[زواجه صلى الله عليه وآله وسلم بخديجة]
[12] أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحديدي بإسناده عن سعيد بن جبير قال: كان لنساء قريش عيد يجتمعنَ فيه في المسجد الحرام، فاجتمعن فيه في يوم عيدهن، فأتاهن يهودي فقال: معاشر نساء قريش، يوشك أن يبعث فيكم نبي، فأية امرأة منكن استطاعت أن تكون له أرضاً يطؤها فلتفعل.
فَحَصبْنَه وطردنه، ووقع ذلك القول في قلب خديجة عليها السلام، وكان لها غلام يقال له: ميسرة، يختلف بالتجارة، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخرج معه في سفره، وكان إذا دَنَا من مكة بعث إلى خديجة فأعلمها بما كان في سفرهم، وكان لها مشرفة فكانت إذا كان أوقات قدومه تجلس فترى من يطلع من عقبة المدينة، فجلست فيها في يوم صائف فطلع رجل من العقبة في يوم حار وأقبل على رأسه سحابة قدر ما تظله لا ترى في السماء سحابة غيرها.
فلما نظرت قالت: لئن كان ما قال اليهودي حقا مَا أظنه إلاّ هذا الرجل.
فلما انتهى إليها أخبرها بما كان في سفرهم، فقالت له: ألا تتزوج.
فقال لعمه أبي طالب: اخطب لي.
قال: من؟
قال: خديجة بنت خويلد .
فقال: سأقضي مَا في نفسك.
فلقي أباها فذكر ذلك له، فقال: حتى أنظر .
فلقيها فذكر ذا مال قد ماتت امرأته. فقال: يا خديجة فلان يخطبك.
قالت: ذهب شبابه وساء خلقه يُدل بماله لا حاجة لي فيه .
وذكر لها غلاماً من قريش قد وَرَّث له أبوه مالاً .
قالت: حديث السن سفيه العقل لاحاجة لي فيه .
فقال: محمد بن عبد الله .
قالت: أوسط الناس في قريش نسباً وصهراً، وأصبحهم وجهاً، وأفصحهم لساناً أعود عليه بمالي.
فأرسل إليهم أن هلموا، فقال أبو طالب: اذهب أنت يا حمزة معه فأنت صهر القوم.
فمروا إلى علي عليه السلام فقالوا له: انطلق معنا يا علي حتى نزوج محمداً صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أنظروني حتى آخذ بردي ونعلي، ففعلوا.
فلما دخلوا عليه، قالوا: تكلموا.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((الحمد لله الذي لا يموت...)) ثم تكلم فزوجوه.
وقد روينا أن أباطالب زوجه.(1/126)


[خطبة أبي طالب في تزويج خديجة]
[13] أخبرنا محمد بن جعفر القرادني قال: حدثنا محمد بن عبد الله الجبائي يرفعه عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: لما أراد رسول الله تزويج خديجة أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخلوا على ورْقَة بن نوفل، وأرسلوها فأظهرت رغبة، ولاطفت أباها حتى أجابها.
فقال أبو طالب: الحمد لله رب هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذرية إسماعيل، وجعل لنا بيتاً مَحْجُوجاً وحَرَماً آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا، ويخرج فينا نبياً خاتماً آمنا به واتبعنا هديه، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولا يقاس بأحد منهم إلا عظم عنه، ولا عدل له في الخلق، ولئن كان مُقِلاً في المال فإن المال ورقٌ حائلٌ، وظلٌ زائلٌ، وهو بإذن الله كفء، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه كذلك، والصداق مَا أرادت وشاءت.
فقالت خديجة: الصداق عليّ وفي مالي، فمر عمك فلينحر ناقة وليُولِم للناس بها.
فقال أبو طالب: اشهدوا عليها. وقالت قريش: عجباً أتمهر النساء الرجال!؟
فغضب أبو طالب، وكان ممن يهاب ويكره غضبه فقال: أما إذا كان مثل ابن أخي هذا طلبته النساء بأغلى الأثمان. ونحر أبو طالب ناقة، ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأهله. فقال رجل من قريش يقال له عبد الله:
هنيئاً مريئاً يا خديجة قد جرت .... لك الطير فيما كان منك بأسعد
تزوجته خير البرية كلها .... ومن ذا الذي في الناس مثل محمد
به بشر الله المسيح بن مريم .... وموسى بن عمران كأقرب موعد
أقر به الكتاب طراً بأنه .... رسولٌ من الرحمن هادٍ ومهتدي
[14] وأخبرنا أحمد بن محمد بن بهرام قال: حدثني غير واحد أن عمرو بن أسد زوج خديجة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ وتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة وقريش تبني الكعبة.
وقال ابن جريج: وهو ابن سبع وثلاثين.
وقال عمرو بن أسد: محمد بن عبد الله بن عبد ا لمطلب يخطب خديجة هو الفحل لا تقرع أنفه .(1/128)


