ومما ورد من النصوص بلفظ السنة والجماعة على الخصوص، الخبر الطويل الذي أخرجه أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخرجه الإمام المنصور بالله عليه السلام في الشافي، وصاحب الكشاف عند تفسير قوله جل وعلا: ?قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى?[الشورى:23]، والرازي في (مفاتيح الغيب) وفيه: (ألا من مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة) ونحوه في إشراق الإصباح، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : ((من أحب حسناً، وحسيناً، وأباهما، وأمهما كان معي في الجنة، ومات متبعاً للسنة))، أخرجه أبو داود، وفي معناها أخبار لا حاجة لاستقصائها، والحق أوضح من فلق النهار لأولي الأبصار.(1/41)
وإن من أبين البدعة، وأوضح الفرقة ابتداع البدعة، واتباع الفرقة، وتسمية ذلك سنة وجماعة، ولزوماً للطاعة، وبالله عليك إن كنت ممن يؤمن بالله ورسوله، ويحكم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم هل تستقيم دعوى من يدعي اتباع السنة النبوية مع رفضهم للعترة المحمدية الموصى بهم في الأخبار المتواترة الضرورية، المطهرين من الرجس بنص الكتاب، المسؤولة مودتهم على جميع ذوي الألباب، فما يكون الجواب على الله، ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم يوم العرض والحساب ؟ وكيف يكون الحال، وأئمة تلك السنة المركون إليها الدعاة إلى النار في متواتر الأخبار؟ وهب أن هولاء الأعمار، خف عليهم ذلك الأصل المنهار، المؤسس على شفا جرف هار، فأي عذر لهم في الائتمام بالفجار، والمحاماة عن أعداء الله، وأعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والتولي والترضي عن أولئك الطغاة البغاة الأشرار، والنصب والرفض لنجوم آل محمد الأطهار، والسب والبغض لأولياء العترة الأبرار: ?وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ الله شَدِيدُ الْعَذَابِ، إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ الله أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ?[البقرة: آية 165- 167].(1/42)
فتلك سنتهم على زعمهم التي ابتدعوها، وجماعتهم التي اتبعوها، وهي سنة المضلين، وجماعة الظالمين المخالفة لكتاب الله رب العالمين، وسنة سيد المرسلين عليهم الصلاة والسلام، والمفارقة لجماعة وصية إمام المتقين، وأهل بيته قرناء الذكر المبين عليهم السلام ، ولصحابة الرسول السابقين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين رضوان الله عليهم أجمعين، ?وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا?[النساء:115]، ?وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ?[الجاثية: 19]، ?وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ?[ص:88]، ?وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ?[المائدة:56]، ?قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ?[الأنبياء:112].
ونرجو الله التوفيق إلى أقوم طريق بفضله وكرمه، والله أسأل أن يصلح العمل ليكون من السعي المتقبل، وأن يتداركنا برحمته يوم القيام، وأن يختم لنا ولكافة المؤمنين بحسن الختام إنه ولي الإجابة، واليه منتهى الأمل والإصابة، ?رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ?[الأحقاف:15]، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وآله الطاهرين حملة السنة والكتاب.
مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي الحسني
غفر الله له وللمؤمنين كافة(1/43)
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا ومولانا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم. المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله قرناء الكتاب المبين، والحاملين لواء سنة جدهم عبر القرون والسنين، وعلى صحابته الراشدين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين آمين.
وبعد:
فهذا كتاب (المصابيح من أخبار المصطفى والمرتضى والأئمة من ولدهما الميامين الأطهار) تأليف الإمام المناظر الفقيه المحيط بألفاظ العترة النبوية المطهرة السيد: أبي العباس أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين. ينشر للمرة الأولى بعد دراسته وتحقيقه والتعليق عليه.
ويليه: (تتمة المصابيح) للعلامة الشيخ علي بن بلال الآملي الزيدي.
أما عن التحقيق فقد اعتمدت على أربع نسخ خطية، ولكي يتضح ما قمت به في سبيل إخراج هذا الكتاب بقسميه إلى حيز التداول قدّمت بدراسة مصغرة أوضحت خلالها المواضيع الآتية:
أولا: خطة ومنهج تحقيق المخطوطة(النص).
ثانياً: بين المخطوطة ومؤلفها.
ثالثاً: وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق.
وكل ذلك مرتباً على النحو التالي:(1/44)
أولا: خطة ومنهج تحقيق المخطوطة
خطة التحقيق
الهدف الأساسي لدراسة وتحقيق الكتاب الذي بين أيدينا يدور على زوايا عدة من أهمها: إحكام وضبط مادة الكتاب طبقاً لما صنفه مؤلفه أو على الأقل مقارباً لذلك، إضافة إلى التثبت من نسبة الكتاب لمؤلفه وترجمة المؤلف، والتعرف على أماكن وجود النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وكذا وصف كل واحدة منهن، وأخيراً توضيح أهمية وتحليل موضوع المخطوطة ، وكذا منهج ومصادر المؤلف.(1/45)