[قصة بقرة آل ذريح]
هذه بقرة آل ذريح صاحت في أول مَا أتاه الوحي بلسان الآدميين صياحاً عالياً، وقد اجتمع القوم ليوم عيدهم، فجاءت تعدو حتى وقفت على الجمع وهي تقول: يا أهل ذريح صائح يصيح من بطن هذا القبيل، هاشم ومَا هاشم هشم الثريد ليوم عصيب، لا إله إلاّ الله محمد رسول الله، جاءه الوحي المبين كلام رب العالمين، يغلب القبيل ويذبح الضليل، ويؤذِّن بأذان إبراهيم الخليل، بعث بالذبح والذبيح، والملك الفسيح؛ هاهو ذا عجلوا قول: لا إله إلاّ الله تدخلوا الجنة، جنة المأوى، فوالله ماشعرنا إلاّ بآل ذريح قد أقبلوا حتى وقفوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأسلموا على يديه، فكانوا أول العرب إسلاماً.
وكنت عنده صلى الله عليه وآله وسلم إذ أتاه ثلاث بهائم فسلموا عليه: بقرة وجمل وذئب.(1/138)
[قصة بقرة بني سالم]
أما البقرة فكانت في نخل بني سالم، فلما بصرت برسول الله أقبلت إليه تلوذ به.
فقالت: يا بني سالم جاءكم رسول رب العالمين، أحاكمكم إليه فإنه قاضي الله في أرضه ورسوله إلى خلقه، ثم قالت البقرة: يا رسول الله، وضعت لهؤلاء اثني عشر بطناً، واستغنوا بي فأكلوا من زبدي وشربوا من ألباني، ولم يتركوا نسلي، وهم الآن يريدون ذبحي، فآمن بنوا سالم، وقالوا: والذي بعثك بالحق مانريد معها شاهداً.(1/139)
[قصة الذئب]
وأما الذئب فإنه أقبل إلى رسول اللهفشكى إليه الجوع وقال: يا رسول الله، إنما بعثك الله رأفةً ورحمةً، وليحيي بك العباد والبلاد فاقسم لي شيئاً أناله، فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرعاة وقال: ((افرضوا للذئب شيئاً)). فبخلوا ولم يفعلوا، ثم عاد فشكى عليه من الغد الجوع وأعاد الكلام، فدعا صلى الله عليه وآله وسلم الرعاة ثانياً وقال: ((افرضوا للذئب شيئاً)) فلم يفعلوا، ثم عاد إليه من الغد.(1/140)
[قصة الجمل]
وأما الجمل فإنه أقبل إلى رسول اللهوضرب بجرانه الأرض ورغى وبكى ساجداً.
فقال القوم: سجد لك الجمل نحن أحق أن نسجد لك.
قال: ((اسجدوا لله عزَّ وجل، ولو أمرت شيئاً أن يسجد لشيء لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها))، جاءني يشكو أربابه))، فبعثني مع الجمل لأنصفه إذ أقبل صاحبه أعرابي فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((مَا بال هذا البعير يشكو أربابه))؟
قال: يا رسول الله ما يقول؟
قال: ((يقول: انتجعتم عليه صغيراً حتى صار عَوْداً كبيراً، ثم إنكم أردتم نحره)).
قال: والذي بعثك بالحق نبياً ما كذبك.
قال: ((يا أعرابي: إما أن تهبه لي وإما أن تبيعه مني)).
قال: يا رسول الله، أهبه لك. فكان الجمل يأتي علوفة الناس فيعتلف منها لا يمنعونه، فلما قبض رسول الله مات، فأمرت بدفنه كيلا تأكله السباع.(1/141)
[قصة تسعة نفر من حضرموت]
وكنت معه إذْ قال: يأتينى تسعة نفر من حضرموت، يسلم ستة ولا يسلم ثلاثة.
فوقع في قلوب كثير من كلامه مَا وقع، فقلت أنا: صدق رسول الله هو كما قلت يا رسول الله.
فقال لي: ((أنت الصِّدّيق، ويَعْسُوب المؤمنين وإمامهم، وأول المؤمنين إيماناً، وأنت الهادي والوزير))، فلما أصبح صلى الله عليه وآله وسلم أقبل الرهط من حضرموت حتى دنوا منه وسلموا عليه، وقالوا: يا محمد اعرض علينا الإسلام، فعرضه عليهم فأسلم ستة ولم يسلم ثلاثة، وانصرفوا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((أما أنت يا فلان فستموت بصاعقة من السماء، وأما أنت يا فلان فتخرج في طلب إبلك فيلقاك ناس من كذا فيقتلونك))، فوقع في قلوب ناس من ذلك مَا وقع، فقلت أنا: صدقت يا رسول الله، فقال: ((صدّق الله قولك يا علي)).
فما كان حتى أقبل الستة الذين أسلموا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ((مَا فعل أصحابكم الثلاثة))؟
قالوا: والذي بعثك بالحق نبياً ما جاوزوا ما قلت.(1/142)