[بدء نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]
[15] أخبرنا أحمد بن سعيد الثقفي يرفعه عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه تنبأ وهو ابن أربعين سنة.
[16] [أخبرنا عبد الله بن محمد الجوزجاني، قال: حدثنا الحسن بن العلاء، قال: حدثنا نمير عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق عن المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده] أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أراد الله كرامته وابتداءه بالنبوة، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت، ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها، فلا يمر صلى الله عليه وآله وسلم بحجر ولا شجر إلاّ قال: السلام عليك يارسول الله، فيلتفت حوله وعن يمينه وشماله وخلفه فلايرى إلاّ الشجر والحجارة، فمكث كذلك مَا شاء الله يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث، ثم جاءه جبريل عليه السلام بما جاءه من كرامة الله وهو بجبل حِراء في شهر رمضان.
[17] أخبرنا محمد بن جعفر الأنماطي يرفعه عن ابن عباس قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، وفي المدينة عشراً، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وفي غير هذا الحديث: أنه قرن معه إسرافيل ثلاث سنين، لا يظهر شيئاً مما أنزل الله، ثم قرن معه جبريل وأمر بإظهاره في قوله عزّ وجل: ?فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ?[الحجر:94]، ثم نسخت آيةُ القتال الإعراضَ عنهم.
فنزل جبريل عليه السلام بالقرآن عشر سنين بمكة وعشر سنين بالمدينة؛ فما ذكرت فيه الأمم والقرون والأنبياء فإنه نزل بمكة، وكل مَا فيه الفرائض والجهاد والحدود فبالمدينة.
وقيل: أفصح العرب بنو معاوية بن بكر، الذين أرضعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
«فنزل القرآن بلغتهم؛ إذ كان صلى الله عليه وآله وسلم تعلم فيها»(1/130)


[ترائي جبريل لرسول الله عليهما السلام]
[18] حدثنا الحسن بن إبراهيم الحداد المؤذن، يرفعه عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول:
((يأتيني جبريل عليه السلام على صورة دحية الكلبي)) قال أنس: وكان دحية الكلبي رجلاً وسيما جميلاً سميناً أَبْيَن.
[19] أخبرنا محمد بن عبد الكريم، بإسناده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبره، قال: ((إن جبريل عليه السلام ليأتيني كما يأتي الرجل صاحبه في ثياب بيض مكفوفة باللؤلؤ والياقوت، رأسه كالحبك، وشعره كالمرجان، ولونه كالثلج، أجلى الجبين برَّاق الثنايا، عليه وشاحان من درٍ منظوم، جناحاه أخضران ورجلاه مغموستان في الخضرة)).
[20] أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحديدي «قال: حدثنا الحسن بن داود الجعفري» بإسناده عن آبائه، عن فاطمة بنت الحسين، عن الحسين عليهما السلام قالت:كان جبريل عليه السلام يأتي منزل فاطمة الزهراء -صلوات الله عليها- فإذا ارتفع ضرب بجناحيه فيتناثر زغب ريشه، فكانت فاطمة عليها السلام تأخذه فتجمعه وتعجنه بعرق رسول الله [32-أ] صلى الله عليه وآله وسلم فتفوح منه رائحة المسك، فهو عندنا إلى يومنا هذا.
[21] [أخبرنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصنعاني، عن عبد الرزاق عن ابن جريج، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن نافع، عن ابن عمر]، قال: كان على الحسن والحسين عليهما السلام تعويذان حشوهما زغب ريش جناح جبريل عليه السلام.(1/131)


[ترائي جبريل لرسول الله عليهما السلام على صورته]
[22] أخبرنا علي بن الحسين بن سليمان البجلي، بإسناده عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبي معمر السعدي - وكان قد أدرك علياً عليه السلام - في قوله تعالى: ?وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى?[النجم:13، 14] قال: إنما يعني به محمداً صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى جبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى التي لا يجاوزها خلق من خلق الله تعالى، فرأى محمد جبريل عليه السلام في صورته «مرتين» هذه المرة قبلها مرة أخرى، فلم يره في هذه الصورة التي رآه فيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم غير ملائكة الله المقربين الذين لا يعلم خلقهم وصورهم إلاّ الله رب العالمين.
وذكر علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((رأيت حبريل في صورته وله ستة أجنحة: جناحان ارتدى بهما، وجناحان اتّزَر بهما، وجناح خارج في المشرق في الهواء، وجناح خارج في المغرب في الهواء، وقد ملأ الآفاق)).
[23] أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن عبيد الأسدي بإسناده عن «زرّ»، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((رأيت جبريل عليه السلام له ستمائة جناح، يتناثر من ريشه تهاويل الدُّر والياقوت)).
[24] أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي بإسناده عن عبد الله بن مسعود «في قوله تعالى»: ?لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى?[النجم:18] قال: رأى رفرفاً أخضر قد سد الأفق.
وفي حديث عبد الرحمن عن ابن مسعود قال: رأى جبريل في حلة رفرف أخضر قد ملأ مَا بين السماء والأرض.(1/132)

26 / 118
ع
En
A+
A-