وأقول: قسماً بالله العلي الكبير، قسماً يعلم صدقه العليم الخبير ألا غرض ولا هوى لنا غير النزول عند حكم الله، والوقوف على مقتضى أمره، وأنالو علمنا الحق في جانب أقصى الخلق من عربي أو عجمي أو قرشي أو حبشي لقبلناه منه، وتقبلناه عنه، ولما أنفنا من اتباعه، ولكنا من أعوانه عليه وأتباعه، فليقل الناظر ماشاء ولايراقب إلا ربه، ولا يخشى إلا ذنبه فالحكم الله والموعد القيامة، وإلى الله ترجع الأمور.(1/16)
الفرقة الناجية
هذا وأنت أيها الناظر لدينه الناصح لنفسه، الباحث في كتاب ربه وسنة نبيه، إذا أخلصت النظر في الدليل، ومحضت الفكر لمعرفة السبيل، واقتفيت حجج الله وبيناته، واهتديت بهدى الله ونير آياته، علمت انها لم تقم الشهادة العادلة من كتاب رب العالمين، وسنة الرسول الأمين، بإجماع جميع المختلفين، لطائفة على التعيين، ولا لفرقة معلومة من المسلمين إلا لأهل بيت رسول الله، وعترته وورثته صلوات الله عليه، فقد علم في حقهم ماوضحت به الحجة على ذوي الأبصار، واشتهر اشتهار الشمس رابعة النهار، وامتلأت به دواوين الإسلام، وشهد به الخاص والعام من الأنام ونطقت به ألسنة المعاندين، وأخرج الله به الحق من أفواه الجاحدين، لإقامة حجته، وإبانة محجته، على كافة بريته: ?لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ?[الأنفال:42].
ونشير بإعانة الله وتسديده إلى طرف يسير، مما سطع من ذلك الفلق النوار، واللج الزخار على سبيل الاختصار، مع تضمن ذلك المقصد الأهم حل الأسئلة الواردة على الاستدلال بخصوص آية التطهير، وبعموم إجماع آل محمد عليهم الصلاة والسلام، وبعضها نذكره وإن كان قد أجيب عنه، كالذي قد تكلم فيه الإمام الناصر الأخير عبد الله بن الحسن في الأنموذج الخطير، إما لبعد الجواب عن الانتوال، أو لزيادة التقرير في كشف الإشكال، واعلم أن الوارد فيهم صلوات الله عليهم لا نفي بحصره، ولا نحيط بذكره، وقد قال الإمام عز الدين بن الحسن في المعراج ناقلاً عن الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه السلام مالفظه: قال عليه السلام: وأعدل الشهادات شهادة الخصم لخصمه، إذ هي لاحقة بالإقرار الذي لا ينسخه تعقب إنكاره، وقد أكثرت الشيعة في رواياتها بالأسانيد الصحيحة إلى حد لم يدخل تحت إمكاننا حصره في وقتنا هذا إلا أنه الجم الغفير.(1/17)
إلى أن قال: وتركنا ما ترويه الشيعة بطرقها الصحيحة التي لا يمكن عالماً نقضها إلا بما يقدح في أصول الإسلام الشريف، وكذلك ما اختص آباؤنا عليهم السلام . إلى أن قال بعد ذكر لبعض كتب العامة: وفصول ما تناولته هذه الكتب مما يختص بالعترة الطاهرة خمسة وأربعون فصلاً، تشتمل على تسعمائة وعشرين حديثاً، منها من مسند أحمد بن حنبل مائة وأربعة وتسعون حديثاً، ومن صحيح البخاري تسعة وسبعون حديثاً، ومن صحيح مسلم خمسة وتسعون حديثاً، ثم ساق ذلك حتى تم عليه السلام.
