قال الشيخ محيي الدين: وأما علمه ـ عليه السلام ـ فإنه لما بلغ الرتبة العالية كاتبه العلماء والفقهاء وشاعره الفصحاء والعلماء، فأجاب كل سائل، وصنف التصانيف في علم الكلام وأصول الفقه وفروعه، منها ما صنفه أيام درسه قبل بلوغ عشرين سنة من مولده، ومنها ما صنفه بعد ذلك فمن ذلك: (الجوهرة الشفافة)، و(الرسالة الناصحة وشرحها)، وكتاب (صفوة الاختيار)، وكتاب (تحفة الاخوان)، وكتاب (حديقة الحكمة النبوية)، و(مصباح المشكاة)، و(الأجوبة الكافية والرافعة للإشكال) و(الناصحة المشيرة) ، و(الرسالة الكافية) و(جواب مسائل من مكة وحجة)، وعن (المطاعن الرافض) والدعوة العامة ودعوة السلطان إسماعيل بن سيف الإسلام، و(دعوة سيف الدين بن محمد الكردي)، ورسائل كثيرة، وكتب إلى البلدان وأشعار وغير ذلك، وكل ذلك يشهد بغزارة علمه وسعة فهمة في كل فن، ومن ذلك ما وقع الامتحان له من جماعة من العلماء قبل الدعوة اختص بالسؤال الشيخ محمد بن أحمد النجراني وذلك خمسة آلاف مسألة في كل فن فأجابه الإمام عن جميع ذلك وأحصى أنه يحفظ من الأحاديث المسندة إلى النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ سبعة آلاف حديث وحسبوا مجموع مسموعاته في وقت قيامه فأحصوا منها أحد عشر ألف خبر، وأما إلى وقت وفاته فلعلها تبلغ خمسين ألف، وأما ما يرويه بالإجازة فلعلها تبلغ خمسين ألف آخر، وله مع ذلك حفظ القصص المتقدمة والسير ومغازي النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وحروبه وفتوحه وسيرته ومعرفة أصحابه وأنسابهم وقصصهم وأخبارهم، وسيرة الخلفاء بعدهم وأخبارهم والتابعين ورواتهم عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ما يجل ويعظم، انتهى.
قلت: وأجل تلامذته الشيخ أحمد بن محمد الأكوع المعروف بشعلة، والشيخ الفقيه حميد بن أحمد المحلي، وابن يعيش الصنعاني، وغيرهم من العلماء وأولاده وغيرهم.(2/31)


قلت: ثم ذكر محيي الدين ورعه وسماحته وبركته وشجاعته مما يحتمل مجلدات وأقرب ترجمة ترجم له ابن أبي مخرمة، فقال: الإمام المنصور بالله إلى آخر النسب نسب فخيم، وشرف جسيم، إمام من أئمة الإسلام، وقطب من أقطاب السادة الكرام، تفنن في عدة من العلوم، وكان مختصاً بعلم الأدب، كثير الإحتجاج على غريبي الكتاب والسنة، عالماً بأشعار العرب، حتى قيل: إن محفوظه يزيد على مائة ألف بيت من أشعار العرب، وصنف التصانيف العجيبة، و(شرع في تفسير كتاب الله عز وجل فلم يفرغ من سورة البقرة إلا في مجلد ضخم) ، واخترم دون إتمامه وله رسائل في الرد على المخالفين، وله ألفاظ حكمية وكلمات أدبية تجري مجرى الأمثال السائرة، وكان شاعراً فصيحاً، ومن شعره قوله:
كم بين قولي عن أبي عن جده .... وأبو أبي فهو النبي الهادي
وفتى يقول روى لنا أشياخنا .... ما ذلك الإسناد من إسنادي
وكانت دعوته في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، وبايعه السيدان الأميران شيخا آل الرسول بدر الدين وشمسه يحيى ومحمد ابني أحمد بن يحيى بن يحيى وكافة علماء الزيدية ، واتصلت دعوته بالحجاز فقام بها الشريف قتادة بن إدريس أتم قيام ، وأنفذ دعوته إلى الجيل والديلم والري فبايعته الزيدية وارتفع صيته، وخافه العباسيون ببغداد ، وكتب دعوته إلى خوارزم شاة صاحب خراسان فتلقاها بأحسن التلقي، وأعطى الشريف القادم بها مالاً جزيلاً، وهو الذي عمر حصن ظفار وشيده، وعمر مدارس العلم، وجمع في خزائنه من الكتب ما ليس يلقى في سائر الخزائن، وأوقع بالمطرفية فجرد فيهم السيف حتى كاد يأتي على آخرهم، وسبى ذراريهم وخرب ديارهم ومحا آثارهم فأنشأ رجل منهم يقال له: ابن النساخ رسالة إلى الخليفة العباسي، فيقال: إن بسببها كان دخول المسعود بن الكامل اليمن سنة إثني عشرة وستمائة وأمره بحرب الإمام المنصور بالله، انتهى.(2/32)


