[أولاً:مآثر عبد المطلب]
[55] [أخبرنا الحسن بن علي الجوسقي قال: حدثني أبو محمد الأنصاري، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال: حدثني إبراهيم بن سعد الزهري، عن محمد بن إسحاق ويزيد بن رومان ويحيى بن عروة وغيرهم] أن عبد المطلب اسمه شيبة بن هاشم بن عبد مناف، فغلب عليه عبد المطلب؛ لأن عمه المطلب أخا هاشم ونوفل وعبد شمس خرج من مكة يريد يثرب لنقل بن أخيه شيبة من عند أمه سلمى بنت زيد بن عمرو النجارية ليقوم بعده مقامه في الرئاسة والرفادة، فلما دخل المدينة نظر إلى غلمان يتناضلون وشيبة فيهم كأن وجهه القمر ليلة البدر، و إذا رمى فأصاب ضحك وقال: أنا ابن هاشم حقاً.
فلما نظر إليه عمه المطلب أناخ راحلته ونزل فضمه إلى صدره وقبل بين عينيه، وقال: تعرفني؟
قال: لا.
قال: أنا عمك المطلب بن عبد مناف، وإنه كان من أمر أبيك ما كان فمضى لسبيله، وإن قريشاً أقامتني مقامه، فسر معي إلى مكة فإن حدث بي حدث الموت قمت في قريش مقامي، لأجل هذا النور الذي بين عينك، يعني نور رسول الله.
قال: يا عم إني غير مفارق أمي إلاّ بإذنها.
فسار المطلب بن عبد مناف إلى سلمى، فحياها وحيته، وقال: يا سلمى اسمعي كلامي، الموت غاد ورائح، قد مات أخي هاشم وأنا لاحق به لا شك، وهذا ابن أخي قد دب ودرج وبلغ، غير أنه غريب، وقد علمت أنا أهل بيت شرف وحسب وسادات ولد إسماعيل فلو أذنت له لينطلق معي إلى مكة فيقوم مقامي بعدي؟
قالت: ولدي وقرة عيني أتسَلّى به بعد أبيه هاشم لا أفارقه إلاّ أن يحب.
فقال شيبة: فأنا أحب ذلك.
فأذنت له وبكت عليه بكاءً شديداً، فخرج شيبة على ناقة والمطلب على أخرى، فلما دخل مكة ونظرت قريش إلى المطلب جعلوا يقولون: هذا عبد ابتاعه المطلب من يثرب.
فقال المطلب: ويحكم هذا ابن أخي شيبة بن هاشم، فسمي شيبة: عبد المطلب من ذلك «اليوم».
وفيه يقول بني شيبة:
بني شيبة الحمد الذين وجوههم .... تضيء دجى الظلماء كالقمر البدر(1/173)
[ثانياً: مآثر هاشم بن عبد مناف]
وأما هاشم بن عبد مناف فاسمه عمرو، وهو أول من أطعم الطعام وهشم الثريد، وكانت مائدته منصوبة لا ترفع لكل وارد وصادر، وكان يكسو ويحمل من طرقه وينصر المظلوم ويؤوي الخائف ولذلك قيل:
يا أيها الضيف المحول رحله .... هلا حللت بآل عبد مناف
هبلتك أمك لو حللت بدارهم .... منعوك من جوع ومن إقراف
كانت قريش بيضة فتفلقت .... فالمخ خالصها لعبد مناف
عمرو العلا هشم الثريد لقومه .... ورجال مكة مسنتون عجاف
الرائشون وليس يوجد رائش .... والقائلون هلم للأضياف
والخالطون غنيهم بفقيرهم .... حتى يعود فقيرهم كالكافي
نسبت إليه الرحلتان كلاهما .... سفر الشتاء ورحلة الأصياف(1/174)
[ثالثاً: مآثر عبد مناف]
وأما عبد مناف فاسمه مغيرة وفيه قيل:
إن المغيرات وأبناءهم .... من خير أحياء وأموات
أخلصهم عبد مناف فهم .... من لوم مَنْ لام بمنجاب(1/175)
[رابعاً: مآثر قصي]
وأما قصي فاسمه زيد، وسمي قصياً لتقصيه عن قومه بمكة إلى أرض قضاعة مع أمه فاطمة بنت سعد بن سيل؛ وقيل: لتقصيه عمّا يشينه من البخل والجبن إلى النجدة ومكارم الأخلاق وهو الذي جمع بني أبيه واسترجع مكة والملك من خزاعة وغلبهم فكان يقال له لذلك: المجمع.
قال حذافة بن غانم العدوي:
أبوكم قصي كان يدعى مُجَمِّعاً .... به جَمَعَ الله القبائِلَ مِن فِهرِ
نزلنا بها والناس فيها قبائل .... وليس بها إلاّ كهول بني عمرو
خليل الذي عادى كنانة كلها .... ورابط بيت الله في العسرواليسر
وأنتم بنو زيد وزيد أبوكم .... به زِيدَت البطحاء فخراً على فخر
يعني بني عمرو بن خزاعة.(1/176)
[خامساً: مآثر فهر والنضر]
وأما فهر فهو الذي تفرقت منه قبائل قريش.
والنضر، اسمه قيس، وهو قريش، وقيل ذلك لتقارشه بالرماح، أي وقوع بعضها على بعض فقال القطامي:
قوارش بالرماح كأنَّ فيها .... شواطن ينتزعن بها انتزاعاً
وقال آخر:
ولما دنا الرايات واقترش القنا .... وطارت مع القوم القلوب الرواجف
وقيل: قريش لعزته وغلبته سائر الناس سمي بدابة عظيمة في البحر تبتلع جميع الدواب يقال لها قريش وأنشد:
وقريش هي التي تسكن البحر .... بها سميت قريش قريشا
تأكل الغث والسمين ولا .... تبقي فيها لذي الجناحين ريشا
هكذا في الكتاب حي قريش .... يأكلون البلاد أكلاً كريشا
ولهم آخر الزمان نبي .... يكثر العد منهم والجيوشا
وقيل: من التقريش أي التحريش، قال الحارث بن حلزة:
أيها الناطق المقرش عنا .... عند عمرو وهل لذاك بقاء(1/177)