قلت: ولله السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير حيث يقول:
والقوم والقرآن فاعرف قدرهم .... ثقلان للثقلين نص محمد
ولهم فضائل لست أحصي عدها .... من رام عد الشهب لم تتعدد
هذا فأقول وبالله التوفيق: قال صلى الله عليه وآله وسلم : ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي))، الخبر المتواتر المروي في كتب الإسلام عن بضع وعشرين صحابياً، منهم: أمير المؤمنين، وأبو ذر، وجابر، وحذيفة، وزيد بن أرقم، وأبو رافع، وهو بلفظ عترتي، وبلفظ أهل بيتي، مجمع على روايته، وقد أخرجه أحمد، ومسلم في صحيحه، وأبو داود، وعبد بن حميد، وغيرهم بلفظ ((وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثاً))، وقد حاول البعض معارضة هذا الخبر بما روي مرسلاً في الموطأ، وفي المستدرك، من طريق واحدة عن أبي هريرة بلفظ ((وسنتي)) مع أنه في المستدرك نفسه بلفظ: وعترتي من ثلاث طرق، وعلى فرض ثبوت هذه الرواية الشاذه فلامعارضة، فالكتاب والسنة مؤداهما واحد، ولذا اكتفى بذكر الكتاب والعترة في الخبر المتواتر فكيف يعرضون عنه: ?أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًاً?[النساء:54].(1/18)
وإلى آية الولاية وهي قوله عز وجل: ?إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ?[المائدة:55] أجمع آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على نزولها في الوصي عليه السلام، قال الإمام الأعظم الهادي إلى الحق الأقوم عليه السلام في الأحكام في سياق الآية: فكان ذلك أمير المؤمنين دون جميع المسلمين، وقال الإمام أبو طالب عليه السلام في زيادات شرح الأصول: ومنها النقل المتواتر القاطع للعذر أن الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام.
وقال الإمام أحمد بن سليمان عليه السلام: ولم يختلف الصحابة والتابعون أنه المراد بهذه الآية. وحكى الإمام المنصور بالله عليه السلام إجماع أهل النقل على أن المراد بها الوصي، وحكى إجماع أهل البيت على ذلك الإمام الحسن بن بدر الدين، والأمير الحسين، والأمير صلاح بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين، والإمام القاسم بن محمد عليهم السلام وغيرهم كثير.
وروى ذلك الإمام المرشد بالله عليه السلام عن ابن عباس من أربع طرق، وأتى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل بطرق كثيرة في ذلك، منها: عن أمير المؤمنين عليه السلام، وابن عباس، وعمار بن ياسر، وأبي ذر، وجابر بن عبد الله، والمقداد بن الأسود، وأنس بن مالك، ومن التابعين: محمد بن علي، وأبي جعفر الباقر، وعطاء بن السائب، وعبد الملك بن جريج، ومن الرواة في نزولها فيه عليه السلام: أبو علي الصفار، والكنجي، وأبو الحسن علي بن محمد المغازلي الشافعي، وأبو إسحاق أحمد رزين العبدري، والنسائي، وحكى السيوطي أن الخطيب أخرج ذلك في المتفق والمفترق عن ابن عباس، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن مردوية، وابن جرير، وأبو الشيخ عنه.(1/19)
وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عمار، وأخرجه الشيخ، وابن مردويه، وابن عساكر، عن سلمة بن كهيل، وابن جرير عن مجاهد، وأخرجه أيضاً عن عتيبة بن أبي حكيم والسدي، وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم في المعرفة، عن أبي رافع، وتكلم صاحب الكشاف، وغيره على وجه الجمع مع أن المراد الفرد، وذكر الرواية في نزولها فيه، وكذلك الرازي في مفاتيح الغيب، وأبو السعود في تفسيره، وعلى الجملة الأمر كما قال الأمير الحسين بن محمد عليهما السلام: إجماع أهل النقل على أن المراد بها علي عليه السلام إلامن لا يعتد به. انتهى.
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام في الرسالة النافعة بعد أن ساق الروايات من كتب العامة: وتنكبنا روايات الشيعة على اتساع نطاقها، وثبوت ساقها، ليعلم المستبصر أن دليل الحق واضح المنهاج، مضيء السراج. انتهى.
ولله القائل:
يا من بخاتمه تصدق راكعاً .... إني رجوتك في القيامة شافعا
هذا والمنزل فيه وفي أهل بيت الرسول صلوات الله عليه وعليهم أكثر من أن يحصر، فإنهم مهبط الوحي، ومختلف الملائكة، ولله القائل:
وبيت تقاصر عنه البيو .... ت طال سناء على الفرقد
تبيت الملائكة من حوله .... ويصبح للوحي دار الندي
فبحقٍ قول ابن عمه حبر الأمة، وترجمان القرآن: عبد الله بن العباس رضي الله عنهم: أنزلت في علي ثلاثمائة آية.
وقوله أيضاً: ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي كرم الله وجهه. وقوله أيضاً: ما أنزل الله يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي أميرها وشريفها، وكل ذلك ثابت بأسانيده بحمد الله تعالى.
وإلى خبر الغدير الذي خطب به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع بمشهد الجمع الكثير، والجم الغفير، وفي ذلك اليوم الذي أنزل الله تعالى فيه على الأصح: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا?[المائدة:3].(1/20)