فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((ياعم ماتريد ممن لا عم له، ما تريد ممن لا أم له، ما تريد ممن لا أب له، ماتريد ممن لا ناصر له من قومه)).
فدمعت عينا حمزة وقال: افتح يابن أخي فما أتيتك حتى انتصرت لك ممن ظلمك.
فخرج إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ((يا عم إنه لن يقبل منك ذلك إلا أن تقول: لا إله الا الله محمد رسول الله)).
قال: فاتل عليّ شيئاً مما أوحي إليك.
فتلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه آيات من سورة (الملك).
قال حمزة: يابن أخي هذا كلام لا يشبه كلام المخلوقين، ثم قال زدني.
فتلا عليه: ?حم، تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ الله الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ?[غافر:1، 2، 3].
فقال حمزة: حسبك يابن أخي، فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنك محمداً عبده ورسوله، وتم عليه السلام على إسلامه.(1/183)


[(3) أبو طالب]
وأما أبو طالب فإن الحسن بن علي الجوسقي [62] أخبرنا [قال: حدثني أبو محمد الأنصاري، قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدثني إبراهيم بن سعد الزهري عن محمد بن إسحاق ويزيد بن رومان وصالح بن كيسان ويحيى بن عروة وغيرهم] أن أبا طالب حدب على رسول الله مظهراً لأمره.
قال ابن إسحاق: وحدثني غير واحد أن رجال قريش مشوا إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا، وظلل آباءنا فإما أن تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه.
فقال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله وسَلّم لأبي طالب: ((والله ياعم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ماتركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه)) ثم استعبر باكياً وولىّ، فناداه أبوطالب فأقبل عليه.
فقال: اذهب يابن أخي فقل ما أحببت، فو الله لا أسْلِمُك لشيء أبداً.
وجمع بني هاشم ودعاهم إلى ماهو عليه من منع رسول الله فأجابوه، إلاّ ما كان من أبي لهب عدو الله، وفي ذلك يقول أبو طالب:
منعنا الرسول رسول المليك .... ببيض تضيء كلمع البروق
أذب وأحمي رسول المليك .... حماية حام عليه شفيق
وله أيضاً:
ياأيهاذا الأعز المرسل«البطل» .... هاج الفصال وهاج الأفحل الطُوَل
لما رأوك حباك الله نافلة .... سِيْؤُوا وقالوا ألا بل قائدٌ فشل
وقال أيضاً في قصيدة له في رسول الله:
حليمٌ رشيدٌ عادلٌ غير طائش .... يوالي إلهاً ليس عنه بغافل
فأيده رب العباد بنصره .... وأظهر ديناً حقه غير باطل
[63] وأخبرنا أحمد بن على بن عافية بإسناده عن أبي اليمان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج في جنازة أبي طالب معارضاً لها وهو يقول: ((وصلتك رحم)).
[64] أخبرنا محمد بن جعفر القرداني بإسناده عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد إن الله عزَّ وجل يقرئك السلام ويقول: ((إني حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحِجر كفلك)).(1/184)


فقال رسول الله: ((يا جبريل بين لي من هم)).
قال: ((أما الصلب الذي أنزلك فعبد الله بن عبد المطلب، وأما البطن الذي حملك فآمنة بنت وهب، وأما الحِجر الذي كفلك فعبد مناف بن عبد المطلب، وهو أبو طالب)).
[65] وأخبرنا القرداني [بإسناده] عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما مات أبو طالب أمر رسول الله بغسله وكفنه ثم كشف عن وجهه ثم مسح بيده اليمنى على جبهته اليمنى ثلاث مرات، ثم مسح بيده اليسرى على جبهته اليسرى ثلاث مرات، ثم قال: ((كفلتني يتيماً وربيتني صغيراً، ونصر تني كبيراً فجزاك الله عني خيراً، احملوه)).
فحمله الملأ من قريش وقومه ودفنوه.(1/185)


