قال إمام اليمن يحيى بن الحسين عليه السلام في الأحكام: وفيه أنزل الله على رسوله: ?يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ?[المائدة:67]، إلى أن قال: فنزل تحت الدوحة مكانه وجمع الناس ثم قال: ((يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: اللهم اشهد، ثم قال: اللهم اشهد، ثم قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره)). انتهى.
وقد خطب الحجيج صلوات الله عليه وآله بخطبة كبرى روى كل منها ما حفظ.
قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه السلام: هذا الخبر قد بلغ حد التواتر، وليس لخبر من الأخبار ماله من كثرة الطرق، وطرقه مائة وخمس طرق.
وقال السيد جمال الدين الهادي بن إبراهيم الوزير: من أنكر خبر الغدير فقد أنكر ما علم من الدين ضرورة ؛ لأن العلم به كالعلم بمكة وشبهها، فالمنكر سوفسطائي. وقال السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير: إن حديث الغدير يروى بمائة طريق وثلاث وخمسين طريقاً. انتهى.
وقد أخرجه محمد بن جرير الطبري من خمس وسبعين طريقاً، أفرد له كتاباً سماه كتاب الولاية، وذكره الحافظ أبوالعباس بن محمد بن عقدة من مائة وخمس طرق، وقد ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري.
قال المقبلي في الأبحاث - مع أن حاله معلوم: إن كان هذا معلوماً وإلا فما في الدنيا معلوم. انتهى.
وقال ابن حجر في الصواعق: رواه ثلاثون من الصحابة، وفيه: اللهم والِ من والاه عاد من عاداه واخذل من خذله... إلخ.
وروى ابن حجر العسقلاني خبر الغدير عن سبعة وعشرين صحابياً، ثم قال: غير الروايات المجملة: اثني عشر، جمع من الصحابة، وثلاثين رجلاً، وعده السيوطي من الأحاديث المتواترة.
قال الذهبي بهرتني طرقه فقطعت به.(1/21)


وقد أشار الإمام شرف الدين عليه السلام في القصص الحق إلى تكرره في غير المقام كما هومعلوم، وإلى قول الذهبي بهرتني طرقه... إلخ، بقوله بعد ذكر الصحابة:
وكلهم عندنا عدل رضى ثقة .... حتم محبته حتم توليه
إلا أناساً من بعده لهم .... أحداث سوء وماتوا في أثانيه
إلى قوله:
ما قلت إلا الذي قال خالقنا .... في ذكره أو رسول الله حاكيه
فكل حادثة في الدين قد وردت .... وفتنة وامتحان من أعاديه
في محكم الذكروالنقل الصحيح عن الر .... سول في لفظ تنصيص وتنبيه
إلى قوله:
من مثل ما كان في حج الوداع وفي .... يوم الغدير الذي أضحى يثنيه
وهو الحديث اليقين الكون قد قطعت .... بكونه فرقة كانت توهيه
أبان في فضله من كان خالقنا .... له يوالي ومن هذا يعاديه
وقال المقبلي في الإتحاف: أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي، عن بريدة. إلى قوله: فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه))، وبهذا الحديث، وما في معناه تحتج الشيعة على أن (مولى) بمعنى: أولى، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دل مساق كلامه أنه سوّاه بنفسه، وإلا لما كان لمقدمة قوله: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم معنى. إلى قوله ومن أشهر ما في الباب خبر غدير خم.(1/22)


وقد عزاه السيوطي في الجامع الكبير إلى أحمد بن حنبل، والحاكم، وابن أبي شيبه، والطبراني، وابن ماجه وابن قانع، والترمذي، والنسائي، والمقدسي، وابن أبي عاصم، والشيرازي، وابن عقدة، والبراء بن عازب، وعمر، وحبشي بن جنادة، وأبي الطفيل، وزيد بن أرقم، وجرير البجلي، وجندب الأنصاري، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وحذيفة بن أسيد، وأبي أيوب، ومالك بن الحويرث، وحبيب بن بديل، وقيس بن ثابت، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وأبي هريرة، وطلحة، وأنس، وعمرو بن مرة. إلى أن قال: لا أوضح من هذا الدليل رواية ودلالة على أن علياً أولى بالمؤمنين من أنفسهم، انتهى باختصار.
وخبر المنزلة الذي قال فيه صلوات الله عليه وآله: ((فما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي))، هكذا لفظ رواية الإمام الأعظم زيد بن علي عليهم السلام .
وقال الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام، وفيه يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي))، وفي ذلك دليل على أنه قد أوجب له ما كان يجب لهارون مع موسى ما خلا من النبوة، وهارون صلى الله عليه فقد كان يستحق مقام موسى، وكان شريكه في كل أمره، وكان أولى الناس بمقامه، وفي ذلك ما يقول موسى عليه السلام حين سأله ذا الجلال والإكرام فقال: ?وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ، هَارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا، وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا، إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا?[طه:29-35]، فقال سبحانه: ?قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى?[طه:36]، انتهى.
وهو كذلك متواتر معلوم، قال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه السلام: فيه من الكتب المشهورة عند المخالفين أربعون إسناداً من غير رواية الشيعة وأهل البيت.(1/23)


