وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية، وأنه أقدمهم سلماً وأعظمهم حلماً وأكثرهم علماً، وأنه سيد العرب، سيد الدنيا وسيد في الآخرة، وأنه منه بمنزلة راسه من بدنه، والرسول منه وهو منه وجبريل عليه السلام قال: وهو منهما، ولا يؤدي عنه إلا هو أو علي، وأنه كنفسه، وأنه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة على الأمة يوم القيامة، وأنه إمام البررة، وقاتل الفجرة منصور من نصره ومخذول من خذله، وأن الله جعله يحب المساكين، ويرضى بهم أتباعاً ويرضون به إماماً.
قال صلوات الله عليه وآله: ((فطوبى لمن اتبعك، وصدق فيك، وويل لمن أبغضك، وكذب عليك)).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم مقسماً برب هذه البنية: ((إن هذا وشيعته الفائزون يوم القيامة، وأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرَّار غير فرَّار، وأنه أحب الخلق إلى الله وإليه، وأن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريته في صلب علي، وأنه يكسى إذا كسي، ويحيا إذا حيي، وأنه عانقه صلى الله عليه وآله وسلم وقبل ما بين عينيه، فقال العباس: أتحبه؟ قال له: ((يا عم والله لله أشد حباً له مني))، وأنه يقدم على الله وشيعته راضين مرضيين ويقدم عدوه غضاباً مقمحين، وأن من مات على عهد رسول الله فهو في كنز الله تعالى، ومن مات على عهد علي فقد قضى نحبه، ومن مات يحبه بعد موته ختم الله له بالأمن والإيمان.
فهذه قطرة من أمطار، ومجة من بحار، ولمعة من أنوار، مما نقلته الأمة عمن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ولكل واحدة منها طرق وشواهد يضيق البحث عنها، وقد رواها الولي والعدو، والحق ما شهدت به الأعداء.(1/26)
وقد أخرج الله من بين الكاتمين ما ملأ الخافقين، وقد قال حفاظ محدثي العامة لما بهرهم ما رووه كأحمد بن حنبل، وإسماعيل القاضي، والنسائي، والنيسابوري: ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي، ولم يرد في حق أحد من الصحابة ما ورد فيه، رواه عنهم الحافظ ابن حجر في فتح الباري في صفحة(71) بمعناه ولفظه في الجزء السابع: لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء لعلي... إلخ.
وقال في صفحة (74): وقد روينا عن الإمام أحمد بن حنبل قال: ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن علي بن أبي طالب.
وقال البيهقي في سياق الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم: وأما أن علي بن أبي طالب كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب كان على الحق، والدليل على قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ((اللهم أدر الحق معه حيث دار))، وقال: ((من اتخذ علياً إماماً لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه))، ومثل كلامه بلفظه قاله الرازي في مفاتيح الغيب.
وروى ابن الجوزي في تاريخه أن الإمام أحمد بن حنبل قال: إن علياً لم تزنه الخلافة ولكنه زانها...إلخ، وقال في شرح النهج: واعلم أن أمير المؤمنين لو فخر بنفسه وبالغ في تعديد مناقبه وفضائله بفصاحته التي آتاه الله إياها، واختصه بها، وساعدته فصحاء العرب كافة لم يبلغوا معشار ما نطق به الرسول الصادق صلى الله عليه وآله وسلم في أمره، ولست أعني بذلك الأخبار العامة الشائعة كخبر الغدير، والمنزلة، وقصة براءة، وخبر المناجاة، وقصة خيبر، وخبر الدار بمكة في ابتداء الدعوة، ونحو ذلك، بل الأخبار الخاصة التي رواها فيه أئمة الحديث. انتهى.(1/27)
والوارد فيه عن الله ورسوله منه ما يفيد الولاية، والإمامة، ومنه ما يفيد الوصاية، كما أخرج ذلك علماء الأمة، وقد ألف القاضي محمد الشوكاني كتاباً في إثبات الوصاية (العقد الثمين)، وغيره، ومنه ما يفيد أن الحق معه جعلنا الله ممن اعتصم بحبل الله، والتزم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في كل قول وعمل.