[قصة ذبح والد الرسول]
وأما أبو رسول الله فإنه [66] [أخبرنا الحسن بن على الجوسقي، قال: حدثني أبو محمد الأنصاري، قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدثني إبراهيم بن سعد الزهري عن محمد بن إسحاق ويزيد بن رومان وصالح بن كيسان ويحيى بن عروة وغيرهم] أن عبد المطلب كان قد نذر أنه متى رُزق عشرة أولاد ذكوراً ورآهم بين يديه رجالاً نحر أحدهم للكعبة شكراً لربه إذ أعطاه بئر زمزم، وخصه بها من بين قومه.
فدعا بنيه وقال لهم: يابني إني قد كنت نذرت نذراً وقد علمتموه قبل اليوم فما تقولون؟
قال أبو طالب: افعل ما تشاء فها نحن بين يديك.
قال عبد المطلب: لينطلق كل واحد منكم إلى قدحه وليكتب عليه اسمه.
ففعلوا ثم أتوه بالقداح، فأخذها وجعل يقول:
عاهدته وأنا موفٍ عهده .... أيام حفري وبيتي وحده
والله لانحمد شيئاً حمده .... إذ كان مولاي وكنت عبده
نذرت نذراً لا أحب رده .... ولا أحب أن أعيش بعده
ثم دعا بالقداح والأمين الذي يضرب بها فدفع القداح إليه، وقال: حرك ولا تعجل.
وكان أحب ولد عبد المطلب إليه عبد الله، فلم يحب أن يخرج قدحه فيذبحه، فلما صارت القداح في يد الأمين جعل عبد المطلب يرتجز ويقول:
يارب نج ولدي من ذبحي .... إني أخاف أن يكون قدحي
إن كان عبد الله نذر الذبح .... أرضيت ربي فيه عند المسح
لأن ربي غاية للمدح
ثم ضرب صاحب القدح فخرج القداح على عبد الله، فأخذ عبد المطلب بيده وأخذ الشفرة وجعل يرتجز ويقول:
عاهدته وأنا موفٍ نذره .... هو الله لا يقدر شيء قدره
هذا بني قد أريد نحره .... وإن يؤخره فيقبل عذره
ويصرف الموت به وحذره
ثم أتى به حتى أضجعه بين يساف ونائلة، الصنمين اللذَين كانت قريش تذبح عندهما ذبائحها، فوثب أبو طالب وهو أخو عبد الله من أبيه وأمه فأمسك يد عبد المطلب عن أخيه وأنشأ يقول:(1/186)


كلا ورب البيت ذي الأنصاب .... ورب ما أنصص من ركاب
كل قريب الدار أو منتاب .... يزرن بيت الله ذا الحجاب
ماذبح عبد الله بالتلعاب .... من بين رهط عصبة شباب
أغر بين البيض من كلاب .... وبين مخزوم ذوي الأحساب
أهل الجياد القب والقباب .... يا شيب إن الذبح ذو عقاب
إن لنا إن جرت في الخطاب .... أخوال صدق كأسود الغاب
لا يسلمون الدهر للعذاب
قال: فلما سمعت بنو مخزوم ذلك القول من أبي طالب قالوا: صدق ابن أختنا، ووثبوا إلى عبد المطلب وقالوا: يا أبا الحارث، إنا لا نسلم ابن أختنا للذبح فاذبح من شئت من ولدك غيره.
فقال:إني قد نذرت نذراً وقد خرج القدح عليه ولابد من ذبحه.
قالوا: كلا لايكون ذلك أبداً وفينا ذو روح، إنا لنفديه بجميع أموالنا من طارف وتالد.
وأنشأ المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم يرتجز ويقول:
يا عجبي من فعل عبد المطلب .... وذبحه ابناً كتمثال الذهب
كلا وبيت الله مستور الحجب .... ماذبح عبد الله فينا باللعب
يا شيب لا تعجل علينا بالعجب .... نفديه بالأموال من بعد الغصب
ودون ما تبغي حروب تضطرب .... ضرب يزيل الهام من بعد العصب
بكل مصقول رقيق ذي شطب .... كالبرق أو كالنار في الثوب الهدب
ثم وثب السادات من قبائل قريش إلى عبد المطلب فقالوا:يا أباالحارث، إن هذا الذي عزمت عليه عظيم وإنك إن ذبحت ابنك لم تتهنَ العيش من بعده، ولكن لا عليك أنت على رأس أمرك تثبت حتى نصير معك إلى كاهنة بني سعد، فما أمرتك من شيء امتثلته.
قال عبد المطلب: لكم ذلك، ثم خرج معهم في جماعة من بني مخزوم نحو الشام إلى الكاهنة وهو يرتجز ويقول:
يارب إني فاعل لما ترد .... إن شئت ألهمت الصواب والرشد
ياسائق الخير إلى كل بلد .... إني مواليك على رغم معد
قد زدت في المال وأكثرت العدد .... فلا تحقق حذري في ذا الولد
واجعل فداه في الطريف والتلد(1/187)

37 / 118
ع
En
A+
A-