفرقت بعد موته لأنه وقفها.
توفي في صعدة خامس جماد الأول سنة عشرين بعد الألف ودفن في قبة قبلي القرضين من جهة الغرب ـ رحمة الله عليه ـ.(1/214)


117- أحمد بن يحيى بن حابس [… - 1061هـ]
أحمد بن يحيى بن أحمد بن حابس، القاضي شمس الدين الصعدي.
قرأ في الشام قراءة نافعة على شيوخ منهم: القاضي العلامة سعيد بن صلاح الهبل وغيره، ثم رحل إلى الإمام القاسم بن محمد، وتلقى منه فوائد غريبة، قال إنه كان في حبور مكانه بالقرب من مكان الإمام فخرج الإمام ليلة العيد للسمرة، فوافق القاضي في مكانه، فأخذ معه في المذاكرة فأحب الإمام الإلقاء عليه فأملا له عدة فوائد من جملتها (جواب الإمام على العلامة ابن الصلاح الشافعي في الحرم بتعديل الصحابة جميعاً) واشتغل الإمام عن السمرة بإملاء تلك الفوائد وذلك سنة اثنتين وعشرين وألف.(1/215)

43 / 314
ع
En
A+
A-