ومن حجج الله المنيرة فيه وفي العترة المطهرة من الآيات الكريمة: آية المباهلة، وهي قوله تعالى: ?فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ?[آل عمران: 61]، وقد أجمعت الأمة على أنه لم يدع غير الوصي وابنيه وفاطمة صلوات الله عليهم، فقد جعل الله علياً نفس الرسول بنص القرآن، والحسنين ولدي نبيئه بمحكم الفرقان، وحكم ذريتهم حكمهم، ?وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ?[الطور:21]، ?وَأُوْلُوا الأََرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ?[الأنفال:75]، وأبان الله تعالى فضلهم على كافة البرية، إذ خصهم سبحانه من بين أهل الأرض ذات الطول والعرض.
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام في هذا الموضع: فكيف يجوز لنفس أن تتقدم على نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن قال: ?وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأََرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ?[يوسف:105]، ?وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ?[العنكبوت:43]. انتهى.(1/28)
وممن روى حديث المباهلة فيهم: الحسن، والشعبي، والزمخشري، والبيضاوي، والرازي، وأبوالسعود، ومن ألفاظ الرواية مارواه الحاكم في المستدرك عن عامر بن سعد وقال: حديث صحيح، لما نزل قوله تعالى: ?قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا...? إلخ، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً وفاطمة، وحسناً وحسيناً، وقال: ((اللهم هؤلاء أهلي))، وأخرجه مسلم في صحيحه، وأحمد بن حنبل عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والتابعين.
وقال الحاكم أبوالقاسم في حديثه عن عامر قال: لما نزل قوله تعالى: ?قل تعالو...?إلخ رواه مسلم والترمذي قال في الكشاف: وقدمهم في الذكر على النفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام ، وفيه برهان واضح على صحة نبؤة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والبحث مستوفى في لوامع الأنوار.
نعم، ونطوي الكلام في آية الاصطفاء، وآية المودة، وآية السؤال، وغيرهن من الآيات الكريمة الخاصة، والعامة، ونخص بالبحث كما أشرنا سابقاً آية التطهير، وما يتبعها، وهي قوله عز وجل: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا?[الأحزاب:33]، وأخبار الكساء المعلومة بنقل فرق الأمة مصرحة بقصرها عليهم، وحصرها فيهم، وإخراج من يتوهم دخوله في مسمى أهل البيت بأوضح بيان، وأصرح برهان.(1/29)
أما طريق روايتها فنذكر طرفاً نافعاً من الرواة المرجوع إليهم عند الأمة، منهم: الإمام الناصر للحق الحسن بن علي، والإمام أبو طالب، والإمام المرشد بالله، ومحمد بن منصور المرادي، ومحمد بن سليمان الكوفي، وصاحب المحيط بالإمامة علي بن الحسين، والحاكم الجشمي، والحاكم الحسكاني، وابن أبي شيبة، وابن عقدة، وابن المغازلي، وغيرهم بأسانيدهم، ومالك بن أنس، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ومسلم وأبو داود، والترمذي والدارقطني، والثعلبي، والواحدي، والحاكم، والطحاوي، وأبو يعلى، وأبو الشيخ، والطبراني، والبيهقي، وعبد بن حميد، ومطين، وابن أبي داود، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن خزيمة وابن عساكر وابن مردويه وابن المنذر وابن منيع وابن النجار والشيخ محب الدين الطبري الشافعي صاحب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، والبغوي وغيرهم.
والمروي عنهم من الصحابة: أمير المؤمنين والحسن السبط، وفاطمة الزهراء عليهم السلام ، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن جعفر، وجابر بن عبد الله، وأم المؤمنين أم سلمة، وابنها عمر بن أبي سلمة، وعائشة، والبراء بن عازب، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص بطرق تضيق عنها الأسفار، ولاتستوعبها إلا المؤلفات الكبار، وهي متطابقة على معنى واحد، من جمع الأربعة علي والزهراء والحسنين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتجليلهم بالكساء قائلاً صلى الله عليه وآله وسلم : ((اللهم هؤلاء أهل بيتي - وفي بعضها وعترتي، وفيه: أهلي، وأهل بيتي. وفيه: أهل بيتي وخاصتي، ونحوها مما لا يخرج عن هذا المعنى - فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً))، وفي بعضها: وفي البيت جبريل وميكائيل صلوات الله عليهما.(1/30)