وقال الحاكم الحسكاني: هذا حديث المنزلة الذي كان شيخنا أبو حازم الحافظ يقول: خرجته بخمسة آلاف إسناد. ورواه في مسند أحمد بعشرة أسانيد، ومسلم من فوق سبع طرق، ورواه البخاري، وعلى الجملة الأمر كما قال الإمام الحجة عبد الله بن حمزة عليه السلام، والخبر مما علم ضرورة انتهى.
وقال ابن حجر في فتح الباري: واستدل بحديث المنزلة على استحقاق علي رضي الله عنه للخلافة دون من الصحابة.
وقال الطيبي: معنى الحديث تتصل بي نازل مني منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه مبهم، بينه بقوله: إلا أنه لا نبي بعدي، فعرف أن الاتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوة، بل من جهة ما دونها، هوالخلافة... إلخ.
وقال ابن حجر المكي في شرح قول صاحب الهمزية:
ووزير ابن عمه في المعالي .... ومن الأهل تسعد الوزراء
ما لفظه: وقد وردت فيه بمعناها على وجه أبلغ من لفظها، وهو قوله عليه السلام: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى))، فإن هذه الوزارة المستفادة من هذا أخص من مطلق الوزارة، ومن ثمة أخذ منها الشيعة أنها تفيد النص أنه الخليفة بعده، وهو كذلك، ثم ذكر ما يؤيد هذا الوزارة الخاصة من أن النبي آخاه دون غيره، وأرسله مؤدياً لبراءة واستخلفه بمكة عند الهجرة، ثم ذكر الوجه الذي هوعنده مانع من النص على الخلافة، وهو موت هارون في حياة موسى...إلخ. وهو لا يفيد ما ذكره، إذ قد ثبت الاستحقاق، ولا يبطله موته قبله وذلك واضح، وكفى في الرد قوله: إلا أنه لا نبي بعدي.(1/24)


ومن انقاد لحكم الضرورة، وسلم لقضاء الفطرة، علم ما عنى الله ورسوله بهذه الآيات الربانية، والأخبار النبوية، وقد قرر الأئمة الهداة، الدلالات فيها بما لا مزيد عليه، وقد وردت النصوص المتطابقة على لسان سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم في أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، ويعسوب المؤمنين، وإمام المتقين، وأنه أخوه ووصيه ووزيره ووارثه، وولي كل مؤمن من بعده، وباب مدينة علمه، وعيبة علمه، ودار الحكمة، وراية الهدى، ومنار الإيمان، وإمام الأولياء، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنذر وهو الهادي به يهتدي المهتدون من بعده، وأن أذنه الأذن الواعية، وأنه لو كان من بعده نبي لكان إياه، وأنه الأنزع البطين، وأنه لا يجبه إلا مؤمن ولايبغضه إلا منافق، وأنه خلق من نوره ومن شجرته، وأنه أول من آمن به، وأول من يصافحه، وأنه المؤدي دينه، ومنجز وعده، والمقاتل على سنته، والمقاتل على تأويل القرآن كما قاتل على تنزيله، وقاتل الناكثين والقاسطين، والمارقين، وباب مدينة علمه، وأن الحق معه، والحق على لسانه، والقرآن معه وهو مع القرآن، وأنه المسمع لهم صوته، والهادي لمن اتبعه، وأن من اعتصم به أخذ بحبل الله ومن تركه مرق من دين الله ومن تخلف عنه محقه الله، ومن ترك ولايته أضله الله، ومن أخذ بولايته هداه الله، ومن فارقه فارق الرسول ومن فارقه فارق الله، وأن حربه حربه، وسلمه سلمه، وسره سره، وعلنيته علانيته، ومن أحبه أحبه، ومن أبغضه أبغضه، ومن سبه فقد سبه، وأن طاعة علي طاعة الرسول وطاعته طاعة الله، وأنه لا يرد عن هدى، ولا يدل على ردى، وباب الرسول الذي يؤتى منه، والمبين للأمة ما اختلفوا فيه، وما أرسل به وأن الله يثبت لسانه ويهدي قلبه، وأن من أحب أن يحيا حياة رسول الله ويموت مماته ويدخل الجنة التي وعده ربه فليتول علياً وذريته من بعده، وأنه أولهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله،(1/25)

5 / 118
ع
En
A+
A-