قال في الزحيف: قال عمران بن الحسن: بعض من له حظ وافر في الأشعار للقدماء والمحدثين أنا أحفظ قدر مائة ألف بيت، وفلان يحفظ مثلها ونحن لا نعد حفظنا إلى جنب حفظ الإمام ـ عليه السلام ـ شيئاً، وكان عارفاً بأيامالعرب على ضرب من التفصيل، وأما شجاعته فلو لم يكن له إلا يوم صنعاء ويوم ذمار لكفاه.
قال ـ عليه السلام ـ: وفي ذمار تركت الجيش عن كمل خلفي وكافحتها عن دين معتقدي وأيامه مشهورة ابتدأ به المرض في البون ، ثم طلع كوكبان فتوفي به يوم الخميس لاثنتي عشر يوماً من المحرم سنة أربع عشرة وستمائة، ثم نقل إلى بكر فأقام فيه مدة، ثم نقل إلى ظفار لسبع خلون من شهر جماد الآخر سنة سبع عشرة وستمائة، فمشهده هناك مشهور مزور، ومدة عمره اثنتان وخمسون سنة وثمانية أشهر واثنتان وعشرون ليلة، انتهى.(2/33)


366- عبد الله بن حمزة بن أبي النجم [ … - ق6هـ]
عبد الله بن حمزة [بن إبراهيم بن حمزة] بن أبي النجم الصعدي، القاضي أبو محمد.
يروي مجموع الإمام زيد بن علي عن القاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام، ويروي (أمالي المرشد بالله) أيضاً عنه، وهو من تلامذة القاضي في غير ذلك، وروى قطعة من أمالي المرشد لم تكن في سماع القاضي عن السيد تاج العترة الحسن بن عبد الله عن الكني، وروى صحيفة علي بن موسى الرضا عن بعض شيوخه عن الحسن بن الحسين الجرجاني كما قدمنا ذكره، ومن مشائخه زيد بن الحسن البيهقي.
وأخذ عنه: ولده محمد، والمنصور بالله عبد الله بن حمزة وغيرهما.
قال القاضي: هو العلامة رئيس صعدة في وقته، عين علماء الزيدية، كان عالماً، فاضلاً، مرجوعاً، وكان قد غرق في بحار التطريف ثم استنقذه شيخه الشيخ زيد بن الحسن البيهقي فرجع إلى مذهب العترة الطاهرة كما رجع غيره، انتهى.(2/34)


367- عبد الله بن زيد العنسي[… - ق6هـ]
عبد الله بن زيد العنسي، الذي وصل بعلوم آل محمد من العراق سنة إحدى وخمسمائة.
قلت: هكذا ذكر القاضي، والصواب عبد الله بن علي كما يأتي قريباً على ما ذكره الإمام أحمد بن سليمان وغيره.(2/35)

112 / 314
ع
En
A+
A-